الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 فبراير 2023 17:56
للمشاركة:

إسماعيل قاآني.. عرّاب طهران في كابل وإسلام آباد

في بداية عام 2018، زار وفد إيراني إقليم باميان وسط أفغانستان، برئاسة من عرّف نفسه آنذاك بـ"نائب سفير الجمهورية الإسلامية". ما هي إلا سنتين، حتى عرف الأفغان أن هذا الشخص لم يكن دبلوماسيًا إيرانيًا، بل كان مسؤولًا في الحرس الثوري آنذاك، وبات في كانون الثاني/ يناير 2020، قائدًا لفيلق القدس. إنه إسماعيل قاآني الذي تربطه علاقة مع أفغانستان تعود لثمانينيات القرن الماضي.

لفهم دور إسماعيل قاآني، الذي حل مكان الجنرال قاسم سليماني قائدًا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يجب النظر إلى عمله الذي دام عقدين من الزمن في أفغانستان وباكستان.

قد يكون قاآني غير معروف في الدول الواقعة إلى الغرب من الجمهورية الإسلامية، لكن جيرانه الشرقيين يعرفونه جيدًا، وتحديدًا في كابل وإسلام أباد إلى طاجيكستان.

بالعودة إلى حادثة باميان، روى حاكم هذه المنطقة الوعرة وسط أفغانستان طاهر ظهير بعد أيام من اغتيال الجنرال قاسم سليمان، أن قاآني سافر رفقة 8 إيرانيين إلى الإقليم على متن طائرة صغيرة. يومها، قدم الجنرال نفسه بصفته نائب السفير الإيراني في كابل، واستخدم اسم “إسماعيلي” للتعريف عن كنيته.

وأوضح ظهير أن قاآني زار المنطقة بتنسيق مع الحكومة الأفغانية، في عهد الرئيس أشرف غني، مستخدمًا تأشيرة وجواز سفر مزوّر، وكانت الجولة تهدف لاستئناف أعمال بناء مستشفى بـ120 سريرًا ممول إيرانيًا. كما شدد وزير الخارجية الأفغاني السابق إدريس زمان فتح تحقيق في زيارة قاآني، لكنه أشار إلى أنه من الواضح أنه “لم يعمل أبدًا نائب سفير في البلاد”.

بداية العمل في أفغانستان

لا يُعرف قاآني كثيرًا في الإعلام، ويُعتبر أقل ظهورًا من سلفه قاسم سليمان. بدأ ابن مدينة مشهد، التي تبعد مسافة 200 كيلومتر تقريبًا عن أفغانستان، عمله في كابل بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، حيث تركّزت مهمته في الحرس الثوري الإيراني، على منطقة الشرق، وتحديدًا في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى.

تكمن أهمية هذه المنطقة بالنسبة للجمهورية الإسلامية في ضمّها لمناطق وعرة تلتقي فيها طهران مع كابل وإسلام آباد، وتنتشر فيها عصابات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. كما أن صعوبة تضاريس هذه المنطقة، تجعل من الصعب صد أي هجوم محتمل في المستقبل ضد إيران.

في التسعينيات، دخلت أفغانستان في حرب أهلية بعد ثلاث سنوات فقط من انتهاء احتلال الاتحاد السوفيتي الذي دام عقدًا من الزمان.

في تلك الفترة، كان تركيز قاآني منصب على ضبط الحدود، ومواجهة عصابات المخدرات الأفغانية. مع اشتداد الانقسام في كابل، قدمت طهران، عبر الحرس الثوري، الدعم لتحالف الشمال، برئاسة أحمد شاه مسعود، الذي بقي صامدًا في مواجهة مد طالبان.

زار قاآني طاجيكستان، الجارة الشمالية لأفغانستا، أكثر من مرة في تلك الحقبة، حيث انتشرت صورة له مع شاه مسعود تعود إلى عام 1999، بعد أن أرسل تحالف الشمالي المقاتلين إلى هناك لتلقي العلاج.

إضافة لشاه مسعود، دعمت طهران الأقلية الشيعية في أفغانستان، لأنها كانت قلقة من تنامي قوة طالبان، والتي كانت مدعومة حينها من خصوم طهران الإقليميين.

وكادت طهران والحركة أن تدخلان في مواجهة مباشرة عام 1998، بعد مقتل 8 دبلوماسيين إيرانيين وموظف في وكالة أنباء إيرنا الإيرانية، عندما اجتاح مقاتلو طالبان القنصلية الإيرانية مزار شريف. ورغم نفي الحركة مسؤوليتها عن العملية، نشرت طهران آلاف العسكريين على الحدود، إلا أنها لم تتخذ القرار بالهجوم.

وبعد 3 سنوات، اجتاحت القوات الأميركية أفغانستان، لينتهي حكم طالبان، ولتبدأ مسارات جديدة في العلاقات بين البلدين.

مرحلة الوجود الأميركي ولواء فاطميون

بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تعاون الإيرانيون على الأرض مع الجيش الأميركي للمساعدة في تأمين أفغانستان، مستغلين الانكماش في علاقات واشنطن مع المملكة العربية السعودية ومصر وباكستان وحلفاء آخرين، وذلك بهدف تأمين الحدود الشرقية في البلاد.

لكن بعد احتلال الجيش الأميركي للعراق عام 2003، بدأ الإيرانيون يستشعرون بالخطر، فعادت طهران للتواصل مع حركة طالبان، لإضعاف الولايات المتحدة في كابل.

من هنا، عاد الحرس الثوري، بقيادة قاآني، لدعم طالبان. وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية، فإن الحرس الثوري الإيراني موّل حركة طالبان ودربها سرًا وزودها بالأسلحة الخفيفة والمتفجرات وقذائف الهاون والمدافع الرشاشة الثقيلة وصواريخ كاتيوشا 107 ملم.

ولهذا، أدرجت الولايات المتحدة كلًا من الجنرال حسين موسوي قائد فيلق الأنصار، والعقيد حسن مرتضوي في آب/ أغسطس 2010 على لائحة الإرهاب “لدورهما في دعم الحرس الثوري الإيراني للمنظمات الإرهابية، وتوفيرهما الدعم المالي والمادي لحركة طالبان”.

واتسع نطاق الدعم الإيراني للقوى الفاعلة في أفغانستان ليشمل “شبكة حقاني” التابعة لحركة طالبان في مقابل المزيد من عمليات استهداف القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان.

ومنذ عام 2018، وفق مجلة التايمز، تلقى المئات من مقاتلي حركة طالبان “تدريبات متقدمة على يد مدربين في الأكاديميات العسكرية الإيرانية في مقابل تنفيذ المزيد من الهجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وقتال تنظيم داعش في أفغانستان”.

بالإضافة إلى ذلك، لعب الملا عبد القيوم ذاكر المعتقل السابق في غوانتانامو، عندما كان يشغل منصب رئيس المجلس العسكري في حركة طالبان، أي وزير دفاع “حكومة الظل” في الحركة، في تعزيز هذا المسار العسكري في علاقات طهران والحركة، حيث كان من بين أكثر الشخصيات التي نالت ثقة فيلق القدس، وحصل منه على الأسلحة الأكثر تقدمًا، بما في ذلك قاذفة الصواريخ المضادة للطائرات.

توازيًا، كان لقاآني الدور البارز في تشكيل الفصائل الشيعية، التي هدفت في الأساس إلى مواجهة الولايات المتحدة. وعندما اندلعت الحرب السورية عام 2011، نقل هذه الفصائل إلى سوريا للقتال. فتم تشكيل لواء فاطميون الذي يتألف بشكل أساسي من أفغان من أقلية الهزارة الشيعية. وضم هذا اللواء مقاتلين قدامى في لواء أبو ذر، وهي مجموعة أفغانية مكونة من الشيعة قاتلت إلى جانب إيران في الحرب ضد العراق.

قاآني وباكستان

في السياق نفسه، كان قاآني قد أنشأ لواءً آخر في باكستان، ضم الأقلية الشيعية هناك، وحمل اسم “زينبيون”. فقد حاولت إيران أن تتعامل مع باكستان النووية بحذر لمنع أي مواجهة مباشرة.

وفق مجلة “the national”، أنشأ قاآني شبكة تجسس عملت داخل باكستان لأكثر من عقد حتى عام 2015، مما أدى إلى زعزعة استقرار بلوشستان ومدينة كراتشي المركزية للأعمال التجارية.

كما اتهم الحرس الثوري في تلك الفترة بتدبير هجمات كان من المفترض أن تقوض عمل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يربط غرب الصين بميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب.

استخدم قاآني صلاته بباكستان لإنشاء ميليشيا زينبيون، التي بدأت كفرقة من المتطوعين الباكستانيين الشيعة للقتال في سوريا، حتى أعلنت سلطات إسلام آباد بدء العمل على مواجهتها.

ومما زعزع العلاقة بين إيران وباكستان، هو الاتهامات التي وجهت للحرس الثوري وفيلق القدس باستخدام مواطنين باكستانيين أو جوازات سفر مسروقة لتنفيذ بعض العمليات. فعلى سبيل المثال، في آذار/ مارس 2017، سُجن الباكستاني سيد مصطفى حيدر نقفي في ألمانيا بتهمة التجسس على المصالح الإسرائيلية. أثبت المحققون الألمان أنه عمل في فيلق القدس، وتم تجنيده عندما جاء إلى ألمانيا عام 2012 للدراسة.

ومن الأمثلة الأخرى، محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عام 1985. وكان الإيرانيان المتورطان في الهجوم يحملان جوازي سفر باكستانيين.

في المحصلة، يبدو جاليًا دور إسماعيل قاآني في دول آسيا الوسطى وفي الجبهة الشرقية لإيران. هذه المهام، هي التي دفعت الجنرال قاسم سليماني لتعيينه نائبًا له، قبل أن يُعيّنه القائد الأعلى علي خامنئي قائدًا لفيلق القدس في عام 2020. لكن هل سيتمكّن قاآني من استغلال نفوذه في باكستان وأفغانستان، للحفاظ على استقرار الجمهورية الإسلامية أمام اضطرابات الشرق؟

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: