الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 يونيو 2019 17:34
للمشاركة:

إيران والإخوان في عهد مرسي… عن عوائق التقارب المرغوب

خلافًا للتغطية الـ”لا تغطية” التي عالجت عبرها الصحافة المصرية، خبر وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الاثنين الفائت، كانت الصحف الإيرانية الأصولية والإصلاحية تتابع الخبر نشرًا وتحليلًا وموقفًا، ووصلت بعض الصحف للتعبير عن الحزن تجاه قضية مرسي الذي رحل قبل أن يصبح “بازرغان مصر”، في إشارة منها لأول رئيس حكومة إيراني بعد انتصار الثورة.

بعد سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 2011، ووصول محمد مرسي كأول رئيس منخب ديموقراطيًا، ساد تصور في مصر بأنّ مرسي سيكون “بازرغان مصر”، إذ كان مأمولاً بأن يُوكِل الحكومة إلى الشباب المصري الثائر، وهو ما لم يحصل. هذا ما أورده الكاتب مهرداد خدير في تعليقه على خبر وفاة مرسي، واصفاً الوفاة في المحكمة بالمصير المأساوي “لرجل لم يُكتب له أن يكون مهدي بازرغان، ولا رجب طيب إردوغان”.
خدير ورغم تعاطفه مع النهاية المأساوية للرئيس المعزول، لم يتحفظ على نقد حقبة مرسي في الحكم، فقال إنّه “لا شك بأنّ مرسي لم يكن سياسياً من الدرجة الأولى، ولا حتى من الدرجة الثانية، لقد كان ضحية سذاجته وبعده عن المناخ السياسي”. وأضاف الكاتب أن مرسي “وجّه الثورة الراقية والمتنوعة في مصر إلى طريق آخر، وجعلها أسيرة فكر الإخوان المسلمين، ما أفرز سخطاً انبثق عنه انقلاب مُوجّه، في تقدير البعض”.
ووصف خدير التعامل مع مرسي خلال السنوات الست الفائتة بالمخجل والظالم. وعن تعليق الرئيس التركي على رحيل صديقه، قال الكاتب الإيراني: “لقد وصفه إردوغان بالشهيد،وهذا ليس بغريب لأنهما أبناء مدرسة واحدة، ساعدت إردوغان في محاولاته لتشكيل المثلث العثماني العربي الإخواني الجديد”، كما لفت إلى تبني كل من تركيا وإيران منذ قيام الاحتجاجات في ميدان التحرير مصطلح “الصحوة الإسلامية”، لتوصيف أحداث الربيع العربي.
في المقابل، اعتبر الباحث صابر غل عنبري وفاة مرسي “اغتيالاً للرمز المصري الوحيد المنتخب شعبياً”، مشككاً بالرواية الرسمية المصرية التي عَزت الوفاة لسكتة قلبية، كما اتهم السلطات الرسمية المصرية “باغتيال مرسي بشكل صامت من خلال الإهمال الطبي”.
ولم يستبعد غل عنبري أن يلقى بقية قادة الإخوان المسلمين مصير مرسي، وبالطريقة نفسها خلال السنوات المقبلة، معللاً ذلك بما وصفه بـ”نهج الحكومة المصرية التي تدفع باتجاه الموت البطيء، من خلال الإهمال الطبي الكامل، وهو ما حدث لمرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف” وفق رأيه.
رسميًا، قدمت وزارة الخارجية الإيرانية، الثلاثاء، العزاء بوفاة الرئيس المصري الأسبق. وقال المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي في بيان: “إن إيران، ومع احترامها لآراء الشعب المصري العظيم الواعي، تقدم التعازي بوفاة الدكتور محمد مرسي إلى الشعب المصري وأسرته وأحبائه، سائلة المولى تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان، والمزيد من النجاح للشعب المصري” وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
من جانبه قال الرئيس السابق لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر مجتبى أماني، إنّ مرسي “حاول في الأشهر الأخيرة من فترة حكمه أن يتقرب من إيران، لكنه لم يحصل على الفرصة المناسبة، في حين أن أميركا والسعودية طعنتاه في الظهر”، وفق ما نقلت وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية.

كيف عزز حكم الإخوان أواصر العلاقة مع إيران؟
مثّل انتخاب مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، رئيساً لمصر عام 2012، فرصة لإيران، لتوطيد العلاقات مع مصر، بعد انقطاع استمر أكثر من 32 عامًا منذ 1979. حكومة مرسي من جانبها رحبت بالأمر، وعملت على تحريك المياه الراكدة بين الدولتين، مع استبعاد استئناف العلاقات الدبلوماسية في مراحل التواصل الأولى.
في آب / أغسطس 2012، ومن قلب طهران، الحليفة الاستراتيجية للرئيس السوري بشار الأسد، ألقى مرسي خطاباً جدلياً، وكان حينها أول رئيسٍ مصري يزور طهران منذ 30 عاماً،للمشاركة في قمة منظمة دول عدم الانحياز وتسليم رئاستها للقيادة الإيرانية.
افتتح مرسي خطابه بالصلاة على الرسول وآله والصحابة والخلفاء الراشدين. كذلك أعلن دعمه الصريح للثورة السورية، منتقداً سلوك حكومة دمشق في التعامل مع الانتفاضةالشعبية، غير أن مترجم التلفزيون الإيراني الرسمي حرّف ترجمة خطاب مرسي، واستبدل سوريا بالبحرين، ما أثار استغراب كثيرين كانوا حاضرين في قاعة المؤتمر.

الزيارة تلك تخللها اجتماعٌ خاص جمع مرسي بنظيره أحمدي نجاد، طرح الأول خلاله رغبته بمعالجة تجاوزات بعض مدّاحي أهل البيت الذين يهينون رموز المذهب السني، ومن الجدير بالذكر أنّ ذلك الطلب جاء بعد فتوى أصدرها المرشد الإيراني علي خامنئي عام 2010، أكد فيها حرمة إهانة رموز المذهب السنّي. وكان لافتًا مغادرة مرسي طهران من دون لقاء المرشد آية الله علي خامنئي.

إيران والإخوان في عهد مرسي… عن عوائق التقارب المرغوب 1

في شباط / فبراير 2013 رد الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد الزيارة بمثلها، مشاركاً في القمة الإسلامية التي عقدت بالقاهرة، والتقى خلالها شيخ الأزهر الذي طالبه حينها بتحريم إهانة رموز أهل السُنّة، واحترام البحرين كدولة عربية، ووقف نزيف الدم في سوريا.
زيارة نجاد لم تلق ترحيباً من قِبل البعض في مصر، إذ وقف أربعة شبان بباب الأزهر حاملين لافتات مناهضةً للموقف الإيراني من النزاع في سوريا، وحاولوا الاعتداء على أحمدي نجاد بالأحذية.

خلال الزيارة أيضًا، حاول الجانبان تعزيز العلاقات التجارية عبر اقتراح صفقات لدعم الاقتصاد المصري المتراجع، شملت اتفاقية لتشجيع السياحة الإيرانية في مصر، وتقديم شحنات نفط واتفاقات تجارية متنوعة. إلا أن مرسي وعوضاً عن استغلاله هذه الفرصة، أقدم بحسب تقارير صحفية على إطلاع السعودية على تفاصيل العروض الإيرانية، آملاً في أن تقدم الرياض لمصر صفقات اقتصادية موازية. بدورها أبلغت السعودية إيران بتمرير مصر المقترحات التجارية الإيرانية إليها، ما وضع مرسي في وضعٍ حرج أمام الإيرانيين. وعلى الرغم من ذلك، استمر التعاون الاقتصادي، إذ حطّت في آذار/مارس 2013 أول رحلة جوية تجارية مصرية في مطار الإمام الخميني الدولي منذ 34 عاماً. 

هل استمر دفء التقارب؟ 
لم يطل هذا التقارب، فعلى الرغم من نقاط الالتقاء بين الطرفين، إلا أنّ تباين المواقف من الأزمة السورية كان أقوى من طموحات التقارب حينها، إضافةً إلى التقارب المصري – الأميركي، وضبابية الموقف المصري تجاه إسرائيل. هكذا، وجدت العلاقات بين إيران الثورة وجماعة الإخوان المسلمين بعد وصولها إلى السلطة، عراقيل كبيرة في طريقها، إذ لم يكن من سبيل للتقارب استراتيجي بين الطرفين، قبل انتهاء الأزمة السورية وانحسار الحصار الخليجي للجماعة، وقبل كلّ ذلك، جمّد الانقلاب الذي أطاح بمرسي هذه العلاقات بانتظار تحوّلات نوعيّةٍ وضخمة ليس معلومًا موعدها.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: