الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 مايو 2023 17:48
للمشاركة:

حاصر الكاظمي وأخرج الصدر.. “الإطار التنسيقي” يغرّد وحيداً

في مقابل الصدريين المبتعدين عن السياسة، بعد جملة قرارات من زعامتهم السياسية، تعيش القوى الشيعية الداعمة لحكومة محمد شياع السوداني ارتياحاً واضحاً، وتنتظر ما تصفها بالمتغيّرات المبشرة.

آخر “النجاحات” التي لا يترددون في التعبير عن فرحهم بها، هو “الطوق السياسي والقضائي” الذي فرضوه على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ومجموعة من مستشاريه ووزراء حكومته بتُهم متعدّدة، حيث يحضّرون لهم ملفاً قضائياً “كبيراً جداً”، كما يقولون.

قوى “الإطار التنسيفي” تحكي عن انتقالها من حالٍ إلى حال، بعد أن تعقدّت الأحوال بالنسبة لها إثر انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليس فقط لأنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أراد عزلها من الحكومة الجديدة، ومناداته مواربةً بنزع سلاح الحشد الشعبي، وفتح ملفات قضائية يرد فيها اسم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بل أيضًا بسبب وجود الكاظمي في القصر الحكومي، وتساهله مع الصدريين، على حد تعبيرهم في حديث لـ”جاده إيران”.

هكذا ترى شخصيات من “الإطار التنسيقي” أنها تجاوزت “محنةً وبحرًا من الدماء”، لولا اعتزال الصدر السياسة، بعدما أخفق بتشكيل حكومة أغلبية مع حلفائه السنّة والكرد في أيلول/ سبتمبر 2022.

زملاء محمد عبيد (29 عاماً) من منظمة بدر سبقوه إلى جولة القتال المحدودة، لإخراج المسلّحين الصدريين من المنطقة الخضراء، ومنعهم من التقدّم، ثم لحق بهم فور قراءته رسالة بهذا الشأن على هاتفه، كما يروي لـ”جاده إيران”.

يسكن محمد في منطقة حي العامل جنوب غرب بغداد، بجوار المئات من أنصار الصدر، والحرب ضدهم كما فكّر حينها “تعني نهاية أحد الطرفين المدججين بترسانة أسلحة تضم صواريخ وطائرات مسيّرة”، وأنّ امتدادها من المنطقة الخضراء إلى حيّه السكني المحاذي لشارع مطار بغداد سيجعل العائلات بخطر.

العراق خاصرة التشيّع الرخوة

داخل منزل صغير يعمل فيه بضعة شبان في شارع فلسطين شرق بغداد، ينشط الشيخ عباس شمس الدين في ما يراه مهمته، وهي “جهاد التبيين”، الذي يقوم على صناعة محتوى ثقافي وإعلامي مناهض للغرب والولايات المتحدة بالتحديد.

درس شمس الدين عند الراحل آية الله محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، وعُهدت إليه بمسؤوليات في مكتبه، لكنّه فرّ بعد اغتيال الصدر، عام 1999، إلى خارج العراق، حيث تنقّل لستة أشهر بين الأردن وسوريا، ثم عاد إلى العراق ليعيش متخفّياً.

من الماضي القريب إلى السنة الماضية، استعاد شمس الدين اشتباكات المنطقة الخضراء، حيث قال: “شعرنا بالقلق الشديد، إنها ظاهرة لم تحصل من قبل. رئيس الحكومة (مصطفى الكاظمي) انقلب على بقية المؤسسات، وسمح بدخول مسلّحين وميليشيات منفلتة إلى المنطقة بهذه الطريقة، بحيث تشعر أنك بلا دولة. كانت حقبة مظلمة”.

تلك الأحداث كانت “محنة كبيرة جداً، تُنذر بحرب طاحنة بين الشيعة”، كما يصفها المتحدث باسم حركة “حقوق” علي فضل الله خلال حديثه لـ”جاده إيران”.

بينما قال القيادي في حركة العصائب وجناحها السياسي “صادقون” محمود الربيعي: “الكاظمي كان يفتّت العراق ويمزّقه. الإطار التنسيقي وعصائب أهل الحق استوعبوا الأحداث وتسلّحوا بالحكمة والتعقّل، واستطعنا تجاوز الفتنة”.

وردّ الكاظمي على هذه الاتهامات في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 12 آذار/ مارس الماضي، معتبرًا أنّ حكومته تعرّضت لـ”عملية شيطنة استمرت” حتى بعد مغادرته المنصب. وأكد الكاظمي أنّ نهج حكومته في الاعتدال في السياسة الخارجية ولغة المصالح والتعاون والعلاقات مع الدول “بعيداً عن أسلوب الاستفزاز أو خيار التبعية” أثار “حفيظة من اعتادوا حصد المغانم من غياب الدولة، وكذلك من لديهم مشاريع لا علاقة لها بمصلحة العراق الفعلية”.

التيار هو مقتدى الصدر فقط

يستغرب شمس الدين القول إن محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، كان يعارض ولاية الفقيه.

وفي هذا الإطار يقول: “منذ عام 1969، السيد الشهيد كان يتحدث عن ولاية الفقيه وشكل الحكم فيها. وهناك مقاطع مصوّرة على يوتيوب يظهر فيها بشحمه وعظمه ولسانه وهو يقول إنّ أفكاره تنطبق مع أفكار السيد علي خامنئي بنسبة 99%، ويدعو الله أن لا يختلفا”.

أما خصومة التيار الصدري مع إيران، فتعود برأيه إلى “سياسة الجمهورية الإسلامية بعدم قطع الود مع أي فصيل ينشق عن التيار وإبقاء التواصل معه”. وتابع: “ربما فهم السيد مقتدى الصدر بأنّ هذا النوع من الإضعاف له وبأنهم (الإيرانيون) يجب أن لا يدعموا المنشقّين عنه، وهذا ما أحدث كل الغضب في تياره (على إيران)”.

ويقول شمس الدين أيضاً إنّ “إيران منذ حزيران/ يونيو 2003 وحتى 2011 لم تنقطع عن دعم وتمويل التيار بشكل كامل وتفصيلي”، وأردف: “لا ينكر هذه الحقيقة إلا مكابر”. ويستذكر شمس الدين إقامة الصدر في إيران بعد معارك “جيش المهدي” والقوات الأميركية في النجف عام 2004، وكذلك بعد معارك “صولة الفرسان” التي أطلقها نوري المالكي ضد مسلّحي الصدر 2007.

وأكمل شمس الدين: “مقتدى وجملة من الأخوة الذين رافقوه في حماية الجمهورية الإسلامية، وتحمّلت نتيجة ذلك ضغوطاً عندما كان خاتمي رئيساً للحكومة (إصلاحي ليس مع خط خامنئي)، عدا عن زيارته المتقطعة ودراسته، وعلاقاته بكثير من الأشخاص”.
وتحدّث شمس الدين عن تحالف التيار الصدري مع حركات يسارية، بينها الحزب الشيوعي في السنوات الماضية و”الدعاية الضخمة ضد إيران في العراق، من دون وجود بديل مناسب يدافع عنها، ما أدى لهذه النتائج الكبيرة”، بحسب رأيه، بحيث ظهر الخصام بين الصدريين وآية الله خامنئي ومن يؤمنون بولاية الفقيه.

شمس الدين عبّر عن أسفه لكون “العراق هو الخاصرة الرخوة للتشيّع، وتمكُّن الغزو الثقافي من تحقيق نجاح بنسبة يُعتَدُّ بها فيه، من دون أن يكون للأحزاب الإسلامية ودوائر التأثير الديني دور فعال في مواجهته”.

وتابع: “إذا قلّدت الصدر والتزمت خطه، هل سيتوجّب عليك معاداة بقية الفقهاء الشيعة؟ هذه كارثة”.

رغم ما سلف، يبدو شمس الدين مطمئنًّا إلى الوضع الراهن، إذ لا يتصوّر أن “يحدث تشنّج اجتماعي” نتيجة اعتزال الصدر للسياسة وعدم مشاركته في الحكومة. يقول: “التيار الصدري هو السيد مقتدى الصدر فقط. إذا دخل السيد مقتدى في مسألة معينة، فكل جمهوره يدخله معه، وإذا انسحب فكلّهم سيختفون. إذا لم يتقدّم السيد مقتدى أو يتأخر أو يذهب يمنياً أو شمالاً، فهم عندها في حالة سكونٍ، ولا يستطيع أحد منهم الخروج عن إذنه. بالتالي إذا اقتنع بعدم التدخل في أمر، مثل السياسة، فالأمر ينتهي”.

الآن نبني جسراً مع الشعب

يُبدي الربيعي وفضل الله تفاؤلاً كبيراً في أداء حكومة محمد شياع السوداني.

يعلّق الربيعي: “مرحلة جديدة من البناء والإعمار وتقديم الخدمات قد بدأت، والحكومة تسعى بجد والمعالم واضحة على ذلك”.

يؤيده فضل الله الذي امتدح “تحويل المناطق العشوائية والزراعية إلى مناطق عصرية، وحل مشكلة الكهرباء التي عجزت عنها الحكومات السابقة”، وأشاد بـ”الخطوات الجريئة في مكافحة الفساد واعتقال شخصيات بارزة، بغض النظر عن اسمها ومكانتها”، مضيفًا أنّ هذه الخطوات تمثل “جسراً” يعيد ثقة الشارع بالطبقة السياسية.

كما تناول فضل الله أيضاً “الانفتاح الجريء جداً للحكومة على المحيط العربي والدولي”، غير أنه شدد على “ضرورة عدم الانحناء أمام الولايات المتحدة” التي ينتقد الصدريون لقاءات سفيرتها آلينارو مانوسكي المتكررة بالوزراء والمسؤولين في الحكومة.

ورأى فضل الله، أنّ “القوى الشيعية مطالبة بتقديم الأفضل للمواطن العراقي، حتى لا يُستغلّ من قبل السفارات الغربية وتعود الأزمة من جديد”.

وحذّر شمس الدين من فشل الحكومة، مشيرًا إلى أنه إذا انخفض سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً أو أقل فإنّ العراق سيواجه مشكلة كبيرة جداً في تأمين الرواتب لقرابة 6 ملايين مواطن، الذين يموّلون بدورهم السوق المحلية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: