الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 أبريل 2019 17:15
للمشاركة:

تقارير مترجمة: تحليل الخطاب السياسي لآية الله سيد علي السيستاني

جاده إيران- ترجمة/ محمد علي

ظهر آية الله علي الحسيني السيستاني مرجع التقليد الشيعي، خلال سنوات وخاصة في الأشهر الأخيرة كداعم للقوى الراعية للتيارات السياسية الشيعية المعتدلة في العالم.
ربما يمكن اعتبار السيستاني مثال بارز للعلماء الذين لا يركضون وراء السياسة، وإنما هي التي تلهث وراءهم. فهو يبذل جهودًا حثيثة كي يبقى بعيدًا عن السياسة وأوجاعها، لكن مكانته الرفيعة في الفقه ونفوذه الواسع للغاية بين تيار واسع من الشيعة أدّت إلى لجوء سياسيين شيعة إليه، لتثبيت مواقفهم السياسية. على الرغم من ندرة إبداءه لآرائه في الشؤون السياسية، إلا أنَّ تصريحاته القليلة هذه وكذلك نوع سلوكه مع التيارات السياسية تضم نقاط يساهم التعمق فيها على مقاربة خطابه السياسي.
السيستاني الذي التقى مؤخراً في مدينة النجف العراقية مجموعة من علماء قم الإيرانية دعا بحسب أحد العلماء الذين التقوه إلى عدم تولي رجال الدين في العراق أي مناصب حكومية وفي حال توليهم لتلك المناصب أكد السيستناني على وجوب خلعهم لزي رجال الدين. السيستاني طلب أيضاً من قوات الحشد الشعبي عدم الدخول في النشاط الاقتصادي للبلاد، كما أنه أبدى قلقه من نسيان معيشة الشعب في ظل المعارك السياسية داخل إيران، وفي هذا السياق يُذكر أن هذه المطالب والدعوات لم يؤكد عليها مكتب السيستاني رسمياً، لكنه لم يكذبها في الوقت ذاته.

إن الإطار العام لهذه الخطابات، يوجد بها الكثير من المشتركات مع التصريحات السابقة له خلال لقاءاته مع كبار مسؤولي إيران، حيث التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني، أثناء الزيارة التي قادت الأخير إلى بغداد الشهر الماضي، وكان هذا اللقاء أول لقاء يجمع السيستاني برئيس إيراني، وقد أكد السيستاني خلال هذا اللقاء على ضرورة الاعتدال والتوازن في السياسات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط؛ حيث أنَّ هذا من الممكن أن يكون إشارة إلى خطاب الاعتدال الذي تنتهجه حكومة روحاني.
لم يتنقد السيستاني أي من التيارات السياسية الشيعية صراحة، وإنما أحيانًا ينتقد بشكل ضمني بعض التيارات المحددة. ويحاول إفهام الموالين له عن طبيعة انتماءه السياسي عبر اللقاء أو عدم اللقاء مع بعض السياسيين المعروفين. وخلال السنوات الأخيرة بدأ السيستاني يقبل استضافة بعض الشخصيات الإيرانية المصنفة في طهران بالاعتدال، حيث أنه في السنوات الماضية امتنع عن اللقاء مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عندما زار العراق أثناء فترة رئاسته للجمهورية، لكن السيستاني من جانب آخر، التقي بأكبر هاشمي رفسنجاني في العام 2009.
الميل الحذر للسيستاني تجاه المعتدلين في إيران، يمكن مشاهدته أيضًا في تعامله مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي التقى لعدّة مرات مع السيستاني فضلًا عن لقاءاته المتعددة مع ممثل هذا المرجع في قم. وجاء اللقاء الأول بين السيستاني وظريف في أول زيارة خارجية للوزير الإيراني بعد تصديه لمنصب وزير الخارجية عام 2013، وذكر مصدر مطلع لموقع “المونيتور” إن السيستاني قال لظريف خلال هذا اللقاء: “سعادة السفير، قرأت جزء كبير من كتابك، وأعتبركم جديرون بمنصبكم وزيرًا للخارجية”.
أداء السيستاني هذا لم يقتصر فقط على إيران، وإنما سار على نهج مشابه لسلوكياته مع السياسيين الإيرانيين مع السياسيين الشيعة في كافة الدول وحتى في العراق نفسها. ومعارضته الضمنية لترأس بعض الشخصيات العراقية المقربة من الحشد الشعبي للوزراء في أثناء عملية تحديد رئيس الوزراء حاليًا مؤشر لاستمرار نهجه السياسي الداعم للتيارات السياسية الشيعية، والتي ربما يكون أبرز معاييرها اقتلاع التوتر مع السنّة والحكومات السنّية.
ومؤخرًا سافر رئيس البرلمان اللبناني الشيعي المذهب نبيه بري، إلى العراق، والتقى بالسيستاني. ويعد بري من شيعة حركة أمل اللبنانية، التي نشرت تقارير بحقها خلال الفترة الماضية تكشف عن مساعي أميركية لحظرها بسبب تقاربها من حزب الله اللبناني. وطبقًا لبعض التقارير العربية، تسعى الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على بري وحركة أمل بسبب العلاقات مع حزب الله. كما أنَّ بري من ضمن السياسيين اللبنانيين، الذين يبدون مواقف معتدلة في السياسة الخارجية، وربما ينبع ذلك من مكانته كرئيس للبرلمان اللبناني.
ونُشر خبر العقوبات الأمريكية تقريبًا بالتزامن مع سفر وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو، إلى لبنان. وبعدها بأيام قليلة سافر بري إلى العراق، وضمن لقاءاته مع زعماء العراق، التقى بالسيستاني. ويعتقد بعض المراقبين أن هدف بري من وراء زيارة النجف الإشارة أن حركة أمل تختلف عن حزب الله. ويرى أولئك المراقبون أن جلب دعم السيستاني يحظى بأهمية لحركة أمل وزعيمها، لأن هذا الدعم من الممكن أن يحميها من العقوبات الأميركية أو يجنبها الإدراج على قائمة المنظمات الإرهابية. وستتضح أهمية لقاء بري بمرجع التقليد الشيعي حينما نعرف أنَّ هذا المرجع امتنع وفقا “للمونيتور” عن لقاء أمين عام حركة حزب الله حسن نصر الله، خلال زيارته إلى لبنان في 2004.
وتشير سلوكيات السيستاني مثل إرسال خطاب إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية، ودعم نزع فتيل التوتر بين بغداد والرياض وكذلك تجنبه لقاء وفد الحوثيين اليمنيين في 2016 إلى أنَّه يتمتع برؤية خاصة في طريقة تعامله مع المجتمع السياسي الشيعي مع الأجواء المحيطة به، والتي تقوم على التعامل والتعاون مع هذا المحيط.

موقع فرارو

https://bit.ly/2Ij7EnP

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: