الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 أبريل 2019 13:40
للمشاركة:

الصراع الأميركي – الإيراني .. البحر شاهد ملك- الجزء الثالث

جاده إيران- رأفت حرب

مع ازدياد التصعيد على سطح مياه الخليج، كما ذكرنا في الجزء السابق، بات لا مفرّ بالنسبة لدول الخليج من التعاون الأميركي لحماية ناقلات النفط، مع كل ما قد يستتبع ذلك من تدهور يؤدي إلى مواجهة عسكرية أميركية – إيرانية،يمكن أن تتوسع إلى المجال البري.
في 21 أيار/ مايو 1984، طلبت الدول المتضرّرة من الاستهداف الإيراني لسفنها اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي، للتباحث في مسألة الهجمات الإيرانية الأخيرة، وقضية حرية الملاحة في المنطقة.
في 1 حزيران/ يونيو 1984، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 552، حيث دعت فيه كل الدول إلى احترام حق حرية الملاحة البحرية، كما حذرت طهران من متابعة سلوكها، وأكّدت أنها ستلجأ إلى “اتخاذ تدابير فعّالة” في حقّها إن لم تلتزم بالقرار، فكان من الطبيعي أن يعبّر الرد الإيراني عن السخط لتجاهل دور العراق في توسيع الحرب خارج المستوى البرّي.
إثر ذلك قامت السعودية بتحديد منطقة حظر جوي شمال الخليج، أطلقت عليها اسم “خط الفهد” نسبة لاسم الملك السعوديّ آنذاك فهد بن عبد العزيز آل سعود. غطّت هذه المنطقة مجالاً واسعاً شمل حقول النفط السعودية البعيدة عن الشاطئ، مع تحذير سعودي للإيرانيين باستخدام القوة في حال عبرت أيّ طائرة إيرانية هذا الخط لمهاجمة سفن شحن، وبالطبع كان سلاح الجو الأميركي من وراء الكواليس الحجر الأساس للرد السعودي.
راقبت طائرات أواكس أميركية الصنع الأجواء على نحو مستمر، انطلاقاً من قاعدة الظهران، في حين كانت ناقلات نفط أميركية تزوّد طائرات سعودية مقاتلة من طراز F-15 بالوقود جوّاً، لتتمكّن من حراسة منطقة الحظر.
في 5 حزيران/ يونيو كشفت طائرة أواكس أميركية طائرتين إيرانيتين من طراز F-4 عندما كانتا تعبران خط الفهد وتتجهان نحو طائرتين مقاتلتين سعوديّتين، كان في إحداهما مدرّب طيران أميركي يجلس في المقعد الخلفي. تجاهل الإيرانيون تحذيرين بالتراجع، وبدلاً من أن يتراجعوا، اتصلوا لا سلكياً بقاعدتهم للحصول على التعليمات. بتشجيع من المدرّب الأميركي، وجّه الطيّاران السعوديان اللذان كانا لا يزالان يخضعان للتدريب، كلّ منهما صاروخاً حرارياً فأصاب أحدهما الهدف، فأحرق طائرة إيرانيّة بشكل كامل وأسقط طياريها في البحر.

الصراع الأميركي - الإيراني .. البحر شاهد ملك- الجزء الثالث 1بعد ذلك أقلع على الفور نحو 60 طائرة مقاتلة من الجانبين. بدا الأمر وكأنّ معركة جوية كبرى على وشك أن تبدأ فوق الخليج، لكنّ إيران تراجعت أوّلاً ولم تحصل المواجهة.
أغضب ذلك وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي خشي أن تتضاعف الهجمات على ناقلات النفط السعودية، لكنّ الأمر فُهم بشكل مختلف في إيران، أي ضرورة تجنّب خط الفهد.
أما في واشنطن، فقد سعّر الاشتباك بين السعوديين والإيرانيين من الخلافات السياسية. اعتقد كل من مستشار الأمن القومي روبرت ماكفرلين ووزير الخارجية جورج شولتز أنّ طهران سوف تستخدم ما حصل كذريعة لتوسيع عملياتها في زعزعة استقرار دول الخليج العربية، وأنها ستسعى للقيام بهجوم سريع ضد الجيش الأميركي في المنطقة، خاصة بعد الهجوم الذي استهدف جنود البحرية الأميركية في بيروت، وكانت إيران متهمة بتحريك منفذي هذا الهجوم.
كان الخوف حاضراً عند شولتز من أن يتم استهداف سفينة حربية أميركية تبحر في الخليج من خلال طائرة انتحارية مثلاً، خاصة بسبب امتناع الإدارة الأميركية باتخاذ قرار بالرد على هجوم بيروت، فدعا إلى “معاقبة الإرهاب”، في حين ذهب ماكفرلين بعيداً في التشجيع على النظر في توجيه ضربة وقائية ضد إيران.
أما وزير الدفاع كاسبر واينبرغر فأبدى شكوكه في هذه الأفكار ، وقد اختلف مع مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية بحجة أن ما يطمحان إليه من شأنه أن يجرّ الولايات المتحدة إلى الحرب العراقية – الإيرانية، وأن يدفع بها إلى توسّع لا يعلم أحد أين ينتهي. وفي الاتجاه نفسه، برز فريد إيكله، الرجل الثالث في البنتاغون، محذراً من أن العمل العسكري ضد إيران لن يوقف عملياتها في المنطقة ولن يحقق أكثر بكثير مما يمكن للعراق أن يحققه من دون تدخل أميركي، حيث كان يتخوّف حينها من أن التورّط في ما يجري ضد إيران قد يفتح المجال للاتحاد السوفياتي لإثبات وجوده بشكل أقوى في المنطقة.
لعلّ البعض في واشنطن لم يكن راغباً تماماً بمواجهة مع إيران نظراً لانعكاساتها على المنطقة والعالم، لكنّ الانخراط الأميركي بدأ، وكأنه لا مفرّ منه عندما قرر العرب أنهم بحاجة لتعاون أميركيّ أكبر، وأنّهم، إن لم يحصلوا عليه، فلا سبيل أمامهم سوى التوجه إلى الطرف الآخر في الحرب الباردة، الاتحاد السوفياتي، وهو بالطبع ما لم يكن الأميركيون ليتحمّلوه في منطقة هي من أكثر المناطق أهميّةً ضمن منظومة مصالحهم الحيويّة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: