الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 مارس 2023 20:04
للمشاركة:

محسن فخري زاده: أبو البرنامج النووي الإيراني

هو الرجل الذي لُقِّبَ بـ " أبو البرنامج النووي الإيراني"، كما وُصِفَ بأنه شبيه الفيزيائي الأميركي روبرت أوبنهايمر الذي أشرف على بناء القنبلة الذرية في الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي.

ورغم أنه لم يظهر في الإعلام كثيرًا، لكنه كان رأس حربة في البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، وشكل اغتياله وفق وصف بعض وسائل الإعلام في ذلك الوقت “ضربة كبيرة لهذا البرنامج، فضلًا عن المنظومة الأمنية الإيرانية”.

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أدرجته عام 2013 من ضمن الشخصيات الإيرانية الخمسة في قائمة أقوى 500 شخصية في العالم.

فمن هو محسن فخري زاده مهابادي؟

عالم فيزياء ومعاون وزير الدفاع الإيراني، وضابط في الحرس الثوري. عُرف بأنه مسؤول تطوير البرنامج النووي الإيراني، وفُرضت عليه عقوبات أممية وأميركية، رغم أنّ طهران تنفي ارتباطه بهذا البرنامج، وتؤكد أنه رئيس منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع.

ينحَدر فخري زاده (1961-2020) من مدينة مهاباد في أصفهان الإيرانية، لكنه وُلِد في مدينة “قم” وسط إيران، وكانت له نشاطات ضد حكومة الشاه، فسُرعان ما انضم لتشكيلات الحرس الثوري الإيراني بعد الثورة الإسلامية، وقاتل على الجبهة الغربية ضد نشاط الجماعات الانفصالية.

الحياة الأكاديمية والمهنية

حصل فخري زاده على شهادة البكالوريوس في الفيزياء النووية من جامعة الشهيد بهشتي في العاصمة طهران عام 1987، ثم حصل على درجة الماجستير في الهندسة النووية، والدكتوراه في الإشعاع النووي والأشعّة الكونية من جامعة أصفهان الصناعية.

بدأ مسيرته المهنية أستاذًا في الفيزياء النووية في جامعة الإمام الحسين العسكرية التابعة للحرس الثوري، والتي تهدف لإعداد الطلّاب في التخصصات الإنسانية والهندسية للالتحاق لاحقًا بصفوف الحرس.

أسس عام 2004 وحدة التحقيقات النووية الخاصة في الحرس الثوري، ثم عُيِّن فخري رئيسًا لجامعة مالك الأشتر الصناعية العسكرية.

فخري زاده والبرنامج النووي

في العام 2008، نشرت صحيفة الـ “صنداي تايمز” البريطانية تقريراً جاء فيه أنّ فخري زاده هو “والد البرنامج النووي العسكري الإيراني”، بعد أن زعمت حصولها على كمبيوتر محمول فيه معلومات عن هذا البرنامج. وفي التقرير نفسه، أشارت الصحيفة إلى أنّ “الاستخبارات الغربية تعتقد بأنّ إيران، بجهود فخري زاده، تسعى لإنتاج رأس نووي قادر على تدمير أي مدينة في الشرق الأوسط”.

الـ “صنداي تايمز” نفسها، شبّهت العالم الإيراني بأنه “النسخة الإيرانية للعالم النووي الباكستاني عبد القدير خان”، لافتةً إلى أنّ “التقارير الاستخبارية دعمت الاتهامات بكونه رئيس المشروع 111″، الذي تستخدمه إيران لإنتاج “رأس نووي قادر على الانفجار على ارتفاع 2000 قدم، وإلحاق دمار هائل في مناطق واسعة”.

كذلك في عام 2010، أكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية أنّ فخري زاده هو الشخص الرئيسي المسؤول عن برنامج إيران النووي.

بقيت صورة العالم الإيراني مجهولة حتى نيسان/ أبريل من العام 2018، حين كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في مؤتمر خاص، صورة له، على أنه المسؤول عن تحضير إيران لصواريخ نووية. يومها، نشر نتانياهو وثائق تثبت، حسب رأيه، أنّ “طهران واصلت تطوير قدراتها النووية العسكرية، رغم توقيعها الاتفاقَ مع الدول الكبرى قبل ثلاث سنوات”، مضيفاً أنّ “فخري زاده كان يترأّس برنامج آماد النووي، الذي يهدف لمواصلة تطوير سلاح نووي تحت مسميات علمية”، على حد تعبيره.

هذا المؤتمر الصحفي أعقبه تقرير لموقع “واللا” الإسرائيلي، تحدث عن سعي “إسرائيل قبل سنوات لاغتيال البروفيسور الإيراني”، واصفةً إياه بـ ”العقل الذي يدير البرنامج النووي لطهران”.

وبحسب الموقع، فإنّ “عدداً من العلماء الإيرانيين الذين تعرَّضوا لعمليات أو محاولات اغتيال قبل سنوات عدة، قُتلوا أو أصيبوا على يد عناصر من الموساد، كانوا يقودون دراجات نارية، ويلصقون عبوات ناسفة على سيارات هؤلاء العلماء، الذين كانوا يعملون تحت إشراف فخري زاده، وفي كل هذه المرّات كان الهدف هو هذا المؤسس للبرنامج النووي الإيراني”.

وذكر أحد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في 2011 إنّ فخري زاده هو شخصية محورية في أنشطة إيرانية مشتبه بأنها تدلّ على رغبة بتطوير تكنولوجيا ومهارات مطلوبة لصنع قنابل نووية.

وجاء في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية في تموز/ يوليو 2020 أنّ المساهمين السابقين في برنامج الأسلحة النووية الإيراني استمرّوا بالعمل على “الأنشطة التقنية ذات الاستخدام المزدوج وذات الصلة بالتسليح” بالتعاون مع فخري زاده.

وفي عام 2015، شبّهته صحيفة “نيويورك تايمز” بروبرت أوبنهايمر، العالم الفيزيائي الذي أدار مشروع مانهاتن، والذي أنتج خلال الحرب العالمية الثانية أول الأسلحة الذرية.

وورد في تقارير إعلامية أنّ فخري زاده قاد مشروع “آماد” السري الذي قيل إنه تأسس عام 1989 للبحث في إمكانية بناء قنبلة نووية، وتم إيقافه عام 2003، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أكد نتنياهو أنّ فخري زادة تابع العمل سراً في مشروع “آماد”.

منظمة البحث والتطوير ومركز التحقيقات الفيزيائية

في 2010، أسس محسن فخري زاده منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية.

اتُّهمت المنظمة من قبل المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بالعمل على تطوير الأسلحة النووية، ففُرضت عليها عقوبات من قبل وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيّتين.

كما أصدرت منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة تقريرًا في 2014 جاء فيه أنّ منظمة البحث والتطوير التي يرأسها فخري زاده تُشرف على جميع أجزاء تصميم وتشغيل البرامج العسكرية النووية الإيرانية.

برنامج إيران الصاروخي

وفق وسائل إعلام إيرانية، سافر فخري زاده إلى كوريا الشمالية برفقة حسن طهراني مقدم الذي كان يعرف ب “أبو البرنامج الصاروخي الإيراني”، وكان من مؤسسي ومطوّري مراكز أبحاث تطوير الصواريخ في إيران، بمساعدة ليبيا وكوريا الشمالية.

وقال “المجلس الوطني الإيراني المعارض” إنّ فخري زاده سافر عام 2008 إلى كوريا الشمالية أثناء الاختبار النووي الثالث الذي أجراه هذا البلد.

الإنجازات النووية والعلمية

شارك فخري زاده في عشرات المشاريع البحثية والتطويرية والعلمية، وحقق إنجازات بارزة، أهمها تطوير تكنولوجيا الكشف عن الإشعاع النووي، تكنولوجيا الكشف عن النيوترونات الكونية التي تكتشف الإجراءات الإسرائيلية في المجال النووي، صناعة أجهزة الكشف عن فايروس “كورونا”، صناعة أجهزة الليزر للكشف عن المسیَّرات المهاجمة، ابتكار الدفاع النووي في البلاد وإنشاء المعهد السمعي الفعال في صناعة اللقاحات الإيرانية.

العقوبات على فخري زاده

في 24 آذار/ مارس 2007، وضع مجلس الأمن الدولي مجموعة من العقوبات على بعض الإيرانيين الذي كان لهم دور في تطوير البرنامج النووي والصاروخي الإيراني. اسم فخري زاده كان أحد هؤلاء، وبحسب ما جاء في نص العقوبات، فإنّ الرجل هو “أحد كبار علماء وزارة الدفاع ولوجستيات القوات المسلّحة، والرئيس السابق لمركز البحوث الفيزيائية في إيران”. وشملت العقوبات آنذاك حظر السفر وتجميد الأصول.

هذه العقوبات الأممية على العالم الإيراني، جاءت بعد رفض إيران عرضه أمام محققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين طلبوا إجراء لقاءٍ معه من أجل توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأنشطة إيران النووية. حينها، أكد خبراء الوكالة أن لا مستقبل لإيران في عالم المجال النووي بشكل قانوني، ما لم يتم اللقاء مع فخري زاده، وهو ما لم يحصل أبدًا.

الاغتيال

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان لها، اغتيال رئيس منظمة البحث والابتكار في وزارة الدفاع محسن فخري زاده، في مدينة آبسرد قرب العاصمة طهران، بعد اشتباكات بين فريقه الأمني ومجموعة مسلّحة، مشيرة إلى أنّ “الفريق الطبي لم ينجح في إنقاذ فخري زاده، واستشهد بعد سنوات من الجهد والنضال”.

وفي التفاصيل، أوضحت التقارير الحكومية الإيرانية إنّ سيارة من طراز “نيسان”، محمّلة بكمية كبيرة من المتفجّرات، انفجرت عند اقتراب موكب فخري زاده، ثم بدأ إطلاق النار من الرشاش الآلي الموجه عن بعد، ولم يكن هناك أي تدخل من أي عناصر بشرية، حيث أطلق الرشاش 13 طلقة نحو وجه فخري زاده بالتحديد، ولم تُصب زوجته التي كانت تجلس بجانبه في السيارة.

عملية اغتيال فخري زاده كانت معقّدة جدًا، وتمّت وفق تحقيقات صحفية من دون تدخل بشري، حيث أشارت وكالة “بي بي سي” البريطانية إلى أنّ إطلاق النار على فخري زاده تم بواسطة رشاش يعمل بالتحكم عن بعد عبر الأقمار الصناعية، بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي، مضيفةً أنّ تنفيذ عملية اغتيال بهذه الطريقة “الجراحية” ضد هدف متحرّك من دون وقوع إصابات بين المدنيين كان عملًا استخباريًا كبيرًا.

“بي بي سي” نقلت عن تقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية، وصف عملية الاغتيال بـ “أبرع أعمال الموساد الإسرائيلي”.

عقب اغتيال فخري زاده، دعا القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى فتح تحقيق بحادثة الاغتيال، وتقديم المنفّذين والآمرين للقضاء، وطالب بمواصلة الجهود العلمية التي بذلها هذا العالم.

ونشر مكتب خامنئي تغريدة جاء فيها: “استشهد أحد أبز علماء بلدنا في المجالين النووي والدفاعي، الدكتور محسن فخري زادة، على يد مجموعة من المرتزقة. لقد ضحّى بحياته في سبيل الله، عبر جهوده العلمية العظيمة، ومنزلة الشهادة الرفيعة مكافأته من الله”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: