الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 فبراير 2023 14:30
للمشاركة:

اقتصاد العقوبات السياسي.. الصمود والتحوّل في إيران وروسيا

اعتبر الأستاذ في العلوم السياسية تيموثي شاو أنّ العقوبات الاقتصادية باتت إحدى أهم أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الدول المنافسة، مثل إيران، روسيا، الصين وفنزويلا، لافتًا إلى أن العقوبات التي فرضت خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت أكثر من جميع السنوات السابقة. وفي كتابه تحت عنوان: "اقتصاد العقوبات السياسي.. الصمود والتحوّل في إيران وروسيا"، رأى شاو أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن غير مستعدة في أي وقت قريب للعمل بعكس المسار الذي عمل عليه ترامب.

القضية الإيرانية

يذكّر الكاتب بأنّ قصة إيران مع العقوبات أقدم بكثير من روسيا، والتي بدأت مع الولايات المتحدة منذ عام 1995، ثم الأمم المتحدة منذ عام 2006، مضيفًا أنّ هذه العقوبات لم تفشل فقط بتحقيق الأهداف المرجوّة منها فقط، أي تحويل النظام الإيراني الحاكم إلى نظام ديمقراطي، بل أدت إلى تمكين هذا النظام، مما عزز من وجود منافس جيوسياسي للولايات المتحدة. وتحدث شاو عن تسبب العقوبات والحرب مع العراق بضغط سلّط الضوء على ضرورة القيام بإصلاحات وتحرير السوق الإيراني، حيث راح البعض يطالب بمراجعة المادة 44 من الدستوري الإيراني لعام 1979، التي ضمنت سيطرة الدولة على القطاعات المهمة استراتيجيًا، مثل التعدين والمرافق الكبرى.

وقال أستاذ العلوم السياسية إنّ إيران بعد ثورة 1979 لم تعد تؤمّن المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، في وقت لم تعد دول الخليج العربية قادرة على مساعدة الشاه للحفاظ على سلطته، في حين ضغطَ على إيران بشكل كبير استمرارُ العداء بينها وبين العالم السنّي، لا سيّما ثالوث السعودية، تركيا وقطر، الذي انزعج من وعد طهران “بتصدير الثورة”.

التحدي الأكبر ما بعد الثورة

وجاء في كتاب شاو أنّ التحدّي الداخلي الأكثر أهمية نبع من ضرورة التوفيق بين اتجاهين متعارضين: المنافسة السياسية ومركزية السلطة. وشرح ذلك بالقول إن النظام الحزبي الإيراني الضعيف بعد الثورة والمنافسة الشرسة بين النخبة عززا التعبئة الشعبية كوسيلة فاعلة للحفاظ على شرعية النظام. كما تم إملاء مركزية القوة الاقتصادية، عبر ثلاث مساراتلإ الأول هو احتياجات الحرب العراقية – الإيرانية، وما تلاها من إعادة إعمار بعد الحرب، أما الثاني فهو آية الله علي خامنئي، الرجل الذي خلف مؤسس الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني، وأخيرًا من خلال تبنّي التقنيات الغربية وتأمين الاكتفاء الذاتي من دون فقدان “الذات الأصلية” والثقافة المحلية.

وفي مقارنةٍ مع روسيا، أشار شاو إلى أنّه في طهران – على عكس موسكو –  لم تحصل صياغة وإعادة صياغة لميثاق الرعاية الاجتماعية بأسلوب تنازلي لسيطرة الدولة، بل إنّ ذلك تحقق كنتيجة للتنافس بين الفصائل المتحمّسة والضغوط الداخلية من مجموعات سكانية مختلفة. وتابع: “مع ذلك، هناك مؤسسات دعاية اجتماعية تديرها الدولة من أعلى إلى أسفل، تلعب أدوارًا قيادية في التأمين الاجتماعي، مثل منظمة الضمان الاجتماعي التي تم أنشاؤها عام 1975، والتي توفّر التأمين الاجتماعي لغالبية العاملين في الشركات العامة والخاصة الكبيرة، ومنظمة تقاعد الخدمة المدنية التي تغطّي موظفي الحكومة”.

صناديق التقاعد

يحصي الكاتب 24 صندوقًا للمعاشات التقاعدية في إيراني، وتشمل صناديق التقاعد العامة، مثل صندوق تقاعد القوات المسلّحة، صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، صندوق التأمين الريفي، بالإضافة إلى صناديق العاملين في صناعة النفط، البنوك أو موظفي إذاعة جمهورية إيران الإسلامية والتأمين المركزي للدولة والبلديات. ولفت شاو إلى أنّ قوة نظام المعاشات التقاعدية هي في نطاقها الواسع للتغطية وزيادة المدفوعات لكبار السن وغيرهم من الفئات الضعيفة بمرور الوقت، واصفًا النظام بأنه “كريم بشكل غير عادي” مقارنةً بالدول الأخرى في هذا المجال.

ووفق شاو، فإنّ متوسّط عمر التقاعد بين الإيرانيين منخفض للغاية، حيث يمكن للنساء والرجل الذين عملوا لمدة 30 عامًا أن يتقاعدوا عند سنّ ال45 و50 عامًا، والذين لديهم 16 عامًا من العمل يمكنهم التقاعد بعمر 55 عامًا للنساء و60 عامًا للرجل، في حين أنّ متوسّط سن التقاعد في الدول الأخرى هو بين 60 و65.

الاستثمار في الصحة

في أعقاب الثورة الإسلامية، أدت الاستثمارات الكبيرة في الصحة العامة، كما يروي الكتاب، إلى تطوير نظام رعاية صحية قوي، مع شبكة من الخدمات المتخصصة المتطوّرة، فضًلا عن تحسين الخدمات الثانوية والثالثية من خلال شبكة من المستشفيات الخاص بها. ذاكرًا أن عام 2005، شهد تمديد خطط التأمين الصحي من خلال خطة التأمين للمرضى الداخليين في المناطق الريفية، التي قدمت إعانات سخية للرعاية الصحية الثانوية. وفي عام 2011، تم دمج العديد من صناديق التأمين الصحي في صندوق التأمين الأساسي BIF. وبحسب شاو، يتم دعم نصف مدفوعات BIG من قبل الحكومة، والباقي من قبل لجنة الإمام الخميني للإغاثة.

يضيف الكاتب: “جعلت الكفاءة إيران منتجة لمجموعة واسعة من المعدات الطبية والأدوية، مما حوّل إيران إلى بلد غير مستورد للأدوية (بينما كانت تستورد 80% من أدويتها عام 1979)، ثم إلى دولة مصنّعة. عام 2000، كان المنتجون الإيرانيون يغطًون 97% من الاحتياجات المحلية”.

وخلص شاو إلى أنّ الحكم في إيران هو أقلّ مركزية من روسيا، حيث يجدد شرعيته عبر الانتخابات التي يلجأ إليها كوسيلة للتعبئة الشعبية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: