الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 مارس 2023 21:05
للمشاركة:

علي شمخاني.. عرّاب التقارب بين إيران والدول العربية

متنقلًا بين عدة عواصم إقليمية ودولية، نجح أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني بتحريك المياه الراكدة في علاقات الجمهورية الإسلامية مع دول المنطقة، وتحديدًا السعودية والإمارات. ورغم التقارير بداية العام الحالي عن إمكانية تنحيته من منصبه بعد إعدام أحد مساعديه السابقين بسبب تهم بـ”العمالة”، نجح شمخاني في الأسابيع الماضية من تثبيت نفسه كأحد الشخصيات المحورية في النظام الإيرانية.

بالعودة إلى الماضي، وقف شمخاني ضد حكم الشاه قبل قيام الثورة الإسلامية وتصدّى لمعارضيها عند قيامها، وقاد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني إبان الحرب العراقية- الايرانية. كما تولى وزارة الدفاع في عهد حكومة محمد خاتمي، وألّف عدّة كتب في مجال العلوم الاستراتيجية والعسكرية، وعرف بمهندس العلاقات العربية الإيرانية. فمن هو علي شمخاني؟ وكيف تدرّج ابن الأقلية العربية القادم من الأهواز في مشواره السياسي حتى تعيينه أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي؟

من الثورة إلى الحرب العراقية

تمثلت باكورة نشاطات علي شمخاني السياسية في مواجهة سلالة بهلوي في الخمسينات، ما أدّى إلى اعتقاله من قبل جهاز المخابرات الإيراني آنذاك (السافاك). وفي أواخر عهد الشاه محمد رضا بهلوي وعشية الثورة الإسلامية كوّن شمخاني علاقة بآية الله حسين علي منتظري، أحد أقرب تلامذة آية الله الخميني والذي كان منفيًا حينذاك في الأهواز.

هذه العلاقة دفعت شمخاني للانتساب لمجموعة دينية سرية ومسلحة في المدينة قامت ببعض العمليات العسكرية المناوئة لنظام الشاه. وبعد قيام الثورة الإسلامية، انخرط شمخاني في العمل الأمني والعسكري، ليصبح فيما بعد قائدًا لقوات “لجان الثورة الإسلامية” في محافظة خوزستان.

مع اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية عام 1980، كان الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، والمسؤولون في بغداد يعوّلون على انضمام عرب خوزستان للقتال في صفوف الجيش العراقي ضد إيران.

إلا أن ذلك لم يحدث، فعرب إيران اختاروا البقاء إلى جانب وطنهم، وبعضهم انضوى في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وكان شمخاني أحدهم، وهو الذي شهد سقوط اثنين من أشقائه في تلك المعارك، وهما محمد وحامد.

كان شمخاني عضوًا مؤسسًا في الحرس الثوري الإيراني في خوزستان، وعيّن قائدًا للقوات العسكرية فيها وقائدًا بالإنابة للقوات الإيرانية المشرفة على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (598) المتعلق بإنهاء الحرب بين إيران والعراق.

وفي عهد حكومة مير حسين موسوي أصبح شمخاني ثاني وآخر وزير للحرس الثوري ما سمح له بالعمل بالقرب من رئيس الوزراء.

تولى شمخاني مسؤولية قيادة القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني إبان الحرب العراقية- الإيرانية، وشغل بالتزامن مع ذلك منصب النائب القائد العام لفيلق الحرس الثوري، في الفترة الممتدة بين 1981-1989.

وبعد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، انتقل شمخاني بأمر من القائد الأعلى علي خامنئي إلى صفوف القوات المسلحة الإيرانية، قائدًا للقوة البحرية للجيش الإيراني في عهد حكومة أكبر هاشمي رفسنجاني (1988-1997)، ليتولى مهمة تحديث العقيدة القتالية والمعدات الخاصة للقوتين البحريتين في إيران.

اتفاقية أمنية مع السعودية

مع انتخاب محمد خاتمي رئيسًا للبلاد في تموز/ يوليو 1997، تم تعيين شمخاني في منصب وزير الدفاع وهي المهمة التي انتهت في عام 2005. وأثناء تصديه للمنصب قام شمخاني بزيارة تاريخية إلى المملكة العربية السعودية، عام 2000، أفضت إلى توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين، فحاز على وسام شرف من الملك السعودي آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز.

عام 1999، حاز شمخاني على رتبة “أدميرال” (ما يعادل اللواء)، إضافة إلى 3 ميداليات شجاعة من خامنئي. وفي عام 2001، وخلال زيارة شمخاني لموسكو، أعجب بصاروخ (Sunburn) الاستراتيجي، عالي الفاعلية، فأشار إلى القيادة في طهران بإجراء مباحثات لشرائه ونجحت العملية، واليوم يعد الصاروخ رافعة قوية للبحرية الإيرانية.

عام 2005، اندلعت احتجاجات في الأهواز اعتراضًا على ما سمي بسياسات إيران للعمل على تغيير النسيج السكاني للإقليم، فحاول شمخاني لعب دور الوسيط بين الحكومة والمنتفضين، إلا أن سكان المحافظة رفضوا تدخله ورموه بالحجارة والطماطم عندما حاول زيارة أحد معاقل الانتفاضة بحي الدايرة في الأهواز.

أدرجت وزارة الخزانة الأميركية 8 مسؤولين كبار في الجمهورية الإسلامية، من بينهم علي شمخاني، على قائمة العقوبات، بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2009.

وفي عام 2013 عيّن شمخاني عضوًا في المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية ومن ثم أمين مجلس الأعلى للأمن القومي، وهو الكيان المحوري في تشكيل سياسات الدفاع والأمن الاستراتيجية تحت إشراف المرشد الإيراني، ليحل شمخاني الوسطي والعملي محل سلفه المتشدد سعيد جليلي، والذي تلقى المجلس في عهده انتقادات كثيرة، نظرًا للأساليب التي تعامل بها مع الدبلوماسية الدولية.

ارتياح عربي

تلقى كثر في العالم العربي خبر تعيين شمخاني في المنصب الجديد بارتياح، كذلك فعل انصار التيار الإصلاحي في إيران. ومع تصديه للمهمة الجديدة كان الملف النووي يُنقل من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الخارجية بقيادة محمد جواد ظريف.

قُرأ تعيين شمخاني في الموقع كرسالة من طهران إلى جيرانها العرب باعتبار شمخاني عربيًا وصاحب علاقات قوية مع الدول العربية المحيطة، وذهب البعض للقول إن المنصب سيشكل منصة للامين الجديد لفتح أبواب مغلقة مع العالم العربي.

في لحظة التعيين، لم يحصل ذلك بل ساءت العلاقات العربية الإيرانية، لا سيما مع السعودية، ووصلت إلى ما لم تصل إليه سابقا. لكن شمخاني لعب خلال عام 2020 دورًا أساسيا في تسوية العراق، وكان من قبل لعب دورًا مماثلا عندما التقى المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي سيستاني خلال أزمة ما بعد انتخابات 2014 والتي تزامنت مع اجتياح تنظيم داعش لمناطق واسعة من البلاد.

إعدام أحد مساعديه

واجه شمخاني انتقادات كثيرة، خصوصًا بعد تدخل المجلس الذي يرأسه في الكثير من علاقات إيران الخارجية، وتحديدًا في الملف النووي لبلاده، حيث أشارت تلك الاتهامات إلى أن دوره كان “هدامًا” في ذلك الملف.

ولكن الضجة الكبرى التي واجهها شمخاني كان إعدام علي رضا أكبري بداية عام 2023، وهو الذي كان أحد مساعديه، بعد أن اتهامات به بـ”العمالة” لصالح الدول الغربية.

وكشفت وزارة الأمن الإيرانية -في بيان- أن المدان الذي كان قد شغل مناصب رفيعة وتغلغل في مراكز إستراتيجية حساسة وقع في شراكها من خلال عملية رصد استخباري طويلة ومعقدة، مؤكدة أنه دأب على تسريب معلومات حساسة إلى الاستخبارات البريطانية.

وأوضح البيان، أن أكبري وقع في شراك الأمن البريطاني جراء ارتباطه بالسفارة البريطانية للحصول على تأشيرة دخول مما مهد إلى توظيفه بالكامل خلال زياراته التي قام بها إلى دول أوروبية، مضيفا أن ضباطا رفيعي المستوى أشرفوا على انتزاع المعلومات من أكبري خلال الفترة الماضية.

اتفاق مع السعودية وزيارة إلى الإمارات

أسابيع بعد تلك الأزمة، ظهر شمخاني في آذار/ مارس الحالي إلى جانب مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد العيبان في العاصمة الصينية بكين، حيث أعلنا عن اتفاق بين طهران والرياض حول استعادة العلاقات بين البلدين.

وقال شمخاني لوكالة “نور نيوز” عقب المحادثات، إنّ الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني إلى الصين والمحادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وفرت الأساس لتشكيل مفاوضات جديدة وجادة للغاية بين وفدي إيران والسعودية”.

وأضاف شمخاني أنّ المحادثات بين البلدين كانت صريحة وشفافة وشاملة وبناءة، مشيراً إلى أن “إزالة سوء الفهم والتطلع إلى المستقبل في العلاقات بين طهران والرياض، سيؤدي إلى تنمية الاستقرار والأمن الإقليميين وزيادة التعاون بين دول الخليج والعالم الإسلامي لإدارة التحديات القائمة”.

وبعد ذلك بأيام، ظهر شمخاني مجددًا من عاصمة عربية أخرى، وهي أبو ظبي، حيث اجتمع مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وناقش الجانبان “عدداً من القضايا محل الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأنها وأهمية بذل الجهود في سبيل استقرار وازدهار المنطقة”، حسب بيان مشترك.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: