الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 مارس 2023 21:22
للمشاركة:

تسمم الطلاب في إيران.. تفاصيل غامضة

لا يزال مسلسل تسمم طالبات المدارس في إيران حديث الشارع والرأي العام داخل البلاد. ورغم انقضاء أكثر من 3 أشهر على أول حادث، إلا أنّ الملابسات ما زالت غامضة، ولم تستطع أي جهة حكومية التوصل لنتائج علمية عن سبب الحادث، أو المسؤول عنه.

تقدم “جاده إيران” تقريرًا مفصلًا عن حالات التسمم في إيران، وأهم أسبابها المتوقعة والتكهّنات الحكومية والإعلامية وردود الفعل المحلية والدولية.

البداية والتسلسل

كان أول ظهور لحالات التسمم في مدرسة “نور” للبنات وسط مدينة قم، حيث أصيبت 18 تلميذة بأعراض مرضية وتسمم، ونُقلنَ إلى المستشفى في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر2022، ثم أعلنت أكثر من مدرسة في المحافظة عن حالات تسمم مماثلة، وما لبثت أن أعلنت السلطات في مدينة بروجرد عن تسجيل حالات تسمم، ثم انتقلت الحالات إلى طهران، همدان، جيلان، تبرير، أردبيل، شيراز ومدن أخرى.

مسلسل التسمم انتقل إلى معظم المحافظات الإيرانية، حيث وصلت حالات التسمم إلى أكثر من 300 مدرسة، وطالت مئات الطالبات في معظم المحافظات والمدن الإيرانية.

ووفق معظم المستشفيات، شملت الأعراض التي تم الإبلاغ عنها مشاكل في الجهاز التنفسي، الغثيان، الدوخة، التعب وضيق التنفّس.

وسائل الإعلام الإيرانية أكدت أنَّ حالات التسمم لم تكن شديدة، وفق معظم الأخبار المتداولة، وغالبًا ما غادرت الطالبات المستشفيات بعد تحسِّنهن، ولم يكنّ بحاجة لأدوية أو علاج خاص، وإنما تم إعطائهنّ مصل “سيروم” فقط.

أما عن المواد المستخدمة، فأكدت السلطات الإيرانية أنّ ما استُخدم في حالات التسميم هي مواد كيميائية ذات روائح كريهة، تسبب الغثيان، وخاصة لدى الفتيات اليافعات، كما نوّهت السلطات إلو أنه لم يتم مشاهدة أو تأكيد وجود أي نوع سم في كافة الحالات التي شهدتها البلاد.

وتسبّبت حالات التسمم بضجة في الرأي العام داخل إيران، وسط مخاوف متزايدة لدى الأُسر، التي غدت خائفة من إرسال بناتها للمدارس، مما أجبر مئات المدارس على تعطيل الدوام بشكل كامل، لا سيّما مع اقتراب إجازة عيد النوروز.

بصمات إسرائيلية؟

اتهم أستاذ الفلسفة الإيراني بيجن عبد الكريمي إسرائيل بالوقوف خلف انتشار حالات التسمم.

وفي مقابلة له مع صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، قال عبد الكريمي: “إنّ هذه الحوادث لها تعقيدات كثيرة ومعادلة خطيرة، وبالنظر إلى أنّ هناك كاميرات في جميع الشوارع والأزقة الخلفية، إلا أنّ المهاجمين لم يُرَوا أو يُعتقلوا. يبدو أنّ هذه الحوادث الإرهابية من عمل الإسرائيليين. وفي الواقع، لقد دخلنا مرحلة جديدة من الحرب التي تدور هذه المرة داخل حدود البلاد”.

ووصفت صحيفة “هم ميهن” الإصلاحية الأمر بأنه “إرهاب بيولوجي”، مستشهدةً بأوجه الشبه بين حالات التسمم في مدارس البنات في إيران وما قام به من أسمتهم المتطرّفون في الشيشان وحركة “طالبان” في أفغانستان من هجمات، وهو ما حصل بحسب “هم مهين” مع طالبات المدارس في جمهورية أوسيتيا الشمالية المتمتعة بالحكم الذاتي في روسيا، بتاريخ 1 أيلول/ سبتمبر 2004.

تطرّف ديني؟

يعزو البعض في إيران حوادث التسمم إلى الجماعات المتطرّفة المذهبية التي ترفض تعليم البنات في المدارس، وأتباع مدرسة مصباح يزدي، ذلك أنهم يعتبرون أنّ مشاركة المرأة في أنشطة المجتمع حرام، وهم يسعون اليوم إلى إدخال الرعب في قلوب الفتيات والأهالي لتعطيل المدارس ومنع النساء من الحضور والمشاركة في المجتمع، على نمط “طالبان”، “داعش” و”النصرة”.

لكنّ ما تدعو إليه هذه الجماعات لا يتوافق مع واقع ما تعيشه المرأة الإيرانية بعد الثورة، من حيث حجم حضورها في المحافل الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية في إيران. فالعديد من الإحصاءات الحكومية والمستقلّة تؤكد أنّ عدد الإناث في المدارس والجامعات الإيرانية يتجاوز عدد الذكور، كما تشغل النساء مناصب هامة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، لا سيّما في المجال الطبي، حيث أنّ معظم الكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الطبية في إيران هي من النساء.

في المقابل، اتهم بعض المحللين والسياسيين في إيران جماعة “مجاهدي خلق” بالوقوف وراء حوادث التسمم.
وهاجم رئيس حزب “المؤتلفة الإسلامي” بادامشيان هذه الجماعة، معتبرًا أنّ مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تأتي إلا منها.

تسميم متعمّد

أعلنت محافظة فارس جنوب إيران يوم الجمعة 10آذار/ مارس عن اعتقال ستة أشخاص قاموا بتجهيز أنواع من الغازات السامة، ونشروها في عدد من مدارس المحافظة بشكل متعمّد، انتقامًا من النظام على حد تعبيرهم، حيث اعترف المعتقلون في مقطع مصوّر بقيامهم بتسميم طالبات المدارس وتصوير حالة الطلاب السيئة بعد استنشاق الغازات السامة لإرسال الفيديوهات إلى القنوات الأجنبية، وخاصة قناة “إيران إنترناشيونال”.

كما أعلن وزير الداخلية الإيراني والسلطة القضائية في إيران في بيانات متتالية عن اعتقال عدد من المتهمين في تسميم الطلاب، وهم من خارج الكادر التعليمي، مشيرًا إلى أنهم استخدموا أنواعًا من الغازات شبه السامة أو المواد الكيميائية المحرّكة، والتي تسبب نوعًا من الغثيان.

وفي السياق، اتهم المستشار السياسي للحرس الثوري الإيراني يد الله جواني أعداء الجمهورية الإسلامية بالوقوف وراء حالات التسمّم، نافيّا أن يكون النظام هو من فعل ذلك.

وقالت وكالة “تسنيم” المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني قالت في تقرير لها يوم الجمعة 3 آذار/ مارس إنّ تسمّم طلاب مدرسة الخيام في طهران كان بسبب توقّف ناقلة نفط بجوار المدرسة، مضيفةً أنّ هذه الناقلة كانت تتردد في قم وبروجرد في الأيام القليلة الماضية، حيث تم اعتقال سائقها في طهران.

الغموض يسيطر على الموقف

رغم كل المعطيات والتكهنات والاتهامات المتبادلة والأشخاص المعتقلين الذين اعترفوا بقيامهم بنشر بعض المواد الكيميائية، إلا ان المُفتعل والجهة الرئيسية التي تقف خلف هذه الحوادث لم تُكشف بعد.

وانتقدت السياسية الإصلاحية ونائبة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني لشؤون المرأة معصومة ابتكار تأخّر السلطات في الكشف عن حقيقة هذه الحوادث، مشبهة ما يحدث بالهجوم بالأحماض في أصفهان.

أما الإصلاحي عباس عبدي، فتساءل إن كانت السلطات لم تعد قادرة على السيطرة على البلاد، وإن كان الجهاز الأمني قد أصبح ضعيفًا أم أنّ كل شيء تحت السيطرة، وتابع: “مع الأسف إنني أرجح الخيار الثالث على الأول والثاني”.

دور المؤسسات المسؤولة

كلّف رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف رؤساء أربع لجان برلمانية للتحقيق في قضية تسمم تلامذة مدارس، ورفع تقارير للبرلمان بهذا الشأن.

أما رؤساء اللجان الأربع فهم: رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية وحيد جلال زادة، رئيس لجنة الشؤون الداخلية والمجالس المحلية محمد صالح جوكار، رئيس لجنة التعليم والأبحاث علي رضا منادي سفيدان ورئيس اللجنة الصحية والطبية حسين علي شهرياري.

من جهته، أعلن وزير الصحة الإيراني بهرام عين اللهي الثلاثاء 28 شباط/ فبراير، على هامش مؤتمر للتلفزيون الإيراني، إنّ السم المستخدم في حالات التسميم هو “سم خفيف جدا”، وفقاً لما توصلت إليه تحقيقات فريق طبي.

وأضاف عين اللهي أنه زار الطالبات المصابات بالتسمم في المستشفى بمدينة قم، وتبيّن أنهنّ لم يصبن بأعراض خطيرة، وبعد ساعات من استقرار وضعهن وانتهاء الشعور بالترهل في العضلات والإعياء والغثيان غادرن المستشفى.

في حين صرّح نائب وزير الصحة الإيراني يونس بناهي إنه بعد حالات عدة من التسمم لطلبة مدارس قم، اتّضح أن التسميم كان عمدًا، وأنّ المركبات الكيميائية ليست سلاحًا كيميائيًا وليس لها أي علامات على أنها معدية.

أما حكوميًا، فقد ذكر المتحدث باسمها علي بهادري جهرمي في هذا السياق: “يريدون إغلاق المدارس بعمليات تخريب مشرّفة، كما يسمونها، لكنّ مؤامرتهم ستفشل. يسمّون العمل الإرهابي تخريبًا مشرفًا، ويريدون إغلاق المدارس وهيّئوا الأجواء بشكل واسع النطاق لإظهار هذه الأعمال الإرهابية، مثل التدمير، إشعال النار والإهانة، على أنها أعمال أخلاقية”.

بهادري جهرمي أضاف أنً التسميم التسلسلي للطلاب هو استمرار لمشروع الفوضى الفاشلة، وأنه يهدف إلى منع النمو العلمي في إيران.

وكلّف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزير الداخلية أحمد وحيدي بفتح تحقيق عاجل ومتابعة الحوادث بجدية.

وأصدر وحيدي بيانًا شدّد فيه على أنّ موضوع تسميم الطلاب يتم متابعته بجدية، وأنّ صحة الطلاب هي الأولوية القصوى لجميع المسؤولين، الذين لن يدّخروا أي جهد لتوفير الأمن والراحة والسلام لهم.

في حين أشار وحيدي إلى أنّ أكثر من 90% من الطالبات “تدهورت حالتهنّ بسبب التوتر”، نافيًا العثور على مادة سامة محددة حتى الآن.

وأعلن وزير الداخلية الإيراني العثور على عيّنات مشبوهة يجري التحقيق فيها في مختبرات البلاد المرموقة لإجراء تحقيقات متخصصة، من أجل الوصول إلى أسباب المضاعفات التي حدثت للطلاب في البلاد.

الاستخبارات الإيرانية

أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية يوم الأربعاء 8 آذار/مارس بيانًا أكدت فيه أنَّ منتسبي وزارة الأمن بدأوا التحقيق اللازم منذ الأحداث الأولى التي وقعت في البلاد، وأصبحت هذه التحقيقات أساساً لإدخال بعض الأجهزة الأخرى المتعلقة بالموضوع، لكنه وبالرغم من اكتشاف أسباب بعض الحوادث السابقة من خلال سلسلة من التحقيقات والمتابعات، إلا أن استحالة التعميم العلمي للحالات المكتشفة على جميع الحالات المبلغ عنها، تجعلنا نتريث في الإعلام، حتى نحصل على نتائج صحيحة يمكن تعميمها على باقي الحالات.

القائد الأعلى في إيران علي خامنئي طلب من السلطات متابعة هذه القضية بجدية معتبرًا أن إذا ثبت أن حالات التسمم كانت بفعل فاعل، فهي جريمة خطيرة لا تغتفر.

ردود الفعل الدولية

وزارة الخارجية الأسترالية علّقت على حالات التسمم في إيران بالقول: “إن الحكومة الأسترالية قلقة للغاية بشأن الأنباء الواردة عن تسمم مئات الطالبات في مدن إيرانية عدة”. وتابعت: “نحن نتابع الحدث عن كثب ونراقب الأوضاع بدقة”.

من جهة أخرى، كتبت السيناتور رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والتجارة ف مجلس الشيوخ الأسترالي كلير تشاندلر على حسابها على “إنستغرام”: “هجوم مروّع آخر على فتيات إيرانيات… تسمم تلميذات المدارس هو أحدث تكتيك من الوحوش لمواصلة الظلم على النساء والفتيات في إيران”.

في الوقت نفسه، أعلن مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في إيران، ردًا على استمرار ظاهرة تسمم الطالبات، إنه يتابع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عن كثب.

وجاء في بيان لليونيسيف في إيران: “المدرسة هي ملاذ آمن للأطفال والمراهقين للتعلّم في بيئة آمنة وداعمة. مثل هذه الحوادث يمكن أن تترك تأثيرًا سلبيًا على معدّل تعليم الأطفال، وخاصة الفتيات”.

كما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عمليات التسمم المتسلسلة بأنها “مقلقة للغاية” و”مثيرة للاشمئزاز”، وقال: “التعليم حق عالمي، والنساء والفتيات في كل مكان من العالم لهنّ الحق بالحصول على التعليم والتربية”.

وأضاف: “نتوقّع من السلطات الإيرانية أن تحقق بشكل كامل في تسميم الطالبات، وأن تبذل كل ما في وسعها لإنهاء هذه الأعمال ومحاسبة المسؤولين”.

أما المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، فقد دعا لمحاسبة المسؤولين عن تسمم فتيات مدراس بإيران، مشددًا على أنه ينبغي عدم منع الفتيات من مواصلة التعليم.

وجاء في تغريده لمالي: “يجب أن تتوقف حالات التسمم هذه ويجب محاسبة الجناة، ولا ينبغي لأحد أن يمنع فتيات إيران من مواصلة التعليم، الذي يُعدُّ حقًا من حقوق الإنسان وضروريًا لتعزيز الأمن الاقتصادي للمرأة”.

كما وعبّر مجلس الأمن القومي الأميركي عن قلقه مما وصفها بالتقارير الواردة عن حالات تسمم واسعة النطاق بين الطالبات في مدارس إيران، والتي ربما تكون مرتبطة بالمشاركة في الاحتجاجات، على حد قوله.

أما وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك فوصفت التقارير عن حالات التسمم في إيران بالصادمة، مشددة على ضرورة التحقيق فيها بشكل كامل.

منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أعرب عن قلقه من حالات التسمم هذه، مضيفا: “العالم يحتاج لأن يعرف السبب”.

وكان السفير البريطاني في طهران سيمون شيركليف علّق في تغريده له: “بصفتي أبًا، أتعاطف مع جميع الآباء والأمهات الإيرانيين القلقين على أطفالهم في المدارس بسبب سلسلة حالات التسمم التي لا تنتهي”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: