الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

أدب فارسي: من غلام إلى طاهره… متى يحق لنا أن نقرأ رسائل العشاق؟

للمشاركة:

جاده إيران- ديانا محمود

في الأدب الفارسي المعاصر، كما في الآداب الأخرى، تسرّبت بعض رسائل الحب الخاصة بأدباء مشهورين نقشوا فيها تعابير تعدّ من الأجمل في العشق، مذيّلة بأسمائهم ومعنونة بأسماء من يحبون. غالباً ما نشرت هذه الرسائل بعد موت أصحابها، فأثارت أسئلة حول صحتها أولاً، وحول صحة أن نقرأها نحن الغرباء. هل يحق لنا أن نعرف حكاياتهم؟ أن نجول بين قلوبهم وهي تبوح بالهوى؟ أن نبتسم لطوفان عاشق بين يدي محبوبته؟ أن نرحل معهم إلى أحلامهم ونعيش في صفحات من الغرام ليست لنا؟
لا شك في أن الإحابة محيّرة. البعض يصف رسائل الأدباء الخاصة بالميراث الأدبي، فهي كبقية كتب الأدب، يحق للجميع الغوص فيها، فيما يرى البعض الآخر أن هذا العمل غير أخلاقي، ولا بد من الحفاظ على خصوصية الميراث الفكري لكلّ كاتب، فلو هو شاء لنشرها أثناء حياته. لكننا كقراء طماعون، وكبشرٍ فضوليون، لا يسعنا إلا أن نسترق النظر لمخازن الجمال في هذه الرسائل، فالإنسان أضعف من مقاومة التمتع بكلمات العشق. هذا ما يتفق عليه الكثير من أهل الأدب.
في تشرين الثاني / نوفمبر 2004 توفيّت السيدة طاهرة كوزه غراني، الحبيبة المجهولة للكاتب الإيراني المعاصر غلام حسين ساعدي (1936-1985) ليكشف ابن اختها مهرداد كامروز عن رسائل حب احتفظت بها السيدة طاهرة حتى وفاتها. وبحسب ما نشره كامروز في ندوة رسمية له، فإنها سمحت له مسبقاً بالتصرف بالرسائل كيفما شاء، فاختار أن ينشرها على العلن ويقصّ حكاية جميلة عن حبٍّ لم ينتهِ بالوصال، ولم يمت إلا بموت طاهرة عزباء في تبريز، مسقط رأسها هي وساعدي، وذلك بعد مضي عشرين عام على وفاة الأخير في باريس، التي تحتضن قبور عددٍ من الأدباء الإيرانيين.
لم ينشر ورثة السيدة طاهرة رسائل الحبيب بمفردهم، بل اجتمعت لجنة من أصدقاء الأديب والباحثين في مدينة تبريز لدراسة الرسائل أولاً. بعضهم اعتبر الرسائل غير دقيقة، والبعض الآخر أكد إنها لساعدي. في نهاية المطاف أصدرت دار مشكي للنشر والطباعة كتاب الرسائل في ربيع عام 2010 تحت عنوان: “رسائل غلام حسين ساعدي إلى طاهره كوزه غراني”، بإشراف الباحث حامد احمدي.

أدب فارسي: من غلام إلى طاهره... متى يحق لنا أن نقرأ رسائل العشاق؟ 1

في بداية الكتاب يقول الناشر إنه لم يرغب مسبقاً في نشر رسائل خاصة للعشاق، لكن الكنز الأدبي الذي تحتويه 41 رسالة من ساعدي إلى طاهرة، دفعته لتقديمها إلى القراء. وبحسب الباحث أحمدي فإن هذه الرسائل كتبت بين عامي 1953 و 1966، وبعضها من دون تاريخ، وجميعها من ساعدي إلى طاهرة التي ردّت أخيراً، بعبارةٍ طلبت من ورثتها أن تُنقش بعد موتها على قبرها: “هنا ترقد من يغني بين عظامها كوهر مراد”. كوهر مراد هو الاسم المستعار الذي نشر به ساعدي في سنوات الملاحقة السياسة أغلب كتبه.
كل رسائل ساعدي تبدأ باسم طاهرة. في البداية قال “الآنسة طاهرة” ومع الوقت أصبحت “طاهرة العزيزة الجميلة” و “طاهرة الغالية”، إلى أن أنهى كل رسائله بالقبلات فمرة “أقبل قدميكي الصغيرتين الجميلتين ألف مرة” ومرة “قبلاتي لك” ومرة “قبلاتي ليديك”.
في مطلع إحدى الرسائل يقول ساعدي: “صديقتي تعلمين كم أحبك، تعلمين أنّني وصلت في حبّك حد العبادة، كما يعبد الناس الله ويحترمونه ويخافون منه، أنا أيضاً، أحبك صغيرتي الجميلة، وأعبدك، واحترمك. قلبي مدمى، وأشعر أنني لو مضيت في الحب هكذا لسنة أخرى سأموت، صحيح أنا كالقطط بسبع أرواح، لكن حبك أذلني، يا إلهي، الأمر ليس بيدي، نعم يا طاهرة الغالية، لو كان بيدي والله لنسيتك ألف مرة”.
لم تخلو رسائل ساعدي من الأحداث اليومية، فنراه يعلّق حينًا على حدث سياسي، وأحيانًا يحكي عن يومياته، لكنه لا يسترسل سوى بكلمات الحب، فسرعان ما يعود إلى عشقه ليخاطب طاهرة قائلاً: “خرجت لتوّي من مخيم الجنود ألتقط أنفاسي بسرعة، ولأني وحيد أظن أنه بإمكاني أن اكتب لك رسالة، وكأن رسائلي هذه تذهب إلى قعر البئر فلا جواب منك ولا سؤال”.
في رسالة أخرى يعيد ساعدي كتابة اسم طاهره في صفحتين متتاليتين، وكأنه ينادي وينادي وينادي دون أي رد.
بين الحب والأدب علاقة عضوية. بدون الحب لا يمكن الإبداع في الأدب، وبدون الأدب لا يمكن تخليد الحب، ومهما كان موقفنا من نشر رسائل الحب إلا إنها إضافة غنية وثمينة على تاريخ الأدب والحب الانساني، الذي يمتع القراء ويخلد العاشق.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: