الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 فبراير 2023 16:31
للمشاركة:

إيران وأزماتها.. هل يمكن إيجاد حل لها؟

تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في تقرير مطوّل لها، أزمات إيران الحالية اجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا وثقافيًا، مقدمة تحليلًا وتفكيكًا مبسطًا لها. ورأت الصحيفة أن "السياسة تتشابك اليوم مع التكنولوجيا والمعرفة والقوى المتخصصة، والحلول الحقيقية لتحديات إيران الفائقة تعتمد على المعرفة، سواء العلمية والهندسية أو المعرفة السياسية أو العلوم الإنسانية".

تقدّم “جاده إيران” ترجمة كاملة لما جاء في التقرير.

إيران ستنهض من جديد. لدي شعور في أعماقي. إنها بمثابة شهادة واضحة وسلسة تخطر على بالنا من حين لآخر، وهي أنّ رسالة إيران لم تنتهِ. سيعود مجد إيران إليها. أنا متأكد من أنها يمكن أن تكبر وتصبح دولة مشهورة وجميلة ومزدهرة وتعلّم الكثير من الأشياء للعالم، بما يتناسب مع حضارتها وثقافتها وقِدَمها. هذا الادعاء سيجعل بلا شك بعض الناس يبتسمون. هناك جماعة تنظر إلى إيران نظرة ساذجة، لكنّ أولئك الذين يعرفونها لن يفقدوا الأمل منها أبدًا.

لقد بدأنا في كتابة هذا المقال الطويل، الذي كنّا نفكر في كتابته منذ فترة طويلة، بينما في هذه الأيام نشهد هزة أرضية جعلت جزءًا آخر من بلدنا، في غرب أذربيجان – خوي يواجه مشكلة جدية، وأبناء وطننا الأعزّاء هناك وقعوا في هذا الحدث الطبيعي.

لا شكّ أنّ قرّاءنا الأعزّاء يعرفون أنّ الزلازل في بلادنا أقرب من الوريد. الزلزال هو ظاهرة طبيعية أو قديمة وليس له خلفية خارقة للطبيعة، تتطلّب مواجهتها أيضًا اللّباقة والذكاء والإدارة. قبل أن نبدأ هذا المقال، نُعرب عن عميق تعاطفنا وتشاركنا الألم مع جميع أبناء وطننا الأعزاء في خوي وقراها. لدينا معلومات دقيقة مفادها بأنّ أهل بلادنا الطيبين قد شمّروا عن سواعدهم، كما هو الحال دائمًا، ويقدّمون الإغاثة.

كُتّابُ هذا المقال أيضًا، وفقًا لقدراتهم وإمكاناتهم، قاموا إلى جانب أحبّائهم الآخرين بواجبهم في توفير الإغاثة في الأيام القليلة الماضية. في الوقت الحالي، تساعد مجموعات جيّدة من الأشخاص والمنظمات المدنية، ونأمل أن تُسرع المؤسسات الحكومية، مثل الهلال الأحمر والجيش، لمساعدة الناس قدر الإمكان بأقصى قدراتهم الفنية والآليات والبنى التحتية.

تمرُّ إيران، والتي هي أعزّ من أرواحنا، بأوقات عصيبة للغاية في هذه الفترة من تاريخها الطويل الممتد لآلاف السنين. لقد مرّت إيران والإيرانيون بالعديد من الأوقات الصعبة. كان هناك وقت انهارت فيه الامبراطورية الأخمينية العظيمة، التي كانت دائمًا فخرًا لهذه الأرض ونهضت مرة أخرى. كان هناك وقت كان فيه غزاة مختلفون يقاتلون بوحشية، كان هناك وقت احتُلَّت فيه أصفهان، واحتُلَّ جنوب إيران، وكان هناك وقتٌ ضربت فيه السهام العثمانية والروسية قلب إيران، وكان هناك وقت قُطع فيه وريد أمير كبير. خرمشهر احتُلَّت، جاءت المجاعة والمرض وما إلى ذلك، وأشياء أخرى كثيرة، لكنّ إيران كانت تقف شامخة في كل مرة.

في هذه الفترة، لم تكن الأحداث المؤلمة قليلة. في مقدّمة مشاكل العقود القليلة الماضية، قد يذكر الكثيرون التضخّم والعقوبات، وربما يذكرون حقيقة أنّ ملايين الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. لكن في رأينا، خسارة الثروة البشرية والقوة المتخصّصة هي الأشد فتكاً، وسنوضح سبب ذلك في هذا المقال.

إذا افتقر المجتمع للقوة البشرية، ستغرب شمس تنميته؛ في كل السنوات التي كتبنا خلالها في صفحة العِلم في صحيفة “شرق”، كان وما زال وسيبقى أحد أكبر اهتماماتنا تنمية إيران. لذلك، عندما نعتبر نقص الموارد البشرية المتخصصة والثروة البشرية هو الخطر الأكبر، فهذا يعني أننا نعتبر العامل البشري هو العامل الأكثر أهمية في حل الأزمات والمشاكل.

في هذا المقال، نعتزم تسمية 14 أزمة أساسية في البلاد وتحليلها بأبسط لغة ممكنة، من دون الدخول في مناقشات متخصصة. لن نعرض الرّسوم البيانية المتخصّصة، ولن نستخدم المفردات الصعبة. كان لدينا مثل هذا الإجراء في مقال العام الماضي، قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية، وأخبرنا الرئيس عن “دروس من المعرفة والتكنولوجيا” بلغة بسيطة للغاية، ونُشر على صفحة العلم في صحيفة “شرق”.

قد يسأل البعض: “لماذا ننشر مثل هذه التحديات الخارقة على صفحة العلم”؟ الجواب هو أنه في عالم اليوم، يتم حل الأزمات من خلال بوابة المعرفة والتكنولوجيا. اليوم، تتشابك السياسة مع التكنولوجيا والمعرفة والقوى المتخصصة، والحلول الحقيقية لتحديات إيران الفائقة تعتمد على المعرفة، سواء العلمية والهندسية أو المعرفة السياسية أو العلوم الإنسانية.

1- المياه

في رأينا، الأزمة الأولى والأكثر جوهرية التي يواجهها المجتمع الإيراني أمس واليوم وغدًا هي أزمة المياه. لطالما كانت المياه في البلاد خيمياء وذات قيمة. الحقيقة أنّ إيران ليست دولة غنية بالمياه. لذلك، يجب أن تكون هناك خطة لكلّ لتر منه في كل جزء. قال القدماء إن الماء هو مصدر الحياة، ونريد التأكيد على أنّ الماء هو عامل بقاء حضارة إيران. أزمة المياه أخطر من أي آزمة أخرى، وكلّما تقدمنا، ازداد الوضع سوءًا.

تترك الحكومات في إيران هذا الإرث كنصب تذكاري لبعضها البعض، ويبدو الأمر كما لو أنه لا توجد قوة أو إرادة لحلها بشكل أساسي. يعود أصل أزمة المياه إلى أسباب مختلفة، لكنّ أحد أهم هذه الأسباب هو النمو السكاني السريع والتوزيع غير المتكافئ للسكان. نؤكد أن هذا هو أحد العوامل. أشرنا إلى أنّ إيران ومنطقة الشرق الأوسط بالأساس هي إحدى المناطق المأزومة في ما يتعلق بالمياه، وهي في حاجة ماسة إلى إدارة المياه إما في شكلها الحقيقي أو خلف السدّ، أو في طبقات الأرض الجوفية، أو على شكل المياه الافتراضية.

تعني المياه الافتراضية، بأبسط لغة ممكنة، كميّة المياه المستخدمة لإنتاج منتج ما. على سبيل المثال، الحاجة من المياه لإنتاج كيلو من اللحم البقري أو كيلو من التفاح. الآن، بمعرفة حالة المياه في البلاد، يتأثر مجالان في البلاد بأزمة المياه: القطاع الزراعي والقطاع الصناعي.

يجب أن نذكر إنّ الزراعة في إيران لا تتوافق مع الموارد المائية، كما أنّ إنشاء بعض الوحدات الصناعية، اعتقادًا منها بأنها ستحقق التنمية والاكتفاء الذاتي، يزيد من أزمة المياه. دعونا نتجاهل حقيقة أنه حتى كلمتا “التنمية” و”الاكتفاء الذاتي” ليس لهما تعريف مناسب وفقًا لعالم اليوم الحديث بين الجهات المعنية.

تواجه المياه في إيران سوء إدارة، حيث تحدّث العديد من الخبراء، من الخبير الاقتصادي محسن رناني إلى الجغرافي محمد حسين بابلي، عن أزمتها. لم تُظهر أزمة المياه حتى الآن جانبها القاسي بالنسبة لنا، والناس يكافحون مع أخبار هبوط الأرض والاستفادة الجائرة وأشياء أخرى من هذا القبيل، لكنّ أزمة المياه يمكن أن تحدد المستقبل الحضاري لإيران، وتوزيع السكان في البلاد، وحتى معدل الهجرة.

لنُنهي هذا القسم بتحذير من أنّ الحروب المقبلة في الشرق الأوسط قد تكون على موارد المياه ومصادر المياه، كالصراع الذي بدأ بالفعل مع تركيا وأفغانستان تحت حكم حركة “طالبان”. هناك ثلاثة أمور لحل أزمة المياه: وجود عدد كافٍ من الموظفين الخبراء، ثم خطة شاملة تتضمّن حلّا واستراتيجيةً وإدارة ويمكنها محاربة مافيات المياه بشكل فعال، وأخيراً، هناك حاجة إلى تقنيّات جديدة للتغلّب على الأزمة.

2- الطاقة

إذا سألت أطفال المدارس الثانوية عن معنى الطاقة، فسوف يقولون: القدرة على القيام بالعمل. أو إذا أردنا أن نقولها باختصار، فإن الطاقة تعني أساس العمل. لكننا نريد أن نلعب قليلاً على التعريف، ونقول إنه على نطاق واسع مثل البلد، تعني الطاقة القدرة على التطوّر. الطاقة تعني القدرة أو الكمية القابلة للقياس لتشغيل محرك البلد. الطاقة، كما يعرف أي طالب في المدرسة الثانوية، يمكن فهمها وقياسها بطُرق مختلفة، مثل القيام بالعمل أو إنتاج الحرارة أو الضوء أو أشياء مماثلة.

في عالم السياسة، يمكن رؤية بعض المؤشرات من خلال بوابة الطاقة. على سبيل المثال، ما هي كمية البنزين التي يتم استهلاكها يوميًا في إيران؟ كم يبلغ الإنتاج المحلي من منتجات الوقود؟ ما مقدار الطاقة المهدورة في الوحدات الصناعية والمنزلية في الدولة كلّها؟ ما هو حجم الطاقة الإنتاجية للطاقة النظيفة في الدولة؟ ما هي تكلفة إنتاج الطاقة في الدولة في مختلف القطاعات؟

إذا سألنا الناس العاديين عما يفهمونه عن الطاقة، فسوف يشيرون إما إلى انخفاض الضغط، أو قَطْعْ الغاز في الشتاء، أو إلى ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والغاز والمياه. لكن القضية أبعد من هذا. الطاقة هي مفتاح التنمية في البلاد، وإحدى أزمات إيران هي إنتاج الطاقة. أبسط مثال على ذلك هو انقطاع التيار الكهربائي. ظاهر القضية هو انقطاع التيار الكهربائي، لكنّها في الحقيقة تُعطي أنباء عن أزمة الطاقة، التي تتجلّى على شكل محطة طاقة خارج الخدمة، أو إنتاج غير كافٍ.

من ناحية أخرى، فإنّ نصيب الفرد من استهلاك الطاقة سنويًا في إيران مرتفعٌ للغاية. على سبيل المثال، يمكن ربط استهلاك الوقود بالطاقة؛ لذلك، نظرًا للسيارات المحلية المخالفة للمعايير، فإنّ معدل الاستهلاك في السيارات المحلية أعلى من المعيار العالمي، والمزيد من الوقود يعني زيادة تكلفة البنزين. ومن ناحية أخرى، فإنّ التلوّث الناجم عنه هو أيضًا أكبر. أو مثال بسيط آخر، هو تهالك بعض الوحدات الصناعية. يتسبّب التهالك الصناعي بزيادة استهلاك الطاقة في تلك الوحدة، ومن ناحية أخرى، فإنّ تكلفة الصيانة ستكون أعلى. نفس الأمر ينطبق على استهلاك الطاقة المحلي. على سبيل المثال، عندما لا يتم بناء المباني بمعايير صارمة لفقدان الطاقة من البرودة والحرارة، فإنّ النتيجة هي استهلاك مرتفع للطاقة بأشكال مختلفة. خلاصة القول إنّ إيران تواجه أزمة طاقة، وبدلاً من التفكير في الشتاء القارس في أوروبا والتشرذم السياسي، يجب أن نفكّر بحلول متخصصة لتقليل استهلاك الطاقة. نؤكد مرة أخرى أنّ للطاقة علاقة مباشرة بأزمات التنمية والطاقة.

3- الأمن

الأمن كلمة نسمعها مرّات عديدة كلّ يوم ونستخدمها في كثير من الحالات. أوّلا، يجب أن يكون لديّ تعريف لكلمة الأمن. إن أبسط تعريف للأمن هو كما يلي: حالة لا يتعرّض فيها شخص أو أشخاص أو مجموعة معيّنة أو أجهزة أو برمجيات أو هياكل بنى تحتية للخطر ويمكن الاعتناء بهم وحمايتهم.

في العقود الماضية في إيران، تمّت الإشارة إلى الأمن باسم “أمنيّة” و”إدارة الأمان”. دعونا نذكر أولاً أنواع الأمن التي نتعامل معها في العالم الحديث، ونبيّن أنّ دول القرن الحادي والعشرين قد فهمت أنواعًا مختلفة من الأمن، وكلُّ مؤشر من هذه المؤشرات الأمنيّة فعّال في عملية التنمية والاستقرار والتغلّب على الأزمة: الأمن الفردي، الأمن العام، أمن الأسرة، الأمن الاجتماعي، الأمن الداخلي، الأمن الخارجي، الأمن القومي، الأمن الدولي، الأمن العسكري، الأمن الصناعي، الأمن الاقتصادي، الأمن الثقافي، الأمن النفسي، الأمن الصحي وأمن الإنترنت وغيرها.

بالنظر إلى الأمرين المذكورين أعلاه، نريد أن نضيف أمرين آخرين: الأمن المائي وأمن الطاقة. ليس من الممكن تشريح كل حالة على حدة؛ لكننا سنصف بإيجاز بعض الحالات.

في السابق، كان الأمن يقتصر على شؤون الجيش والشرطة. أن تكون حدود الدول المحصّنة وبعيدة عن هجوم العدو، وأنّ اللصوص لا يمسّون ممتلكات الناس وأرواحهم وشرفهم في المدن والقرى. لكن اليوم، تغيّر تعريف الأمن العسكري والشرطي. لقد وصل أمن الشرطة إلى النقطة التي أصبح من الضروري فيها معرفة عدد رجال الشرطة الموجودين في كل مدينة، لفرض القانون والعناية بالجرائم.

على سبيل المثال، إذا كان لدينا 20 شرطيًا لكل مائة مواطن، وقمنا بمنع السرقة بالقوة، فهذا يعني أننا نبذل طاقة أكثر من المعتاد لتأسيس الأمن الشرطي، وهناك خطأ في العمل. في المجال العسكري، الحد الأدنى من الأمن هو عدم مهاجمة الحدود المادية للبلاد. الحدود المائية والبرية والجوية التقليدية. والحدود في الوقت الحاضر، هي الحدود الدنيا التي يحددها الأمن العسكري. إن وجود القوات العسكرية في إطار النظام العالمي، وفي الحدود الاستراتيجية، والمشاركة في الأمن الدولي والتعاون مع المؤسسات الدولية، هو معيار آخر للأمن العسكري.

أمنٌ آخر نودّ أن نذكره بإيجاز، هو “أمن البيانات”. في عالم اليوم، يرتبط أمن البيانات بالأمن الاقتصادي والصناعي. في الأساس، “البيانات” هي رأس مال أي بلد، وتجعل من الممكن التنبؤ بالأزمات. يمكن للبيانات أن تجعل الحوكمة أكثر ذكاءً، وأن تساعد بالتصرّف بعقلانية، بشرط أن تكون هناك إرادة لفهم البيانات بشكل صحيح وتحليلها. يمكن للبيانات أن تساعد رجال الدولة الحكماء والنخبة بخلق نماذج أو دراسات مستقبلية للبلد. من ناحية أخرى، يمكن أن تكشف البيانات نقاط الضعف في البلاد. لذلك، يُعَدُّ أمن البيانات الصناعية للأجهزة والبرامج أمرًا مهمًا. هذا لا يعني أبدًا أن نغلق حدود الدولة ولا نتجنّب العمل مع العالم، على الرغم من أنّ الدول المتقدمة لديها تعاون مختلف مع العالم كله، إلا أنها حريصة على الحفاظ على أمان البيانات الأساسية، وعدم السماح للبيانات بأن تصبح عاملاً من الضغط.

4- الثقة

الثقة هي مفهوم يمكن تعريفه من أصغر الوحدات البشرية المكوّنة من شخصين، مثل الزوج والزوجة، أو الطفل مع الأب أو الأم، إلى الهياكل الكبيرة، مثل العلاقة بين الدولة والأمة. الأمة هي المعادل الصحيح لكلمة Nation. يمكن تعریف الثقة بمعانٍ عدة، منها: الدعم والتشجيع والاتکاء والإيمان. في هذا القسم، نريد التحدّث عن ثلاثة أنواع من الثقة الموجودة في المجتمع. الأول هو “الثقة بالنفس” لدى أفراد المجتمع. قد يقول البعض إنّ الثقة بالنفس لكل شخص هي سمة شخصية تنبع من الأسرة والتربية؛ لكن الحقيقة ليست كذلك. يتشكّل جزء من ثقة الناس بأنفسهم نتيجة للتعليم والتدريب. يذهب الأطفال إلى المدرسة، ثم الجامعة، ثم يدخلون سوق العمل. جزء من ثقة الأفراد بأنفسهم هو في عهدة المؤسسات الكبيرة، ويمكنهم زيادتها أو تقليلها. يمكن قياس الثقة بالنفس في المجتمع من خلال ارتباطها بمؤشرات أخرى للتنمية الفردية والاجتماعية؛ لذلك، لا يمكن للحكومات التهرّب من أزمة قلّة ثقة الناس بأنفسهم.

فلنقل إنّ الضغوط خارج المرونة الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تقلّل من ثقة الناس بأنفسهم في تحقيق حياة سعيدة، مع مؤشرات قابلة للقياس التنمية. انخفاض الثقة بالنفس يعني انخفاض القدرة على حل المشكلات، وانخفاضًا في إدارة الأزمات، وهو ما يتجلّى في الأزمات الاجتماعية.

أزمة أخرى تواجهها إيران اليوم، هي “ثقة الخبراء” في الهيكل الإداري للبلاد. ترتبط قلّة هذه الثقة عكسياً بـ “هجرة الاختصاصيين”، وهي ظاهرة تتعامل معها إيران اليوم. ومن الأمثلة على ذلك، هجرة الأطباء المتخصصين، إلى عُمان أو إلى أميركا الشمالية.

نوع آخر من الثقة نريد أن نذكره، هو “الثقة بالنفس في هيكل الدولة أو الحكومة”. الثقة بالنفس في الهيئة الحكومية، ودائرة اتخاذ وصنع القرار فيها، تعني أنّ لديها القدرة الكافية من حيث امتلاك الهياكل والبنية التحتية، وإذا لم تكن لديها البنية التحتية اللازمة، فيجب أن تكون صادقة، وأن تقدّم جدولاً زمنيًا لإنشائها. مؤشر آخر على ثقة الحكومة بنفسها هو انفتاح الحوار مع خبراء ونقّاد آخرين خارج النظام. ما الذي يمكن أن يقلّل من مؤشر الثقة للحكومة؟ من أهم هذه العوامل عدم وجود موظّفين متخصّصين. لا توجد حكومة أو دولة من دون أزمة، لكنّ الاختلاف هو في القدرة على حلّ المشكلة. ما نراه في إيران هو عدم ثقة الحكومات بنفسها في حل أزمات البلاد.

5- الاقتدار(الحزم)

ربما سمعت هذه الكلمات من وسائل الإعلام المحلية، على سبيل المثال، تدخل الحكومة سوق العملات بحزم لإدارته، أو الحكومة ستتعامل بحزم مع الفساد الاقتصادي. كلمة “الحزم” هي واحدة من تلك الكلمات التي تتوق الحكومات لاستخدامها، ولكن هناك شيئان غامضان. أولاً، ما هي المواجهة أو الحضور الحازم أو شكل هذا الحزم؟ وكيف يتم قياسه؟ وأيضًا، مع أي خطوط وفي أي خصائص نصف هذا الإجراء بالحازم؟

الحزم في عالم السياسة وشؤون الدولة يعني الأفعال التي تدل على وجود القدرة والإجبار والقوة والسلطة والمرونة. كلٌّ من هذه الكلمات الخمس التي ذكرناها، لها تطبيق خاص. على سبيل المثال، الحزم في حل أزمة الجفاف ليس القوة، لكنه القدرة على حل الأزمة والصمود أمام عواقبها. قد يتطلّب الحصول على الحقوق من الدول المجاورة في بعض الأحيان الحزم، من خلال نوع من أنواع القوة والقدرة.

لذلك نفهم أنّ امتلاك الحزم له معنى ومفهوم مختلف مع اختلاف الأماكن، ولا ينبغي للمرء أن يكون لديه وجهة نظر قديمة ومسبقة، ويجب ألا يقع في فخ اللعب بهذه الكلمة. الآن دعونا نُلقي نظرة على بعض الأمثلة البسيطة المتعلّقة بكلمة الحزم. المثال الأول هو “الحزم في المصالح الوطنية”. الحزم في المصالح الوطنية تعني في أي موقف وفي أي وقت أنّ الحفاظ على المصالح الوطنية يأتي قبل كل شيء، وللحكومة القدرة والإجبار، والقوة لمقاومة وإيقاف انتهاكات الأشخاص والجماعات التي تفضّل وتعمل على تأمين مصالح أفرادها والجماعة على حساب المصالح الوطنية.

الحزم في المصالح الوطنية يعني التفاوض أو التسوية مع العدو إذا كان ذلك ضروريًا، والعديد من الأشياء الأخرى، حتى يتم الحفاظ على المصالح الوطنية. مثلما حاربنا من أجل المصالح الوطنية مع العراق في عهد صدام، وجلسنا بحكمة إلى طاولة المفاوضات من أجل المصالح الوطنية. أشياء مثل المصالح الوطنية وسلامة الأراضي، هي مؤشرات يجب التعامل معها بحزم.

القوة الأخرى التي يجب أن تمتلكها الحكومة، هي مسألتا “التسامح”، ومبدأ “أقل مستوى من التوتر”. هناك دائما احتكاك بين الحكومة والشعب. في الأساس، مقدار هذا الاحتكاك هو مثل مقدار التضخم. مثلما يمكن أن يكون التضخم أقلّ من 3% مفيدًا في الخصوبة وديناميكية الاقتصاد، يمكن أن يكسر التضخّم المكوّن من رقمين ظهر الاقتصاد.

الإيرانيون اختبروا ذلك لسنوات عدة، إذ إنّ القليل من الاحتكاك بين الحكومة والشعب، والذي يتجلّى على شكل نقد من دون تلعثم، يمكن أن يكون مفيدًا للبلاد. على عكس الفكرة التي كانت سائدة في القرون الوسطى لدى البعض، تكمن سلطة الحكومة في التسامح مع الاحتكاكات التي تنشأ بينها وبين الناس، واتباع مبدأ أقل مستوى من توتر.

يتحقق هذا المؤشر، أي التسامح ومبدأ الحد الأدنى من التوتر، عندما لا تعتبر الحكومة نفسها سيّدًا، وإنما مديرًا انتخبه الشعب ليمثّله، من أجل إدارة الدولة بأفضل طريقة ممكنة. إذا لم تتضمّن الحوكمة التسامح ومبدأ الحد الأدنى من التوترات، فسيكون حلّ الأزمات مكلفًا للغاية من ناحية الوقت والطاقة المبذولة. لذلك؛ إذا كان ذلك ممكنًا، هذا يعني أنّ عاملين من الوقت والطاقة سيتم إنفاقهما أكثر مما هو مسموح به. أيضًا، يمكن أن يتجه الموقف نحو المزيد من الخلل أوانعدام النظم، وتتطلّب إعادة النظام إلى حالة التوازن إنفاق مزيدٍ من الوقت والمال والطاقة. دعونا نتذكّر أنه لا الحكومات ولا الناس لديهم صبر لا نهائي على اختلال التوازن في المجتمع، وسوف ينتقل النظام إلى حالة حرجة بسرعة إذا استمرّ هذا الأمر. نذكر فقط ثلاثة أنواع أخرى من الحزم: الحزم العسكري، الحزم في الشؤون الخارجية والحزم الاقتصادي. الحزم في القرن الحادي والعشرين يتطلّب قوّة متخصّصة فعّالة، ثروة اجتماعية، ثقة وإدارة ذكية.

6- العزلة

“إيران ووحدتها”، عنوان كتاب للباحث المشهور في بلادنا إسلامي ندوشن، الذي وافته المنيّة في كندا قبل سنوات، ودفن فيها. إيران معزولة. إيران، التي هي أغلى من أرواحنا، لها عزلة تاريخية وعزلة جغرافية. ترجع عزلتها التاريخية إلى حقيقة أنه من بين جيرانها، وبعضهم دول ناشئة، وبعضهم، وعلى الرغم من وجود تاريخ لهم، لم يأخذوا شكل الدولة إلا مؤخّرًا، ولا يمكن مقارنة تاريخهم التمدّني بإيران.

إيران، أول دولة – أمة، أو دولة – شعبية في العالم، بدأت بالإمبراطورية الأخمينية المجيدة. في هذه الحالة، نستخدم كلمة العزلة لإظهار مدى اختلافها عن الدول المجاورة لها. تنشأ العزلة الأخرى من حتمية الجغرافيا السياسية. جزءٌ كبير من جيران إيران دول ناطقة بالعربية، والعلاقة بين إيران والعرب متوتّرة منذ الماضي البعيد.

خلال حرب الثماني سنوات في بلدنا، وقف جزء كبير من العرب إلى جانب صدّام، وحتى صدّام أطلق على هذه الحرب، والتي كانت بمثابة دفاع قومي – وطني بالنسبة لنا، اسم “القادسية”. دول الجوار الشمالي هي بقايا الاتحاد السوفيتي المنهار. لذلك، إيران منعزلة تاريخيًا وجغرافيًا. ولكن هذه ليست كل القضية. يأتي جزء مهم من عزلة البلد اليوم من السياسة، ونريد تقسيمها إلى عدة فئات: العزلة العسكرية، العزلة السياسية، العزلة الصناعية، العزلة العلمية والعزلة الاقتصادية.

تسببت التوترات غير المحسومة مع الغرب في معاناتنا من العزلة السياسية، ولا يمكننا التعاون بشكل جيد في العلاقات الدولية. يمكن القول إنه من حيث الخلفية التاريخية، ومن حيث معرفتهم بقدرات إيران، فإنّ عموم الإيرانيين يعتقدون بأنّ بلادهم يجب أن تكون لاعبًا إقليميًا وعالميًا مهمًا، وأن يكون لها دور سياسي واقتصادي، وتأثير يكافئ وزنها. ولكنَّ الأمر ليس كذلك. منذ وقت ليس ببعيد، كان هناك خطاب سائد في إيران أراد أن ينشر العدل في العالم، في حين أنّ على إيران أن تكون مسؤولة عن التنمية والمصالح الوطنية والدولية أكثر من أي شيء آخر.

خلاصة الكلام أنّ العزلة هي آفة التنمية وآفة زيادة قوة البلاد في كل المجالات. على سبيل المثال، بسبب التوترات السياسية طويلة الأمد، عشنا العزلة العلمية. العزلة العلمية جعلتنا غير قادرين على مشاركة المعرفة مع العالم بالقدر المطلوب، ولكي نحقق بعض الأشياء، علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا، من خلال إنفاق المال والوقت.

في غضون ذلك، نفقد بعض القوات المتخصصة. يُظهر نقص العمالة الماهرة نفسه في المشاريع الصناعية، من النفط والغاز إلى الصناعات العسكرية. كما أنّ العزلة السياسية تجعل الأمور أكثر تعقيدًا. تؤثر العقوبات أيضًا على الأزمة، ويصبح الوضع أكثر تعقيدًا. نتيجة مثل هذه الظروف، على سبيل المثال، سيتعين علينا شراء مقاتلات من روسيا، والألم هنا هو أنّ إيران يمكن أن تكون دولة مصنّعة، أو يمكنها المشاركة في إنتاج المقاتلات الأكثر تقدمًا. بعيدًا عن أنّ البلدان المصدّرة تمتلك كل شيء حرفيًا، من المسمار إلى المقاتلات؛ هذا على الرغم من حقيقة أنّ المصدّرين أنفسهم ليسوا فقط غير لطيفين مع البلدان الأخرى؛ بل يحاولون الفوز بالمزاد والمنافسة. قدّمنا مثال المقاتلة، لكن هذا الوضع موجود أيضًا في القطاعات الصناعية الأخرى. الآفة الأخرى التي تجلبها العزلة هي نمو الفساد، وهو ما لن أتوقّف عنده الآن.

7- الاقتصاد

لنبدأ هذا القسم بالقول إن الاقتصاد علم. أصبحت المعرفة الاقتصادية هذه الأيام واسعة جدًا ومعقّدة. من الرياضيات والفيزياء المتقدّمة، إلى علم النفس التطوّري والاجتماعي. نؤكد مرة أخرى أنّ الاقتصاد هو معرفة، وفي المعرفة نتعامل مع مؤشرات قابلة للقياس، وقابلة للنمذجة، ويمكن التنبؤ بها. أي عندما نقول إنه لدينا نمو اقتصادي، يجب أن نُظهر ذلك عبر الأرقام والرسوم البيانية.

تُعدُّ الأزمة الاقتصادية من أبرز الأزمات في إيران، لدرجة أنه لم يعد من الممكن إخفاؤها، وليس لديهم علاج لها في الوقت المناسب. يلخّص عامة الناس الأزمة الاقتصادية في كلمتين: ارتفاع الأسعار والتضخم.

عندما يعطون أمثلة، فإنهم يشيرون إلى أسعار العملات المعدنية، الذهب، السكن، الإيجار، الدولار وغيرها من الخدمات. لكن يمكن إعطاء تعريف أعمق. تشير الأزمة الاقتصادية، أو الأزمة المالية، إلى مجموعة واسعة من الأزمات التي يفقد خلالها جزءٌ مهم من رأس المال أو الموارد المالية قيمته الاسمية.

نذكر هنا أنواعًا من الأزمات الاقتصادية: الأزمة المصرفية، أو أزمة صناديق الاستثمار، أزمة قيمة العملة الوطنية، أزمة التذبذبات والانهيار، الأزمة المالية الدولية، أزمة نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي، أزمة الركود الاقتصادي طويل المدى، أزمة التضخم طويلة الأجل ذات الرقم المزدوج، أزمة السوق المالية، أزمة الخسارة المتراكمة، أزمة عدم تطابق الديون مع العائدات، أزمة عجز الميزانية والعديد من الأزمات الأخرى.

تظهر بيانات مرصد الهجرة في البلاد أنّ معدل الهجرة في عام 2022 قد تضاعف أربع مرات مقارنة بعام 2020، ومن أهم أسباب الهجرة المشكلات الاقتصادية. من ناحية أخرى، فإن جزءً من المجتمع، والذي يُعتبر قوة عاملة، هو في سن الزواج وإنجاب الأطفال، وقد تضرر بسبب الأزمة الاقتصادية.

بغض النظر عن الروايات، فإن جزءً كبيرًا من المشاكل، من عزوبة الشباب من جيل الثمانينات والتسعينات، إلى احتجاجات الشوارع، لها جذور اقتصادية. لكنّ القضية المهمة هنا هي أنّ الاقتصاد علمٌ، ويتطلّب نظرة علميّة، ويتطلّب مهنيين ماهرين. لذلك، إذا افترضنا أنّ البلاد ستمتلك 100 مليار دولار غدًا، إذا لم يتم وضع خطة منظمة لهذا المال، فسوف ينفد بسرعة.

من منا لا يعرف أنّ للعقوبات تأثيرًا مدمّرً على الاقتصاد، لكن دعونا لا نتجاهل القرارات الاقتصادية الخاطئة. حذّر الاقتصاديون في البلاد مرارًا وتكرارًا من بعض القرارات الاقتصادية الخاطئة، لكن للأسف لم يتم سماعها. تُظهر الآفاق أنّ مستقبل الاقتصاد الإيراني سيكون صعبًا. من ناحية، يواجه التصدير والاستيراد مشاكل، ومن ناحية أخرى، فإنّ منتجاتنا لديها منافسين شرسين في السوق العالمية.

8- الأعداد

خاطب مؤلّفو نفس المقال الثلاثة، في 17 حزيران/ يونيو 2021، الرئيس ولفتوا إلى أنّ الأرقام تتحدث ولها معنى. لقد اقتبسنا من جاليليو أنّ الرياضيات هي لغة الطبيعة، ثم نوّهنا إلى أنّ الحكم الذكي يقوم على الأرقام الصحيحة. القصة لا تزال على هذا النحو. إحدى أزمات إيران هي “الأرقام”. لقد قسّمنا هذه الأرقام إلى خمس فئات. أولاً، الأرقام ذات معنى. هذه أرقام غير دعائية. على سبيل المثال، معدّل استهلاك الوقود في الدولة، معدّل حوادث المرور المؤدية إلى الوفاة، معدل التقدّم الفعلي للمشاريع الكبيرة، مؤشر الفقر، التضخم ومعدل التضخم، البطالة ومعدل البطالة.

يلاحظ القرّاء أنّ هناك فرقًا بين المؤشر ومعدل ذلك المؤشر. هذه الأرقام ذات دلالة ومعنى، وحتى انخفاض النسبة بـ1%، أو الزيادة بنفس النسبة يمكن أن يظهر. على سبيل المثال، إذا كان متوسط المؤشر هو 10،000، وتم تخفيضه بنسبة 10٪ سنويًا، فسنصل إلى 8100 في غضون عامين.

بعض الأرقام التي يتم الحديث عنها لا معنى لها؛ على سبيل المثال، الوعد بحل المشاكل الاقتصادية في 100 يوم، أو بناء مليون وحدة سكنية. لهذا السبب، نقول إنها لا معنى لها، إذ يمكن معرفة أنّ ما لم يُقل ليس قابلًا للتحقق.

الفئة الثانية من الأعداد هي الأعداد التي يتم التلاعب فيها. فئة أخرى من الأرقام هي أرقامٌ حسب الطلب. على سبيل المثال، يطلبون إيصال حجم إنتاج منتج معيّن إلى عدد ما للاستفادة من الدعاية؛ بينما لا توجد فكرة لبيع هذا المنتج، وأخيراً إنتاجه لا يؤدي إلى ربح.

هناك أزمة أخرى قائمة على الأرقام في بلدنا، وهي المقارنات غير الصحيحة. الأرقام المقارنة تُقسم لفئتين؛ أحدها الأرقام التي تستخدم في المناسبات الخاصة. على سبيل المثال، يقولون إنه قبل عام 1979، كان هذا عدد القرى المزوّدة بالكهرباء، والآن بات هذا العدد من القرى مزودة بالكهرباء. الفئة الأخرى من هذه الأرقام هي أنهم يقولون في تقرير ما إنّ منتجًا معيّنًا أو خدمة اجتماعية معيّنة أصبحت أكثر تكلفة في أوروبا، وفي النهاية يحصلون على النتيجة التي يريدون.

قد يتم استخدام هذه الفئات الخمس من الأرقام التي ذكرناها في الدعاية، وعلى المدى القصير، ولكن على المدى الطويل يكون لها تأثير سيّء للغاية على ثقة الجمهور والاستقرار الاقتصادي. دعونا نلخّص هذا القسم في جملة واحدة: الأرقام في عالم المعرفة والسياسة والإدارة ليست للّعب، ولكن للتخطيط. يتطلّب التخطيط أيضًا موظّفين خبراء، وهيئة تخطيط مستقلّة عن الضغوط.

9- الإصلاحات

كلمة “إصلاحات” هي واحدة من تلك الكلمات التي تمت إساءة استخدامها كثيرًا. كل من يريد أن يكون متميّزًا، وكما يقول الكبار، مفكّرًا ومنفتحًا، يرتبط بهذه الكلمة. لنتجاهل أنّ أحد التيارات السياسية في البلاد بات معروفا أيضًا بنفس الاسم! نريد أن نقول باختصار إن الإصلاحات يجب أن تكون وفق المراحل الثلاث: “النمو، التقدم والتنمية”. وإذا وصلت إلى مرحلة التنمية، عندها يمكن تسميتها إصلاحات.

في أقصر وأبسط لغة ممكنة، النمو يعني إعادة إنتاج الوضع الحالي، والتقدّم يعني ترقية الأجهزة، جنبًا إلى جنب مع الاستنساخ والتنمية، مما يعني ترقية العامل البشري عبر التعليم. على سبيل المثال، إذا كان لدينا مدرسة، وقمنا ببناء مدرستين أخريين مثلها، فقد تطوّرنا في بناء المدارس. إذا قمنا بتجهيز المدارس بمعدّات متطوّرة، وغرف كمبيوتر، وغرف دراسية، وما إلى ذلك، فقد أحرزنا تقدّمًا. وإذا قمنا بتحديث الكتب المدرسية، وإرسال المعلّمين إلى دورات جديدة، وتحسين العلاقات بين المعلّم والطلاب، فإننا نسير على طريق التنمية.

إن أفضل المرافق مع المعلّمين المتوترين والطلاب القلقين لن تتطوّر أبدًا. من ناحية أخرى، يجب أن تجيب الإصلاحات على العديد من الأسئلة. ما الذي يجب أن نصلحه؟ كيف يجب أن نصلح؟ لماذا يجب أن نصلح؟ من هو أو من هم المسؤولون عن الإصلاح؟ كيف يتم التأكد من مقدار وفعالية الإصلاح؟ ما سبب عدم إصلاحه بعد؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابة، ثم إدخالها في عملية المراجعة، وإلا فإنها ستبقى مجرّد لعبة كلمات.

تكون التعديلات ذات مغزى عندما تؤدي إلى تغيير في القانون، ويكون لها ضمان تنفيذي. قد تسأل نفسك: ما هي نقطة البداية أو النقطة القريبة من بداية عملية الإصلاح؟ إنّ رؤية المشكلة، والاعتراف بوجودها، هو الخطوة الأولى. من بين المشاكل التي نواجهها في إيران في هذه العقود القليلة، غياب تشخيص المشكلة.

ليس من الواضح بالضبط ما يجب علينا إصلاحه، لأننا عاجزون عن تشخيص ما إذا كان الخلل بنيويًا أو تنفيذيًا. مثل المريض الذي لا يقبل أنه مريض، لا يذهب إلى الطبيب. أولاً، يجب تقبّل المرض، ثم تناول الدواء، أو الخضوع لعملية جراحية، أو علاج كيماوي. الشيء المهم الذي نريد التأكيد عليه هو أن قابليّة التعديل ليست ظاهرة يمكننا القيام بها وقتما نريد. الإصلاحات الحقيقية تستغرق وقتًا طويلًا وهي ومكلفة؛ كما أنّ لها عواقب. ليس الأمر أنّ الدولة أو الحكومة أو الشعب يستطيعون الإصلاح متى أرادوا. في بعض الأحيان، قد تكون هناك رغبة في الإصلاح، لكن وقته قد ضاع، ولا تستطيع الدولة تحمّل التكلفة المادية والنفسية، والعواقب وخيمة لدرجة أنّ الهامش يطغى على النص.

10- الإنترنت (ويب)

الانترنت بمثابة كنز، وقد أصبح اليوم مهمًّا جدًا في الحياة الفردية، الاجتماعية، الوطنية والإقليمية، حيث يُعتبر الوصول المجاني والسهل إليه أحد مؤشرات التنمية. لماذا الإنترنت مهم؟ فلنقل بدقة أكبر لماذا الانترنت مهم وضروري لإيران.

عندما نقول الانترنت، فإننا نعني الوصول المجاني، غير المحظور، غير المصنّف وبسعر توريد معقول. إيران بلد يمرّ بمرحلة انتقالية من النظام التقليدي إلى النظام الحديث. من ناحية أخرى، إيران دولة نامية. الآن، من أجل انتقال منخفض التكلفة ومثالي من دولة ذات هيكل تقليدي إلى دولة حديثة، ومن دولة نامية في العالم الثالث إلى دولة متقدمة، نحتاج إلى الانترنت.

لنأخذ مثالاً بسيطًا جدًا. خلال فترة ذروة انتشار وباء كورونا، كل شيء كان يعتمد على الانترنت، من توفير المعلومات عن كورونا، إلى التطوّر في التعليم واعتماد التعليم القائم على الانترنت أو التعليم الافتراضي. من توفير احتياجات الناس اليومية بالتسوّق عبر الإنترنت إلى كل شيء. من دون الانترنت المجاني، لن تتجه البلاد نحو التنمية المستدامة والحوكمة المثلى.

قد يسمي البعض عددًا قليلاً من البلدان حيث يتم التحكّم بالانترنت بشكل تام، وليس لديها حتى متصفّح Google؛ في أحسن الأحوال، قد يكون لدى هذه البلدان نمو اقتصادي فقط. بل من الممكن أن تنقلب قيود الانترنت هذه في المستقبل ضدهم. يمكن أن يكون الانترنت مطوِّرًا لإيران بطرق عدة.

أولاً، في البيئة الأكاديمية، وبالنظر إلى المشكلات الاقتصادية للرحلات العلمية، يمكن للوصول للإنترنت أن يحل هذه المشكلة إلى حد كبير. يمكن للطلّاب الإيرانيين استخدام الفصول الدراسية لأفضل أساتذة أفضل الجامعات، جنبًا إلى جنب مع العالم بأسره. الانترنت لديه كنز من البيانات، والتنقيب في البيانات والمعلومات يعني تراكم الثروة. تسبب الانترنت أيضًا بنموّ كبير في الوظائف القائمة على الانترنت. كان هناك وقت كان يُعتبر فيه الحصول على وظيفة في مؤسسة حكومية بمثابة الفوز بورقة يانصيب، لكن الانترنت أتاح اليوم العديد من الوظائف. من البرمجة إلى صفحات بيع الكعك والمخلل. يمكن لهذه الشبكة أيضًا أن تحقق وفورات اقتصادية كبيرة للحكومة. يقضي الإنترنت على الكثير من التنقّلات غير الضرورية، ويوفّر الوقت، وله فوائد اقتصادية كبيرة على المدى الطويل. هذه مجرد أمثلة قليلة على ضرورة الانترنت.

درجة أعلى من ذلك، أهمية الانترنت في الحوكمة الذكية. الحوكمة الذكية هي بنية شبكية وليست هرمية. تتطلّب بنية الشبكة مشاركة الناس الاجتماعية أكثر من أي شيء آخر. في بلد مثل إيران، التي يجب أن تمارس فيها الديمقراطية والمشاركة الاجتماعية، يمكن أن يكون الانترنت مفيدًا في حل الأزمات التي تتطلّب مشاركة اجتماعية عالية ومن دون هذه المشاركة يستحيل حل المشكلة. في كثير من الحالات، تحتاج البلدان إلى النمذجة وقياس الرأي لنظام الأشخاص المعقّد وأفعالهم وردود أفعالهم.

يمكن للإنترنت أيضًا زيادة الذكاء الجماعي للأشخاص من خلال التداول الحر للبيانات أو المعلومات، وزيادة الوعي وتعزيز النشاط الشعبي تجاه قضايا البلاد. النقطة الأخيرة هي أنّ ملايين الإيرانيين المتعلّمين يعيشون في الخارج حاليًا. يمكن لهذا العدد من الإيرانيين إنشاء طرق سريعة اقتصادية وعلمية لازدهار إيران على أساس الانترنت المجاني والآمن. إنّ الخوف من الانترنت لا طائل من ورائه، ويجب على المرء أن يتعامل معه ويستفيد منه إلى أقصى حد، من خلال مراعاة حقوق القرن الحادي والعشرين للناس، وأمن البيانات الأساسية للبلد. دعونا نضيف أيضًا أنّ الابتعاد عن التطوّرات التكنولوجية للإنترنت يمكن أن يظهر بطريقة قاسية في الابتعاد عن مسار التنمية.

11- الذرّة

قصة الذرّة (الأتوم) في إيران قصة حزينة. بكلمة “ذرّة”، نعني الطاقة النووية. لقد تم وضع حجر الأساس للصناعة النووية في إيران منذ أكثر من نصف قرن، في العهد البهلوي الثاني، وقد تابعته الحكومة في ذلك الوقت بجدية.

في غضون ذلك، جاءت ثروة بشرية من الدرجة الأولى، مثل أكبر اعتماد، إلى الميدان، ووضع خطة جديدة. ومن المثير للاهتمام، في الوقت نفسه، أنه كان هناك من عارض الطاقة النووية وتوسيع أسطول القوات الجوية وشراء مقاتلة F-14. وأظهرت حرب الثماني سنوات مدى ذكاء خطوة الشراء هذه.

حدثت الثورة، توقفت المشاريع، حتى أنّ البعض وصف تحويل إيران إلى دولة نووية بالخيانة. مرّة أخرى، بدأ البرنامج النووي في منتصف الحرب، وحسب معرفتنا بأوامر من هاشمي رفسنجاني، بعد الحرب، سعت إيران إلى الاعتراف بها كدولة نووية، وبدأت التوترات مع الغرب.

لسوء الحظ، بسبب المحدودية في استخدام الكلمات، لا يمكننا تشريح جذور هذا التوتر بشكل كامل، لكننا نودّ أن نشير إلى أربع قضايا: أولاً، يمكن تقسيم العالم النووي إلى ثلاثة أجزاء عامة. المعرفة النووية، الصناعة النووية والأسلحة النووية. الحالتان الأوليان هما حق واضح لإيران وأي دولة أخرى. ووفق دستور الوكالة الدولية، يجب عليها مساعدة البلدان في هذا الاتجاه من خلال تعاون ثنائي بناء. ونشدد على أنّ الطاقة النووية السلمية، من بناء محطات الطاقة الحديثة والمتطوّرة، إلى الطب والأدوية والزراعة النووية، أو العديد من التطبيقات الصناعية، هي حق إيران. هذا الحق مسألة سيادة، ولا يحق لأي حكومة أن تنتهكه.

إن وجود صناعة نووية بمعايير معينة، بما في ذلك الابتكار والأمان والربحية، أمر ضروري لإيران. أولئك الذين يقولون كذباً إنّ إيران لديها النفط والغاز، أو أنّ لديها ما يكفي من ضوء الشمس، ليس لديهم فهم صحيح لاحتياجات إيران، وربّما لا يعرفون إلى أي مدى يمكن للصناعة النووية أن تحل الأزمة.

برأينا، أزمة إيران النووية هي أزمة ناشئة عن أزمات سياسية، وللمفارقة، أضرّت أيضًا بالصناعة النووية نفسها. كان ينبغي أن تكون إيران في وضع أفضل بكثير من حيث المنشآت النووية والربحية، في ظل خفض التصعيد. إلى جانب سيادتها، تحتاج إيران للاستثمار في الصناعة النووية السلمية، من استخدام الإشعاع، إلى مفاعلات الجيل الجديد والاستثمار في الاندماج، ويُفضَّل أن يكون ذلك على شكل شراكة دولية.

الاستثمار في هذا القطاع لا يعني عدم الاستثمار في قطاعات أخرى، مثل الطاقة الشمسية. معارضو إيران النووية، ليس لديهم معرفة كافية بأهميتها وضرورتها، أو لا يعرفون عن المشاريع التي يتم تنفيذها في العالم، أو لا يعرفون الأزمات في إيران، أو أن هناك صراعات وخلافات بينهم.

لقد رأينا مرّات عدة أنّ أستاذًا جامعيًا أو ناشطًا سياسيًا محليًا أو أجنبيًا يندفع إلى الصناعة النووية، لكن نيّته شيء آخر. نأمل أن نكون قد نقلنا الرسالة وأن يفهم القارئ الذكي كلامنا. الآن علينا أن نرى ما يمكننا فعله للمضي قدمًا بمبدأ أقل توتر في الصناعة النووية والقطاعات السياسية، الصناعية والاقتصادية الأخرى.

الإجابة تكمن في التفاعل وفي اللعبة المربحة للجانبين. نعتقد بأنّ هذا ما كان عليه الاتفاق النووي. على الرغم من أنّ إحياء الاتفاق النووي يبدو بعيد المنال، إلا أنّ مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون حلاً. نقول هذا لأنّ الهدف النهائي لكل دولة يجب أن يكون المصالح الوطنية، ويجب أن تسعى لتحقيقه بأقل تكلفة وبأفضل طريقة. أساءت مجموعتان إلى الاتفاق. أولاً، أعداء إيران الأجانب الذين تقتضي مصالحهم عدم دخول إيران في مسار التنمية والبقاء في المشاكل، والمجموعة الأخرى هم أولئك الذين ليس لديهم فهم وطني للمصالح، وهو ما لن نوضحه أكثر.

12- الاضطراب

إذا وضعنا المجاملات جانبًا، وكنّا واضحين مع أنفسنا، فإنّ إيران والإيرانيين عانوا من مشكلة “تعطيل الحوار”. قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكنّ تعطيل الحوار في تاريخ إيران جعلنا نخسر الحروب ونخسر الأرض. يجب أن يكون هناك حوارٌ بنّاء بين طرفين، وأن يكون مثمرًا، وأن يعرف الطرفان أنّ الحقيقة يمكن أن تكون مع كلا الطرفين، وأنّ الحلَّ يجب أن يأتي من الحوار بدلاً من تزعّم أقوال ومواقف جانب واحد.

انقطاع الحوار في إيران كان كتابيًا وسمعيًا، أي أنّ الطرفين لا يعرفان بعضهما جيّدًا، ولا يكتبان بوضوح وشفافية. يمكن رؤية أمثلة ملموسة عن اضطراب الحوار، كالذي حصل بين الشاه ومصدق والأمير كبير وناصر الدين شاه ونادر شاه وقادته، وعباس ميرزا وأنصار الحرب مع روسيا، وفي عشرات الأمثلة الأخرى.

يؤدي تعطيل الحوار إلى إغلاق أبواب النقد، ويسمح لأقزام الفكر والذين يعانون من قصر النظر إلى إيجاد مكان لهم في مراكز صنع القرار. في النهاية، سيصبح هذا الاضطراب عقبة في طريق التنمية. تخيّل أن الدماغ يعاني من اضطراب عندما يعطي أوامر للذراعين والساقين والأعضاء الأخرى، فتعمل هذه الأجزاء بشكل غير منسق. والنتيجة هي استحالة الحركة المتّسقة مع ذاتها. تخيّل الآن أنّ خلايا الدماغ هي أعضاء المجتمع، من الرئيس إلى ربّة المنزل. اضطراب المحادثة هو التنافر الذي ينتج عنه تنافر الحركة في المجتمع. يظهر هذا الاضطراب أحيانًا أنه منخفض التكلفة، ولكن في بعض الأحيان يكون مكلفًا للغاية ويصعب تعويضه. النقطة الأخيرة هي أنّ اضطراب الحوار يزيد الانتروبيا، ويأخذ النظام الاجتماعي بعيدًا عن التوازن على المدى الطويل.

13- الهجرة التعليمية

قصة “الهجرة التعليمية”، أو هجرة المثقفين الإيرانيين إلى الخارج، محزنة للغاية. الخبير الاقتصادي الإيراني محسن رناني استخدم بشكل صحيح مصطلح “تهديد لمستقبل إيران الحضاري” بشأن موجة الهجرة هذه. أبواب وجدران الجامعات، على سبيل المثال جامعة طهران، والتي تعتبر أيقونة، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالإعلانات عن امتحانات IELTS وTOEFL.

فصول اللغة في هذين الاختبارين مزدهرة للغاية، وهذا إنذار كبير. في رأينا، لحل جميع الأزمات الـ 12 التي ذكرناها في الأعلى، نحتاج أكثر من أي شيء آخر، إلى يد خبراء وثروة بشرية واجتماعية. لكن مثل هذه الموجة من هجرة النخب، رجال الأعمال، الأطبّاء، الموظفين الطبيين، الصناعيين، الرأسماليين، الأساتذة، الطلّاب وحتى الوظائف الخدمية، تُغرق البلاد في وضع لا نملك فيه قوّة فعّالة لحل الأزمة. القوى العاملة الماهرة والثروة الاجتماعية هي مفاتيح حل المشكلات، كما أنّ تنمية القوى العاملة الماهرة والخبيرة تستغرق وقتًا طويلاً.

يؤثر تدفق الهجرة على متوسط معدل الذكاء في البلاد، ويقلّل من ثقة الجمهور بالنفس. نريد التأكيد على أنّ الحلّ ليس في عدم إجراء الاختبارات أو جعل عملية الهجرة أكثر صعوبة، من خلال زيادة تكاليفها المالية. سيجد الناس طريقهم ويهاجرون. إذا لم يتم التفكير في حل عقلاني وذكي لهجرة الإيرانيين من وطنهم الأم، فسيكون حتى مستقبل الحضارة في خطر. ستمتلئ البلاد بأفراد الطبقة الوسطى الذين تم تشغيلهم في الكراسي السياسية إلى الأكاديمية، وبدلاً من مساعدة البلاد، سيصبحون عبئًا إضافيًا.

تعمل هجرة الشخص في الأسرة كأثر محفز. يضغط أحد ما من العائلة على الزناد ليهاجر العشرات بسببه. معرفة الحل لهذه الأزمة التي نسمّيها أُمَّ أزمات البلاد، ليس بالأمر السهل، ويتطلّب مجموعات عمل متخصصة. لكننا نعلم شيئًا واحدًا، وهو أنّ الوضع الاقتصادي السيئ، والتوترات السياسية، وانخفاض مستوى الاحتياجات البشرية الواضحة، هي عوامل الهجرة المهمة.

في غضون ذلك، انخفض الشعور بالوطنية أيضًا، وأي خطر أكبر من الذي يواجه بلدًا مثل إيران؟ باختصار، تُملي عقلانية الحكم أن نحافظ على القوة البشرية والثروة الاجتماعي لمستقبل الحضارة الإيرانية.

14- الجيش

نريد أن نخصص الجزء الأخير من هذا المقال لإحدى أهم مؤسسات الدولة. لطالما كان ولا زال وسيكون للجيش موقع مهم في إيران. بسبب تاريخ امبراطورياتها، كانت إيران دائمًا عرضة للحرب، ولم يتغيّر سوى شكل الحروب. لطالما كانت إيران دولة ذات جيش، ولطالما كان للجيش أصلًا وطنيًا قوميًا، سواء في الهزائم أو الانتصارات.

منذ وقت ليس ببعيد، قال القائد العام للجيش عبد الرحيم موسوي، إنه لا يستطيع حل مشاكل الجيش المعيشية بشكل جيد. لنكن صريحين. في المنطقة التي تقع فيها إيران، حتى مع افتراض حدوث تطوّرات سياسية رفيعة المستوى، تُعتبر ضرورة قدرة الجيش على الحفاظ على الحدود الجغرافية، الاقتصادية والسياسية وحمايتها أمرًا ضروريًا. ذكرنا إنه في عالم اليوم، الحدود ليست جغرافية فقط، وإيران هي أيضًا دولة ذات حدود ثقافية وجغرافية – سياسية أوسع من الحدود الجغرافية.

يحتاج الجيش الإيراني بلا شك إلى تقنيات حديثة شاملة، ليس فقط امتلاك فئة أو فئتين من الأسلحة. إيران بلد يمكن في ظل قدراته العالية أن يكون له جيش يليق بمجده السابق، ومثل الدول المتقدّمة، يكون الجيش في خدمة المعرفة والتكنولوجيا، وإعادة بناء وتدريب القوى العاملة المتخصصة. لقد كتبنا عن هذا الأمر مرات عدة من قبل على صفحة العلم، وهنا نتحدث فقط في عرض عن المعيشة ومحورية التكنولوجيا ومحورية البحوث وعدم التسييس والمساهمة في النمو والتقدم والتنمية، من منظور وطني، وضرورة الجيش الايراني اليوم وغدًا. لنلق نظرة على مثالين. بعض الناس في إيران اليوم يعتبرون الصين صديقًا والولايات المتحدة عدوّا. ومن المثير للاهتمام أنّ كلا البلدين قاما باستثمارات كبيرة في جيشيهما.

إيران وأعداؤها

حاولنا سرد الأزمات الـ 14 لإيران اليوم بإيجاز، وضمن حدود وقيود. أكثر من أي شخص آخر، لقد كتبنا هذا المقال لعامة الإيرانيين حتى يعرفوا المشاكل التي يواجهونها من أجل البناء والحرية والتنمية. في بعض الثقافات، لكلمة أزمة معنييان: أحدهما فرصة والآخر تهديد.

الآن الحكام والشعب هم من يقررون تحويل الأزمة إلى خطر أو فرصة. لكن في نهاية هذا المقال، نودّ أن نشير إلى بعض الحالات لأعداء إيران المرئيين والمخفيين. أعداء إيران ليسوا فقط صدّام حسين وجواسيس وكالات المخابرات والإرهابيين لدول أخرى. يعيش العديد من الأعداء داخل إيران. هؤلاء الأعداء غير المرئيين وصغار الحجم مثل الخلايا السرطانية التي تشكّل ورمًا خبيثًا، وتأثيرها الكارثي مدمّر.

شركة الأدوية التي قامت، بالتعاون مع رجل أعمال، بتحويل صيدلية في قلب طهران إلى مركز للفساد الاقتصادي، وفي حين أنّ ملفّه لم يزل مفتوحًا في المحكمة، يجعل من صيدليته تفتح 24 ساعة. ذلك البائع الذي يبيع أقل وعبر التهريب، في زمن نقص البضائع. ذلك المهندس المشرف الذي يعرف أنّ البناء لم يُبْنَ وفق المعايير وسوف ينهار بزلزال، لكنه يمنح الرّخصة، والكثير من هؤلاء الأشخاص، هم من أعداء إيران، يصنعون ورمًا خبيثًا.

بعض الأعداء الآخرين هم أناس جهلاء لا يعرفون التغييرات التي مرّ بها العالم وما يحدث. في بعض الأحيان، يبقون في الخمسين عامًا الماضية، ويكون تفكيرهم غير مناسب لليوم، والأسوء عندما يكونون في موقع مسؤول. في بعض الأحيان، يفعلون شيئًا، أو يقولون شيئًا يسبّب الإحراج وخيبة الأمل للخبراء.

فئة أخرى من الأعداء، “الأعداء الودودون”، الذين يهتمون فعليًا بمصالحهم الخاصة وليس مصالح إيران الوطنية. جزء آخر من أعداء إيران اللدودين هم أولئك الذين لديهم كابوس تمزيق إيران، ويرون في كل فرصة وكل أزمة فرصة لتحقيق مثل هذه النوايا الخبيثة.
مجموعة أخرى من أعداء إيران ليسوا في الواقع أعداء حقيقيين، ولا أصدقاء حقيقيين، لكنهم منافسون شرسون وحقيقيون، لديهم مصالح متضاربة مع إيران. لا ينبغي الاستهانة بهؤلاء المنافسين. إنهم يشهرون سيوفهم، ولا يمكن اعتبارهم حلفاء استراتيجيين. إن المواجهة والتعاون والتعايش بين مثل هؤلاء الأشخاص والبلدان يتطلّب العقلانية السياسية والحكمة أكثر من أي شيء آخر، وبحاجة إلى قدرات استشارية، وإلى العديد من سمات الحكم الحديث.

في النهاية، إذا أردنا أن نقولها في جملة واحدة: إن أعزّ محبي الإيرانيين هم الإيرانيون أنفسهم، الذين تنبض قلوبهم بهذه الأرض العريقة ومصالحها الوطنية، وفي الوقت نفسه، من الممكن إقامة علاقات الربح المتبادل مع جميع البلدان والأقاليم في العالم.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: