الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 فبراير 2023 14:27
للمشاركة:

كيف حافظت بكين وطهران على انسجام العلاقات المتبادلة؟

تناولت صحيفة "فرهيختغان" زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي إلى الصين، وبعد عرض التصريحات المتبادلة بين رئيسي ونظيره الصيني سردت الصحيفة المميزات التي جعلت العلاقة بين البلدين تحافظ على قوتها على الرغم من كل الغضوط التي شهدتها السنوات الماضية. كما شرحت الصحيفة الأصولية المكانة التي تحظى بها بكين في سياسة طهران الخارجية.

“جاده إيران” تقدم لكم ترجمة كاملة للمقال:

وصل التعاون الاستراتيجي بين طهران وبكين إلى مرحلة التوقيع على البنود التنفيذية  في وثيقة الشراكة الاستراتيجية لـ25عامًا، وقد رحب الرئيس الصيني شي بينغ بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي بحرارة، مما قد يعكس تقدّمًا حقيقيأ في العلاقات الثناية.

التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين. واعتبر رئيسي في هذا الاجتماع تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وبحسب مسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية، فإنّ هذه الوثيقة، التي وقعها وزيرا خارجية البلدين في طهران عام 2021، ستدخل مرحلة التنفيذ خلال زيارة رئيسي إلى بكين.

وعلى هذا الأساس، رحّب رئيسي بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وأعلن استعداد إيران لتنفيذ هذه الخطة. وتُعدُّ مبادرة الحزام والطريق إحدى ركائز وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين.

كما انتقد الرئيس الصيني في هذا الاجتماع السياسات الأحادية للغرب، وقال: “للأسف، تستمرّ هذه الدول في إصرارها على النهج الخاطئ لحقبة الحرب الباردة، وقد تسبب ذلك بالإضرار بالأعراف الدولية والسلم والأمن العالميين”. كما أكد شي جين بينغ على المواجهة المشتركة مع الأحادية للغرب بإعلان دعمه لوحدة أراضي الجمهورية الإسلامية. ينعقد هذا الاجتماع في وقت اتخذ فيه الغرب نهجًا عدوانيًا ضد الشرق، تضمّن إدخال روسيا في حرب أوكرانيا وخططًا لأعمال الشغب في خريف عام 2022 ضد إيران، كما لا يزال يكثّف الضغط الاقتصادي على الصين من خلال فرض القيود التجارية، خاصة في مجال الاستيراد. في نفس الوقت الذي يشن به هذا الهجوم على الشرق، يعمل الغرب على منع تعاون الدول الشرقية عبر استخدامه القوة.

التقارب والانسجام

العلاقات الإيرانية الصينية مدعومة بميّزات قوية. هذه الميّزات جعلت العلاقات بين البلدين تظلّ قوية ومهمة في السنوات الأخيرة، في ظل أشد الضغوط. وفقًا لذلك، في ما يلي، يتم سرد هذه الميزات وشرحها.

  • 1- ليس للصين تجربة هيمنة ونفوذ في إيران

في تاريخ اليونان، لدى القبائل المغولية، البرتغاليين، البريطانيين، الروس والأميركيين، تجربة غزو الأراضي الإيرانية. ومع ذلك، فإنّ الصينيين ليس لديهم هذه التجربة التاريخية المشؤومة.

إن وجود هذه التجربة التاريخية، وعلى الرغم من أنها تعود إلى الماضي البعيد، إلا أنها إحدى العقبات أمام تطوّر العلاقات بين الأمم. وكمثال على ذلك، فإنّ التجربة السلبية لدى الإيرانيين من الامبراطورية البريطانية، التي أثارت شكوكًا عميقة، هي إحدى العقبات الجادة في العلاقات السليمة بين البلدين. من ناحية أخرى، لا تزال هذه القوى تحلم بالعودة إلى عصر الهيمنة، من خلال إجبار الأمة الإيرانية على الخضوع. سلوك الولايات المتحدة تجاه إيران لأكثر من أربعة عقود بعد الثورة مؤشر على هذا النوع من النظرة.

في العلاقات بين إيران والصين، لا يوجد لدى الصينيين تاريخ في غزو إيران، ولا الحكومات الإيرانية القديمة قد اتخذت خطوات للسيطرة على الصين. بسبب هذه التجربة في التاريخ، لا يفكر الصينيون بإحياء تأثير واسع على إيران.

  • 2- رغبة التوسّع لدى الصين أقلّ مقارنة بالغرب

لا يقتصر الأمر على أنّ الصين ليس لديها تاريخ في الهيمنة على إيران، ولكنها اتبعت نهجًا أقل عدوانية مقارنة بالقوى الأخرى. هذا في حين أنّ الحضارة الغربية في تطوّرها اقتلعت تقريبًا سكان القارات الثلاث لأميركا الشمالية، أميركا الجنوبية وأوقيانوسيا، واستبدلتهم بأعراق أوروبية.

  • 3- العدو المشترك

بعد سنوات من التوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبعد أن أثبتت قوّتها إثر امتلاكها أسلحة نووية وزيادة وزنها، بدأت الصين علاقاتها مع واشنطن ووسّعتها وفق سياسة الأبواب المفتوحة. من ناحية أخرى، إيران وفي نهاية هذا العقد، بعد انتهاء حقبة التبعيّة للولايات المتحدة، عانت من توترات مع واشنطن بعد نيلها الاستقلال. بمعنى آخر، في بداية الثورة الإسلامية الإيرانية، اتّبعت الدولتان سياسات مختلفة على الساحة الدولية بسبب اختلاف مواقفهما. اليوم، ومع ذلك، يبدو أنّ كلاهما يسيران في نفس الاتجاه. على الرغم من أنّ الصين لديها علاقات واسعة مع الولايات المتحدة، والتي لا يمكن التغاضي عنها، فإنّ هذه العلاقات هي من باب الضرورة وليس الصداقة في الوضع الحالي، حيث تصاعد الصراع بين البلدين. تعتمد الولايات المتحدة على الواردات الصينية، لدرجة أن العقاب المفرط لهذا البلد يمكن اعتباره عقابًا لواشنطن نفسها. يمكن العثور على حقيقة العلاقات بين بكين وواشنطن في سياسات احتواء الصين من قبل رجال الدولة والمؤسسات العسكرية الأميركية.

بالإضافة إلى تقارب المواقف الدولية لإيران والصين، أصبحت هاتان الدولتان أقوى مقارنة بالسبعينيات من القرن الماضي، ومن ناحية أخرى أصبح الغرب أضعف.

  • 4- الاقتصادات التكميلية

تصدّر إيران إلى الصين الطاقة، المنتجات البتروكيماوية، المعادن، مواد البناء، المعادن شبه المصنعة، المنتجات السمكية، الأغذية، الفواكه الجافة والزعفران، وفي المقابل، تستورد قطع غيار، إكسسوارات السيارات، الأدوية، الأسمدة، الورق، الكرتون، الزيوت الصناعية، الآلات، المعدات والالكترونيات من هذا البلد.

يُظهر وضع السلع المتبادلة أنّ كلا الجانبين لديهما اقتصاد مكمّل لبعضهما. على الرغم من أنّ الأبعاد الواسعة لاقتصاد الصين والموارد الطبيعية الكثيرة لإيران يمكن أن تخلق بشكل عام مثل هذا الوضع، ولكن من منظور أكثر تفصيلاً، فإنّ هذا التكامل هو أكثر وضوحًا من العلاقات القائمة الأخرى. إذا كان لإيران علاقات تجارية واسعة مع الولايات المتحدة، فلن تحتاج واشنطن إلى النفط والعديد من المنتجات الإيرانية، بسبب وجود النفط الصخري وبقية إمداداتها من الطاقة من مصادر في أميركا  الشمالية وغرب إفريقيا. أوروبا أيضًا اعتمدت بشكل أقل على النفط بسبب الامتثال للقضايا البيئية وتفضيلها الطاقات المتجددة، وحتى الغاز على النفط. على الرغم من أن الولايات المتحدة وأوروبا يمكنهما تلبية احتياجات إيران إذا أرادا، إلا أنهما لا يحتاجان إلى المنتجات الاقتصادية الإيرانية بالقدر الذي تحتاجه الصين. إنّ العلاقات الصينية الإيرانية تتمتّع بمستوى أعلى من التكامل مقارنة بالعلاقات الغربية الإيرانية، كما أنّ توقف علاقات إيران التجارية مع الغرب ليس بسبب ميّزات العلاقة مع الصين، ولكن بسبب رفض هذه الجبهة إقامة علاقات مع إيران. ومن ناحية أخرى، ازداد حجم العلاقات مع بكين.

  • 5- ضرورة التعاون مع الدول المستقلّة

نجحت الصين بأن تصبح شريكًا تجاريًا لأكثر من مائة دولة في العالم. تتمتّع هذه الدولة أيضًا بوصول جيّد إلى مورّدي الطاقة، خاصة في الخليج. ومع ذلك، معظم الشركاء التجاريين للصين وموردي الطاقة هم حلفاء تقليديون للولايات المتحدة.

إن دول الضفة الجنوبية للخليج، مثل السعودية، الإمارات، الكويت وقطر غير قادرة على إجبار الولايات المتحدة على التراجع عن التدخل في شؤونهم، وذلك على الرغم من الحديث عن موازنة سياستها الخارجية، وحتى اتخاذ خطوات عملية في هذا المجال، ناهيك عن أنّ هذه الدول تستضيف عشرات القواعد بأكثر من مئة ألف جندي أميركي.

في هذه الحالة، إذا زادت حدة الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والذي لا يزال تحت السيطرة حتى الآن، فإنّ أوامر واشنطن لحلفائها يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في صادرات الطاقة إلى الصين. في هذا الوضع، تنكشف نعمة وجود الدول والحكومات المستقلّة بالنسبة للصين.

هذا الأمر ينطبق أيضًا على إيران. في ظلّ تخفيض دول العالم، مثل معظم الدول الأوروبية، علاقاتها مع إيران إلى الصفر بسبب ضغوط الولايات المتحدة، فإنّ الصين وعلى الرغم من انخفاض مستوى العلاقات الاقتصادية، لا تزال تحافظ على حجم التبادلات التجارية على مستوى ملحوظ مع إيران. هذا الاستقلال هو أحد الميّزات الداعمة العظيمة للعلاقات بين طهران وبكين.

  • 6- تاريخ العلاقات الهادئة في العقود الأخيرة

خلال حرب إيران مع نظام صدام (1980 إلى 1988)، وعلى الرغم من بيع الأسلحة للعرب والعراق، زوّدت الصين إيران أيضًا بأسلحة خاصة، مثل صواريخ دودة القز المضادة للسفن، وقود الصواريخ، دبابات تايب-59 ومقاتلات F-7.

في ذلك الوقت، كانت الصين قد انضمت إلى جانب الولايات المتحدة، وكانت لديها تقاربات مع حلفائها، لكنها بقيت ترفض الانحياز في سياستها الخارجية إلى أحد الأطراف.

استمرار هذه العلاقات، بما في ذلك التعاون النووي بين البلدين خلال التسعينيات، جعل العلاقات الإيرانية مع الصين قوية للغاية في عاصفة التغيّرات والديناميكيات العالمية.

من ناحية أخرى، تأكدت الصين من استقلال إيران وقدراتها، وجني ثمار هذا التعاون، خاصة خلال مكافحة الإرهاب في سوريا.

  • 7- قدرات عابرة للحدود وقدرات وطنية عالية

لا يقتصر التعاون بين إيران والصين على هذين البلدين وجغرافيتهما الإقليمية على الخريطة، بالنظر إلى نطاق القضايا وشبكة الحلفاء.

في منطقة غرب آسيا، التي تحتاجها الصين من نواح كثيرة، لا يمكن حل أي مشكلة من دون إيران. لقد سيطر محور المقاومة على أجزاء كبيرة من المنطقة، وله نفوذ في أجزاء كبيرة، وقوته تلقي بظلالها حتى على أرض منافسيه.

وبالنظر إلى احتياجات الصين، فإنّ هذا البلد ليس لديه أي وسيلة لضمان أمنه ضد تصرّفات الولايات المتحدة، وتنظيمات كتنظيم “داعش”، إلا التعاون مع إيران واستخدام القدرات الأمنية لمحور المقاومة.

كما أنّ الصين قلقة من أنّ العديد من خططها للتواصل مع أوروبا ستكون في مأزق مع تحركات الولايات المتحدة في غرب آسيا، وهذا هو السبب في أن بكين لا تحبّذ إضعاف دول المنطقة وهيمنة الولايات المتحدة عليها، وهو نفس الهدف الذي تسعى إليه إيران أيضًا. إضعاف حكومات المنطقة وجعلها تابعة، هي إحدى مراحل خلق حلقات الاحتواء والتطويق ضد القوى الشرقية. لقد كسرت إيران مع محور المقاومة هذا الحصار، وأصبحت حلقة تحرّر لروسيا خلال حرب أوكرانيا. عندما كانت روسيا محاصرة في الحرب، أصبح وجود إيران المستقلّة والصامدة وذات القدرات الأمنية أحد ركائز التحالف الشرقي.

مسار السياسة الخارجية لإيران

شهد مسار السياسة الخارجية الإيرانية تغييرات كبيرة في نهاية الحكومة الثانية عشرة، وكذلك الحكومة الثالثة عشرة. لا ترتبط هذه التغييرات بالضرورة بولادة ظواهر جديدة، لكنّ بعض السياسات السابقة أصبحت أكثر جرأةً، وتم التخلّي عن مقاربات مثل الإصرار على إحياء الاتفاق النووي. تستند سياسة إيران الخارجية في الفترة الحالية إلى ما يلي:

  • 1- الصين جزء مهم من استراتيجية التوجه شرقًا

منذ سنوات عدة، شددت إيران على استراتيجيتها في التطلّع إلى الشرق، ووفقًا للبيئة السياسية، فُسرت هذه الاستراتيجية على أنها تقوية حصرية للعلاقات مع الصين وروسيا. على الرغم من هذا التحدي في التصورات، فإنّ الصين ليست كل الشرق، ولكن بحسب ميزان الإماكانات والقوة، من خلال تقسيم الدول إلى ثلاث فئات، قوية ومتوسطة وضعيفة، في جغرافية الشرق، يتم وضعها بين الدول القوية إلى جانب الهند وروسيا. بعد ذلك، هناك دول شرقية متوسطة القوة، مثل ماليزيا وإندونيسيا، وكذلك دول أخرى أضعف، مثل بنغلاديش أو حتى اليمن. في إطار التطلّع إلى الشرق، طوّرت إيران علاقاتها مع الصين وروسيا بشكل لا يمكن مقارنته بالماضي، وفي نفس الوقت، في هذا الإطار، ركّزت على العلاقة مع جيرانها ومحيطها.

  • 2- العلاقات المهنية مدعومة بالقوة

علاقات إيران مع جيرانها لا يمكن أن تخلو من التحديات، كما هو الحال مع أذربيجان. لكن ما يختلف عن الماضي هو تعزيز قدرات إيران في إضفاء الطابع الاحترافي على العلاقات.

وسط الخلافات، طوّرت طهران علاقاتها مع أذربيجان في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من الصراع مع تركيا في سوريا والعراق، إلا أنها تتمتع بعلاقات تجارية كبيرة مع هذا البلد. وفي الوقت نفسه، شهدت انفتاحًا للعلاقات مع دول الضفة الجنوبية للخليج.

ما ساعد طهران على إضفاء الطابع المهني على هذه العلاقات هو توسيع قدراتها في السنوات الأخيرة. حجم هذه القدرات جعل دول المنطقة ترى نفسها في مواجهة إيران على مستويات مختلفة، ولهذا لن تقبل مخاطرة كبيرة في تعطيل جميع العلاقات. قد يكون هذا التغيير الكبير أحد أسباب زيادة الضغط الأميركي على العراق بقوة. تعرف واشنطن أنّ المحرّك القوي الذي اشتعل في السياسة الإيرانية الخارجية يمكن أن يزيد من قوة طهران بشكل كبير.

  •  3- أداء محترم ولكن دون مجاملة

تتعامل إيران مع الآخرين باحترام في السياسة، لكنها في الوقت نفسه لا تساوم مع الأطراف الدولية ضد الحركات غير المسموح بها. كان بقاء إيران في الاتفاق النووي، على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، والعديد من الحالات الأخرى، مبنيًا على سياسة المجاملة التي اتخذتها الحكومة الثانية عشرة. لذلك، فإنّ عدم المجاملة في سياسة إيران الخارجية هو أحد الجذور الأساسية للتغييرات. بعد زيارة رئيس الصين للسعودية، وإصدار بيانات مشتركة مع الدول العربية، فُسرت بعض بنودها ضد طهران، ردت الأخيرة بشدة على هذا الموقف، على عكس التحليلات التي وصفت موقف البلاد بالراضي. في وقت متأخر من يوم الاثنين، قبل رحلته إلى الصين، أكد الرئيس الإيراني مرة أخرى على عدم المجاملة في العلاقات الخارجية، من خلال الظهور أمام خريطة إيران المزيّنة باسم “الخليج الفارسي” في جناح مطار مهر أباد في طهران.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: