الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 أبريل 2023 07:50
للمشاركة:

“صبح شام” 3: ما جرى في البحرين وسوريا مختلف

في القسم الثالث من ترجمة كتاب "صبح شام" الذي تقدمه "جاده إيران" يقول مؤلف الكتاب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أنّ أحداث الثورات التي شهدتها الدول العربية بدءًا من 2011 أظهرت اختلافًا بين ظروف هذه الدول، خاصة سوريا والبحرين، خاصة لجهة وجود قائد للاحتجاجات في البحرين، وعدم سلمية التحرّكات في سوريا.

أظهرت الصور الواردة من مصر في ذلك الوقت – والتي تم بثها لاحقًا بطريقة مُدارة ومنظمة بواسطة القنوات الأميركية – السيدة كلينتون وهي تدخل ميدان التحرير في مصر، بحضور نحو 50 شخصًا فقط، أي في نفس الميدان حيث كان حاضرًا فيه أكثر من مليون شخص في الليلة السابقة. وهذه علامة أخرى تخبرنا إنّ هذه الأحداث كانت صحوة إسلامية و ليس ربيعًا عربيًا!
اسمحوا لي أن أذكر نقطة أخرى هنا. منذ البداية لاحظت في المفاوضات الدبلوماسية أنّ استخدامنا لمصطلح “الصحوة الإسلامية” لا يحبذه بعض المسؤولين العرب والأوروبيين. لطالما أخبرت الأطراف المفاوضة، الخارجية والدولية، إنّ أحد المظاهر الواضحة في ميدان التحرير في القاهرة هو أنّ الأشخاص المعتصمين هناك منذ أسابيع عدة يشكّلون صفوف صلاة الجماعة وقت الصلاة. يقولون في شعاراتهم: “الإسلام هو الحل الوحيد”. أي إنهم يعتبرون الإسلام هو الحل لمشاكل بلادهم. قلت لهم إنّ الشباب المصريين ليس لديهم هتافات اشتراكية في الشوارع. إنهم لا يهتفون بشعارات غير إسلامية إطلاقًا، بل يتابعون كل مطالبهم، حتى الحرية، في إطار المطالب الإسلامية.

كانت السمة البارزة للحركات الشعبية (الاحتجاجات) في شمال أفريقيا وغرب آسيا هي أنّ الانتفاضات لم تكن تحت قيادة واحدة.

لا أحد يستطيع أن يدّعي إنه يقود هذه الاحتجاجات. في مصر سقط مبارك. لكن من كان قائد الثورة المصرية؟ لا يمكن تسمية أي شخص. شارك العديد من الأشخاص، و جماعة الإخوان المسلمين، والعديد من الأحزاب الإسلامية والوطنية المصرية في الثورة. في تونس، كان حزب النهضة والسيّد راشد الغنوشي مؤثرين. لكن السيّد الغنوشي لم يشارك في ذروة الاحتجاجات والتطوّرات في ميادين الاحتجاج في تونس. برأيي، في بداية التطوّرات، حتى بعض القادة لم يعتقدوا بأنهم سينجحون. لهذا السبب، لم يرغبوا بالمخاطرة بفقدان الحد الأدنى من فرصة النشاط السياسي إذا نجت الأنظمة الديكتاتورية بقمع هذه الاحتجاجات.
كان الوضع مشابهًا في اليمن. في عام 2011، كان الحوثيون نشطين، وكان مسار التطوّرات على النحو الذي لعب خلاله الحوثيون وأنصار الله دورًا مهمًا في التطورات السياسية والأمنية في اليمن، و ساهموا في الوحدة الوطنية لهذا البلد.
في الواقع، كانت إحدى السمات المشتركة لجميع الانتفاضات والثورات هي أنّ بعض الشباب، عبر الفيسبوك و الفضاء الافتراضي (شبكات التواصل الاجتماعي)، دعوا الناس للتجمع في الميادين؛ في مصر، «ميدان التحرير»، في اليمن ،«ميدان التغيير»، في البحرين، «ميدان اللؤلؤ»، وكذلك في كل عاصمة، ميدان كبير.

لفهم ما حدث في سوريا بشكل أفضل، يجب الانتباه إلى هذه النقاط. في الصفحات التالية سأقول لماذا اتّخذت الأحداث في سوريا شكلاً مختلفًا، لماذا في مصر عندما خرج الناس إلى الشوارع واندلعت الثورة، لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من قبل الناس، لماذا لم تتواجد داعش، القاعدة وجبهة النصرة في ميدان التحرير، لماذا في تونس لم يحدث ذلك، و لكن في سوريا إنحرف اتجاه حركة احتجاج الناس، وتحوّلت إلى حرب طويلة وإرهابية.
هناك نقطة أخرى مهمة، وهي أنه بالتزامن مع دعوات الشباب عبر “الفيسبوك”، لعبت الأحزاب والجماعات الإسلامية المتجذّرة، وحتى الوطنية، والتي لها تاريخ من النضال، دورًا في توجيه حركة الناس على حد مستواهم. وكما قلت، نرى في كلّ التجمعات أنّ سلوك الناس كان متوافقاً مع شعائر الإسلام و لا غير.
علی کل حال، حدث شيء ما في هذه المنطقة (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، مما أدى إلى تطورات مماثلة تقريبًا. البحرين و سوريا كانا استثناءً. كانت الانتفاضة الوحيدة التي لها قائد بين هذه الدول، هي انتفاضة الشعب البحريني. بالطبع، كان نمط الحركة وبداية الاحتجاج مماثلًا للدول الأخرى. دعوا شباب البحرين، الناس للتجمّع في ساحة اللؤلؤ، عبر الفضاء الافتراضي.

اللافت للنظر أنّ هناك رجلاً اسمه السيد حسن مشيمع، والذی كان قیادیًا فی الأحزاب الشيعية النشطة، ويؤمن بالاحتجاج السلمي لمتابعة المطالب، أدى صلاة الفجر جماعة مع بعض الشباب في ساحة اللؤلؤ، ثم ساروا في طريقهم إلى القرب من قصر الأمير. لكنّ مطالب الشعب البحريني كانت في الغالب ضئيلة، وكان شعارهم الرئيسي: “لكل بحريني صوت واحد”.
على الصعيد الميداني (على الأرض)، كان بعض الشباب یسیرون خلف السيد حسن مشيمع. على الصعيد السياسي، كانت جمعية الوفاق البحرينية نشطة مع أمينها العام الشيخ علي سلمان. وعلى المستوى العام، كان تركيزهم على آية الله الشيخ عيسى قاسم لرسم خارطة الطريق للشعب. إنّ وجود قائد في ثورة الشعب البحريني جعلها تختلف عن الثورات في بقية الدول، في الأسلوب، المنهج والسعي السلمي لمتابعة المطالب. لكنّ الحكومة البحرينية والجيش السعودي لجآ إلى القتل والاعتقال وسحب الجنسية، وحتى إعدام السكان الأصليين والشباب في البحرين.
في مصر، بعد عام، وللأسباب التي سأتناولها، تم إغلاق طريق الثورة أخيرًا بمزيج من التدخل السعودي والإماراتي، واستخدام عنصر الشعب.
في تونس، تم تحقيق مستوى من المطالب، واكتفت التيارات الإسلامية بالحد الأدنى. عاد العلمانيون إلى السلطة مرة أخرى بعد فترة. في الواقع، إنّ التطوّرات في تونس تقدّمت إلى نقطة معينة، ثم تمّت متابعة المطالب بطريقة سياسية.
لكن في البحرين، كانت المناوشات و الحركة (الانتفاضة)، ومطالبات الشعب، مستمرّة على الرغم من تدخّل واحتلال البلاد من قبل النظام الأمني والعسكري السعودي. وصل مستوى التدخل إلى درجة أنه يمكن القول إن النظام السعودي قد سيطر بطريقة ما على سلطة آل خليفة.
أريد أن أستنتج أن شيئًا مهمًا حدث في المنطقة. بعد عقود سقط الحكام بالوراثة في بعض هذه البلدان، وبات الحكام الآخرون في المنطقة يتساءلون ماذا يفعلون؟ اعتقدت الحكومة السعودية بأنه إذا استمر هذا الاتجاه، فسوف يصل قريبًا إلى المملكة العربية السعودية. كما كانت الإمارات، المغرب والأردن قلقة للغاية. من ناحية أخرى، كان الأميركيون قلقين للغاية. لقد رأوا حلفاءهم التقليديين والتاريخيين في المنطقة يسقطون الواحد تلو الآخر، من دون وجود بديل مناسب لهم. لهذا السبب، حاول الأميركيون والسعودية وحلفاؤها إعداد خطة لمنع هذا الفيضان المدمر.
كان النظام الصهيوني أكثر قلقاً من غيره، لأنّ هذه التطوّرات، رغم كل التقلّبات، كانت بمثابة إنذار جاد للصهاينة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: