الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 مايو 2019 09:49
للمشاركة:

رغم تصاعد التهديدات، هل إيران وأميركا على طريق مفاوضات جديدة؟

جاده إيران- محمد علي

في كتابها حول “صنع القرار في إيران والعلاقات العربيبة-الإيرانية” تشرح الدكتورة نيفين مسعد نهج السياسة الخارجية الإيرانية، وتقول “إن الحديث عن أيديولوجية الثورة وعقائدية النظام لا ينفي أنه في بعض الأحيان كان يتم تطويع المبادئ بما يتفق مع المصلحة ويخدمها…. من المهم في تحليل السياسة الخارجية الإيرانية ممارسة قراءة واقعية وليست أيديولوجية صرفه، وإلا بدت بعض مواقفها خارج السياق”.
خلال الفترة الماضية ارتفعت وتيرة التحدي بين إيران وأميركا في أعقاب خروج الأخيرة من الاتفاق النووي، فضلًا عن فرضها حزمتين من العقوبات تستهدفان “أقصى ضغوط” على طهران لإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات كهدف من ضمن الأهداف، فضلًا عن تغيير “سلوكها الإقليمي”، علاوة على إدراج الحرس الثوري على قائمة أميركا للمنظمات الإرهابية.
وعلى الرغم من رؤية قطاع عريض من المحللين أن تسمية الحرس إرهابيًا خطوة غير مدروسة، وتنذر بخطر اندلاع مواجهة عسكرية، إلا أنَّ أميركا أعلنت كذلك أنها بصدد إلغاء الإعفاءات من عقوباتها ضد إيران والتي منحتها لـ 8 دول رئيسية في استيرادها للنفط من إيران، والتي تعد أيضًا خطوة قد تزيد من معاناة شعب إيران دونما أي تغير في سياسة طهران أو إضعافها فضلًا عن تغييرها.
وفي ظل كل هذه الخطوات الأميركية جاء رد إيران “المعتاد” بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز؛ إذ صرّح رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري، أنه لن يعبر أي نفط من مضيق هرمز طالما لم يعبر منه نفط إيران.
هذا في الوقت الذي كشف فيه رئيس اللجنة النووية المنبثقة عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية “الأصولي” مجتبى ذو النور، عن دراسة إيران لـفكرة الخروج من الاتفاق النووي ومعاهدة الحد من الانتشار النووي NPT، كخيارات أمام إيران لمواجهة الإجراءات الأمريكية.
كذلك أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية “الأصولي” حشمت الله فلاحت بيشه، على عدم اتخاذ النظام قراره إلى الآن في ظل ظروف البلاد الراهنة، بشأن انسحاب إيران من الاتفاق النووي.
وعلى الصعيد العسكري أيضًا شدّد القائد العام للجيش اللواء عبد الرحيم موسوي، على وجوب استعداد قواته جميعها للهجوم ليلا نهارا، والتدريب على لعبة الحرب دائمًا، ومناشدته القوات البرية الارتقاء بقدراتها الحربية.
وفي 22 أبريل رفعت الولايات المتحدة من مستوى التأهب في قواتها المنتشرة في الشرق الأوسط، بعد ساعات من إعلان تشديد القيود على صادرات إيران النفطية، والتي تهدف في العلن إلى تصفير التصدير الإيراني من النفط.
لكن ما سلف لم ينعكس تماما على المشهد الدبلوماسي، اذ أن وزير الخارجية الإيراني و أثناء زيارته الى مدينة نيويورك الأمريكية، أعطى مقابلة نادرة لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية اليمينية، والتي تعتبر من أكثر القنوات قربًا من الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب. وأعلن محمد جواد ظريف من خلالها عن استعداد طهران للتفاوض مع أميركا بشأن “تبادل السجناء”.
ويبدو أنَّ ظريف حمل رسالة طهران إلى نيويورك؛ بأن حكومة بلاده لا ترغب في مزيد من تدهور العلاقات بين البلدين، وانه بالإمكان فتح حوار تدريجي.
في هذا الإطار أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه في مقالته على صفحات “آرمان امروز”، أن الرسالتين المتزامنتين من طهران التي أعلنت عنهما الأسبوع الماضي، إحداها موضوع نزع فتيل التوتر وتبادل السجناء والعقلانية القائمة على المفاوضات فضلًا عن تهديد باقري بعدم تصدير أي دولة لنفطها من مضيق هرمز طالما لم يصدر النفط الإيراني، يأتيان في إطار حزمة استراتيجية من إيران”.
بالتوازي، كان مساعد وزير الخارجية للشؤون الخارجية عباس عراقتشي يصرح على هامش زيارته لأنقرة في 30 أبريل الماضي بأن “سياسة إيران هي متابعة فتح قنوات وطرق مختلفة بما يصب في مصلحة البلاد، وسوف تستمر جهودنا في هذا السياق”.
إلا أن خيار التفاوض لا يزال بالنسبة للبعض في طهران بمثابة خط أحمر، عبّر عن هذا الاتجاه قائد قوة القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني حين وصف التفاوض مع “العدو” بالاستسلام.
بعض المحللين رأوا أنَّ السيطرة على التضخم وإيجاد فرص عمل ودخول الاستثمار الأجنبي وبيع النفط بشكل حر وزيادة الإنتاج والحفاظ على قيمة العملة الوطنية وتحسين الحالة المعيشية اليومية للمواطنين، وجميع هذه الأشياء في الوقت الحالي رهينة بالعقوبات والضغوطات الاقتصادية الأمريكية على إيران. كما أنه من الواضح أن إزالة مثل هذه العوائق من أجل إيجاد ازدهار في الوضع الاقتصادي الإيراني هو أهم ما يقلق المواطن الإيراني العادي، لن يكون ذلك ممكنا دون مفاوضات ودون الوصول إلى نوع من أنواع التوافق مع أمريكا حول جميع نقاط الإختلاف التي نشأت خلال الأعوام الأربعين الماضية.
إتجاه أيده الأستاذ الجامعي الإصلاحي صادق زيبا كلام، الذي قال إن أغلب الـ 24 مليون الذين انتخبوا روحاني في 9 مايو 2017، يرغبون في خفض التوتّر.
فيما بيّن الأستاذ الجامعي “الأصولي” فؤاد ايزدي، أن الأمريكيين لا يريدون التفاوض فعلًا، ويرغبون الآن بزيادة الضغوط للتوصل إلى أهدافهم، وبخاصة لمعرفتهم أن إيران لا تستطيع تنفيذ الـ 12 شرطا التي وضعوها.
وتضمنت الشروط الـ 12 التي أعلنتها الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، شرط إخلاء سبيل كل المحتجزين من أميركا والدول الحليفة والشريكة لها، الذين تم توقيفهم بناء على اتهامات مفبركة أو فقدوا في أراضي إيران.
وقد يكون مقترح ظريف لتبادل السجناء الأمريكيين بالسجناء الإيرانيين خطوة لتنفيذ الشرط الخامس من شروط أمريكا الـ 12 المقدّمة لإيران من أجل التفاوض معها.
ورأى الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الدولية صادق ملكي، خلال مقالته على “إيران دبلوماسي” أنًّ شرط الإفراج وتبادل السجناء ضمن الشروط الأمريكية الـ 12 المعروضة على إيران هو أكثر البنود القابلة للتنفيذ من بين الشروط الأمريكية لبدء التفاوض مع إيران.
ويعتقد ملكي أنَّ حديث رئيس إيران بالتزامن مع تصريحات ظريف بشأن استعداد إيران للتفاوض مع أمريكا، وأنّ واشنطن هي التي لا تريد ذلك، تأكيد على إرادة طهران في الحديث مع أمريكا.
المثير للانتباه خلال اليومين الماضيين كان طلب وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل عبر رسالة الى نظيره الإيراني ظريف العفو عن اللبناني حامل الإقامة الأميركية نزار زكا وتسليمه الى لبنان بالتوازي مع طلب واشنطن من باريس قبل أيام تسليمها مهندس إيراني متهم بشراء اجهزة للحرس الثوري.
يذكّر المشهد الْيَوْم بإفراج إيران عن 3 أمريكيين مسجونين لديها في العام 2009، مقابل دفع واشنطن ما يقرب من مليون ونصف دولار. وكانت تلك الحادثة أولى ارهاصات التواصل الأميركي الإيراني في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. هذه الحادثة وإن لحقها عقوبات اميركية ودولية بحق ايران، إلا أنها مهدت للمفاوضات السرية اللاحقة في سلطنة عمان في العام 2012 والتي تطورت بعد ذلك وانتهت بخطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بـ “الاتفاق النووي”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: