الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 مارس 2019 08:39
للمشاركة:

علي شريعتي… مفكر الثورة الإيرانية

“أحمد الله أنّني عانيت كلّ التجارب والنكسات المتعاقبة، ولا يزال عودي صلباً، أي جلد سميك يغطي ويحمي هذا الجسد. إن بعض علماءالنفس يقولون إنّ الجيل الواحد لا يحتمل أكثر من هزيمةٍ واحدة، وها أنا ذا أعدّ نفسي للهزيمة السادسة أو السابعة، الهزيمة أم النصر. وما الفرق لنا؟ إن ذلك مهمٌّ جداً للتجار والرياضيّين ومحترفي السياسة، أما بالنسبة لنا فالمهم هو أداؤنا لرسالة الله، وقيامنا بواجبنا تحت كل الظروف وفي مواجهة كلّ الاحتمالات، فإذا انتصرنا نرجو من الله أن يقينا شرّ الغرور ونزعة الظلم واضطهاد الآخرين، وإذا هزمنا نرجو من الله أن يقينا من الذل والهوان والخضوع”.

كانت هذه الكلمات آخر ما قاله شريعتي، قبل أن يُعثر عليه جثة هامدة عند مدخل غرفته في مدينة ساوثمبتون البريطانية، في 18 من حزيران/ يونيو عام 1977. في أقلّ من 24 ساعة وصلت طائرة سوسن وسارة شريعتي من طهران. ودّعتا والداهما قبل نقله إلى مثواه الأخير في طهران أو بقعةٍ أخرى من العالم، لم يكن أحد قد عرفها بعد!

بملابس سوداء وعيون دامعة أخرجت سوسن وسارة شريعتي جثة والدهما من الغرفة لتوديعها، قبل أن تبدأ الجهات المعنيّة بتشريحها. يروي عبد الكريم سوروش تفاصيل شهدها بعد التحاقه بعائلة شريعتي: “كان شعره يتجاوز كتفيه، لم أرَ شريعتي بهذه الهيبة والوقار سابقًا. شريعتي الذي كان مدى حياته حليق الذقن، أصلعاً، يلبس البذلة وربطة عنق حمراء، ويوحي بأنّه رجل أعمال وليس مفكراً ثورياً”.

نتيجة التقرير الطبي أفادت بأن سبب الوفاة سكتة قلبية قاتلة. رفضتها الجماهير. رجّح كثيرون تورّط رجال السافاك (منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية أيّام الشاه) في بريطانيا باغتياله، لإسهامه في تشكيل وعي الشباب الإيرانيّ وتقويض سلطة النظام.

حاملةً جثمان شريعتي، هبطت الطائرة القادمة من لندن في مطار دمشق الدولي، قبل نقله إلى مثواه الأخير قرب مرقد السيدة زينب، وذلك بعد رفض سلطات الشاه دفنه في إيران. أجمع علماء الدين آنذاك على رفض الصلاة على شريعتي، تحسّباً لأي إجراء قد يتخّذه الشاه ضدّهم، فتقدّم السيّد موسى الصّدر (مؤسّس حركة المحرومين اللبنانيّة) للصلاة على الجثمان، مجازفاً بجنسيته الإيرانيّة. وبالفعل، لم يتأخّر قرار سحب الجنسيّة منه.

شريعتي المتأثّر بأفكار والده

في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1933، وُلد علي شريعتي في قرية مازينان القريبة من مشهد، لأسرةٍ عريقةٍ في الثقافة والمعارف الإسلامية. والده الشيخ محمد تقي شريعتي عالم دينٍ غير معمّم. تأثّر الابن بفكر والده الذي أسّس “مجمع الأبحاث القرآنية في خراسان”، والذي كان يرى في الإسلام حركة اجتماعيّة – تاريخيّة تهدف إلى تحقيق العدالة والحريّة والمساواة في المجتمع الإنسانيّ.

أنهى شريعتي دراسته الثانويّة في مشهد ثم التحق بمعهد إعداد المعلّمين، وتخرّج عام1953 ليصبح معلّماً للمرحلة الابتدائية في إحدى القرى في عمر الثامنة عشرة، ثم تابع عام 1955 المراحل الأكاديميّة في كلية الآداب بجامعة مشهد، لينال درجة الامتياز في الأدب عام 1958. بعدها أُرسل في بعثة دراسية إلى جامعة السوربون في فرنسا، حيث درس علم الاجتماع والأدب، وحصل على شهادتي الدكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع عام 1959.

تزوّج شريعتي من زميلته في جامعة مشهد السيّدة بوران شريعت رضوي عام 1956.تنحدر رضوي من عائلة معروفة بنشاطها في الجبهة الوطنيّة وفي معارضة سياسات الشاه آنذاك. باتت زوجته رفيقة له في تنقّله بين فرنسا وإيران وإنجلترا، وقد أنجبا ثلاثة أبناء هم إحسان وسوسن وسارة.

بعد رحيله انكبّت رضوي على التأليف، وترأست إدارة مؤسسة شريعتي الثقافية التي نشرت قسمًا كبيرًا من إرث المفكّر الإيراني للعالم، وأصدرت كتاباً عن زوجها تحت عنوان “صورة من حياة” عام 2007.

يُعرف عنها قولها “كنت أشترط للزواج ألا يكون أصلعاً ولا مدخّناً، ثم أحببت علي وتزوجته، وقد كان يجمع الصفتين: أصلعًا ومدخنًا”.

شريعتي الناشط والمعلّم

بدأ شريعتي نشاطه السياسي باكرًا، فأثناء دراسته الثانوية شارك في النشاطات الطلابيّة الداعمة لحركة المعارض محمد مصدق قبل أن يصبح رئيساً للوزراء. وبعد انقلاب عام 1953انضوى شريعتي تحت لواء “حركة المقاومة الوطنيّة الإيرانية”، وبات مسؤولاً تنظيمياًّ في مدينة مشهد. في تلك الفترة اعتقله نظام الشاه مرّتين، الأولى عام 1953 والثانية عام1957 واستمرت لثمانية أشهر.

بعد عودته من باريس عام 1965 ساهم شريعتي في تعبئة الجماهير الإيرانيّة، من أجل تحقيق الاستقلال والعدالة الاجتماعيّة والحرية. جماهير مؤمنة بالثورة، لا جمهور مسالم من المؤمنين الصالحين. كان طرحه السياسيّ يتلخّص في أنّ بلاد العالم الثالث ومن ضمنها إيران بحاجة إلى ثورتين مترابطتين ومتزامنتين هما: ثورة وطنيّة تنهي كل أشكال السيطرة الإمبرياليّة، وأخرى اجتماعيّة تُنهي كل أشكال الفقر وتجتثّ الفقر والرأسماليّة.

النادي الحسيني للإرشاد (حسينية الإرشاد)

في البداية لم يسطع نجم شريعتي سوى وسط زملائه ومعارفه، إلى أن استقطبه آية الله مرتضى مطهّري لإلقاء محاضراته في حسينة الإرشاد بطهران، حيث سعيا من خلالها إلى إرشاد الناس، وإحياء رسالة الإمام الحسين بن علي فكرياً وعملياً.

من هذه الحسينية طرح شريعتي رؤيته للإسلام بأسلوب جدي، مستندًا إلى علم الاجتماع. أدخل بُعد العلوم الاجتماعيةّ ساحة التحقيق وشرح الإسلام، ومن خلاله نجح شريعتي في استقطاب الشباب المتأثرين بمذاهب فكرية أخرى، فتعلقوا به. كان يحضر دروسه وخطبه نحو ستة آلاف من الطلبة الجامعيّين والخرّيجين.

نشاطات شريعتي واجهتها فئة من علماء الدين. شنّوا عليه حملاتٍ تشهيرية واتهمّوه بالزندقة، وتشويه الإسلام الحق، إلى أن أدرك السافاك خطورة أفكار شريعتي الثوريّة على النظام الحاكم، وسرعة انتشارها في أوساط الشباب والمثقفين، فعمد إلى إغلاق حسينيّة الإرشاد عام 1973.

علي شريعتي... مفكر الثورة الإيرانية 1

مؤلّفات شريعتي

ترك شريعتي العديد من الكتب المختصّة بدراسة الفكر الإسلامي، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والأدب، حتى بلغ مجموع أعماله أكثر من مئةٍ وخمسين كتبا، وترجم معظمها إلى العديد من اللغات الأجنبية. كما أنّ العديد منها كان محاضرات ارتجاليّة ألقاها في حسينية الإرشاد وتم تسجيلها وتفريغها دون زيادة أو نقصان أو تعديل، ومن أبرزها: النباهة والاستحمار، التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي، دين ضدّ الدين، معرفة الإسلام، العودة إلى الذات ومسؤوليّة المثقف.

علي شريعتي... مفكر الثورة الإيرانية 2

الثلاثي الإصلاحي الأكبر
مثّل شريعتي الإيراني إلى جانب السيّد محمد باقر الصدر العراقي وسيّد قطب المصري، مثّلوا الثلاثيّ الإسلاميّ الإصلاحيّ الأكبر، في النصف الثاني من القرن العشرين ضمن حركة التيّار الإصلاحي التنويري. هذا ما خلصت إليه نتيجة لدراسة إحصائيّة أعدّها الباحث د. عبد الباقي الهرماسي في المغرب العربيّ عن الإسلام الاحتجاجيّ، لتحديد نسبة القرّاء لأفكار أحد عشر مفكّراً في القرن العشرين، فتصدّر القائمة الصدر بنسبة 54%، وسيّد قطب بنسبة 35%، وعليّ شريعتي بنسبة 31%. ويشير الباحث إلى أنّ الطلبة الذين يبحثون عن نهجٍ لمواجهة التيارات الكبرى للفكر الحديث، يجدون ضالّتهم في أفكار شريعتي وأعماله.

علي شريعتي... مفكر الثورة الإيرانية 3

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: