الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 مايو 2019 06:51
للمشاركة:

الصراع الأميركي – الإيراني .. البحر شاهد ملك – الجزء السادس

جاده إيران- رأفت حرب

رغم تجنّب الطرفين لفترة طويلة طريق المواجهة، لم تكن حادثة الناقلة “بريدجتون” إلا دفعة على الحساب أمام ما سيحصل. راحت الجهود تتوالى لكسح الألغام في مياه الخليج، وراح الإيرانيون يناورون ويصرّون على ترك بصمتهم.
في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر 1987، وصل ضابطان من الحرس الثوري يرافقهما فريق صغير لاستلام أمر سفينة من قاعدة بحرية عسكرية في بندر عباس، سُمّيت السفينة “إيران أجر”. كان يقود هذه المجموعة برويز فرشجيان، وهو بحار قديم قضى 15 عاماً في البحر. كان نائبه هو فرهاد إبراهيمي، محارب قديم قضى 20 عاماً في البحرية الإيرانية.
أمر فرشجيان بإخراج 18 لغماً من مستودع للألغام البحرية في القاعدة، وتحميلها على سطح السفينة المفتوح بسرعة، فوُضعت مع براميل النفط وغُطِّيت بقماش القنّب الثقيل في محاولة لإخفاء الشحنة.
أراد فرشجيان شنّ هجوم مؤلم، عبر زرع الألغام في القناة الرئيسية المؤدية إلى البحرين، وفي القاعدة البحرية الأميركية، وصودف أن سفينة “لاسال” الأميركية كانت تنوي إجراء مناورات مدفعية في المنطقة التي يخطط الإيرانيون أن يزرعوا فيها 18 لغماً.
غادرت “إيران أجر” بندر عباس بهدوء في 20 أيلول/ سبتمبر، وكانت التعليمات الأولى التي وُجّهت إلى فرشجيان تقضي بأن يُبلغ عن موقعه كل ساعة، وهو ما فعله تماماً، منهياً كل رسالة بـ “قائد الوحدة الخاصة لمهمة إيران أجر”. وبما أن المهمة كانت سرية، فقد موّه فرشجيان العملية لتظهر كعبور روتيني إلى الميناء الشمالي في بوشهر. بالغ الإيرانيون في التمويه بعض الشيء، وقفز ثمانية من جنودهم على الأقل من السفينة لزيارة سريعة لعوائلهم وأصدقائهم في بوشهر. بعد الوقوف طوال الليل في منصة “رستم” النفطية لنيل الموافقة النهائية، واصلت “إيران أجر” الإبحار شمالاً، وفي مساء يوم 21 أيلول/ سبتمبر انحرفت السفينة وتوجهت غرباً نحو البحرين.
كادت الاستخبارات الأميركية أن تضيّع “إيران أجر”. الواقع أن أقمار التجسس التقطت صورة ألغام على رصيف تحميل السفن قرب “إيران أجر”، وسفينة أخرى مربوطة بها في 16 آب/ أغسطس من العام 1987، ولكن الصورة فُقدت بطريقة ما، ولم تصل إلى القيادة العسكرية الأميركية في الخليج.
قبل ثلاثة أيام من مغادرة السفينة الإيرانية بندر عباس، قال أحد الاستشاريين لدى الاستخبارات الأميركية “لا أتوقع أن تزرع إيران أي ألغام في الأسبوع المقبل”، على اعتبار أن مناورات أميركية ستجري، لكنّ زيغلر، أحد قادة البحرية الأميركية في الخليج، علم بهجوم إيراني وشيك بعد مغادرة “إيران أجر” المرفأ، حيث بدأت سلسلة من اعتراضات المكالمات تتدفق إلى مقرّه الصغير السرّي على متن “لا سال”، كلها صادرة من سفينة تطلق على نفسها اسم “وحدة المهمّة الخاصة” تقدّم تقاريرها على شكل رسائل سريعة لمقرّها كل ساعة.
بدأ زيغلر بتتبّع تحرّكات “إيران أجر”، وعندما توقفت في منصة رستم النفطية المحصنة بالحرس الثوري، تلقت بلاغاً رسمياً بأن العملية ستكون في الساعة الحادية عشرة في الليلة التالية، فأسرع زيغلر ليخبر قائده. إثر ذلك أمر قائدة قوة الشرق الأوسط الأميركية البارجة “يو إس إس جاريت” بالتحقق من البلاغ، وكان على متن هذه الفرقاطة الأميركية ثلاثاً من مروحيات “الطائر الصغير”.
في الساعة العاشرة مساءً أقلعت ثلاث مروحيات من على متن البارجة، وفي غضون 40 دقيقة كانت المروحيات قد اقتربت من السفينة الإيرانية بحدود 200 ياردة، وبقيت تحلّق بعكس اتجاه الرئيس كي لا يُسمع هديرها.
في الحادية عشرة تماماً، أمر فرشجيان بإطفاء أضواء الملاحة على السفينة، ثم أمر إبراهيمي ستة إيرانيين برفع الغطاء الثقيل عن الألغام وبراميل النفط، وبدأوا بطريقة ممنهجة بدمج وترتيب تلك الأجسام الكروية السوداء على سطح السفينة المكشوف. كان فرشجيان يحمل ساعة ميقاتية لتحديد المسافات الفاصلة بين الألغام، وأمر بدحرجة مواد متفجرة تزن 253 باونداً أسفل سلم السفينة المتحرك. عندها، نقل أحد طياري الجيش الأميركي الذي كان يراقبهم قائلاً إنهم يدفعون “بأجسام تشبه الألغام” عن جانب السفينة.
عندها، حلقت مروحيّتا “Littile Bird” على نحو منخفض وبسرعة، وبينما كانت الأولى ترش بمدفعها الصغير سطح المركب بألفي رصاصة تقريباً، راحت الثانية تطلق وابلاً من قذائف المدفع الرشاش المتفجرة باتجاه منصة الربان ومؤخرة السفينة. صادف أن كان أحد البحارة الإيرانيين يلقي القمامة فتلقى قذيفة مباشرة في وجهه شقت رأسه نصفين، وانفجر خزان غاز البروبان فقتل بحاراً آخر كان بالقرب من المحرّك.
استدارت المروحيتان يمنةً ثم عادتا نحو المركب في جولة أخرى، فقامتا بتمشيط منصة الربان وسطح السفينة بالرصاص والقذائف المسمارية الممتلئة بالسهام الصغيرة، ثم سارعتا بالعودة إلى سفينة “جاريت” القريبة لتتسلّحا من جديد، فيما كانت “إيران أجر” قابعة فوق المياه وقد اشتعلت فيها النيران وتوقفت عن العمل.
عندما عادت المروحيتان بعد نحو 15 دقيقة لم يصدّق الطياران ما رأياه، فقد وجدا السفينة ماضية قدماً ورجال إبراهيمي يدفعون بالمزيد من الألغام إلى البحر. أعادت المروحيتان الأميركيتان تنفيذ جولتين هجوميتين. قُتل إيراني على الفور وهو يدفع بلغم، في حين وقع آخر عن السفينة واختفى سريعاً. وأدى الهجوم إلى إصابة فرشجيان، فقد اخترقت رصاصة جنبه وبترت أخرى جزءاً من يده، كما اطاح انفجار بإبراهيمي فأوقعه على السطح المعدني ليُصاب وجهه بكدماتٍ بالغة، عندها لم يعد أمام الإيرانيين إلا مغادرة السفينة.
وصلت أخبار ما حصل إلى البنتاغون في غضون 30 دقيقة، ليعطي وزير الدفاع الأميركي آنذاك كاسبر واينبرغر أوامره بالسيطرة على السفينة الإيرانية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: