الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 مايو 2019 18:26
للمشاركة:

نهاية عداوة؛ أوباما، إيران، وانتصار الديبلوماسية- الجزء الرابع

جاده إيران- محمد علي

تُواصل “جاده إيران” ترجمتها للسلسلة التي قدم فيها موقع مشرق نيوز قراءته لكتاب “فقدان عدو؛ أوباما، إيران، وانتصار الديبلوماسية”

في بداية الأمر، ساورت الإيرانيين، كما الأميركيين، شكوك حول وساطة سلطنة عُمان. فقد ظنّوا باحتمال أن يكون ما يقوم به العمانيون مجرّد العمل نيابةً عن واشنطن. وقد قال لي صالحي بشأن الإجراءات التمهيدية لـ “سالم” في خريف 2011 من أجل الإعلان عن الرغبة الإيرانية في إيجاد قناة ثنائية: “بدايةً لم آخذ هذا الأمر على محمل الجد، لأنها كانت في أواخر الفترة الرئاسية الأولى لأوباما”.
إن هدف المحاولات الأولى لسالم لم يكن المسؤولين الإيرانيين، بل التجار الإيرانيين الذين يتمتعون بعلاقات قوية مع الحكومة. هؤلاء التجار نقلوا رسائل عُمان إلى صالحي، الذي لم يكن يعرف ما الذي يمكن فهمه من هذه الرسائل، لأنه لم يكن معلوماً بشكل دقيق نيابة عمّن يتحدث كيري.
وقال صالحي عن هذا الأمر: “لم نكن نعلم هل هذه الرسائل من قبل الحكومة الأميركية بالفعل، أم أنَّ الشخص العماني (سالم) ابتدعها من خياله”.
وبعد أسابيع من الصمت، اتصل سالم بتاجر إيراني بارز يدعى محمد سوري، وكان التاجر يعمل آنذاك مديراً تنفيذياً لشركة ناقلات النفط الإيرانية، وكان منغمساً في مفاوضات حول اتفاقية تجارية بمسقط. واشتكى سالم إليه بأن الأميركيين مهتمون بفتح قناة ثنائية، لكنّ الإيرانيين لا يردّون، مضيفاً أن السلطنة مستعدة لتسهيل هذا المسار. نقل سوري هذه الرسالة إلى صالحي، الذي انتبه بدوره إلى أنّه من الممكن أن يكون من الخطأ العظيم عدم تجربة هذه القناة، فسلّم سوري ورقةً تتضمّن مطالب عدة، كي ينقلها بدوره إلى مسقط وواشنطن.
أما هذه المطالب التي حددها المرشد الإيراني علي خامنئي فهي: حصر المفاوضات بالملف النووي؛ سرعةالمفاوضات وقصر مدتها؛ والاعتراف رسمياً بحق إيران بتخصيب اليورانيوم. وفي حين أضافت صحيفة”وول ستريت جورنال” الأميركية على هذه المطالب أن يتم وضع منظمة جند الله في بلوشستان على قائمة الإرهاب الأميركية، إلا أنّ صالحي لم يؤكد هذا الأمر في إحدى مقابلاته مع الصحافي تريتا بارسي.
كان لصالحي مطلب آخر كي تقتنع بلاده بجدية واشنطن، وهو الإعلان رسمياً عن الاستعداد للتفاوض مع طهران، وهو ما لن تتمكن واشنطن من القيام به. وبناء على ذلك، ونيابة عن حكومة أوباما، خطّ السلطان قابوس رسالةً إلى خامنئي، طمأنه خلالها بأن الأميركيين جادّون في دخول المفاوضات. ونُقلت هذه الرسالة لصالحي الذي قدّمها لمستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، لتصل بذلك إلى خامنئي. في حين لم يكن رئيس الجمهورية آنذاك محمود أحمدي نجاد على دراية بما يجري.

خامنئي كان يؤكد أنّ الأميركيين سينكثون بعهودهم.
كان هناك في ذلك الوقت نقاش عميق بين نخبة السياسة الخارجية في إيران عن طريقة إقرار العلاقات مع القوى العظمى. السؤال لم يكن: هل يجب أن تُقرّ مثل هذه العلاقات؟ بل كيف يتم إقرارها؟ وإلى الآن لم يتم الوصول إلى نتيجة بهذا الشأن، ولم يمنح الضوء الأخضر لمفاوضات ثنائية مع أميركا.
في البداية تشكّك خامنئي، ورفض هذا المقترح على قاعدة أنّ الأميركيين لا يمكن الوثوق فيهم، وأنهم لن يفوا بتعهداتهم. وعلى الرغم من ذلك، كان صالحي يعتقد أنّ بلاده إذا اختبرت الدبلوماسية ولم يلتزم الأميركيون بأقوالهم، فطهران لن تكون في وضع أسوأ ممّا هي عليه (قبل الاتفاق). وعلى الرغم من المقاومة الشديدة للمجلس الأعلى للأمن القومي، ولا سيّما أمينه العام آنذاك سعيد جليلي، فقد وافق خامنئي في نهاية المطاف. وذكر صالحي لي: “إن المرشد قال: حسناً، لكن عليكم أن تكونوا حذرين، لأننا لا نثق بالأميركيين”.
ولم يُمنح صالحي الصلاحية الكاملة، بل حدّد له خامنئي شروطاً لتوجيه المفاوضات وتقييدها؛ أن تتم المفاوضات على مستوى أدنى من وزراء الخارجية؛ استمرار المفاوضات مرهون بإحراز تقدم؛ جدول أعمال المفاوضات محصور فقط بالملف النووي، وليس الموضوع الأشمل الخاص بعلاقات طهران وواشنطن، وهناك شرط رابع، لكن لم يكشف الإيرانيون عنه حتى اليوم.
ومع تكليف وزارة الخارجية بمسؤولية المفاوضات بدلاً من المجلس الأعلى للأمن القومي، أوجد خامنئي بينه وبين القناة الثنائية فاصلاً. وفي هذا الشأن قال مسؤول سياسات الانتشار النووي في إدارة أوباما، غاري سيمور: “حاولنا حثّ المرشد على التعهد، لأننا كنا نرغب في أن يتولّى مسؤولية هذه المفاوضات، لكنه لم يقم بهذا الأمر، وأصر أن تتمّ الأمور عبر الخارجية”.
النهاية في مسقط
التقى فريق صغير من الدبلوماسيين الأميركيين والإيرانيين في مسقط في 7 تموز/ يوليو 2012، وتزامن هذا الاجتماع مع تهديدات إسرائيل بالحرب وزيادة العقوبات الغربية على طهران، ومع تعزيز المنشآت النووية الإيرانية. الإيرانيون والأميركيون لا يثقون ببعضهم البعض. العمانيون فقط هم من كانوا متفائلين. وفي النهاية غادر الطرفان الاجتماع يائسين. وكانت للقناة المباشرة التي طال انتظارها كثيراً، بداية سيئة.
كان الوفد الأميركي صغيراً وعلى مستوى منخفض، ومكوّناً من شخصين فقط؛ بونيت تايلور الموظف الكبير بمجلس الأمن القومي، وجاك سوليفان مساعد وزير الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، برفقة كلٍّ من إيمت بليفو الذي كان يدير الاتصالات والوثائق، فضلًا عن مترجم.
أمّا الإيرانيون فقد أرسلوا وفداً من أربعة أفراد برئاسة علي أصغر خاجي مساعد وزير الخارجية آنذاك، يشمل رضا زبيب مدير مكتب أميركا الشمالية بوزارة الخارجية، رضا نجفي الذي أصبح بعد ذلك سفيراً لإيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومحسن بهاروند مسؤول أمريكا اللاتينية بوزارة الخارجية.
انعقدت المفاوضات في غرفة جميلة في إحدى القصور السلطانيّة، وكان الإيرانيون محتاطين بلا حدود، ودخلوا القصر من باب غير الذي دخل الأميركيون منه، وتجنّبوا مصافحة الوفد الأمريكي، وبقي خاجي في غرفة أخرى، ولم يقم بالتواصل مع الأميركيين، كما أصرّ الإيرانيون حتى أنَّ يبقى “سالم” الذي كان يفضل السماح للطرفين بالتفاوض على انفراد، كي لا يُجبر الوفد الإيراني على أن يبقى وحيداً مع الأميركيين.
وعلى الرغم من ذلك، كانت أجواء المفاوضات أفضل من الأجواء الملتهبة والعصبية، التي سادت أغلب المفاوضات مع مجموعة 5+1. هذه الأجواء المتحسنة للمفاوضات لم تكن لتغيّر واقع أنّ الطرفين لديهما أهدافاً ومبادئَ مختلفة تمامًا عن بعضهما البعض. ففي الوقت الذي كان يرغب الإيرانيون فيه الحديث عن المضمون (خاصة إقناع أميركا بقبول تخصيب إيران لليورانيوم)، فإن الوفد الأميركي جاء فقط للحديث عن المسار. ويقول سوليفان عن هذا اللقاء: “كانت أولى الجلسات استكشافية، كي نرى هل يمكن إيجاد قناة رسمية، أم لا”. هذا في الوقت الذي هدف الإيرانيون فقط لأخذ تعهد أميركي بخصوص التخصيب. وأصرت طهران على وجوب قبول واشنطن، بدايةً، بألا تشمل المفاوضات حظر تخصيب اليورانيوم على إيران إذا ما أرادت مفاوضاتٍ واقعية.
امتدت هذه المفاوضات ليوم واحد فقط، وقد تم استنفاده في إنكار أميركي أمام إصرارٍ إيراني لإقناع واشنطن بقبول مبدأ التخصيب. هذا في الوقت الذي كانت ترغب فيه أميركا في أن تعلم إن كانت إيران مستعدة لقيود على برنامجها النووي.
الإيرانيون غادروا الاجتماع في النهاية بأيادٍ خالية بشأن قضية التخصيب، وغادر الأميركيون عُمان وقد توصلوا إلى أنه على الرغم من أن القناة موثوق فيها (ومصرّح بها من المرشد)، والعمانيون يستطيعون تنفيذ تعهداتهم، لكن الإيرانيين ليسوا جديين بالكامل، لأنهم غير مستعدين لأن يتباحثوا بشأن تقييد برنامجهم النووي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: