الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 فبراير 2023 17:56
للمشاركة:

“ممر الناتو” في أذربيجان.. ما هو الهدف من إقامته؟

اعتبر الخبير في الشؤون الأوراسية أحمد كاظمي، في مقال له لمركز دراسات القوقاز، أن إصرار باكو وأنقرة على إنشاء "ممر الناتو"، لن يؤدي فقط إلى عدم تحقيق هذا الملف، بل إلى خلق خلافات إقليمية وقومية، ما سيجعل مستقبل إقليم ناغورنو كاراباخ أكثر غموضًا، ويزيد من حدة الخلافات الداخلية في حُكم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وسيجعل من الاستياء والخلل العرقي في باكو أكثر نشاطًا.

تقدّم “جاده إيران” ترجمة كاملة للمقال.

بعد مرور أكثر من 22 شهرًا على الحرب الثانية في ناغورنو كاراباخ، لا تزال قضية “ممر الناتو”، الذي تسمّيه أذربيجان وتركيا بـ”ممر زنغزور”، محل اهتمام كبير جدًا في أجندة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى رأسه بريطانيا وإسرائيل، في إطار تحالفات واتفاقات مع باكو وأنقرة.

والسبب في ذلك أنّ مشروع حرب كاراباخ الثانية لم يكن لتحرير هذا الإقليم، بل كان غطاءً لتنفيذ “ممر الناتو”، والذي فشل حتى الآن. والدليل على هذا الادعاء هو أنه إذا كان لدى أذربيجان حقًا “إرادة مستقلّة” لتحرير كاراباخ، لكان عليها اتخاذ إجراء ولو جزئي وتدريجي لهذه القضية خلال 26 عامًا (من 1994 إلى 2020) من وقف إطلاق النار في هذه المنطقة.

يبدو أنه مع التغييرات النموذجية في نظرة اللاعبين للتطوّرات في أوراسيا، منذ عام 2020، أصبحت كاراباخ أيضًا أداةً لتعزيز الرغبات الجيوسياسية لحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، والتي ينصب تركيزها على إنشاء “ممر الناتو”، بهدف ضرب المصالح الأساسية لإيران وروسيا والصين، والتي سيتم شرحها في السطور التالية؛ ولكن قبل ذلك، من الضروري ذكر نقطتين:

أولاً، استخدام مصطلح “ممر زنغزور” بدلاً من “ممر الناتو” خطأ من الناحية التاريخية والسياسية والقانونية، لأنّ مصطلح “ممر زنغزور”، وبشكل أكثر دقة كلمة “زنغزور الغربي”، التي اخترعها رئيس أذربيجان إلهام علييف، تشير إلى مقاطعة سيفنيك (ومركزها قابان) في جنوب أرمينيا، والتي تشكّل الحدود بين طهران ويريفان.

في الحقيقة، هذه الكلمة تتضمّن ادعاءات أذربيجانية لأراض من مقاطعة سيفنيك الأرمينية. ذريعة سلطات أذربيجان هي أنّ هذه المنطقة قد تم منحها لأرمينيا عام 1922 من قبل الاتحاد السوفيتي. إذا كانت هذه الذريعة هي الدليل، فهناك بطبيعة الحال العديد من الأمثلة المماثلة، بما في ذلك منطقة القوقاز، حيث تقع جمهورية أذربيجان، التي تم فصلها عن إيران في عام 1828 ومُنحت لروسيا، وإغدير وقارص وممر قره سو، جميعها كانت لإيران، وتم إلحاقها بتركيا في عام 1931 من دون أي أساس قانوني شرعي. ووفقًا لاتفاقية سيفر لعام 1920 التي وقعها العثمانيون، هناك ست مقاطعات في جنوب هذا البلد يُطلق عليها اسم “أرمينيا الغربية” وتنتمي إلى الأرمن.

بناء على ذلك، وفي ظل ذريعة باكو هذه، يجب إعادة كل هذه المناطق إلى أصحابها التاريخيين. وهذا هو السبب في أنّ القانون والفقه الدوليين، اللذين ورد ذكرهما مرارًا في أحكام محكمة العدل الدولية، يؤكدان أنّ “الأحداث التاريخية التي مرّت بتطوّرات لاحقة في العلاقات الدولية لا يمكن أن تكون أساس دعاوى الملكية”.

وبالتالي، فإنّ تسمية “زنغزور” على جنوب أرمينيا يعني انتهاكًا لوحدة أراضي هذا البلد، وانتهاكًا للمادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة. لذلك، إنّ استخدام المصطلح من وجهة نظر سياسية وقانونية وتاريخية هو خطأ، لكن يتم استخدامه للأسف عن غير قصد في بعض المنشورات والأخبار والمصادر التحليلية لبلدنا، نقلاً عن مسؤولين في أنقرة وباكو، وبالطبع عن قصد من قبل جماعات الضغط التابعة لأديولوجيا القومية التركية.

ويبدو أنّ أفضل بديل لهذا العنوان هو “ممر الناتو”، حيث اقترحه مؤلف هذه السطور لأول مرة منذ حوالي 22 شهرًا. وذلك لأنه يوضح أولاً مركزية هذه الخطة، وهي إنشاء ممر “تركي” ضد إيران وروسيا والصين، وثانيًا يُظهر أنّ هذه الخطة تتجاوز ثقل أذربيجان وتركيا، وخلفه الاستعمار البريطاني.

النقطة الثانية هي أنّ إشارة باكو إلى المادة التاسعة من مذكّرة وقف إطلاق النار المؤرّخة 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تفتقر إلى الصلاحية القانونية، لأنها تتعارض مع الفقرة السادسة من المذكّرات الست، التي نصت صراحةً على إنشاء ممر لاشين بعرض 5 كيلومترات بين كاراباخ وأرمينيا في الفقرتين التاسعة والعاشرة. تم اقتراح إعادة فتح وبناء خطوط النقل الاقتصادي فقط، ولكن أوّلاً لم يتم تحديد مكان لها، ويمكن أن يكون هذا الطريق حتى من الجانب الكازاخستاني في شمال جمهورية أذربيجان بدلاً من جنوب أرمينيا، التي لديها طريق يربط بين أرمينيا وناختشيفان. ثانيًا، خطوط الاتصال الاقتصادي، أي الخطوط الخاضعة للسيادة المطلقة للدولة المضيفة، وهو في الحالة التي تتعلّق بممر لاشين، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، فإنّ باكو لا تملك السيادة عليه.

من ناحية أخرى، إنّ مساواة ممر لاشين بممر زنغزور، المصحوب بابتزاز نفسي وإعلامي واسع النطاق، وضغط سياسي وعسكري من باكو على يريفان، يمكن أن يُنتهك من منظور قانوني آخر، وهو الارتباط بين النظام القانوني الموجود بين ممر لاشين وكاراباخ، والذي يتمحور حول منح الحكم الذاتي للإقليم (على الأقل مشابه للحكم الذاتي لناختشفان)؛ المسألة التي قبلتها أذربيجان في قمة لشبونة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية (1996)، وأبلغت سلطات مجموعة مينسك مرارًا وتكرارًا باستعدادها لمنح حكم ذاتي ممتاز لكاراباخ، بينما تغيّر موقف باكو منها الآن، وقرر علييف عدم منح أي نظام قانوني له. من الطبيعي أنه من وجهة نظر الأرمن، في غياب نظام قانوني لكاراباخ، لن يكون لممر لاشين أي أهمية خاصة وقانونية.

وعلى الرغم من عدم حل قضية كاراباخ وعدم عودتها إلى باكو، فإنّ تركيز أذربيجان على مسألة إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا عبر “ممر الناتو”، ناتجٌ عن مؤامرة أكبر في غرف التخطيط الأمني لحلف الناتو منذ سنوات، تحت إشراف بريطانيا وإسرائيل.

من وجهة نظرهم، فإنّ روسيا والصين وإيران هي الدول العدوة الثلاثة الرئيسية لحلف شمال الأطلسي، ويعني تحالفها إطلاق نظام إقليمي جديد ضد الغرب. نظرًا لأنّ منطقة القوقاز وآسيا الوسطى هي المنطقة الوحيدة المشتركة مع هذه البلدان الثلاثة، فهي أكثر المناطق حساسية لمهاجمة إيران وروسيا والصين، والمحرّك الدافع لهذا التركيز هو الترويج لفكرة القومية التركية والوحدة التركية. في هذه العملية، من المفترض أن تلعب فكرة “القومية التركية”، مثل فكرة “النازية” و”ممر الأتراك” الخاص بها، دورًا في التغييرات الجيوسياسية، مثل “الممر البولندي” لهتلر قبل الحرب العالمية الثانية.

من المفترض أن يقوم “ممر الناتو”، عبر إزالة الحدود الإيرانية – الأرمينية (إلحاق مقاطعة سيفنيك بجمهورية أذربيجان، تحت أي عنوان، حتى كطريق نقل)، وتحقق الاتصال الجغرافي للوحدة التركية من تركيا إلى جمهورية أذربيجان وآسيا الوسطى، تماشيًا مع أهداف الصهيونية العالمية وحلف شمال الأطلسي. وبهذه الطريقة، يمكن توفير الأرضية لتوجيه ضربات خطيرة للمصالح الأساسية والحيوية للصين، روسيا وإيران في أربعة مجالات.

1- مجال الترانزيت: تركز روسيا، الصين وإيران حاليًا على أربعة مشاريع عبور رئيسة، وهي “مشروع إحياء طريق الحرير أو حزام واحد – طريق واحد”، “ممر الشمال والجنوب”، “الممر الذي يربط الخليج بالبحر الأسود” و”إيكو كوريدور”. في إطار ممر الناتو، ستُنشئ أنقرة “ممر اللازورد” من تركيا إلى القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان (كوادر)، وفي الوقت نفسه، سيتم قطع الممرات الأربعة المذكورة أعلاه أو إضعافها. تكمن أهمية هذه القضية بأنّ مراكز الأبحاث الأميركية قد أعلنت إنّ عواقب خطة الصين “طريق واحد – حزام واحد” أكبر بكثير من الخطر العسكري الصيني على الولايات المتحدة. إنّ حقيقة أنّ تركيا وجمهورية أذربيجان أصرّتا على العضوية الإشرافية لأفغانستان الناطقة باللغة الدرية والبشتونية في مجلس التعاون لما يسمى البلدان الناطقة بالتركية ترجع إلى نفس القضية، وهي مكانة أفغانستان في ممر اللازورد التركي.
2- قطاع الطاقة: من المفترض أن ينقل “ممر الناتو” الغاز من أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان من بحر قزوين إلى باكو. يوجد حاليًا خط أنابيب لنقل الغاز من باكو إلى إيطاليا (يتألّف من ثلاثة أجزاء جنوب القوقاز وتاناب وتاب)، لكن باكو وحدها ليس لديها ما يكفي من الغاز لإرساله عبر هذا الخط. إذا تم تحقيق ممر “الناتو”، وتوصيل غاز الدول الثلاث المذكورة بهذه الأنابيب، فلن يكون لدى أوروبا حاجة حقيقية للغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب الاستراتيجية “نورد ستريم” ولإيران (في شكل مشروع نابوكو). في الوقت نفسه، ستواجه الصين أيضًا مشاكل في إمداد احتياجاتها من الطاقة من آسيا الوسطى، وخاصة تركمانستان. من وجهة النظر هذه، يأمل مؤيدو مشروع هذا الممر أنه مع الموافقة على اتفاقية النظام القانوني لبحر قزوين في البرلمان الإسلامي، والتي يُسمح فيها بمد خطوط أنابيب للطاقة في بحر قزوين، فإنّ ذلك سيعبّد الطريق أمام خط أنابيب الطاقة في ممر الأتراك.
3- في مجال القضايا العرقية: من المقرّر لـ”ممر الناتو”، اعتمادًا على الأساس العرقي الذي أنشأته باكو وتركيا في العقود الأخيرة في منطقة الآذريين والتركمان والتتار والإيغور، أن يوجِد موجة عرقية واسعة تقوم على القومية التركية ضد المنطقتين الأذربيجانية والتركمانية في إيران، ومنطقة الإيغور في الصين، ومنطقة التتار في روسيا.
4- في مجال توسّع الناتو: من المفترض أن يقوم الممر بإدخال الناتو مباشرة إلى الحدود الشمالية لإيران، والحدود الجنوبية لروسيا، والحدود الغربية للصين في إقليم شينجيانغ، وبذلك يتم استكمال خطة تطويق هذه الدول وإرساء أساس تجزءتها. الحقيقة هي أنّ رغبة الناتو في التوسّع نحو الشرق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تتوقف أبدًا، ومن خلال إعادة تحديد دور عالمي مزعوم لنفسه، لن يتجاهل أبدًا منطقة مهمة مثل القوقاز وآسيا الوسطى، كما أكد آدم طومسون الممثل السابق لبريطانيا في حلف الناتو أنّ هذا الممر سينقل الناتو إلى حدود شينجيانغ الصينية. الاعتقاد بأنه نظرًا لكون تركيا عضوا في الناتو، فإن الناتو لا يحتاج إلى أن يكون موجودًا بشكل مباشر في مناطق القلب، مثل القوقاز وآسيا الوسطى، فكرة “ساذجة”، لأنه: أولاً، مع هذا الاعتقاد، يجب على الناتو عدم التوسّع نحو أوكرانيا والسويد وفنلندا، ولم يكن ضروريًا إشعال حرب مع روسيا، لأنّ جيران روسيا الآخرين مثل إستونيا ولاتفيا منذ عام 2004، وبولندا (جارة كالينينجراد الروسية) منذ عام 1999، أعضاء في الناتو. الهدف الثاني لحلف الناتو هو تطويق روسيا، الصين وإيران، ويُعدُّ وجود الناتو في القوقاز وآسيا الوسطى أساسًا مكمّلاً لخطة تطويق روسيا من جانب البحر الأسود، وتطويق الصين من بحر الصين الجنوبي، وتطويق إيران من الخليج. ثالثًا، في أهداف الناتو، يُعدُّ “ممر الناتو” مقدّمةً لتعزيز تنظيم ما يسمى بالدول الناطقة بالتركية، وإنشاء ما يُسمّى بـ “الناتو التركي” في قلب هذه المنظمة (على غرار فكرة الناتو العربي في منظمة التعاون الخليجي). على هذا الأساس، وعلى الرغم من حساسية روسيا لتحرّك الناتو نحو الشرق، لم يكتفِ الناتو في العقود الماضية بعضوية تركيا، وبشكل مباشر وفي إطار برامج مثل “الشراكة من أجل السلام”، أو “برنامج التعاون الفردي” مع الناتو، “أو”برنامج السماء المفتوحة”، وضع العلاقات مع هذه الدول على جدول الأعمال وحاول تطوير هذا التعاون خطوة بخطوة.

وفقًا للاختلالات الأربعة التي يمكن للممر أن يوجده، والتي تم ذكرها، من الواضح سبب الإصرار على إنشاء هذا الممر وسبب موقع باكو المتفوّق، والذي يبدو أنها مسرورة جدًا بدعم بريطانيا وإسرائيل.

بالإضافة إلى هذه الاختلالات، فإن للممر عواقب خاصة ضد إيران. من المفترض أن يدمّر هذا الممر ويوقف ميزة نقل الغاز الإيراني إلى ناختشفان وتركيا، وحتى أرمينيا، ومبادلة الغاز نفسها من تركمانستان إلى أذربيجان عبر إيران، من خلال إنشاء خط أنابيب جديد للطاقة في جنوب أرمينيا. كما سيؤثر ذات التأثير السلبي على ميزة الجغرافيا السياسية الإيرانية في ربط انتقال تركيا مع أذربيجان وآسيا الوسطى.

ومن خلال ترسيخ “التركية” للهوية الآذرية، يتم توفير الأرضية لاجتثاث التشيّع من الآذرية. لذلك، وفي مواجهة هذه الخطة، لدى كل الإيرانيين، وخاصة الآذريين الإيرانيين، الذين كانوا حماة المذهب الشيعي والثقافة الإيرانية عبر التاريخ، وخاصة في القوقاز، دورٌ مركزي، والتقدم المثير للاشمئزاز لدوائر القومية التركية بشأن تسمية القضية باصطلاح “جنوب أذربيجان” نابع من قلقهم هذا.

لهذا السبب، بعد حرب كاراباخ الثانية، تم إضعاف الوطنية الأذربيجانية في أذربيجان، وإدراج الهوية (القومية) الأذربيجانية على جدول أعمال وسائل الإعلام، والدوائر السياسية والأمنية، وحكومة باكو. كل هذا في ظل وجود قانون في البرلمان الأذربيجاني منذ عام 1996 ينص على أن الهوية الآذرية مستقلّة ومختلفة عن الهوية التركية الأناضولية. وبناءً على ذلك، يمكن القول إنّ الممر قد وضع الفصل الحضاري والتاريخي والثقافي والديني لإيران مع أذربيجان والقوقاز ونزع الشيعة من هذه المناطق في أهدافه المحورية، تماشيًا مع رغبات إسرائيل.

في ما يتعلّق بكل هذه القضايا، شدّد قائد الثورة ببصيرة، في اللقاءات المنفصلة التي عقدها مع رئيسي تركيا وروسيا، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، على هامش قمّة أستانا في طهران، على أنّ إسران لن تتسامح مع أي خطة أو نهج يؤدي إلى قطع الحدود بين إيران وأرمينيا. وبهذه الطريقة، أعلن قائد الثورة معارضة إيران لـ “ممر الناتو” بأوضح صورة، وأعلنها كخط أحمر لا يمكن تغييره في إيران. في وقت لاحق، في 10 آب/ أغسطس الماضي، وخلال تلقّيه مكالمة هاتفية من رئيس وزراء أرمينيا، أكد على أهمية هذه الحدود، وأكد رئيس بلادنا أنّ إيران لن تقبل أي تغييرات في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وأنها على استعداد لاستخدام كل طاقاتها لإحلال السلام والاستقرار في منطقة القوقاز ونموّها وتنميتها.

وتُظهر هذه المواقف أنّ إيران لن تسمح بإجراء تغييرات جيوسياسية، وإنشاء ممر الناتو الذي يهدف إلى تقسيم دول المنطقة.
في النهاية، من المهم ذكر أربع نقاط تتعلق بهذه المسألة:

أولاً: ممر الناتو، بقدر ما هو ضد إيران، هو كذلك ضد روسيا والصين. وتحاول القنوات التابعة لأذربيجان وتركيا إظهار أنّ موسكو تتماشى مع إنشائه. ويظهر استنادهم إلى كلمات جندي روسي مطرود له تاريخ من التعاون مع حركة القومية التركية، إلى أنهم يستخدمون أي أخبار لتضليل السلطات الإيرانية. الحقيقة هي أنّ تعامل روسيا مع جورجيا (2008)، ومع أوكرانيا في الوقت الحالي، وإرسال القوات إلى كازاخستان (خلال أعمال الشغب العام الماضي) أظهر أنها لن تظل صامتة أمام قيام هذا الممر. إن حقيقة أنّ هذا الممر، على الرغم من 22 شهرًا من الضغط العسكري والسياسي والأمني من قبل أذربيجان وتركيا وحلف شمال الأطلسي على حكومة أرمينيا ذات التوجه الغربي، لم يتم تحقيقه عمليًا، متعلّق إلى حد ما بموقف روسيا. كان العمل المتهوّر لرئيس جمهورية أذربيجان في التوقيع على بيان التحالف مع روسيا في الأيام الأولى من حرب أوكرانيا يرجع أيضًا إلى فكرة باكو، بأنه لا ينبغي أن تخلق رأيًا في روسيا بأنها تريد فتح المجال أمام الناتو في المنطقة.

ثانيًا: إذا تحقّق الممر، سيشوّه وحدة أراضي أرمينيا، ويهدد بقاء هذا البلد بسبب ضخ القومية التركية. لذلك، على الرغم من المزاعم، لا يمكن لأي حكومة في أرمينيا التوقيع على مثل هذا الاتفاق المشين والبقاء في منصبها. على هذا الأساس، وعلى الرغم من مزاعم باكو وأنقرة، بشأن ما يسمى بالفوائد الاقتصادية لمثل هذا الممر لأرمينيا، فقد صمدت يريفان في الأشهر الـ 22 الماضية، ورحّبت بإنشاء القنصلية الإيرانية العامة في قابان.

ثالثاً: تنظيم ما يُسمّى بالدول الناطقة بالتركية وتعزيزه، جزءٌ من مؤامرة الممر. الغرض من هذه المنظمة هو تعزيز فكرة الوحدة التركية في المنطقة، وخلق فجوة ومنع تعزيز منظّمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة التعاون الاقتصادي ECO. بعض الأشخاص الذين يثيرون، عن قصد أو عن غير قصد، مسألة الحاجة إلى عضوية إيران كمراقب، مع تبرير ساذج، هو التأثير على قرارات هذه المنظمة، فإنّ هؤلاء يتحرّكون باتجاه تعزيز ممر الناتو. وذلك بعود للتالي: أولاً، مجرّد كون إيران عضوًا مراقبًا، أو أي نوع من التعاون لإيران مع هذه المنظمة، يعني إضفاء الشرعية عليها على أنها “ما يسمى بالدول الناطقة بالتركية”، في حين أنّ مثل هذه القضية غير صحيحة، ومسؤولي الدول التي تزعم إنها تتحدث نفس اللغة وهي التركية، يتحدثون مع بعضهم البعض عبر مترجم. وعليه، فإنّ العديد من الأساتذة المستقلّين في تركيا اليوم يعتبرون اعتماد أنقرة على هذه الفكرة مصدر سخرية لبلدهم على المستوى الدولي. على الرغم من أنّ ما يُسمّى بمنظمة مجلس التعاون الخليجي العربي ليست ذات صلة بإيران، فإنّ ما يسمى بمنظمة الدول الناطقة بالتركية لديها نفس الظروف. ثانيًا، يتماشى سبب قيام الشبكة الإعلامية التابعة لحركة القومية التركية في ما يتعلّق بضرورة عضوية إيران الرقابية في المنظمة المذكورة أعلاه، من أجل تحقيق نفس الفكرة المتمثلة بتحويل الهوية الأذربيجانية إلى هوية تركية أناضولية، وإظهار تبعية الأذربيجانيين الإيرانيين إلى العالم التركي. ثالثًا، في حال وضعت إيران وروسيا والصين تنفيذ نظام إقليمي جديد على جدول الأعمال، بالتعاون المشترك في منظمة شنغهاي للتعاون، خاصة بعد عضوية طهران، ما الحاجة إلى المشاركة في منظمة هدفها إضعاف شنغهاي من خلال تنفيذ حلم الناتو التركي؟ رابعًا: جميع دول ما يسمى بالمنظمة الناطقة بالتركية هي أعضاء في واحدة على الأقل من المنظمات الإقليمية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي “وسيكا”، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي و(مجموعة دول المصالح المشتركة)، ومعاهدة الأمن الجماعي، وD-8. نتيجة لذلك، لا يمكن الشعور بعدم وجود آلية مؤسسية للتعاون مع هذه البلدان.

النقطة الرابعة والأخيرة، إذا لم تتبع باكو وأنقرة وحلف الناتو حقاً مؤامرة “ممر الناتو”، من خلال إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا ومهاجمة سيفنيك، والهدف من إنشاء ممر تعاون تجاري هو أفضل طريقة لعبور هذا المسار عند النقطة التي تقع حدود زنجيلان ونختشيفان مع أرمينيا داخل الأراضي الإيرانية، التي وقعت طهران وباكو مذكرة تفاهمها في مارس 2022.

في العقود الثلاثة الماضية، كانت إيران هي الطريق الرئيس (وليس الطريق البديل) الذي يربط أراضي جمهورية أذربيجان بناختشفان، ويربط تركيا بأذربيجان، وكذلك يصل أرمينيا بالعالم الخارجي. ومن أجل ضمان سلام دائم بين أذربيجان، تركيا وأرمينيا، فإنّ إيران لديها دور مركزي.

ويمكن الآن تعزيز هذا الدور من خلال استمرار طريق زانجيلان المؤدي إلى ناختشيفان عبر الأراضي الإيرانية، في حين أنه من الممكن أن يتم إنشاء خطوط أخرى للمواصلات بين أذربيجان وناختشيفان، عبر مقاطعة تووز وقازاخ (التي لها طريق إلى يريفان ومن هناك إلى شمال ناختشفان)؛ على الرغم من هذه الحلول، فإنّ إصرار باكو وأنقرة على مرور الممر عبر مقاطعة سيفنيك الأرمينية سيقرع طبول “ممر الناتو”، الذي لا يتّسم بطابع عبور تجاري، ولكنه ذو طابع سياسي، أمني، عسكري وجيوسياسي، قائم على المطالبات الإقليمية.

بطبيعة الحال، وفق منطق أذربيجان وتركيا، يمكن لإيران أيضًا أن تطلب إنشاء ممر من منطقة كاراسو إلى يريفان، بحيث يتم تقليل وصول إيران إلى العاصمة الأرمينية، من نقطة الحدود من نحو 400 كيلومتر إلى أقل من 50 كم، خاصة وأن كاراسو كانت أساسًا قبل تسعين عامًا، جزءًا من إيران.

إصرار باكو وأنقرة على “ممر الناتو” لن يؤدي فقط إلى عدم تحقيق هذا الممر، ولكن أيضًا من خلال خلق الاختلافات الإقليمية، والاعتماد على القومية، سيجعل مستقبل كاراباخ أكثر غموضًا، ويزيد من حدّة الخلافات الداخلية في حكم علييف، وسيجعل من الاستياء والخلل العرقي في أذربيجان أكثر نشاطًا. في حين أنّ هذه القضية يمكن أن تصبح نقطة ضعف حكومة حزب العدالة والتنمية في انتخابات حزيران/ يونيو 2023 ضد الائتلاف السداسي وائتلاف الكرد والعلويين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: