الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 مارس 2023 21:13
للمشاركة:

بعد الاتفاق مع السعودية.. وجه جديد لعلاقات إيران الخارجية

رأى الصحافي الايراني عبد الرحمن فتح إلهي، في مقال له بموقع "إيران دبلوماسي"، أن الجمهورية الإسلامية شهدت خلال الفترة الماضية تحرّكات دبلوماسية واسعة في المنطقة والعالم، جاءت عبر مؤسسات ومنظمات غير حكومية، مثل البرلمان والمجلس الأعلى للأمن القومي، والتي توصّلت إلى اتفاقات مهمة في مجال العلاقات الإقليمية، أهمها الاتفاق السعودي الإيراني.

تقدّم “جاده إيران” ترجمة كاملة للمقال.

في الأيام الأخيرة من العام الأول من القرن الجديد، واجهت سياسة إيران الخارجية تحرّكات غير مسبوقة. في غضون ذلك، بالإضافة إلى وزارة الخارجية، بدأ المجلس الأعلى للأمن القومي العمل أيضًا. ووضعت هيئة الطاقة الذرية من جهتها حجر الأساس لهذا التغيير، بالموافقة على زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي والاتفاق مع الوكالة. وبعد ذلك، أدت رحلة شمخاني إلى بكين، والمفاوضات التي استمرّت خمسة أيام، أخيرًا إلى استئناف العلاقات بين طهران والرياض.

نتيجة لهذا الحدث، أعربت مجموعة من الدول الإقليمية والدولية أيضًا عن رغبتها في استعادة العلاقات مع إيران؛ البحرين، جزر المالديف، ليبيا، مصر، الأردن وغيرها تحاول الآن اتخاذ خطوة أكثر جدية في المسار الذي تتبعه السعودية. إضافة إلى ذلك، وفد برلماني إيراني سافر إلى المنامة في محاولة لإحياء العلاقات الإيرانية – البحرينية.

وفي مقابلة له مع صحيفة “شرق”، أكد محلل الشؤون الدبلوماسية بهرام فلاحي حصول تغييرات في سياسة إيران الخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الخطوات السابقة. وفي شرح هذه النقطة، يرى فلاحي أنه إذا نظر المرء إلى الطبقات العميقة لهذه الزيارات والاتفاقيات، يبدو أنّ هذه التحرّكات في الأيام الأخيرة من عام 1401 الايراني، هي خارج صلاحيات الحكومة.

من وجهة نظر فلاحي، تحاول الحكومة الثالثة عشرة، البرلمان الحادي عشر، المجلس الأعلى للأمن القومي، هيئة الطاقة الذرية والنظام بأكمله، تنفيذ هذه التغييرات بطريقة متعددة الأوجه ومتوازية.

وبينما يشير إلى أنّ التغييرات ستكون في مجال السياسة الخارجية الإقليمية والمحادثات مع الوكالة، يؤكد فلاحي فعالية هذا التغيير، حيث أنّ وزارة الخارجية والمؤسسات الأخرى ذات الصلة في الحكومة تتحمّل بنفسها جزءًا من هذا التغيير، لكنّ المنظمات غير الحكومية الأخرى تحاول الآن المساعدة في التغيير الدبلوماسي بطريقة أكثر جرأة، على حد تعبيره.

ومن الجدير التذكير في هذا الإطار بتوجه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الخميس (16 آذار/ مارس)، إلى أبو ظبي، وذلك بعد زيارة مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى إيران. وسيلتقي شمخاني خلال زيارته كبار المسؤولين في الدولة، ليناقش القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، حيث يرافقه كبار المسؤولين الاقتصاديين والمصرفيين والأمنيين في المجلس الأعلى للأمن القومي.

وبالنظر إلى دور المجلس الأعلى للأمن القومي في اتفاق بكين واستئناف العلاقات بين طهران والرياض، بالإضافة إلى زيارة شمخاني إلى الإمارات، فإنّ كل ذلك يوضح مدى التغييرات غير الحكومية في السياسة الخارجية، والتي باتت مطروحة بشكل جاد على جدول الأعمال.

لهذا السبب، يعتقد الخبير سجاد سيف زاده في حديثه مع صحيفة “شرق” بأنّ الدول العربية في الخليج الفارسي وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية ستعمل على إعادة العلاقات وتطويرها مع إيران بطريقة أكثر جدية وفعالية، فبحسب رأيه الإصلاحات والتغييرات تتجاوز إرادة الحكومة وحدها.

ويشدد سيف زاده على أنّ دول المنطقة تحاول بثقة أكبر إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران، بل وتسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية معها، في ظل وضع يكافح فيه الإيرانيون بعد الكم الكبير وغير المسبوق من العقوبات التي فُرضت عليهم، مع وضع معقّد في مجال القضايا المالية والمصرفية والنقدية، وسط استمرار وجودها على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي FATF.

وفي هذا الصدد، كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان، عن خطة السعوديين للاستثمار في إيران بسرعة كبيرة، مضيفًا أنّ هناك فرصًا كبيرة أمام هذا الاستثمار، وأنه لن تكون هناك عقبات في هذا المجال طالما سيتم احترام بنود الاتفاقية.

إلى جانب هذه التصريحات الإيجابية لوزير المالية السعودي، أعرب الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي تركي الفيصل عن أمله بأن يؤدي اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية إلى تطورات إيجابية في منطقة الشرق الأوسط.

وجاء في تصريح له مع وكالة “فرانس برس”: “أعتقد بأنّ هذا الاتفاق سيكون له تأثير على قضايا مثل اليمن. آمل أن يكون الأمر كذلك في سوريا، حيث ما زالت الحرب مستمرة”.

وعبّر الفيصل عن شكوكه تجاه هذا الاتفاقية، وأردف: “هذه الشكوك ليست مهمة. هي شكوك الذين وقّعوا الاتفاقية. يبدو أنه لا يزال هناك شك بشأن مدى سرعة تنفيذ الاتفاقية”.

وعن الدور الصيني، قال الفيصل: “لا يمكن للولايات المتحدة ولا لأوروبا أن تكونا وسيطًا نزيهًا، وأن تضمنا الاتفاق بين السعودية وإيران، كما فعلت الصين… الصين كانت الدولة التي استطاعت فعل ذلك، لأنها تتمتع بعلاقات جيدة مع البلدين”.

التأكيدات السعودية هذه يرى فيها سيف زاده معيارًا فعّالًا لدفع الدول الأخرى المتحالفة مع السعودية إلى إعادة العلاقات مع إيران. لهذا السبب، يرى محلل الشؤون الدبلوماسية أنه مع التغيير الأخير ثنائي الأبعاد، والذي يظهر من الناحية الداخلية على أنه غير حكومي أو ذو صلاحيات أوسع في طهران، ومن ناحية أخرى، مع تركيز السعودية على إحياء العلاقات مع إيران وتعزيزها، سيتقدم الوضع بطريقة تجعله محركًا جادًا لاستمرار هذه التغييرات.

ربما لهذا السبب، قال الصحافي المنتقد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باراك رافيد، في تغريدة له: “أنشأت إيران قناة مالية مخصصة مع دول الجامعة العربية عبر الصين. سيُعقد عاجلًا اجتماعًا بين إيران والدول العربية في بكين لبحث إقامة مسار مالي جديد بوساطة الصين. تفاصيل هذا المسار المالي لا تزال غير معروفة”.

في موازاة ذلك، وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الاتفاق بين إيران والسعودية بأنه إيجابي للغاية، واعتبره مهمًا لتنظيم التطوّرات في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، وفقًا لأبو الغيط، فإن تأثير هذا الاتفاق على القضايا الأخرى في المنطقة لم يتضح بعد.

حصة الحكومة

على الرغم تكرار عبارة “غير حكومية” في وصف تحرّكات السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أن وزارة الخارجية، بصفتها الممثل الرسمي للحكومة والقائد الرسمي للدبلوماسية الإيرانية، تحاول تحقيق هذا التغيير.

علاوة على ذلك، استمرارًا لأنشطة إيران الدبلوماسية مع دول الخليج، سافر نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى سلطنة عمان للمشاركة في الجولة التاسعة من المشاورات السياسية بين طهران ومسقط. وخلال هذه الزيارة، اجتمع مع المسؤولين العمانيين، بما في ذلك وزير خارجية هذا البلد.

وبحسب إعلان وزارة الخارجية الإيرانية، فقد تم مناقشة القضايا الثنائية إلى جانب القضايا الأخرى، بما في ذلك التطور الإيجابي في العلاقات بين إيران والسعودية، بما يتعلّق بدور عمان في هذا المجال، فضلًا عن محادثات إحياء الاتفاق النووي.

تزامنًا مع هذه الزيارة، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الأحد، في بيان متلفز، عن إمكانية إبرام اتفاق بين إيران والولايات المتحدة لتبادل الأسرى مزدوجي الجنسية، وهو ما تبعه مباشرةً رد فعل سلبي وإنكار من جانب الولايات المتحدة.

في غضون ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنّ العمانيين لعبوا دائمًا دورًا فاعلًا في تبادل الأسرى مزدوجي الجنسية، الأمر الذي أدى على سبيل المثال إلى إطلاق سراح نازنين زاغري، أنوشه آشوري وباقر نمازي.

ورغم نفي البيت الأبيض ادعاء التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن إطلاق سراح سجناء مزدوجي الجنسية، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في مؤتمر صحفي إن “قضية الإفراج عن السجناء أولوية”.

وتعليقًا على زيارة الممثل الخاص للحكومة الأميركية لشؤون الرهائن روجر كارستن إلى قطر، وعما إذا كان يجري الإعداد لاتفاق مع إيران لتبادل الأسرى، قال برايس: “كارستن ذهب بالدرجة الأولى إلى قطر للمشاركة في اجتماع الأمن العالمي”.

وتابع: “بالتأكيد، عندما يتعلّق الأمر بالأميركيين المسجونين في العالم، وليس فقط في إيران، فإننا نعمل بلا كلل وبكل طريقة ممكنة للإفراج السريع عنهم. أنت تعلم جيدًا أنه منذ بداية هذه الإدارة، نقلنا الأولوية التي أعطيناها لهذه القضية إلى الحكومة الإيرانية، لكنّ شرح ما فعلناه بالضبط في هذه العملية لن يساعد. لدينا التزام قوي ببذل كل ما في وسعنا لتحريرهم”.

واستضافت مديرية وزارة الشؤون القانونية والدولية في وزارة الخارجية الإيرانية الأحد الماضي، وفدًا من الحكومة الكويتية برئاسة نائب وزير خارجية الكويت منصور عياد العتيبي. وأجرى الجانبان خلال هذه الزيارة محادثات من أجل زيادة التفاعلات القانونية والسياسية – الأمنية والتنمية الشاملة للتعاون الحدودي بين إيران الكويت، وتعزيز السلامة والأمن البحري والاستقرار في المنطقة.

تطور آخر في تحرّكات إيران مع دول الشرق الأوسط هو الاجتماع الأخير لسفير إيران غير المقيم محمد رضا رؤوف شيباني مع وزيرة خارجية ليبيا نجلاء منقوش، حيث تم خلال هذا الاجتماع تبادل الآراء بشأن تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل اللجنة الإيرانية – الليبية المشتركة، وبدء الاستعدادات لاستئناف أنشطة السفارة الإيرانية في طرابلس.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الإثنين، رداً على سؤال عن العلاقات بين إيران وليبيا: “هناك محادثات جيدة بين إيران والحكومة الليبية، وقد أجرى سفيرنا غير المقيم مؤخرًا محادثات مع وزيرة الخارجية الليبية، بما في ذلك عن توسيع العلاقات بين البلدين وإعادة تنشيط السفارتين في طهران وطرابلس”، لافتً إلى أنه تم بالفعل إجراء دراسات أولية في هذا الصدد.

كذلك، عقد هذا الأسبوع الاجتماع الخامس للجنة الاقتصادية المشتركة بين إيران والعراق، في الفترة من 14 إلى 16 آذا/ مارس في بغداد.

كما تعتبر زيارة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن، هانز غروندبرغ، إلى طهران، ولقاؤه مع عبد اللهيان، وكبير مستشاري وزير الخارجية للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، واحدة من التحركات الدبلوماسية الهامة في الأيام الأخيرة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: