الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 مايو 2023 07:48
للمشاركة:

“صبح شام” 7: في لقاء مع عبداللهيان.. الغنوشي يتجنب الحديث ضد النظام السوري

يتطرق وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان في كتابه "صبح شام" إلى الجهود الإقليمية والعربية الواسعة التي جرت لفرض تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، ويتحدث الوزير الذي كان أنذاك مسؤولا عن منطقة غرب أسيا وشمال أفريفيا في الخارجية الإيرانية عن الجهود التي بذلتها بلاده عبر مبادرة بأربع نقاط للوصول إلى حل للأزمة السورية.

في هذه الفترة، بجهود الإدارة الأميركية ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، اجتمع نحو 81 دولة في تونس، والتي خرجت لتوّها من الاضطرابات السياسية. كانت القمة تُسمّى بـ”مجموعة أصدقاء سوريا”. المجموعة المعروفة باسم أصدقاء سوريا كانت لها كلمة واحدة وهدف واحد، وهو: “محاولة زعزعة الاستقرار وخلق عدم استقرار سياسي واجتماعي وفوضى في سوريا، وإجبار بشار الأسد على التنحّي”.

لن أنسى أنه حتى السيد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، لم يكن بإمكانه اتخاذ موقف مختلف بشأن سوريا. في تلك الأيام، التقيت بالسيد راشد الغنوشي، وقد رحّب بالوفد الإيراني وحاول عدم التفوّه بكلمات ضد النظام السياسي السوري، وشرح نواياه الطيبة للمنطقة وإيران. كما عقدتُ اجتماعًا منفصلًا مع وزير الخارجية التونسي وسفيرنا الدكتور محمود محمدي، ورئيس الشؤون السياسية في وزارة الخارجية موسى فرهنج، اللذين كانا في تونس.

في الاجتماع الأول لما يسمى بمجموعة أصدقاء سوريا، عندما خرجت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون من الاجتماع، قالت للصحفيين إننا سنوفّر أسلحة لمعارضي بشار الأسد لنحصل على نتيجة. وقال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي آنذاك: “لست راضيا عن نتائج اجتماع اليوم الذي حضره نحو 81 دولة، وأريد التأكيد على أنّ بشار الأسد يجب أن يرحل، ولا حل سوى دعم المعارضة السورية بالسلاح”.

خُلقت هذه الاجواء في الدول العربية والغربية، وحاولت تركيا و قطر أيضًا إقناع إيران بالتوقف عن دعم سوريا. وعلى الصعيد الدولي، عُقدت اجتماعات مختلفة، بحضور أكثر من ثمانين دولة على مراحل عدة في تونس، ثم في بروكسل، ولاحقًا في باريس.  بالطبع، كان يذهب الإرهابيون الأجانب أيضًا إلى سوريا باسم المعارضة المسلّحة، من جميع أنحاء العالم (أوروبا، الولايات المتحدة، شمال أفريقيا، آسيا الوسطى..). ذهب هذا إلى حد بعيد بدعم من الأجهزة الأمنية الأجنبية، حيث أخبرني مسؤولو موسكو ذات مرة أنّ رئيس جهاز الأمن السعودي (بندر بن سلطان) قد جاء إلى روسيا لإقناعنا بالتوقف عن دعم سوريا، وأنه يعتقد بأنّ بشار الأسد سيتم الإطاحة به عسكريًا.

في عام 2012، قدمت جمهورية إيران الإسلامية مبادرة سياسية إلى الأمين العام للأمم المتحدة. في ذلك الوقت كان الدكتور صالحي وزيرًا للخارجية، وكانت هذه هي المبادرة السياسية الوحيدة على طاولة المفاوضات الدبلوماسية، في الوقت الذي كانت فيه الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى تفضل الحل العسكري. لاحقًا، عندما أصبح الدكتور ظريف وزيرًا للخارجية، وكنت لا أزال نائب وزير الخارجية، قمنا بتحديث المبادرة وتقديمها إلى الأمم المتحدة مرة أخرى. وقد تم بالفعل العمل لعشرات الساعات من الدراسة والاستشارة بشأن هذه المبادرة. وقمت أنا وبعض المسؤولين في النظام بزيارات مختلفة، ونوقشت المبادرة السياسية مع السيد بشار الأسد مرات عدة، ليشارك فيها القادة السوريون أيضا.

كان التشاور المستمر مع الرئيس السوري بشار الأسد توصية لطالما قدّمها القائد الأعلى والجنرال سليماني للهيئات ذات الصلة. وعُقدت اجتماعات ومحادثات مع عشرات من فصائل المعارضة السورية في طهران ومدن مختلفة في المنطقة. تم تقديم المبادرة المكوّنة من أربع نقاط بفهم للوضع الحقيقي في سوريا كحل سياسي للأزمة.  شددت الجمهورية الإسلامية على أنّ وقف القتال وسفك الدماء، ووقف تمدد الإرهابيين في سوريا، ضرورة ملحة. بناءً على ذلك، كان اقتراح طهران في الفقرة الأولى من خطة النقاط الأربع هو وقف إطلاق النار.

كان لا بد من التزام جميع الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار، من الجيش الحر إلى جبهة النصرة التي كانت فرعًا للقاعدة، حتى تنظيم “داعش”ـ الذي كان يتشكّل تدريجياً في سوريا، وكذلك الجيش السوري.

كانت الفقرة الثانية من المبادرة السياسية ذات النقاط الأربع لجمهورية إيران الإسلامية هي الإرسال الفوري للمساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع. في هذه المناطق كان الشعب السوري محاصرًا من قبل الإرهابيين.

أما الفقرة الثالثة، فكانت تنصّ على مراجعة الدستور السوري، وبالتالي إجراء استفتاء لإقرار الدستور الجديد.

وشددت الفقرة الرابعة على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا، بمشاركة جميع الأطراف.

لكن كانت هناك نقطة رئيسية في خطة جمهورية إيران الإسلامية، وبناء عليها، لم يتم الاعتراف بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلا بمشاركة الأحزاب التي تؤمن بالحل السياسي في سوريا. ومن الواضح أنّ حاملي السلاح، أي الإرهابيين الأجانب، ومن ارتبطوا بجماعات وأيديولوجيات إرهابية، لم يدخلوا في هذا الإطار.

على الساحة السياسية، كانت الجهود الإقليمية والدولية ومبادرة الرباعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مطروحة على الطاولة.  ثم سعت إيران لوضع المبادرة على جدول أعمال الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن. لهذا الغرض، دارت العديد من المشاورات والمحادثات مع الأوروبيين، مثل فرنسا، ألمانيا، النمسا، سويسرا، إيطاليا و بريطانيا، وبعض الدول في المنطقة، مثل عمان، قطر، الكويت، لبنان وباكستان، وكذلك روسيا، الصين، مصر، أستراليا، النرويج، منظمة الأمم المتحدة، منظمة التعاون الإسلامي و جامعة الدول العربية.  كما لعبت بعض دول المنطقة، مثل الجزائر، لبنان، العراق والكويت دورا بنّاءً لتنفيذ المبادرة الرباعية لجمهورية إيران الإسلامية.

في عام 2012، قدم الرئيس السوري أيضًا مبادرة سياسية جديدة. تتضمّن المبادرة  إنهاء الأزمة والعنف والإرهاب، رفض أي تدخل خارجي، رسم مستقبل البلاد على أساس التعددية السياسية، استكمال العملية السياسية وفق الميثاق الوطني، ثم صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة جديدة. أعلن الدكتور صالحي وزير خارجية إيران آنذاك، دعم الجمهورية الإسلامية لهذه المبادرة في مقابلة تلفيزيونية.

لكن الدول المشاركة في القمة التونسية (أصدقاء سوریا)، بما في ذلك الولايات المتحدة، السعودية، قطر، تركيا، فرنسا، بريطانيا وغيرها، لم تعطِ اهتمامًا لمبادرة الأسد السياسية، واستمرّت بدعم المعارضة والمسلّحين. في الوقت نفسه، طرح بشار الأسد، بنظرة فاحصة، التعديلات اللازمة على الدستور الجديد للاستفتاء.

بالإضافة إلى العقبات التي تحول دون تمهيد الطريق للمفاوضات بين أطراف الأزمة، كانت هناك قضية أخرى؛ يجب أن يجري الحوار السياسي بين أي أطراف؟ جانب واحد من الحوار السياسي بالطبع هي الحكومة السورية، لكن من يجب أن يكون في الطرف الآخر؟ طالبت الدول الداعمة للإرهاب، خلال المحادثات، قادة الجماعات الإرهابية والمسلّحة بحلق لحاهم ولبس بدلات وحمل القلم بدلاً من السلاح، والذهاب والجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف. كما تم تغيير أسماء هذه الجماعات خلال المفاوضات. على سبيل المثال، في مرحلة ما، تم تغيير اسم جماعة “جبهة النصرة” الإرهابية إلى “فتح الشام”. من ناحية أخرى، قال ممثلو الحكومة السورية إننا لسنا مستعدّين للتفاوض مع الإرهابيين. لا يمكن للحكومة السورية على الإطلاق الاعتراف بهذه الجماعة الإرهابية التي يشكل 30٪ من مقاتليها من غير السوريين والأجانب.

السؤال الآخر الذي ظهر في هذا الصدد هو هل من المنطق أن تجلس الجماعات المسلّحة التي قتلت الناس ولم تسلّم أسلحتها إلى طاولة المفاوضات بوساطة الأمم المتحدة؟ كان هذا أحد المواضيع الساخنة في لقاءاتي مع مسؤولي الأمم المتحدة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: