الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 مارس 2023 18:47
للمشاركة:

من الصين إلى الصين كيف بدأت وساطة العراق بين إيران والسعودية؟

بعد إعلان إعادة العلاقات السعودية – الإيرانية وما لهذا الإعلان من وقع الدومينو على المنطقة خاصةً بعد عقود شهدت فيها العلاقات بين البدلين تصاعدا للتوترات و حروبا أديرت بالوكالة، تصدرت الصين بعد هذا الإعلان دورا عالميا و لعبته كوسيطاً تقدم بخطوات أثقلت الحساب على واشنطن بحسب مراقبين، لكن السؤال الأهم، كيف بدأت الوساطة بين الجانبين؟ ومتى؟ وهل كانت البادرة إيرانية أم سعودية؟

بحسب بيان نشره رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي الذي استقال إثر الاحتجاجات التي دوت في العاصمة بغداد و عدة محافظات جنوبية عام ٢٠١٩ في حسابه على منصة فيس بوك بتاريخ ١٤ آذار/ مارس ٢٠٢٣ أعزى فيه البادرة الأولى لتهدئة الأجواء بين السعودية و إيران بوساطة عراقية إلى قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني.

مستهلاً البيان بقوله: ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم”. سليماني هو من أطلق الاتفاق السعودي – الإيراني

وصف عبد المهدي الخطوة الأخيرة في بكين بأنها تحمل دلالات تاريخية وعن صدور بيان ثلاثي بين الصين والسعودية وإيران، قال إن كثيرين ساهموا بصناعة هذا الحدث الاستراتيجي الذي إن نجح فمن شأنه أن يغير وجه المنطقة والعالم وفق البيان.

و ذكر عبدالمهدي أن المسألة ليست مجرد إعادة علاقات بين بلدين اختلفا، بل إنها ستقود إلى تسوية كاملة لسلسلة ملفات حساسة وخطيرة. والجديد الحساس، الرعاية الصينية للاتفاق، بكل ما تمثله من دلالات وقدرات للمساهمة بإعادة بناء المنطقة.

ونقل رئيس الوزراء العراقي الأسبق ما قال إنه يعرفه عن هذا المسار، ذاكرًا أنه خلال زيارته الرسمية للصين في ٢٩ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩، وقبيل لقائه بالرئيس “تشي جي بينغ”، و”لي كه تشيانغ” رئيس مجلس الدولة ـ(معادل لرئيس الوزراء)ـ في بكين قد تلقى اتصالاً هاتفيا من سليماني يسأله فيما لو كان بإمكانه الذهاب باتجاه الرياض و اخبره نصاً (هل تستطيع الذهاب الى السعودية؟).

و أردف حينما سأله عن الغرض أجابه سليماني ” للوساطة بيننا والمملكة و الأمر مستعجل” فرد عبد المهدي بأنه سيذهب حال عودته إلى بغداد. و بحسب الأخير فإنه اخبر الصينيين بطلب سليماني، وقد استبشروا خيراً بذلك.

و يسرد عبد المهدي انه عندما استفسر من سليماني عن ما يقترحونه أجاب الأخير موضحا بعدة نقاط طلب فيها الآتي:

  • نستطيع المساعدة في حل في اليمن عن طريق حكومة وحدة وطنية. خلاف المشاع، نرحب بتطور العلاقات السعودية-العراقية، والانفتاح على شعبه.
  • الحوار والتنازل مع دول الجوار سهل، خلاف الخارج. التعهد بتهدئة لعشر سنوات. الاحترام المتبادل ولا غالب ولا مغلوب.
  • ضمان الملاحة في الخليج. حل مشترك في سوريا وليبيا، وبقية المنطقة.
    اجتماع وزراء الخارجية.

و تابع عبد المهدي: اتصلنا بالأخوة السعوديين، الذين سألوا عن سبب الزيارة، فكنت قد زرت المملكة في نيسان 2019. حيث ذكرنا الطلب الإيراني للوساطة فردوا بالسؤال عن الطرف الإيراني الذي طلب فاخبرناهم أنه سليماني، فرحبوا بذلك. “

واستطرد شارحًا، عدنا صباح (25/9/2019)، وغادرنا بغداد مساءً إلى السعودية يرافقني السيد رئيس الوزراء السابق الكاظمي، (يومها مدير المخابرات)، والسيد وزير النفط ثامر الغضبان، والسيد محمد الهاشمي مدير المكتب. حيث استقبلنا خادم الحرمين، ثم عقدنا جلسة متأخرة في الليل مع ولي العهد.

في ذلك الوقت، يؤكد عبد المهدي أن منشئات أرامكو قد تلقت ضربة صاروخية، واتُهمت إيران بذلك، رغم نفيها المسؤولية. اتصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم 5/9/2019 وقال إن الصواريخ انطلقت من شمال الخليج وليس من العراق كما أشيع وقتها. كان الجو في أعلى درجات التوتر. وكان ولي العهد يتكلم بتشدد. وعندما انتهى قلنا: سموكم هل تريدون الحرب مع إيران. قال كلا. قلنا إذا لم نذهب إلى الحرب فإما أن تبقى الاوضاع متوترة، وتهددنا بالانفجار، أو التفاوض. قال لقد جربنا هذا الأمر مرات، ولم ننجح.

يروي عبد المهدي أنه قد ذكر لولي العهد السعودي كيف حُلت المشاكل بين الراحلين الشيخ الرفسنجاني والملك عبد الله. فأجابه ولي العهد ” ماذا تقترحون”. و يتابع: لت لنفتح نافذة. اكتبوا رؤيتكم، وسننقلها للجانب الإيراني. ونحن واثقون أن هذا سيفتح باب الحوار. قال سأرسل لكم ورقة. وبالفعل وردت في (9/10/2019) بعنوان “ورقة لاستجلاء الموقف الإيراني”. تتضمن 8 نقاط، طورت لاحقاً إلى 9 مع ديباجة، تقول في جزء منها:

“في الوقت الذي تحرص فيه المملكة على احترام مبادىء القانون الدولي، والالتزام العميق بأعرافه ومبادئه ومن بينها مبدأ حسن الجوار، ومحاربة الإرهاب ومكافحة التطرف، وتطوير علاقاتها مع دول العالم وبخاصة دول الجوار للإسهام في تمكينها من العيش في أمن واستقرار ورخاء”… الخ

ووصف عبد المهدي أن الورقة التي تسلمها من الجانب السعودي بأنها “جافة”. إلا أن السعوديين قد ناقشوه فيما إذا كانت لديه مقترحات حولها وبالفعل قد أجرى بعض التغييرات عليها و يذكر: لم أغير شيئاً جوهرياً، لكنني قمت بتليينها ببعض التعابير لمعرفتي بأن الجانب الإيراني “ناشف” أيضاً.

و أردف: ستكون هذه بداية سيئة، وبالفعل جاءت الورقة السعودية المعدلة، وفيها بعض الطراوة، دون الأخذ بكل مقترحاتنا، سلمتها إلى سليماني وكان قد اطلع على الورقة الأولى. قال حسناً فعلتم، فالورقة الأولى كان سيصعب عرضها على القيادة الإيرانية، ويذكر أنه سأل سليماني قبل اغتياله بأسابيع عن الجواب الإيراني، فالجانب السعودي كان يطالب بذلك، فرد بأن القيادة الإيرانية ناقشت الموضوع وسأجلب الجواب عند عودتي إلى بغداد قريباً.

إلا أن الجواب لم يصل فقد جاء على ظهر الرحلة الأخيرة لسليماني والتي اغتيل بعدها في مطار بغداد في الثالث من يناير ٢٠٢٠، وعلى إثرها لم يُعثر على حقيبته وفيها أوراقه و الجواب كما يروي عبد المهدي.

يتابع عبد المهدي: تركت المسؤولية في 7/5/2020، وتسلم السيد الكاظمي المسؤولية. وفي زيارته الرسمية للمملكة، تقرر مواصلة المبادرة، وعُقدت الاجتماعات الأولى برئاسته في بغداد في نيسان/ أبريل 2021 و ترأس الجانب السعودي الشيخ الفريق خالد الحميدان، والجانب الايراني نائب أمين مجلس الأمن القومي الإيراني السيد سعيد ايرواني. وتوالت الاجتماعات وحضرها أخرون، إلى أن توجت بالاتفاق الاستراتيجي في بكين.

عبد المهدي يؤكد في بيانه أن الطرفين يفاوضان بحزم وقوة، وما كان يمكن للاتفاق أن يرى النور لولا التطورات الإقليمة والعالمية، وتصاعد دور الصين، مضيفا أن هناك ضمانات لكلا الطرفين، وكذلك رؤى لعموم مسارات المنطقة، وهذا وفق قوله يمكن قراءته من البيان الختامي.

و يختتم: الأمر سيبدو سهلاً عند اجتماع الكلمة. وسيبدو مستحيلاً، وكلمة الاعداء هي اللعلى، عند التنازع والاقتتال.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: