الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 مايو 2023 19:38
للمشاركة:

“صبح شام” 5: خطة إسقاط نظام الأسد وتغيير ميزان القوى

يؤكد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان أنّ شرارة المعارك في سوريا انطلقت مع إطلاق نار من قبل مسلّحين أجانب على المصلين في مدينة درعا جنوب سوريا، ويشير في كتاب "صبح شام" الذي تواصل "جاده إيران" ترجمة مقتطفات منه، إلى أن ما حدث في درعا جاء ضمن مخطط أميركي – إسرائيلي – سعودي من أجل توجيه ضربة كبيرة لإيران وحلفائها في المنطقة.

درست الولايات المتحدة وإسرائيل سبب فشل الهجوم على غزة، وخلصت إلى أنّ أحد أهم مكوّنات جبهة المقاومة (محور المقاومة) هو وجود سوريا فيها. ظنّوا أنهم إذا استطاعوا زعزعة استقرار سوريا وقطع طريق اتصال المقاومة، فإنّ ميزان القوى في المنطقة سيتغيّر جذرياً. من وجهة نظرهم، كانت هناك أسباب لذلك.

أولاً، اعتقدوا بأنّ مؤشرات الديمقراطية في سوريا لم تكن قوية جدًا. ثانيًا، كانت هناك موجة في المنطقة سقط فيها رؤساء مدى الحياة (دكتاتوريون)، مثل بن علي وحسني مبارك. فبنفس المنطق يمكننا التوجه إلى سوريا، لأنّ عائلة الأسد كانت في السلطة لفترة طويلة. برغم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، حتى في أصعب ظروف الحرب على الإرهاب في سوريا، أرادت الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ هذا القاسم المشترك لسوريا مع الدول العربية الأخرى وهندسته عكسياً.
وتكون نتيجة هذه الهندسة العكسية سقوط بشار الأسد، حليف إيران وصديق حزب الله اللبناني. بعد سقوط الأسد، يتم قطع طريق إرسال أي مساعدات لوجستية من سوريا إلى الخطوط الأمامية للمقاومة. في نفس الوقت، يتم القضاء نهائيًا على التهديدات التي قد توجه لإسرائيل عبر الجولان.
في نظر مخططي مواجهة النظام السياسي السوري، كان الخلل و الضعف الأول في سوريا هو حكم حزب البعث لسوريا كحزب واحد بلا منافس. لم يكن هناك تعدد الأصوات، وكان هذا هو ضعف الحكومة السورية، وهنا الأمل بأن يتمكنوا من ركوب هذه الموجة. وكان الضعف الثاني في سوريا، أنها تشبه مصر و تونس، على رأسها أسرة تحكمها مدى الحياة. إنهم لاحظوا هذه النقطة على أنها ضعف. وبرأيهم، فإنّ الخلل والضعف الثالث، والفرصة لتحقيق سيناريو الانهيار في سوريا، هي أنّ الجيل الشاب في هذا البلد سيطالب بالمزيد.
قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها، مع مراعاة هذه القضايا، تغيير الوضع في سوريا. في الخطوة الأولى، كان من المفترض أن تدير شبكتا “العربية” و “الجزيرة” الرأي العام. بدأت قناة الجزيرة القطریة هذا العمل بكثافة وتخطيط كبيرين، کما أنّ كلّ وسائل الإعلام التابعة فعلت الشيء نفسه. لكنّ نتيجة الدعاية لم تكن أن يتجمّع أهل دمشق باستمرار في شارع أو ساحة (میدان) كبيرة. كان هذا مخالفًا لسلوك شعوب الدول الأخرى في المنطقة، أي أنّ نمط الثورة في مصر، تونس، اليمن، ليبيا والبحرين لم یتکرر في العاصمة السورية.
وبسبب خيبة أملهم من فعالية هذه الخطة، قاموا على الفور بإحضار الجماعات المسلّحة الأجنبية إلى مدينة درعا الحدودية في أيام قليلة. في ذلك الوقت، كنت أتابع التطورات في المنطقة من طهران، و تحديدا في مبنى وزارة الخارجية، حيث واجهنا مع زملائي في الوزارة و الإدارات الأخرى ذات الصلة، قضية الهندسة العكسية للثورة في سوريا. وصل عدد من المسؤولين البرلمانيين والتنفيذيين السوريين إلى إيران في تلك الأيام، وكانوا قد حضروا صلاة الجمعة في مدينة درعا قبل أيام حيث اندلعت أولى الاشتباكات المسلّحة. وصف شهود عيان الحادث بأنّ اثنين من الإرهابيين الأجانب كانا يختبئان بالفعل في مآذن المسجد. كانت الساحات الداخلية والخارجية للمسجد ممتلئة بالناس، وكان إمام الجمعة يلقي خطبة الصلاة، ثم أُطلق عليهم النار فجأة. كانت هذه نقطة انطلاق الصراع في سوريا.
في شرح مسار الثورات، يقول الخبراء الأمنيون والاستخباراتيون إنّ الثورة التي تبدأ بالقرب من الحدود ليست ثورة. بل يجب البحث عن السبب في الجانب الآخر من الحدود، والعناصر التي دخلت البلاد من الخارج وخلقت حالة انعدام الأمن. القوات الأمنية والعسكرية السورية، مع إدراكها لدخول الإرهابيين لسوريا من الخارج وقتل الناس، تحرّكت على الفور للسيطرة على مدينة درعا، وأطلقت النار على المهاجمين دفاعًا عن الناس وعن نفسها.

كان أحد أهم الأسئلة بالنسبة لنا في تلك الأيام، هو كيفية مساعدة الحكومة السورية في التعامل مع الجماعات المسلّحة الأجنبية، التي اتخذت مواقع لها في المدن، واستخدمت الناس كدرع بشري.
وبعد الاشتباكات في درعا، أصدر السيد بشار الأسد على الفور الأمر اللازم بهذا الصدد، بحيث إذا حدثت أعمال شغب في مدينة أخرى، فإنّ قوّات الأمن ستتعامل معه بالمثل. وكان للجنرال قاسم سليماني دور استشاري مهم في هذا الشأن.
ثم تصدت القوات الحكومية للمتظاهرين بسيارات رش المياه و سيارات الإطفاء. من جهة أخرى، قام بعض المتظاهرين بإطلاق النار على هذه القوات بأسلحة آلية. لهذا السبب، لم يكن بالإمكان الرد على من أطلق الرصاصة بالماء! بينما سرعان ما اتضح أنّ هذه الأحداث ليست من جنس الاحتجاجات على الإطلاق. وهكذا امتدّت الأحداث إلى مدن سورية أخرى، منها دمشق. وكانت تلك بداية الهندسة العكسية التي بدأها مثلث الولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية. أعلن الإرهابيون، وأحياناً أنصارهم بشكل أو بآخر، هدفهم، وقالوا إنهم سيستمرون في الصراع إلى درجة زعزعة استقرار لبنان، سوريا والعراق، حليف جمهورية إيران الإسلامية. كما أنهم أرادوا العمل على زيادة انعدام الأمن (الفوضی) في لبنان، إلى درجة تجعل حزب الله عاجزًا عن لعب دور في لبنان والمنطقة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: