الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة17 أبريل 2019 11:00
للمشاركة:

الصراع الأميركي – الإيراني .. البحر شاهد ملك- الجزء الرابع

جاده إيران- رأفت حرب

كما ذكرنا في الأجزاء السابقة، حاول الإيرانيون والأميركيون تجنّب المواجهة المباشرة في بحر الخليج، لكنّ الحرب العراقية – الإيرانية بقيت تتدحرج، وها هي الدول العربية تريد من يحمي ناقلات نفطها، فيما إيران مجبرة على استهداف هذه الناقلات، نظراً للدعم العربي الهائل الذي تلقاه صدام حسين.
وافق الأميركيون في نهاية المطاف على تقديم الحماية لحلفائهم العرب في مياه الخليج، حتى لا يضطرّ الأخيرون إلى الهرولة نحو السوفيات، لكنّ أمراً ما، كان لا بدّ من أن يحصل في ظل تلك الأجواء المتوترة، ليمهّد الطريق أمام المواجهة المباشرة.

سفينة الشحن President Taylor
عند الساعة ١١ من صباح 12 كانون الثاني/ يناير 1986، كانت سفينة الشحن الأميركية “President Taylor”، البالغ طولها 600 قدم، تبحر على بعد 24 ميلاً قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة، حاملة شحنة صغيرة من القطن، متوجّهة إلى ميناء الفجيرة ، حيث ستحمل شحنة مواد غذائية، قبل التوجه إلى الهند.
اقترب منها قارب إيراني صغير، ثم طلب منها عبر اللا – سلكي أن تتوقف. حاول قائد السفينة روبرت رايمان المراوغة، وردّ قائلاً “نحن نبحر في المياه الدولية. لا يحق لكم إيقافنا”. عندها وجه القارب الإيراني سلاحه باتجاه السفينة، وأصرّ الإيرانيون على أن توقف السفينة محرّكاتها، فلم يكن لدى رايمان سوى الانصياع.
صعد سريعاً ٧ إيرانيين بينهم ضابطان على متن سفينة “الرئيس تايلور”، وسيطروا على جهاز الاستقبال المثبت في السفينة، وعلى 43 من أفراط طاقمها. طلبوا من القبطان رايمان إبراز بيانات السفينة، ففعل. وبعد أن فتشوا المكان ونظروا في حاويتين، أعربوا عن رضاهم وقالوا لطاقمها إنّهم أرادوا فقط التحقق من عدم وجود بضائع مهرّبة إلى العراق على متنها.
في اليوم التالي، اعترف متحدث باسم البنتاغون أنّ المشكلة تكمن في أنه يحق لإيران، بموجب القانون الدولي، تفتيش سفنٍ تشتبه بأنها تنقل عتاداً حربياً إلى العراق. إلا أنّ غضب وزير الدفاع الأميركي آنذاك كاسبر واينبرغر ومشاعره السلبية تجاه إيران، وكون ما جرى تم بعد ثلاثة أشهر فقط من اختطاف السفينة الإيطالية “أكيلي لاورو Achille Lauro” من قبل فلسطينيين، عوامل وضعت إدارة ريغان أمام لحظة حاسمة.
في 1 شباط/ فبراير، أرسلت الخارجية الأميركية رسالة تحذيرية مقتضبة إلى الحكومة الإيرانية عبر السفارة السويسرية في طهران، جاء فيها “بصرف النظر عن المسائل القانونية المعنية، إن الصعود على متن سفن ترفع علم الولايات المتحدة، وتفتشيها من قبل قوات إيرانية مسلّحة خلال فترة يسودها توتر حاد وصراع إقليمي، هو حدث يؤدي إلى مواجهة بين وحداتنا العسكرية والقوات الإيرانية، وهي مواجهة لا يرغبها كلا البلدين”. بعدها أمر واينبرغر البحرية الأميركية بمنع أي صعود على متن سفن التجارة الأميركية، كما أصبحت هذه الأخيرة تبحر بمواكبة بوارج حربية.

حرب الألغام
مع استمرار الحرب، برز سلاح الألغام بالنسبة للحرس الثوري الإيراني كسلاح فعال من أجل مواجهة البحرية الأميركية، ومن أجل إقفال مضيق هرمز والضغط على كل القوى التي تعمل ضد إيران.
أواخر عام 1984، شكّل قائد الحرس الثوري، محسن رضائي، مجموعة صغيرة مكوّنة من ثمانية ضباط لتطوير صناعة الألغام البحرية. درس هذا الفريق هندسة بعض ألغام كوريا الشمالية، لإنتاج نسخة إيرانية منها، في حين قدمت ليبيا نموذجاً سوفياتيا حديثاً لإجراء المقارنة بينهما.
خلال العام التالي، أجرى المهندسون 4 اختبارات في الصحراء الإيرانية، لكنّ الهندسة الرديئة أزعجت الفريق المصمّم. مع ذلك، وبحلول منتصف عام 1985، تغلّب الفريق على معظم المشاكل التي واجهته وبدأ الإنتاج. أول تصميم إيراني للألغام البحرية كان من نوع SADAF-01 وSADAF-02(M-08).

الصراع الأميركي - الإيراني .. البحر شاهد ملك- الجزء الرابع 1

كل ذلك جرى بناء على خطة عنوانها “غدير”، وضعتها إيران عام 1984، بهدف محاربة الأسطول الأميركي.
في شهر أيار/ مايو، قررت إيران اختبار بعضٍ من ألغامها الجديدة في الكويت، على أمل تخويف الحاكم الكويتي لدفعه إلى التراجع عن قرار تسجيل الناقلات الكويتية لدى خفر السواحل الأميركي ورفع العلم الأميركي عليها.
غادر مركبان شراعيان كبيران ميناء بوشهر، وأنزلا 14 لغماً في خطين متوازيين على شكل شعاعين خارجين من إحدى عوامات ملاحة القناة. كانت الألغام متباعدة بعناية، إذ يبعد كل لغم عن الآخر مسافة 30 متراً.
في اليوم نفسه دخلت الناقلة السوفياتية “المارشال تشيوكوف Marshal Chuykov” من المدخل الرئيسي للمياه العميقة إلى ميناء “الأحمدي” في الكويت كي تتزوّد بشحنة من النفط الكويتي الخام. كانت على بعد ميلين شرقاً عوّامتان تراقبان مدخل القناة، فإذا بانفجار هائل يهز الناقلة فيُحدث فيها شقاً طوله ثمانية أمتار وعرضه ستة أمتار في ميمنتها، واحتاجت الأضرار إلى إصلاحات كبيرة في مرافق حوض سفن جاف في دبي. في الشهر التالي، أصابت الألغام ثلاث سفن، كلها على بعد ثلاثة أرباع الميل من المنطقة التي واجهت فيها السفينة السوفياتية مصيرها السيء. “أعتقد أن لدينا وضعاً خطيراً هنا”، هذا ما قاله حينذاك، قائد القيادة المركزية الأميركية جورج كريست لرئيس هيئة الأركان المشتركة وليام كرو.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: