الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 مارس 2023 21:22
للمشاركة:

حصاد النوروز الإيراني: من الفوضى الداخلية إلى الدبلوماسية الخارجية

أيام قليلة ويحلّ عيد النوروز في إيران، عيد تجدد الحياة وولادة الربيع، وهي مناسبة ينتظرها الإيرانيون ليطووا بها عامهم السابق ويبدأوا سنة جديدة. لكن هذا العام، كان النوروز مختلفًا، بظل آثار سياسية واقتصادية واجتماعية قد تبقى لفترات طويلة.

تقدم “جاده إيران” تقريرًا عن أبرز المحطات والأحداث في العام الإيراني الأخير.

حمل هذا العام محادثات نووية انتهت بالفشل، ثم أتت حادثة وفاة الشابة مهسا أميني والاضطرابات الداخلية التي عصفت بالبلاد على إثر ذلك، وليس انتهاءً بما ترتّب على اتهام إيران بدعم روسيا عسكريًا في الحرب الأوكرانية، لتحمل خلال الأيام الماضية زيارة المدير العام للوكالة الدولية رفاييل غروسي إلى طهران واتفاق استئناف العلاقات مع السعودية بعض البشائر التي هدّأت نفوس الإيرانيين من جهة، وخففت من الضغط الداخلي على الحكومة الإيرانية من جهة أخرى.

المحادثات النووية

شكّلت بداية العام اختبارًا صعبًا للحكومة الإيرانية الجديدة التي أظهرت رغبتها في إحياء الاتفاق النووي، وسط تقارب أميركي – أوروبي في هذه القضية، لكنّ جولات التفاوض لم تثمر سوى عن زيادة الخلافات، في ظل اتهامات متبادلة من الطرفين.

فبعد تقديم أوروبا لنص مقترح قيل إنه مُرضٍ للطرفين، كان للإيرانيين شرط أساسي هو إغلاق تحقيقات الوكالة الدولة للطاقة الذرية بشأن المواقع الإيرانية الثلاثة التي كانت الوكالة قد أكدت أنها عثرت فيها على جزيئات مخصّبة من اليورانيوم، كما وُضعت شروط أخرى، أهمها تقديم الولايات المتحدة تعهدات وضمانات سياسية واقتصادية بعدم الخروج من الاتفاق النووي مجددًا.

في المقابل، شكّلت ضغوط الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الرئيس الأميركي جو بايدن عقبة أمام عودته للاتفاق النووي، حيث اتّبع نهجًا جديدًا ليغدو الوصول لنتائج إيجابية بعيدًا عن أولويات الحكومة الأميركية. أما الأوروبيون، فرغم حرصهم على إحياء الاتفاق، إلا أنهم بدوا أقرب للموقف الأميركي مع الوقت.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم، ليصل إلى 60%، في خطوة أثارت غضب القوى الغربية وأعادت حزم العقوبات الأميركية والأوروبية، لا سيّما بعد انتشار الاحتجاجات الداخلية في إيران، واتهامها ببيع طائرات مسيّرة لروسيا.

الاضطرابات الداخلية

تلقّت المحادثات النووية ضربة كبيرة مع انطلاق الاحتجاجات الواسعة إثر وفاة أميني ذات الأصول الكردية، والتي فارقت الحياة بعد يومين من اعتقالها من قبل الشرطة الأخلاقية في إيران لمخالفتها قانون الحجاب الإلزامي.

وتطوّرت هذه الاحتجاجات إلى إغلاق شوارع وإضرابات تجارية وتفجيرات وهجمات مسلّحة، مما خلّف تداعيات كبيرة في الداخل الإيراني، بدءًا من فرض قيود حكومية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي وخدمات الانترنت، فاعتقال الآلاف بتهمة القتل والتحريض على العنف، وانقسام اجتماعي وسياسي كبير على حيثيات فرض الحجاب والتعامل مع النساء المخالفات.

الحرب على أوكرانيا

مع اشتداد المعارك في أوكرانيا، ودخول الطائرات المسيّرة إلى ميدان المعارك، اتهمت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة، في حين نفت طهران لمرّات عديدة هذه الاتهامات، مشيرة إلى أنها سلّمت روسيا هذه الطائرات قبل اندلاع الحرب.

طهران طالبت بتقديم أدلّة على استخدام طائراتها في الهجمات على أوكرانيا، وتشكيل لجان فنية مشتركة مع الجانب الأوكراني للتوصل إلى الحقيقة، لكنّ هذه المطالبات لم تلقَ آذانًا صاغية.

وفي هذا السياق، فرضت الولايات المتحدة حظر سفر وعقوبات طالت العديد من المسؤولين الإيرانيين، ثم ما لبثت أن انضمّت إليها أوروبا، التي فرضت عقوبات على الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات أخرى بحجة دعم روسيا ومخالفة حقوق الانسان، مما زاد وضع الاقتصاد الإيراني تعقيدًا وأغفل الحديث عن الاتفاق النووي.

تضييق الخناق

مع توقف المحادثات النووية وتقدم الحرب في أوكرانيا، ألقت تبعات الاحتجاجات التي شهدتها إيران بظلالها على الداخل الإيراني، اقتصاديًا واجتماعيًا. فقد آلاف الإيرانيين وظائفهم، وأفلست مئات الشركات التي كانت تعتمد على الفضاء الالكتروني، وانتقل الآلاف للاستثمار في سوق العملات، مما شكل ضغطًا كبيرًا على هذا السوق الذي يعاني أصلًا من اضطرابات دائمة، فارتفع الطلب على الدولار الأميركي مما زاد من سعره.

بدورها استغلّت الولايات المتحدة الفرصة لزيادة الضغوط على طهران، من أجل دفعها مجددًا إلى محادثات تتخلّى فيها عن بعض شروطها، فحاولت خنق الاقتصاد الإيراني بإغلاق منافذ دخول الدولار إليه، ومعاقبة الشركات التي كانت تساعد إيران على بيع النفط.

بدأت واشنطن خطتها بإقناع العراق بالانضمام لنظام “سويفت” المصرفي العالمي، لحرمان طهران من الاستفادة من هذا البلد لتهريب الدولار، أو حتى خلط نفطها مع النفط العراقي وتصديره على أنه نفط عراقي وفق بعض التقارير.

تابعت واشنطن مساعيها هذه في الإمارات، ففرضت عقوبات على العديد من الشركات الإماراتية المتهمة بمساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات الأميركية.

الإجراءات الأميركية رافقها تصويت البرلمان الأوربي على تصنيف الحرس الثوري ضمن المنظمات الإرهابية، مما تسبب بارتفاع سعر الدولار الأميركي إلى مستويات جديدة، حيث بلغ أكثر من 40 ألف تومان، ترافقه موجة تضخّمٍ واستياء شعبية، فاضطرت الحكومة الإيرانية إلى تغيير رئيس البنك المركزي الإيراني في 30 كانون الأول/ ديسمبر.

ولم يُثمر هذا الإجراء الأخير عن جدوى، فبعد أن هبط سعر الدولار قليلًا، عاد للارتفاع خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، حتى وصل إلى مستويات قياسية، مسجّلًا أكثر من 600 ألف ريال مقابل الدولار الأميركي الواحد، وهو أعلى رقم في تاريخ البلاد.

دبلوماسية المصالحة

وجّهت طهران دعوةً لغروسي لزيارتها، فكانت لهذه الزيارة أهمية استراتيجية خاصة، لا سيما أنها حالت دون التصويت على أي قرار ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية، حيث كان لتعاون الإيرانيين مع غروسي وقعه الخاص على عودة العلاقة الودية بين الطرفين.

على أثر هذه الزيارة، انخفض سعر الدولار إلى 50 ألف تومان، مما استدعى ترحيب الجناحين السياسيين في إيران، الأصولي والإصلاحي، بالزيارة ونتائجها.

وتابعت الحكومة الإيرانية خطواتها بصفقة لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة مقابل الإفراج عن قسم من أموالها المجمّدة في الخارج. بعد ذلك، تسارعت وتيرة المفاوضات مع السعودية، ليُدهَش العالم بإعلان توقيع اتفاق بين الدولتين في 10 آذار/ مارس، بوساطة صينية، لإنهاء الخلافات واستئناف العلاقات الدبلوماسية، المقطوعة تمامًا منذ سبع سنوات.

الانفراج الإيراني – السعودي كان بمثابة قنبلة دوّت داخل إيران وخارجها، وفتح الباب مجددّا أمام التكهّنات، بين من رأى أن هناك خطوات متتالية للإيرانيين نحو دبلوماسية المصالحة، وبين من بدأ الحديث عن حجم الاستثمارات السعودية المُقبلة إلى إيران، وما ستخلفه نتائج هذا الاتفاق على الاقتصاد الإيراني من فرص استثمارية وتعاون اقتصادي.

وفي ذات السياق، تحدث العديد من المحلّلين الإيرانيين عن إمكانية تحوّل المصالحة مع السعودية إلى نموذج مع بقية الدول، كالبحرين، الإمارات، مصر وغيرها من الدول.

التحوّل الجديد في السياسة الخارجية الإيرانية لم يقتصر على السعودية، حيث بدأ أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني زيارة إلى الإمارات برفقة رئيس البنك المركزي الإيراني، وقد أعرب الطرفان عن رغبتهما في التخلّص من الخلافات وتوسيع العلاقات إلى أعلى المستويات.

علاوةً على ذلك، أشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنّ شمخاني سيتوجه قريبًا نحو العراق لمناقشة العلاقات الأمنية القائمة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: