الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 مايو 2023 14:32
للمشاركة:

إنتاج الثروة.. طريق إيران نحو مستقبل مزدهر؟

في محادثة حصرية مع "يورونيوز"، خَلُصَ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بهشتي محمود سريع القلم إلى أنّ مستقبل إيران يكمن في إنتاج الثروة، وأنّ هذا الأمر لن يحدث ما لم تكن حاضرة وتشارك في الاقتصاد الدولي.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وهجوم القوات الروسية على حدود الدولة الجارة، شهد الوضع في العالم تطوّرات كبيرة، وظهرت تغييرات كبيرة في النظام الدولي الجديد.

وعلى عكس ما اعتقده الكرملين، قاوم الجار الشرقي الصغير هجوم جاره الأكبر حتى الموت، كما أنّ الدعم الدولي لكييف جعل العقدة التي يمكن فكّها بسهولة من وجهة نظر موسكو، تتحوّل إلى فوضى متشابكة من دون أي احتمال في الأفق لفكها.

هذه الأزمة الإقليمية كان لها آثار عالمية، والآن كلّ الفاعلين يعرّفون بأنفسهم وفق الموقف من هذه الأزمة. من المملكة العربية السعودية والدول العربية، التي أظهرت بعد هذه الحرب أنها لم تعد تستمع إلى الغرب والولايات المتحدة كما كانت من قبل، والتي أظهرت مفهوم التنوّع في سياستها الخارجية على أجندتها، وحافظت على العلاقات مع روسيا، إلى الصين والهند التي حققت لها هذه الأزمة العديد من الفوائد الاقتصادية الهامة.

في غضون ذلك، يبدو أنّ إيران وحدها هي التي قرّرت الوقوف إلى الروسي ودفع ثمن هذا الموقف. ايران بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي مع العالم، تحرّكت الآن نحو تحسين العلاقات مع الدول العربية الإقليمية ووقعت اتفاق مع السعودية برعاية غير متوقعة من الصين. حيث جاء هذا الاتفاق بعد الاحتجاجات الشديدة التي شهدتها البلاد خلال الخريف وأوائل الشتاء الماضي.

بالإشارة إلى ما قبل، يعتقد سريع القلم أن روسيا هي الخاسرة والولايات المتحدة والصين هما الفائزان الرئيسيان من العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا. كما وصف الوضع في إيران بـ”المقلق”، داعيًا حكام البلاد إلى اتخاذ قرار جذري من أجل المستقبل، ووضع إستراتيجية لجعلها غنية خلال مدة 10 إلى 15 سنة. هذا الخبير التنموي، الذي أجرى الكثير من الأبحاث في هذا المجال، يقول أيضًا إن الاتفاقية بين إيران والسعودية لها نقطة جاذبية، وهي الصفقة مع اليمن، في مقابل تقليص التهديدات الداخلية والإقليمية والدولية للأمن القومي الإيراني الذي تم استهدافه من قبل السعودية في الأشهر الأخيرة.

وفي سياق حديثه عن المستقبل، تنبأ سريع القلم أن تواجه إيران مشاكل وتحديات أكثر خورة في عملية خلافة القائد الإيراني الحالي علي خامنئي.

في ما يلي ترجمة ترجمة للقسم المتعلق بإيران في المقابلة:

  • والآن بعد أن وصل النقاش إلى هذه الحالة من عدم التوازن، كما ذكرت، فإنّ أحد هذه الأمثلة هو إيران، في ما اتخذت منافستُها الإقليمية السعودية نهجًا مختلفًا. ومع ذلك، اتفق هذان اللاعبان الإقليميان مؤخرًا على استئناف العلاقات في اتفاق لم يتوقعه أحد تقريبًا. ما الذي سبب هذا التطوّر؟

أعتقد بأنّ 80٪ من الاتفاق بين إيران والسعودية كان بسبب قرار الجمهورية الإسلامية. سأستخدم نسبة 80٪ لشرح النقاش بشكل أفضل. منذ نحو ثماني سنوات، قال لي وزير الخارجية السعودي آنذاك في اجتماع صريح للغاية: “نحن مستعدّون للتوصل إلى اتفاق مع إيران في العراق وسوريا ولبنان ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، وحتى توضيح نصيب بعضنا البعض، لكن لسنا مستعدين للتراجع في اليمن”.

  • تقصد سعود الفيصل أو عادل الجبير؟

كان عادل الجبير من اتخذ هذا الموقف، رغم أن السيد سعود الفيصل قد أخبرني بنفس الشيء في اجتماع آخر. النقطة الثانية هي أنه في الأحداث والتطوّرات التي شهدتها إيران منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، أعتقد بأنّ الحكومة توصّلت إلى استنتاج موضوعي وميداني وتحقيقاتي وحتى عددي أنّ المملكة العربية السعودية تلعب دورًا أساسيًا في هذا المجال.

هذه التطوّرات في الواقع، أوصلت الحكومة إلى حجم الانفاق السعودي ضد الأمن القومي الإيراني، سواء داخل أو خارج البلاد، وكذلك في ما يتعلّق بقوى المعارضة للجمهورية الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة. إنفاق حتى الولايات المتحدة لا تقوم بمثله.

ونتيجة لذلك، توصلت طهران إلى استنتاج مفاده بأنه من أجل ضمان أمنها القومي والداخلي، وكذلك لوقف أو على الأقل تقليل هذه النفقات التي تتكبّدها السعودية، فمن الأفضل إدخال اليمن في الصفقة. برأيي، إنّ هذا هو مركز ثقل الاتفاق والتفاهم بين البلدين. اليمن مقابل تقليص التهديدات للأمن القومي للجمهورية الإسلامية داخل وخارج البلاد.

“اليمن مركز ثقل الاتفاق والتفاهم بين إيران والسعودية. اليمن مقابل تقليص التهديدات
للأمن القومي للجمهورية الإسلامية داخل وخارج البلاد”.

ربما أرادت إيران قوة أقوى من العراق وسلطنة عمان لتلعب دور الوساطة هذا. خلال زيارة السيّد رئيسي الثانية للصين وقعت أحداث مهمة. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأنّ إيران كانت تبحث عن مساحة أكبر لبيع النفط والتنفّس المالي، لم يكن لديها خيار سوى الصين. لهذا السبب، ربما كان الصينيون قادرين على إقناع إيران ببعض الضغط للتعاون وإبرام اتفاقيات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن القضية النووية.

بشكل عام، كانت هذه هي المساحات التي تسبّبت بإجماع عام في إيران للتوصل إلى اتفاق مع السعودية. من ناحية أخرى، لا ينبغي إحياء الاتفاق النووي بهذا المعنى [كنت أعتقد دائمًا بأنّ الاتفاق النووي ليس سوى تسوية مؤقتة]، وعلى الأقل يجب أن تتوصّل إيران إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يتعلّق ببرنامجها النووي، ويجب تقليص أجواء التصعيد السياسي. بالطبع، قد تكون هناك اتفاقيات وتفاصيل أخرى مع السعودية، لكن يبدو أنّ القضية الرئيسة هي اليمن والباقي قضايا هامشية.

  • لكن بالنظر إلى أنّ هاتين الدولتين جعلتا دائمًا لعبة المحصّل الصفري مبدأ في علاقاتهما، وربما لهذا السبب تجذرت التوترات بين البلدين في العقود الأخيرة، هل نأمل أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى تحوّل؟ هل ستؤدي إلى تحسين علاقات هذين الخصمين الإقليميين أم أنها ستبقى محدودة فقط بإدارة التوترات؟

حاليّا، كلا الطرفين يتحقق. ربما يكون هذا الاتفاق أعمق بكثير مما تم التوصل إليه بين البلدين عام 2003 ولم يدم. السبب في ذلك هو أنّ الإجماع الموجود اليوم بين مختلف الهيئات الرئاسية بشأن هذا الاتفاق لم يكن موجودًا في ذلك الوقت. يضاف إلى ذلك أنّ الأجهزة الأمنية والعسكرية تقدّمت الآن بهذا الاتفاق وتوافق عليه، وليس وزارة الخارجية.

في ذلك الوقت، لعب معظم القطاع الحكومي ووزارة الخارجية دورًا في دفع هذه الاتفاقية إلى الأمام، ولكن اليوم، توصّل جزء أكثر أهمية وقوة من مجمع الحوكمة إلى اتفاق مع الرياض بشأن هذه الاتفاقية.

“إن احتمالية تطبيق هذا التفاهم أكبر مما كان عليه في اتفاقية عام 2003 بين إيران والسعودية،
لأنّ هذه المرة مؤسسات أقوى في إيران روّجت وأتمّت هذه الصفقة”.

الآن، إذا أخذنا في الاعتبار التضخّم الزاحف في إيران، والظروف الاقتصادية للبلاد، وكذلك القيود التي تُفرض على طهران في مجال الصادرات والتفاعلات المالية مع العالم، فقد يكون من الممكن التنبؤ بأنّ أسباب تحقيق هذه الاتفاقية أكبر من اتفاقية عام 2003.

يجوز لحكومة بايدن، بسبب الملف النووي واتفاقيات إيران العامة مع الوكالة، وأيضًا بشرط نجاح الاتفاق بين إيران والسعودية بخصوص اليمن، تقديم بعض التسهيلات المالية والنفطية لإيران من دون الإعلان عنها، وذلك من خلال بعض الدول الآسيوية، مثل الهند والصين، وحتى السماح لكوريا الجنوبية بإجراء معاملات محدودة مع إيران.

يمكننا أن نخمّن أنه بالنظر إلى هذه الظروف الاقتصادية، وإلى أنّ حكومة بايدن ستكون في السلطة حتى نهاية عام 2024، والتحقق الإيجابي المتوقّع بين إيران والسعودية، سيزداد هذا الاتجاه بين إيران والسعودية لمدة عام ونصف آخر على الأقل.

بعد ذلك، يعتمد الأمر على أشياء مثل السياسة التي ستتبعها حكومة الولايات المتحدة المستقبلية، والظروف الداخلية لإيران، وأين سيكون مصير أوكرانيا. لكنّ التعاون بين إيران والسعودية سيستمر لمدة عام ونصف على الأقل.

العلاقات بين طهران وموسكو

  • قضية أخرى صعبة في السياسة الخارجية الإيرانية، هي قضية التعاون بين إيران وروسيا وإرسال طائرات من دون طيار إلى هذا البلد، على الرغم من حقيقة أنّ القليل من الدول مستعدّة للانحياز إلى جانب روسيا في هذا الصراع. ما الذي يبحث عنه الجانبان من هذا التعاون؟ ما الذي ستكسبه إيران وما الذي ستخسره في معادلة الكلفة والفائدة، وإلى أي مدى يسعى الطرفان إلى تعميق علاقاتهما استراتيجيًا؟

يتمثل الاختلاف الرئيس بين الشرق والغرب بأنه عندما تتفاعل الصين وروسيا مع دولة ما، فإنهما يعملان بشكل أساس مع النُّخب ومجالاتهما السياسية والأمنية وجيشها.

يعمل الصينيون مع جميع الدول الأفريقية، ويتوصلون إلى اتفاق مع حكومتهم وينفذونه. ليس لديهم خطة على المستوى الاجتماعي، ولا يبحثون عن تغييرات سياسية، ولا يبحثون عن قضايا حقوق الإنسان. لكن إذا تواصلت أوروبا والولايات المتحدة مع دولة ما، فهذا يعني بالضرورة أنّ حكومتهما تبحث عن هذه الروابط الواسعة.

أي عندما تقيم الولايات المتحدة علاقة طبيعية مع فيتنام، فإنّ وراء هذه العلاقة الطبيعية بين الحكومتين تبدأ الشركات والبنوك وشركات التأمين والجامعات والقطاع الخاص في الولايات المتحدة أيضًا بالتواصل. مع روسيا والصين، لا يتم هذا التعاون إلا بتعاون وتنسيق من الحكومة. لذلك، فإنّ العلاقة مع الغرب ليست فقط علاقة طبيعية مع الحكومات الغربية، كما أنّ المجتمع الغربي فعّال في هذه العلاقة. لهذا السبب بالتحديد يعود اهتمام إيران بالصين وروسيا، لأنّ هناك مصلحة في إيران بأن يكون لها نظام ثقافي محلّي، وأن تدير الهيكل السياسي بقواعد محلّية. هذا النوع من الميل يجعل من الصعب للغاية العمل مع الغرب.

“تكلّف طائرة إيرانية من دون طيّار نحو 20 ألف دولار، لكنَّ صاروخ أرض – أرض روسي
قصير المدى يكلّف ما لا يقلّ عن 200 ألف دولار، ونتيجة لذلك، تصنع إيران وتسلّم 150 طائرة
مسيّرة إلى روسيا كل شهر. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت بالفعل أكثر من 500 مسيّرة إلى روسيا يتم استخدامها في أوكرانيا”.

لأنه إذا كانت إيران تريد العمل مع الغرب، فإنّ هذا العمل لا يقتصر فقط على الحكومات والمجتمعات الموجودة أيضًا في هذه التبادلات. بعد هذه المقدّمة النظرية، وردًا على سؤالك، يجب أن أقول إنه من الطبيعي أن يكون دور إيران في العلاقة بينها وبين روسيا أقل، ولروسيا نفوذ أكبر في هذه العلاقات الثنائية.

روسيا بحاجة إلى أسلحة إيرانية، لأنّ تكاليف إنتاجها أقل بكثير. تكلّف طائرة إيرانية من دون طيار نحو 20 ألف دولار، لكنّ صاروخ أرض – أرض روسيًا قصير المدى يكلّف 200 ألف دولار على الأقل. من الطبيعي أن يرغب الروس بتوفير هذه الأسلحة بتكلفة أقل من إيران. وهذا أيضًا هو السبب وراء قيام إيران بصنع 150 طائرة من دون طيار شهريًا وتسليمها إلى روسيا.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران بالفعل أكثر من 500 طائرة إلى روسيا، التي تستخدمها في أوكرانيا. لكن من ناحية أخرى، السؤال هو، ما هي الميزة التي تمتلكها روسيا لإيران؟ ليس اليوم فقط، ولكن حتى خلال العقدين الماضيين، كان لديهم تعاون أمني واستخباراتي مع إيران وقدّموا بعض لها بعض أنظمة الرادار. ومن المقرر أن تسلّم روسيا الطائرات المقاتلة الـ 24 التي طلبها المصريون سابقًا وألغت القاهرة شراءها بعد الضغط الأميركي إلى إيران.

حاليًا، يتم تدريب الطيارين الإيرانيين في روسيا. ليس أمام إيران الكثير من الخيارات لتحديث قوّتها العسكرية، وخيارها الوحيد هو روسيا. لكن بالإضافة إلى ذلك، هناك تعاونٌ في مجال المعلومات والأمن بين البلدين.

يحصل الروس، تقليديًا وتاريخيًا، على معلومات مهمة عن أنشطة الأميركيين والإسرائيليين في الأراضي الإيرانية، وهو أمر ذو قيمة بالنسبة لطهران. بالطبع، لا يقدم الروس كل هذه المعلومات لإيران، ولكن على أي حال، فإنّ جزءًا منها يتم منحه ويعتبر ذا قيمة للجمهورية الإسلامية، خاصة في المواقف الحرجة وعندما على سبيل المثال، تحدث الأشياء في الدولة، وما الخطط التي تعمل عليها الولايات المتحدة وإسرائيل.

وحتى في المستقبل، عندما تدخل الدولة في عملية الانتقال، فإنّ دور روسيا بتوفير المعلومات في هذه الحالات هو دور كبير جدًا وحاسم.

“ستعاني إيران من مثل هذه العلاقات مع روسيا من الناحية الاقتصادية، لأنّ هيكل البناء
والصناعة والقطاع الخاص في إيران هو في الغالب أوروبي، وليس لديها رغبة كبيرة في
العمل مع روسيا، في حين أنّ الروس ليس لديهم الكثير ليقدّموه في هذه المجالات.
ومن الناحية الاقتصادية، بالنسبة لإيران ليس لديها ميزة تذكر”.

إيران هي أيضًا شريك عسكري وأمني لروسيا في سوريا. بعد كل شيء، للرّوس حق النقض في مجلس الأمن، وهذا يُعتبر امتيازًا وورقة قوة لطهران. تمتلك روسيا العديد من الخبرات في السيطرة على المجتمع ومراقبته من خلال أساليب البرمجيات والأجهزة، والتي تعتبر قيّمة بالنسبة لإيران.

مجموعة هذه العوامل تجعل روسيا جذّابة لإيران. كان لدى الرّوس هذه الحساسية خلال فترة القيصرية والاتحاد الروسي. بالنسبة للروس، من الأهمية بمكان أن تكون إيران معادية للغرب أكثر من أن تصبح نووية. على هامش أحد المؤتمرات التي حضرتها، أخبرني دبلوماسي إنّ هناك قوى نووية مثل الهند وباكستان والصين في المجال الروسي، وإذا أضيفت إيران إلى هذه المجموعة، فلن يحدث شيء خاص. بالطبع، يعني هذا التحوّل النووي القدرة على إنتاج أسلحة نووية في غضون بضعة أشهر.

السياسة الداخلية الأميركية حاسمة للغاية في هذا الصدد. وأيّ نوع من الاتفاق يتم التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الملف النووي الإيراني هو أمر مهم أيضًا، لكنني على ثقة من أنّ روسيا ستقبل بذلك في وضع تسيطر فيه بشكل كبير على الوضع الإيراني، مما يعني التأكد من أن القرارات العسكرية والأمنية في إيران يتم اتخاذها بالتشاور مع روسيا، على غرار ما حدث في باكستان، حيث يتحكّم الأميركيون بالبنية العسكرية والنووية لباكستان وهم واثقون من أنّ أي قرار سيتم اتخاذه سيكون منسجمًا مع نصائحهم، لأنّ واشنطن تلعب دورًا مركزيًا في صنع القرار الأساسي لهذا البلد.

  • لكن ألا يشغل الروس هذه المكانة في هيكل صنع القرار في الجمهورية الإسلامية الآن؟ يبدو أنّ موسكو والكرملين الآن هما المصدران الرئيسان لاستشارات سلطات الجمهورية الإسلامية في القرارات الرئيسة والأساس للنظام. لكن هذا النوع من التعاون يركّز بشكل أكبر على القضايا الأمنية والاقتصادية والمعلوماتية، وليس له فوائد اقتصادية لإيران. ألا يجعل هذا إيران الخاسر في هذه المعادلة؟

هذا النوع من التعاون بالضبط له نقطة سلبية، وهي أنّ إيران تعاني كثيرًا من الناحية الاقتصادية، لأنّ هيكل البناء والصناعة والقطاع الخاص في إيران أوروبي في الغالب، وليس لديها رغبة كبيرة في العمل مع روسيا، في حين أنّ الروس ليس لديهم الكثير ليقدموه في هذه المجالات، كما أنهم ليسوا مفيدين اقتصاديًا لإيران، وهم أنفسهم يخضعون للعقوبات.

نتيجة لذلك، يُحرم الاقتصاد الإيراني من المزايا التي تتمتّع بها تركيا أو السعودية أو الهند، مما يؤدي إلى إضعاف الأسس الاقتصادية للبلاد مقابل تعزيز هيكل القوة الحالي والأمن والنظام.

مستقبل إيران

  • ومع ذلك، يعتقد بعض المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بأنه بعد هجوم روسيا على أوكرانيا والضغط الدولي على موسكو من قبل العالم، دخل العالم فترة جديدة من النظام الدولي. وفي هذا النظام الجديد، تخشى الصين من أن تُعاني من مصير روسيا، وسيكونان حاضرين في هذا المحور وسيحاولان مع بعضهما البعض كسر القيود اللازمة للعلاقة مع الغرب وإنهاء النظام الاقتصادي القائم على الدولار والمؤسسات الاقتصادية الغربية. ما مدى قرب هذه الفكرة من الحقيقة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون مجرّد حلم؟

إذا لم نأخذ في الاعتبار الإحصائيات والأرقام في التحليل، فإنّ دقتنا في التنبؤات والاستنتاجات ستنخفض إلى حد كبير. 80٪ من التجارة في العالم تحصل بالدولار الأميركي. 60٪ من احتياطيات النقد الأجنبي للبنوك المركزية في العالم بالدولار الأميركي. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 25 تريليون دولار. من المتوقع أنه بحلول عام 2030، سيزداد تعادل القوة الشرائية في الصين، بل ويتجاوز الولايات المتحدة، لكن لاحظ أنّ الولايات المتحدة هي اقتصاد عالمي مهيمن مع سوق كبير للغاية.

المراكزالبحثية الموجودة هناك لا يمكن أن تراها حتى في أوروبا. لقد قطع الصينيون شوطًا طويلًا، لكن لا يزال أمامهم طريق طويل ليقطعوه في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للّحاق بالولايات المتحدة.

على سبيل المثال، كان الصينيون يختبرون طائرة ركّاب تَسَعُ 200 راكب منذ 13 عامًا، لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة حتى الآن. قارن ذلك بهيمنة شركتي Boeing وAirbus على صناعة الطيران في العالم. قد تتغيّر ظروف العالم في عام 2070، ولكن عندما ترغب البلدان في التخطيط لمستقبلها، فعليها التفكير في السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة على الأكثر.

في السنوات الخمس عشرة المقبلة، ستظلُّ الولايات المتحدة والصين القطبين الاقتصاديين للعالم، ولكن مع تفوّق تكنولوجي أميركي. قد تواجه الولايات المتحدة العديد من المشاكل، لكنّ هذه الميزة لن تختفي في أي وقت قريب.

“مشكلة التحليل في إيران أنه غير مرتبط بالأرقام، وهو في الغالب قائم على الآمال. على
عكس ما يُقال، ستظل الولايات المتحدة والصين على مدار 15عامًا المقبل القطبين الاقتصاديين للعالم، لكن مع الحفاظ على التفوّق التكنولوجي للولايات المتحدة.
قد تواجه الولايات المتحدة العديد من المشاكل، لكنّ هذه الميزة لن تختفي في أي وقت قريب”.

مشكلة التحليل في إيران أنه غير قائم على الإحصائيات والأرقام، وربما يكون آمالًا في غالبه. صحيح أنّ الأميركيين أنفسهم يقولون إنه لم يعد لديهم المكانة السابقة، وأنّ نفوذ الولايات المتحدة قد انخفض، ولكن ليس قوّتها. لم تنخفض القوة بالمعنى الكمّي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري في الولايات المتحدة مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات، بل إنها زادت، لكن تأثيرها مختلف.

الآن، تتخذ السعودية قراراتها الخاصة في بعض المجالات، وقد لا تتشاور حتى مع الولايات المتحدة. أخبرني وزير خارجية أوروبي ذات مرة إنه قبل 40 عامًا، عندما أرسلت الولايات المتحدة سفيرها وقدمت لنا طلبًا، أرسلناه ليتم قبوله به. لكننا اليوم، عندما تفعل الولايات المتحدة ذلك، نقول إننا سنرسل هذا الطلب إلى مجلس الوزراء لمناقشته، وبعد ذلك سنعلن الجواب لكم.

حدثت هذه التغييرات منذ الحرب الباردة. ما تتم مناقشته في إيران يعود في الغالب إلى حقيقة أنّ التحليلات على شكل رغبات، وربما يتم أخذ القضايا في الاعتبار من الناحية الدعائية. في إجابة مختصرة على سؤالك، فإنّ الهيكل الحالي للسلطة في العالم لا يتقلّب كثيرًا ويستمر لعقود عدة.

  • وبالنظر إلى هذه الظروف والمشاكل الاقتصادية التي تواجهها الدولة، والمنظور الذي صوّرته بشأن التعاون بين إيران وروسيا، وبالطبع مع الأخذ في الاعتبار الاحتجاجات غير المسبوقة التي اندلعت في مختلف مدن إيران العام الماضي، على أي شروط يعتمد بقاء الجمهورية الإسلامية؟

في النظام الدولي الحالي، يُعتبر الاقتصاد أهم جهاز استشعار للدول. إذا درستَ سلوك إدارة بايدن علميًا، فستجد أنها تتسامح مع الصينيين، لأنّ لا الصينيين ولا الأميركيين يبحثون عن صراع بأي شكل من الأشكال.

في ما يتعلّق بأوكرانيا، هناك عملية تدريجية جارية. على سبيل المثال، في حالة أوكرانيا، قرّر الأميركيون تسليمها 31 دبابة في الأشهر القليلة المقبلة لمواجهة روسيا.

ما المشكلة التي ستحلّها هذه الدبابات الـ 31 لدولة بحجم أوكرانيا؟ تُظهر تصرّفات الولايات المتحدة أنها لا تتطلّع إلى تصعيد التوترات مع روسيا بأي شكل من الأشكال. أو من ناحية أخرى، إذا ضغطوا على السعودية للحفاظ على إمدادات النفط في السوق وحتى زيادة كمية الإنتاج، أو حتى الدخول في صفقة مع عدو قديم مثل فنزويلا، فما الغرض من زيادة المعروض من النفط؟ كل هذا له تركيز واحد وهو خفض معدّل التضخم وزيادة معدّل النمو إلى نحو 2 – 2.5٪، واستمرار هذا الوضع حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، حتى يتمكّن الديمقراطيون من الفوز في الانتخابات مرة أخرى.

كل هذه الاستراتيجيات والدبلوماسية والتوازن مع الدول التي تتبعها الولايات المتحدة مرتبطة بالانتخابات الرئاسية لعام 2024. لقد قدّمت هذا كمقدمة نظرية لشرح أنّ عملية صنع القرار في جميع البلدان هي تابعة لقراراتهم الاقتصادية. ربما يكون أحد الاختلافات التي أواجهها مع بعض زملائي وأصدقائي في إيران هو أنه على عكس العديد من هؤلاء الأصدقاء الذين يعتقدون بأنّ إيران بلد خاص له بنية جيوسياسية خاصة أو هيكل تاريخي، ليس لدي مثل هذا الرأي.

الجغرافيا السياسية لتركيا أو كوريا الجنوبية أكثر تعقيدًا بكثير من الجغرافيا السياسية الإيرانية، ربما لم يدرك البعض أنّ كوريا الجنوبية كانت مستعمرة يابانية قبل 40 عامًا من الحرب العالمية الثانية. طوال تاريخها، كانت هذه الدولة تحت ضغط الصينيين والروس واليابانيين لقرون عدة، لكن أنظر إلى أين وصلت كوريا الجنوبية؛ إلى أين وصلت المكسيك وتركيا.

“ربما يكون أحد الاختلافات التي أواجهها مع بعض زملائي وأصدقائي في إيران هو
أنه على عكس العديد من هؤلاء الأصدقاء الذين يعتقدون بأنّ إيران بلدٌ خاصٌ له بنية
جيوسياسية خاصة أو هيكل تاريخي، ليس لدي مثل هذا الرأي. الجغرافيا السياسية
في تركيا أو كوريا الجنوبية أكثر تعقيدًا بكثير من الجغرافيا السياسية لدينا”.

أعتقد بأنّ نهاية أي حكم هي الطريقة التي تتّخذ بها النخبة السياسية في بلد ما القرارات بناءً على البيانات الموجودة لديها. بقدر ما تنأى إيران بنفسها عن النظام الدولي متعدد الأقطاب، الذي يحكم العالم اليوم وتقترب أكثر من روسيا والصين، فإنها ستقلل من نفوذها. هذا يجعلنا نفقد الكثير من المزايا على المدى المتوسط ​​والطويل.

أيّ بلد يريد القيام بشيء ما يحتاج إلى موارد مالية. لماذا السعودية قوية للغاية الآن؟ إنه بسبب القوة المالية لهذا البلد. إنّ أكثر ما يهدد إيران هو تقليص الموارد المالية والدخل القومي، ولا يمكن توفير هذه الموارد المالية من دون وجود تنافسي في الاقتصاد الدولي. بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى استراتيجية مدتها عشرة إلى 15 عامًا، تركّز على السؤال: “كيف يمكن أن تصبح إيران غنية من خلال مزايا مثل الموارد الطبيعية والقوى العاملة والوصول إلى البحار”؟

كيف يعيش المواطنون الإيرانيون اليوم؟ ما هي نوعية الحياة والتكاليف؟ كم يمكن للأسرة الذهاب في رحلة منتظمة مع دخلها؟ ما هو الوضع في المجالات العامة والتغذية وفرصة التعلّم وتربية الأطفال؟ لدينا مشاكل أساسية في هذه الحالات. كل يوم، خيارات الناس أقلّ ومدّخراتهم أقلّ، وقوتهم الشرائية تتناقص.

اليوم، يمكن القول إنّ الشركات والقطاعات الخاصة في العالم لا تأخذ إيران على محمل الجد من الناحية الاقتصادية. وبغض النظر عن موضوع العقوبات، فحتى الشركات الأوروبية الصغيرة التي لا تعمل في الولايات المتحدة ولا تقلق من العقوبات الأميركية، لا تتعامل مع إيران بسبب مصداقيتها.

  • ولكن أين تعود جذور موضوع عدم وجود استراتيجية لإنتاج ثروة الإنتاج الوطني التي ذكرتها؟

هذه مشكلة سياسية، وحلّها يحتاج الى قرار سياسي على المدى المتوسط. هل إيران مستعدة لتغيير أسلوبها؟ هل لديها الثقة بالتغيير؟ في ما يتعلّق بالمملكة العربية السعودية، قامت الجمهورية الإسلامية بتحوّل كامل (تغيير السياسة بمقدار 180 درجة)؛ بينما تم ذكر السعودية في وسائل الإعلام لدينا باعتبارها العدو الرئيس لإيران لفترة طويلة، فقد تم فجأة الآن خلق جو ودي وسلمي. هذا يدل على أنه إذا تم الضغط على إيران، فإنها ستغيّر مسارها وتفعل أشياءً ستفاجئ الجميع.

“أظهر الاتفاق مع السعودية أنه إذا تم الضغط على إيران، فإنها
ستغيّر مسارها وتقوم بأشياء تفاجئ الجميع”.

هذا يدل على أن هناك قوة في الدولة قد تتّخذ قرارات لتغيير هذه الاستراتيجيات إذا كانت في وضع حرج وتحت الضغط. في نفس الوقت، لدينا مشكلة التواصل مع العالم. يمكن لأي سياسي تركي أو سعودي أو مكسيكي الاتصال بسهولة بالسياسيين من 20 إلى 30 دولة في غضون 24 ساعة عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو Skype أو أي وسيلة أخرى؛ لكنّ إيران لديها حد أدنى من هذه الروابط. ربما لا أملك معلومات دقيقة، لكني أشعر بأنّ سياسيينا يتنفّسون ضمن مساحة داخلية محدودة.

بالطبع، التواصل سواءً أكان سياسيًا أم علميًا، يتطلّب الثقة بالنفس. ربما يكون السيد محمد بن سلمان قد اتخذ قرارات خاطئة في بداية إدارته، لكنّه اليوم يعمل مع مجموعة من المستشارين المحليين والعالميين ويستشيرهم في كل قرار. هذا هو السبب بأنني أرى مستقبل البلاد وبقاءها خاضعين لاستراتيجية محورية تجيب على سؤال عن كيفية جعل إيران غنية. يعتمد مستقبل البلاد على توفير الموارد المالية وتوليد الثروة.

  • شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة احتجاجات واسعة النطاق وغير مسبوقة، ويبدو أنّ هذه الاستياءات مستمرة على مستوى الدولة، ويقول البعض إنه إذا حدث شيء لقائد الثورة في المستقبل، فقد يُصبح الوضع أكثر تعقيدًا. ربما يمكن أن تصبح الاحتجاجات عاملاً مساعدًا لتغيير الوضع الحالي. إذا تُوُفِّيَ قائد الثورة ودخلت البلاد في عملية الانتقال والخلافة، فما هي الظروف التي تنتظر إيران؟

إذا أردنا أن ننظر إلى هذه المسألة بطريقة مقارنة وعلمية، يجب أن نلاحظ أنه بشكل عام، في البلدان التي لديها إدارة مستقرّة لفترة طويلة؛ استقرار بمعنى أنّ مجموعة ما كانت في السلطة لفترة طويلة من الزمن، عندما تنتهي هذه الفترة، يمكن أن تحدث أشياء كثيرة وتُتاح الفرصة للقوى السياسية النائمة في المجتمع للظهور. نتيجة لذلك، علميًا ونظريًا، ومقارنة بالدول النامية الأخرى في العالم، يمكن التنبؤ بأننا نواجه فترة صعبة حتى تتحرّك الدولة نحو نوع من الاستقرار الإجرائي والمنهجي والشخصي وصنع السياسات.

“أمامنا فترة مليئة بالتحديات، حتى تتحرّك البلاد نحو نوع من الاستقرار
الإجرائي والمنهجي والشخصي والسياسي.”

في الفترة الحالية والفترة المقبلة، تركّز مشاكل إيران على الاقتصاد. وطالما أنّ الدولة لا تصل إلى استراتيجية مستدامة وتتحرّك تدريجياً نحو تحقيقها، فإنّ ذلك سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي واجتماعي، ويُعتبر أنّ الوقت ثمين للغاية بالنسبة للدول النامية مثل إيران. أي إنّ إيران تُضيع الوقت في حين أنّ دول الجوار تزداد ثراءً، ومنشآتها تزداد يوماً بعد يوم، وتتفوّق على إيران في مؤشرات التنمية، بينما تخسر إيران تلك الفرص. لذلك، يجب على الساسة وصنّاع القرار في البلاد إيجاد الوعي للتحرّك نحو التوافق وقيادة إيران نحو الإنتاج والثروة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: