هل ستتمكن إيران من إحياء الاتفاق النووي في العام الجديد؟
قريب انتهاء السنة الأولى من القرن الإيراني الجديد، جمعت الصحافية فاطمة كلانتري في تقرير بصحيفة "هم ميهان"، آراء وتوقعات دبلوماسيين إيرانيين ومحللين بشأن مصير الاتفاق النووي والسياسة الخارجية لإيران، حيث اعتبروا أن العام الجديد قد يحمل معه اتفاقًا جديدًا بين إيران والدول الغربية بملف البرنامج النووي.
تولّت الحكومة الثالثة عشر السلطة في حزيران/ يونيو 1400، حاملة شعار عدم اعتماد البلاد على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، عندما كانت هذه المفاوضات بقيادة عباس عراقجي في فيينا. يمر عام 1401، وقبله عام 1400، بينما ليس من الخطأ القول إنّ كل ما توقّعناه من النظام الدبلوماسي للبلاد هو إحياء الاتفاق الذي دخل في غيبوبة بسبب حسابات خاطئة في نفس العام، وظهور استياء وتطوّرات داخلية، واتهام إيران بالتعاون في مجال التسلّح ومع روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، مما دفع إلى إعلان موت خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما نعرفه بالاتفاق النووي.
ارتبطت الأيام الأخيرة من العام بخروج السياسة الخارجية من حالة الركود؛ هذه الديناميكية التي بدأت بزيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران وخلق الأمل لبدء مسيرة إيجابية نحو إغلاق ملف الضمانات، ثم لحقها الاتفاق بين إيران والسعودية الذي تقرّر في الصين، حتى تتهيّأ المنطقة مرة أخرى لبدء خفض التصعيد مع إيران.
خفضُ التصعيد هذا الذي يشكّل مفتاحًا للعديد من التحديات في الشرق الأوسط والخليج، يسمح بفتح الأبواب أُغلقت لسنوات وشهور. أيضًا، لا يمكن إنكار وجهة النظر الإيجابية، بأنّ هذين التطوّرين المهمّين، خاصة انتهاء القطيعة التي دامت سبع سنوات بين إيران والسعودية، يمكن أن يشكّلا علامة على قرار النظام بإعادة البلاد إلى مسار الدبلوماسية الديناميكية. وتماشيًا مع هذا التصوّر الإيجابي، سألنا عددًا من الدبلوماسيين السابقين وأساتذة الجامعات والمحللين: “ما هي أولوية سياسة إيران الخارجية في عام 1402؟ وهل العام المقبل سيكون عام إعادة إحياء الاتفاق النووي”؟
سفير إيران السابق في جنوب أفريقيا جاويد قربان أوغلي
كان الاتفاق بين إيران والسعودية لإنهاء سبع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية واستئنافها في الشهرين المقبلين، والذي صدر في بيان اجتماع بكين، تطوّراً هاماً في نهج السياسة الخارجية للبلاد.
ومن هذا التصور، فإنّ إحياء الاتفاق النووي في العام المقبل يتطلّب خطوات لاستكمال العملية التي بدأت بالاتفاق مع السعودية. القضية الأولى والأهم، التي تُقلق الغرب، هي دور إيران في حرب أوكرانيا. لا تكمن أهمية ذلك في تأثير الطائرات من دون طيار المرسلة إلى روسيا. لقد أشرت بالفعل إلى أنه من التفاؤل للغاية أن تكون القوة العسكرية الثانية في العالم بحاجة إلى معدّات إيران لتغيير مسار الحرب.
كان هدف روسيا الخاص هو جعل إيران شريكة في الحرب، ونجحت إلى حد كبير في هذا الأمر. قلق الغرب هو من ارتباط إيران بشكل أكبر مع روسيا، وعلى الرغم من الاتفاقات الأقوى على ما يبدو مع الصين، فإنّ الغرب ليس قلقًا بشأنه. والسبب في ذلك، هو اختلاف توجهات موسكو وبكين في العلاقات مع الدول. يُعدُّ ارتباط إيران بروسيا مصدر قلق للغرب، لأنّ هذا الارتباط يتم بشكل أساسي في المجال العسكري الأمني، بينما يتم النظر إلى الارتباط الإيراني مع بكين في الغالب من الناحية الاقتصادية والتجارية.
النقطة الثانية، هي تغيير موقف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في ما يتعلق باتفاقية 2015 (الاتفاق النووي). قالت واشنطن مرارًا وتكرارًا إن إحياء الاتفاق ليس على جدول أعمالها الفوري. بالطبع، لا يعني هذا بالضرورة التخلّي عن قضية الاتفاق النووي من قبل السياسة الخارجية الأميركية، ولا يزال الاتفاق النووي واحتواء إيران في هذا الصدد أحد أهداف السياسة الخارجية الأميركية والدبلوماسية.
بالمناسبة، الاختلاف الرئيسي بين الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه السياسي والأمني مع إسرائيل هو بالضبط هذا النهج الأميركي. لم توافق الولايات المتحدة على إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حل عسكري للقضية النووية الإيرانية، حتى في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
علينا انتظار تنفيذ الاتفاق بين إيران والسعودية، ومراقبة سلوك إيران. يبدو أنه إذا كانت آثار الاتفاق مع السعودية يمكن أن تحل بعض المشاكل الاقتصادية الداخلية، فإنّ إيران ستفضّل سياسة الصبر والانتظار للحصول على المزيد من التنازلات.
من ناحية أخرى، يبدو أنّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة قد تخلّى عن سياسة “التشجيع” لإقناع إيران بالموافقة على الاتفاق النووي، وتبنّى نهج “الضغط الأقصى” لإجبار إيران على أن تكون أكثر مرونة.
ويعتقد الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، في ظل التطوّرات الداخلية الإيرانية (حركة الاحتجاجات ما بعد وفاة مهسا أميني)، بأنّ هذا النهج نجح وسيُجبر إيران في نهاية المطاف على تقديم المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات.
ستسعى الولايات المتحدة على أي حال بجدية، إلى الحد الأدنى من الاتفاق مع إيران، في ما يتعلّق بمزدوجي الجنسية. وأتصوّر أننا سنرى قريبًا اتفاقًا بشأن هذا الأمر، وهو اتفاق يربح فيه الجميع، وستطلق إيران مواردها المالية المحجوبة (وإن كان ذلك مع قيود على الطريقة التي يتم استخدامها بها)، وتنتهي حالة مزدوج الجنسية بطريقة إنسانية على ما يبدو.
إن مركزية المصالح الوطنية في مقاربة السياسة الخارجية، وعدم الاعتماد على قوة شرقية واحدة أو اثنتين، مطلب ليس فقط على مستوى النخبة، بل على المستوى الوطني أيضًا. ووفقًا لما سمعته، إنّ لهذا الأمر مؤيدون جادون حتى في البرلمان وحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومن الأشخاص المقرّبين من النظام.
أعتقد بأنه بناءً على ممارسات السنوات الأربعين الماضية، سنشهد مرونة في السياسة الخارجية من قبل الحكومة. القلق بشأن تفويت الفرص التي لن تتكرر مرة أخرى. هذه هي الحقائق التي تفرض نفسها على صنّاع القرار في البلاد، كما رأينا في اتفاقية بكين الأخيرة؛ اتفاقية يمكن الوصول إليها من دون الحاجة إلى وسيط مثل الصين وفي ظروف أفضل بكثير.
أستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية الأسترالية علم صالح
سأقسّم الإجابة إلى ثلاثة أجزاء؛ تشكيل السياسة الخارجية لإيران في العام المقبل أو السنوات المقبلة، والتي تحدد استراتيجيًا التغييرات التي تم إجراؤها والأولويات.
على الصعيد الداخلي، دعونا لا ننسى أنّ للسياسة الخارجية دائمًا أبعادًا داخلية. مع الوضع الاقتصادي الحالي، فإن أولوية السياسة الخارجية الإيرانية ستكون خلق تنمية اقتصادية وإصلاح سياسي واقتصادي في الداخل، وهو جزء مهم من السياسة الخارجية.
البعد الثاني هو البعد الإقليمي، حيث شهدنا صراعات ونزاعات وحروبًا أهلية ودولية في العشرين سنة الماضية. لقد دفعت هذه المشكلة إيران إلى تعريف سياستها الخارجية الإقليمية على أنها ذات توجه أمني بالكامل، والآن، بعد أن تم حل العديد من هذه النزاعات، وبعد الاتفاق على تطبيع العلاقات مع السعودية، ستُتاح لإيران بالتأكيد فرصة لتغيير سياستها الخارجية، خاصة السياسة الإقليمية، وتقليل البعد الأمني وزيادة البعد الدبلوماسي.
هذا العام، ستنتهج إيران سياسة خفض التصعيد في المنطقة، وعدم جعل السياسة الخارجية ذات طابع أمني، وهو أمر مهم بشكل خاص عندما يمكن أن يؤدي تطبيع العلاقات مع السعودية إلى تحسين علاقات إيران مع الدول العربية الأخرى في المنطقة، خاصة مصر، الأردن والبحرين. إنها فرصة جيّدة لخلق شعور بالثقة مع دول المنطقة في العام المقبل، ومع هذا التحسّن في العلاقات السياسية، يمكن أن تضمن أيضًا تحسين العلاقات الاقتصادية.
البعد الثالث هو البعد الدولي، وهو أننا نواجه النظام العالمي الجديد الذي تسعى القوى الصاعدة في العالم إلى إيجاد مكان لها في معادلاته، مثل الصين وروسيا، التي تسعى عبر مرور الزمان لخلق تحدٍّ للهيمنة السياسية والأمنية والاقتصادية للغرب، ومن المؤكد أنّ إيران تبني سياستها الخارجية الاستراتيجية على هذا الأساس، ولهذا السبب لا تدّخر طهران أي فرصة لتقليص وجود ونفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، كما تستخدم بقدر الإمكان دولًا مثل الصين لملء هذا الفراغ.
لكن هذا غير ممكن إلا بالتوقيع على الاتفاق النووي؛ على الرغم من أنّ الاتفاق النووي ضعيفٌ ويشكّل تحديًا لكلا الجانبين، إلا أنها الطريقة الوحيدة المتاحة لكلا الجانبين، ولا يوجد لدى طهران ولا واشنطن بديلٌ عن هذا الاتفاق.
لهذا السبب، فإنّ إحدى السياسات الاستراتيجية لطهران ستأخذ بعين الاعتبار ليس فقط جوهر الاتفاق النووي، ولكن أيضًا استخدامه مع توقيعه، لا سيّما أنه بعد الانضمام إلى معاهدة شنغهاي للتعاون، فإنّ طهران الآن لديها نظرة على إمكانية الانضمام إلى مجموعة الـ”بريكس”، ولديها أمل أنه بالتوقيع على الاتفاق النووي وتعزيز العلاقات الدولية يمكن أن تصبح عضوًا في هذه المجموعة، وهذا سيساعد أيضًا الوضع الاقتصادي لإيران.
مما لا شك فيه أنّ الأبعاد الثلاثة هذه جميعها مرتبطة ببعضها البعض، ويجب على إيران في نهاية المطاف إحياء الاتفاق النووي، وهو أمر ضروري لتحقيق جميع القضايا الثلاث. من دون الاتفاق النووي، لا يمكن لإيران أن تنفّذ أيًا من أهداف سياستها الخارجية بشكل كامل.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن سينا عضدي
لا أعتقد بأنه يمكن إحياء الاتفاق النووي في ظل الظروف الراهنة، لكنني أعتقد بأنه سيتم إبرام سلسلة من الاتفاقيات الأخرى خطوة بخطوة.
أرى أنّ كلاً من الولايات المتحدة وإيران تريدان تخفيف حدّة التوتر. أؤكد أنه في الوضع الحالي، فإنّ إحياء الاتفاق النووي لا يمكن تصوّره، ويجب العثور على السبب في احتجاجات إيران والحرب في أوكرانيا والغضب السائد في أوروبا بشأن قضية الطائرات من دون طيار.
لذلك، أعتقد بأنّه لن يتم إحياء الاتفاق النووي، ولكن قد يتم إبرام اتفاقيات أصغر؛ على سبيل المثال، يجب أن تمنح إيران مزيدًا من الوصول للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويجب رفع بعض العقوبات.
أحد أسباب عدم إعادة تنشيط الاتفاق النووي هو أنّ إيران اليوم قد امتلكت تكنولوجيا في المعرفة النووية لم تكن تمتلكها من قبل. وبسبب ذلك، فقدت ميزة عدم انتشار الاتفاق النووي.
كذلك، من ناحية أخرى، زادت العقوبات الأميركية كثيرًا، لدرجة أنّ عدم إزالتها ستقلّل بشكل خطير من الفوائد الاقتصادية لخطة العمل الشاملة المشتركة لإيران، وعلينا أن نرى ما إذا كانت الدول والشركات الغربية مستعدة للدخول في صفقة مع إيران في ظل هذه الظروف، وما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة لتحمّل التكلفة السياسية لهذا القرار.
أنا أزيد من احتمالية إبرام مثل هذه الاتفاقيات، وأعتقد بأنه في العام المقبل، سيكون تركيز السياسة الخارجية الإيرانية على تحسين العلاقات الإقليمية والشرقية بدلاً من تحسين العلاقات مع الغرب.
هذا العام، ستتحسن علاقات طهران مع بكين، وستزداد العلاقات الدفاعية والأمنية مع موسكو، وستتحسن العلاقات مع دول الشرق الأوسط في إطار الاتفاقية مع الرياض. إنّ هذه الأولويات الثلاث ستكون سياسة إيران الخارجية عام 1402.
إذا عدت إلى السؤال الأصلي؛ ولأنّ العلاقات مع الغرب لن تتحسن، نتيجة لذلك، هناك استراتيجية في إيران تتركّز على تحسين العلاقات الإقليمية، وخاصة السعودية والبحرين.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا