الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 مايو 2023 17:02
للمشاركة:

فيلم «البقرة».. فاتحة أفلام الموجة الجديدة الإيرانية

يُعتبر فيلم «البقرة» للمخرج الإيراني الكبير داريوش مهرجويي (مواليد عام 1939) أبرز وأول أفلام الموجة الجديدة* في إيران، وتم الاحتفاء به منذ أن أبصر النور ولا يزال مُلهما للأجيال السينمائية الإيرانية، حيث أنّه لا يحتوي على أي من العناصر السينمائية الشائعة في عصره، فالفيلم دافئ جدا، وتم تصويره بطريقة جذابة، وفي العام 2022 تم الاحتفاء به مجددا في برلين 2022، بعرض نسخة مرمّمة من تلك التي تم عرضها لأول مرّة في العام 1969.

قصّة بأبعاد

تدور أحداث الفيلم في قرية نائية، يملك فيها (مش حسن، أدى دوره عزة الله انتظامي) بقرة، يهتم بها ويعشقها، فضلا عن أنّها البقرة الوحيدة في القرية، يذهب لبعض أشغاله في المدينة ويغيب يوما واحدا، تموت فيه البقرة لسبب غامض، فيتأثر مش حسن لدرجة أنّه ولشدة حزنه يصدر سلوكا غريبا، حيث يتخيّل نفسه بقرة ويخور ويأكل الحشائش. هذا تلخيص للقصة.
لكن وحين التدقيق فيها نجد أنّ القرية قد تم تصميمها بشكل شبه مغلق، حيث أنّ العقلية التي يفكّر فيها القرويين تكاد تكون ساذجة لأبعد حدود، وبخاصة في تدبّر حلول للمشكلات، وهي أشبه بنموذج لأي قرية في العالم، في علاقاتها البسيطة، بل إنّ المخرج مهرجويي يدفع بالبساطة إلى أقصاها حين يعرض لنا شخصية مش حسن، الذي تربطه علاقة عميقة مع بقرته، يحمّمها ويشاركها ويعتني بها، ليس لأنّها مصدر رزقه وحسب، بل لاعتباره إياها جزءا لا يتجزأ من كينونته ووجوده، هنا يطرح فكرة فلسفية تقول بتشابه الإنسان مع موجوداته ومحيطه، وتماهيه معها.

هناك تقاطع كبير بين القصّة المأخوذة في الفيلم من قصة قصيرة للكاتب الإيراني غلام حسين ساعدي وقصّة (مريض الوهم) لابن سينا، حيث ترد القصّة عن أحد الأشخاص الذين يتوهم أنّه صار بقرة ويطلب إلى أهله أن يذبحوه، فحين يذهب إليه ابن سينا يعالجه عن طريق حيلة نفسية، يقول فيها بأنّ عليه أن يسمن حتى يستطيعوا ذبحه، وينقذه بهذه الحال، والتقاطع واضح من زاوية كون المريضين يتوهّمون نفسيهما بقرا، وإن قُيّض لنا متابعة قصة بطل ابن سينا، فلربما نجد فيها ما يتقاطع أكثر مع قصة فيلمنا.

الخروج من القمقم

لا يقول الفيلم بفكرة أنّ النأي عن العالم ينقذ الإنسان، حيث يحاول من خلال عنصرين تبديدها، الأولى تتمثّل بمجموعة من الشطّار اللصوص، حيث يظهرون في غير موضع بالفيلم، يهدّدون أمن القرية الساكنة، حيث أنّهم سرقوا في أحد المرات خراف أحد القرويين، كما أنّ أحد المشاهد تُظهرهم وهم ينظرون إلى بقرة مش حسن وفي عينيهم ما يشي برغبتهم بسرقتها.
وهو ما يخشاه مش حسن، وبالفعل، وبعد أن يُصاب مش حسن بمرضه الغريب، يأتي هؤلاء الشطّار اللصوص إلي حظيرته وحين يحاولون سرقة البقرة، يجدون مش حسن وهو نائم في مكان البقرة، حين ذلك يتفاجؤون بملاحقة القرويين لهم، فيهربون، دون أن يتمكنوا منهم، في فكرة تدلّ على عدم نضوب مصادر الشرّ والقلق.
العنصر الآخر يبدو من خلال أحد الشباب العائدين من المدينة، حيث يبدو لئيما، ويفتعل المشاكل، ويبدو أنّه يمثل فكرة الاحتكاك ما بين القرية المنسية والعالم، حيث أنّ البساطة لا تنقذ أحدا.

بداية العالم

حين تسوء صحة مش حسن وتتداعى، يقرر الرجال أخذه إلى المدينة، فلا يستجيب لهم، فيقومون بربطه كما يتم ربط أي حيوان ويأخذونه عنوة إلى المدينة، في يوم مطير، وفي الطريق ولتمنّع مش حسن عن السير يلجأ إسلام إلى ضربه ناعتا إياه بالحيوان وضاربا إياه كحيوان، مأخوذا بفكرة مش حسن حيث يحسّ نفسه في لحظة أنّه يضرب حيوانا، حتى ينبّهه من معه، وفي الطريق يسقط مش حسن بعد أن يفرّ منهم، ومن خلال الفيلم لا يبدو ما إن كان قد مات أو لا، لكن المشاهد اللاحقة تُظهر إسلام وهو يعود إلى القرية لأخذ العربة والتي تشي ربما بموت مريضهم.

وفي المشاهد النهائية، يظهر مشهدان، إسلام وهو يعود لأخذ عربته ربما لحمل جثة مش حسن، أو في أحسن الأحوال لحمله بعد تدهور حاله، وهنا تُقام في القرية تحضيرات الزواج لأحد صبايا القرية، حيث يُظهر مخرج الفيلم تبرّج العروس وضرب الدفوف.

بطاقة الفيلم

اسم الفيلم: البقرة (گاو)
المخرج: داريوش مهرجويي
السيناريو: لمهرجويي عن قصة قصيرة للإيراني غلامحسين ساعدي
الموسيقا التصويرية: هرمز فرهت
مدة الفيلم: 144 دقيقة
الممثلون: بطولة عزة الله انتظامي (مش حسن)، علي نصیریان، جعفر والي، جمشید مشایخي، فیروز بهجت‌ محمدي…

الجوائز

جائزة أفضل فيلم في مهرجان لاروشيل السينمائي الدولي لعام 1972
جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان برلين السينمائي الدولي 1972
رشح لجائزة جولدن هوغو في 1971 مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي
الحائز على جائزة Fippershi مهرجان البندقية السينمائي 1971
الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان الأفلام بوزارة الثقافة والفنون 1971
جائزة أفضل سيناريو من مهرجان سيباس السينمائي 1970

الفيلم بنسخة مترجمة إلى العربية في يوتيوب:

https://www.youtube.com/watch?v=6e1a28yIFhM

*الموجة الجديدة (بالفرنسية: La Nouvelle Vague)‏ هو مصطلح يستخدمه النقاد للتعبير عن أفلام سينمائيين فرنسيين من نهاية خمسينيات وحتى نهاية ستينيات القرن العشرين، الذين تأثروا بسينما الواقعية الجديدة الإيطالية وسينما هوليوود الكلاسيكية. رغم أنها لم تكن حركة منظمة بشكل رسمي، لكن سينمائيي الموجة الجديدة كانوا مرتبطين برفضهم الواعي للشكل السينمائي الكلاسيكي وروحهم الشبابية المتمردة على التقاليد وشكلوا جزءاً من السينما الفنية الأوروبية. العديد منهم اشتركوا بأعمالهم بالانقلابات السياسية والاجتماعية في تلك الفترة، جاعلين تجاربهم الراديكالية في التحرير والأسلوب البصري والسردي جزءاً من انقطاع عام مع النموذج المحافظ.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: