الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 مارس 2019 17:30
للمشاركة:

الصراع الأميركي – الإيراني .. البحر شاهد ملك – الجزء الثاني

جاده إيران- رأفت حرب

عندما تحذّر صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، منذ أشهر، من عودة “حالة العداء” في مياه الخليج بين البحريّتين الأميركية والإيرانية، فإنها بلا شك لا تبني تحذيرها على معطياتٍ آنيّةٍ فقط، بل، وهو الأكثر أهميّة، فإنّ تاريخًا من الصدام المائيّ المباشر بين واشنطن وطهران تحضر بين سطور تحذير الصحيفة.

إنها الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي قلبت مياه الخليج ناراً، حيث باتت شبكات الألغام البحرية كثيفة كمجوعات السمك. حينذاك، اندفع الحرس الثوري بكلّ قدرته لإغلاق مضيق هرمز، وضرب تجارة النفط العربيّة. في المقابل استُقدمت البوارج الأميركية وكاسحات الألغام لتوفير ما أمكن من الأمان للحركة التجاريّة.

لم يتأخّر الدور العربي في دعم العراق بقيادة صدام حسين في حربه على إيران. هناك قول معروف لرئيس الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير بندر بن سلطان، يشير فيه إلى أنّ الدول الخليجية العربية قدّمت للعراقيين 200 مليار دولار من أجل مساعدتهم في كسب الحرب، والقضاء على النظام الإيرانيّ بقيادة الإمام الخميني آنذاك، وأنّ هذه الدول كانت ستقدّم المزيد من دون تردّد، لو كان باستطاعتها ذلك.

محاولات إيران تصدير نفطها للخارج كانت تتلقى ضربات قاسية من سلاح الجو العراقي أيضاً، وقد صدرت كتب عديدة تحكي قصص التعاون بين العرب والعراق من جهة، والولايات المتحدة والعراق من جهة أخرى، لمحاصرة إيران من الجهات كافة، ودعم المجهود الحربي العراقي حتى الإطاحة بالحكّام في إيران.

رغم ذلك، لم يكن الإيرانيون يرغبون بإشعال مياه الخليج، ذلك أنها تسمح لهم بتصدير النفط، في حين أنّ العراق كان يصدر معظم نفطه عبر أنابيب من خلال تركيا. لكنّ صدام حسين بادر إلى قصف السفن الإيرانيّة بدءاً من شباط/ فبراير 1984، فأغرق أو ألحق ضرراً كبيراً بـ16 سفينة، وقد لحق الضرر سفنًا صديقة للعراق، عندما ضرب صاروخ إكزوسيت عراقي ناقلة تعود ملكيّتها للسعودية كانت تشحن 340 ألف طن من النفط الخام الإيرانيّ متجهة إلى فرنسا!

عندها اتخذ الإيرانيون قرارهم: إقفال مضيق هرمز بكلّ الوسائل العسكريّة المتاحة! أوّلاً، لأنهم يُمنعون من استخدامه من أجل تصدير نفطهم، وثانياً، لأنّ الدعم الهائل الذي كانيتلقاه صدام حسين مردّه أموال النفط عند العرب. هكذا، بدأت المواجهات بين البحرية الأميركية والحرس الثوري الإيراني في بحر الخليج.

الصراع الأميركي - الإيراني .. البحر شاهد ملك - الجزء الثاني 1

ضرب ناقلات النفط العربية

تدرّج استهداف إيران لناقلات النفط العربية شيئاً فشيئاً، حتى غطّى جميع الدول التي تمرّ تجارتها في المدى الذي تطاله يدها. يذكر ديفيد كريست، ضابط سابق في قوات المشاة البحرية الأميركية، في كتابه “حرب الشفق” كيف بدأ هذا التصعيد يتدحرج.

صباح يوم الأحد 13 أيار/ مايو 1984، كانت ناقلة النفط الكويتية “أم قصبة” تتجه جنوباً خارج مياه الخليج، حاملة شحنة نفط محرّر إلى المملكة المتحدة.

نقلت طائرة استطلاع إيرانيّة موقع الناقلة إلى قاعدة جويّة قرب مدينة بوشهر ( كان لميناء بوشهر دور هام في تلك الأحداث). بعد نحو ساعة حلّقت طائرة إيرانية من طراز F-4Eمموّهة بتدرّجات اللون البنّي الصحراوي الفاتح والداكن، مسحت جميع أنحاء الخليج خلال أقلّ من 15 دقيقة. ظهر ضابط حرب إلكترونية إيرانيّ على شاشة فيديو صغيرة، ركّز العدسة مباشرة على ناقلة النفط التي تبلغ سعتها 80 ألف طن، ثم أطلق عليها صاروخين من طراز “مافريك” صغيرين، وهو نوع يُستخدم عادة لتدمير دبابات، وليس ناقلات نفط عملاقة.

أصاب الصاروخان ناقلة النفط مباشرة في وسطها، فاشتعل حريق صغير أطفأه طاقم السفينة. في اليوم التالي، أطلقت طائرة إيرانية صاروخاً ألحق هذه المرة أضراراً حقيقية بناقلة نفط كويتية أخرى اسمها “بهرا”، حيث أحدث فجوة عمقها خمسة أمتار في جانب السفينة.

بعد يومين من استهداف الناقلات الكويتية، جاء دور السعودية، فضربت صواريخ إيرانية ناقلة النفط السعودية “ينبوع برايدا” عندما كانت راسية في مرفق لتحميل النفط من ميناء رأس التنورة، وهو ميناء حيوي يقع في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة القطيف، ويُعتبر أكبر ميناء لشحن النفط في العالم، حيث تنطلق منه أكثر من 90% من الصادرات السعودية.

في روايتها للحادثة، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة في عددها الصادر بتاريخ 17 أيار/ مايو 1984 عن مصادرها، أنّ القبطان تحدّث عن إصابة الصاروخ السطح الأمامي للسفينة، مما أحدث ثقباً وأبقى النيران مشتعلة لأربع ساعات، لافتاً إلى “ينبوع برايدا” كانت تحمل 100 ألف طن من الخام الكويتي و110 آلاف طن من النفط السعودي، فيما لم تبلغ مصادر الصحيفة عن وقوع إصابات.

في الأشهر السبعة التالية، ضربت إيران 15 سفينة عربيّة إضافية. الضربات الإيرانية هذه سرعان ما دفعت إلى اجتماعات بين المعنيين لإيجاد حلّ، وكانّ أهم أوجه هذا الحل استدعاء بحريّة الدول الغربية الكبرى، الأميركية خاصة، لحماية ناقلات النفط وتفجير الألغام التي نشرها الحرس الثوري في مياه الخليج.

في تلك الآونة، كانت العلاقات بين واشنطن وعواصم الدول العربية الخليجية، قد تلقت ضربة في الصميم إثر فضيحة إيران – كونترا، حيث باعت إدارة الرئيس رونالد ريغاند الإيرانيين أسلحة متطورة مقابل المساعدة بإطلاق سراح أسرى أميركيين في لبنان.

في تلك الظروف، برز الطلب العربي كسبيل يحقق لواشنطن أهدافاً عدة: تحسين العلاقات مع الحلفاء العرب، تقوية الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ومواجهة إيران بشكل مباشر، وكان من الطبيعي لواشنطن أن تستجيب.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: