الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 مارس 2023 10:27
للمشاركة:

“صبح شام” 2: ربيع عربي أم صحوة إسلامية؟

يتحدث وزير الخارجية الإيراني في كتابه "صبح شام" عن رؤية بلاده لما حصل في العالم العربي منذ ثورة تونس عام 2011، وما رافقها من انتفاضات غيّرت المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث يشدد في هذا الكتاب الذي تقدم "جاده إيران" القسم الثاني من ترجمته، على أنّ ما جرى هو صحوة إسلامية لديها ما لديها من رسائل ضد السياسة الأميركية.

عندما تولّيت مسؤولية الشرق الأوسط و منطقة الخليج كمدير عام في وزارة الخارجية، واجهت أزمات عدة أو قضايا جذرية في مجال عملي. القضية الأولى هي فلسطين. قضية فلسطين من أهم قضايا النظام ووزارة الخارجية. أما الموضوع الثاني، فهو التطوّرات في العراق والتحرّكات الإرهابية في ذلك البلد، والتي لازالت مستمرّة في زعزعة الاستقرار. على الرغم من وجود هاتين القضيتين والتحدّيين الرئيسيين في مجال عملنا في الشرق الأوسط، فقد واجهنا في عام 2011 حركة (احتجاجات) في تونس، أدت إلى انتفاضة شاملة، بحيث لم تكن الانتفاضة التونسية حادثة بسيطة، ولم تكن محصورةً داخل تونس فقط.

كانت بداية القصة أنّ بائعًا متجوّلاً أضرم النار في نفسه احتجاجًا على الظروف الاقتصادية السيئة في البلاد. انتشر الخبر بسرعة عبر شبكات التواصل والفضاء الإلكتروني (الافتراضی)، مما أثار موجة من الغضب والاستياء في تونس ضد الرئيس بن علي، الذي أسس حكومة فاسدة لأكثر من ثلاثة عقود. انتقلت هذه الانتفاضة العامة والغضب على الفور إلى مصر، وانتشرت هناك أيضًا.
قبل التطرّق إلى التطوّرات المتوترة في سوريا في السنوات الأخيرة ، سأحاول أولاً أن ألخّص بإيجاز المشهد الدولي والإقليمي العام في ذلك الوقت. الحكومات العائلية والملكية، ووجود رؤساء مدى الحياة في بلدان مثل ليبيا، تونس، اليمن ومصر من جهة، والصحوة التي تأثرت بحدثين مهمين، وهما الثورة الإسلامية الإيرانية والثورة في مجال الاتصالات (شبكات التواصل الاجتماعي)، ووصول جيل الشباب إلى الانترنت وإدراكهم للوقائع التي كانت تدور حولهم في المنطقة والعالم من جهة أخرى، مهدت الطريق لتراكم مطالب الشعوب والمطالبة بالتغيير في هذه البلدان.
إضافة إلى ذلك، فإنّ المطالب الإسلامية القائمة على أساس الديمقراطية في هذه البلدان كانت كالنار تحت الرماد. المطالب السياسية والاجتماعية المتراكمة للشعوب، خاصة في أوساط جيل الشباب في هذه الدول، والتي استلهمت من انتصار الثورة الإسلامية في إيران و دور القادة الدينيين والسياسيين في العراق كدولة عربية، زادت على أبعاد هذه المطالب. استطاعت الحركات الدينية و الوطنية، على الرغم من وجود الاحتلال الأميركي، مع استمرار النضال في مجال السياسية ودور الشعب و المرجعية، أن تؤسس نظامًا سياسيًا يقوم على تصويت الشعب، لتؤمّنَ تدريجيًا استقلال العراق، وتجبر الولايات المتحدة على سحب قواتها العسكرية عام 2010 من العراق.

وهكذا، في شمال أفريقيا وغرب آسيا، رأينا أملًا في التيارات السياسية والإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، و شاهدنا مطالب إسلامية واجتماعية. بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، اكتسب الإخوان المسلمون، حيث كان لديهم نشاط سياسي سري لعقود عدة، الأمل والحافز لبذل جهد جاد لإحداث تغيير كبير. أدّت هذه المطالب الشعبية، وبعض التطوّرات إلى ظهور ظاهرة تسمى “الصحوة الإسلامية” في غرب آسيا وشمال أفريقيا.
يُفسِّر البعض الصحوة الإسلامية على أنها ربيع عربي. لكن برأيي أنّ واقع التحوّلات التي حدثت، والتي قُمعت في ما بعد ولكن لم تختفِ هي “صحوة إسلامية”، وليس ربيعًا عربيًا! حاول البعض تسميته ربيعًا وازدهارًا جديدًا، بناءً على خطة، و قالوا إنه ليس إسلاميًا بل عربيًا. لذلك، ابتكروا عنوانًا مصطنعًا لهذا الحدث الرائع والمهم في التاريخ الاجتماعي والسياسي لمنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا؛ خاصة أنّ هذه التطوّرات ظهرت جليًّا في دولة مصر التاريخية والإسلامية. خلال أحد لقاءاتي في القاهرة في 2012، سمعت من السيد حسنين هيكل أنه إذا تخيّلنا العالم العربي كطرفي المقص، فإنّ مصر في نهاية هذه الزاوية؛ بهذه الطريقة، إذا كانت هناك درجة من التغيير في مصر، أي إنّ زاوية المقص انفتحت أو أُغلقت قليلاً، يمكن رؤية تأثيره على طرفي المقص، أي في العالم العربي، إلى أمتار أو كيلومترات عدة على حد تعبيره.

وأضاف: “حسب معرفتي عن العالم العربي، إذا سارت التطوّرات في مصر باتجاه الإصلاح أو التغيير أو الثورة، فسيكون لها بلا شك تأثيرها على العالم العربي كله”، وتابع: “لكن اذا نجح أعداء العالم الاسلامي بقمع الحراك في مصر، وإغلاق طرفي المقص، فسيكون لذلك أثر على المنطقة أيضا”. سنذكر المزيد من التفاصيل عن خصائص المجتمع المصري و تطوّراته المتأثرة بالربيع العربي في الصفحات التالية.
مع ذلك، جاءت أحداث عام 2011 بمثابة صدمة كبيرة للمنطقة، وللأسر الحاكمة، الأنظمة الملكية و الرؤساء مدى الحياة. كما رافقت هذه الأحداث إنجازات. في تونس، سقطت الحكومة المغلقة و الأمنية لـ”بن علي” بالكامل. في مصر، أطيح بحسني مبارك، واضطرّت الولايات المتحدة التي دعمته حتى اللحظة الأخيرة لقبول الحقيقة. اضطرّت السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، للتوجّه إلى ميدان التحرير في القاهرة بعد أيام قليلة من تغير الوضع السياسي وسقوط حسني مبارك، وحاولت التقاط صورة مع الشباب المصريین والثوار و نشرها إلى العالم، لكنّ الشباب المصريين بعثوا برسالة بهذا المضمون في الفضاء الإفتراضي (شبكات التواصل الإجتماعي): «ما عانينا منه من ديكتاتوريات حسني مبارك وأنور السادات وغيرهما في مصر خلال هذه السنوات يرجع إلى السياسات الخاطئة للولايات المتحدة والنظام الصهيوني».

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: