الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 فبراير 2023 17:59
للمشاركة:

إيران وإسرائيل.. المواجهة العلنية

رجّح محلل الشؤون الدولية رحمن قهرمان بور، في مقابلة مع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، أن تكون إسرائيل خلف الهجوم الأخير الذي تعرّض له أحد المراكز التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية. واستبعد قهرمان بور أن ينفّذ الإسرائيليون هذا النوع من الأعمال بطلب من دولة أخرى أو نيابةً عنها، مشددًا على أن ذلك أتى بقرار صُنع في تل أبيب.

تقدّم “جاده إيران” ترجمة كاملة للمقابلة.

قوبل هجوم الطائرات المسيّرة الفاشل على منشأة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان بردود فعل واسعة داخل البلاد وخارجها. منذ الساعات الأولى، بدأت وسائل الإعلام بالتكهّن بشأن سبب هذه العملية التخريبية.

نقلت قناة العربية السعودية في البداية عن مسؤول أميركي أنّ واشنطن نفّذت هذه العملية بالتعاون مع دولة أخرى، الأمر الذي سرعان ما نفاه المسؤولون الأميركيون. وقالت وسائل الإعلام الأميركية، إن إسرائيل هي وراء الهجوم، مشيرةً إلى أنّ الدافع له هو “السيطرة على طموحات إيران النووية” و”ضمان المصالح الأمنية لإسرائيل”.

في غضون ذلك، ادّعى أحد مستشاري الرئيس الأوكراني إنّ كييف كان لها دور في هذه العملية، وإنه تم تنفيذها ردًا على مساعدة إيران العسكرية لروسيا. ولكن من كان الوكيل الرئيس لهذه العملية؟ ومن هو الطرف الذي استفاد منها أكثر من غيره؟ ما هي التوترات والإجراءات ضد إيران في المنطقة؟

بالنظر إلى الأفعال المماثلة، فإنّ إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم الذي وقع ليلة السبت، وادعاء الأوكرانيين بالمشاركة فيه هو دعاية وبيان عاطفي. وبالتالي فإن التوترات بين إيران وإسرائيل تتزايد يومًا بعد يوم.

نظرًا للأحداث الماضية والإجراءات المماثلة، يبدو أنّ احتمال أن تقوم إسرائيل بهذا النوع من العمليات أكبر من غيره. وبحسب ما رأيناه في السنوات الماضية، بما في ذلك اغتيال علماء نوويين، والهجوم على المركز النووي في كرج وحالات أخرى، يبدو أنّ لدى إسرائيل الدافع والرغبة الأكبر لتنفيذ مثل هذه الأعمال.

كان الموقف الأوكراني مثيرًا للاهتمام بالنسبة لي شخصيًا. برأيي، كان هذا الإجراء متسرّعًا وعاطفيًا من قبلهم، من أجل الرد على ما يسمّونه دعم إيران لروسيا. كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصية إعلامية قبل أن يصبح رئيسًا، وفي العام الماضي، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أطلق زيلينسكي وفريقه حملة عسكرية عالمية ضخمة لجذب المساعدات الغربية، بالإضافة إلى القتال في ساحة المعركة، ونجحوا في العديد من الأماكن. وكان آخر نجاح لهم هو الحصول على ترخيص لاستيراد دبابات Leopard 2 الألمانية إلى أوكرانيا.

أعتقد بأنّ رد فعل الأوكرانيين على هذا الحادث هو في هذا الاتجاه، أي أنهم يريدون تلقّي المساعدة من الغرب، وعلى مستوى الرأي العام الداخلي يريدون إظهار أنّ كييف لديها القدرة على ضرب أي بلد يدخل الحرب ضد أوكرانيا.

لكن إذا أردنا مناقشة الحقائق والأدلّة الموجودة، من الناحية العملية والوصول إلى المعلومات، فإن أوكرانيا لا تملك القدرة على تنفيذ مثل هذه العملية في إيران.

لكن، هل يُعقل أن تنفذ إسرائيل عملية ضد إيران نيابة عن دولة أخرى؟ من الصعب جدًا الإجابة على هذا السؤال. الإجابة عنه تتطلّب معلومات سرية وخفية في العلاقات الخارجية للحكومات الأخرى، وهو ما لا يمكن الوصول إليه. ولكن إذا أردنا التكهّن بإجابة هذا السؤال، فعلينا أن نرى ثمن العملية. إنّ مخاطر مثل هذه العملية عالية جدًا، وإذا أرادت حكومة ما تنفيذ مثل هذا العمل نيابة أو بأمر من حكومة أخرى، فستدفع تكاليف باهظة مقابل ذلك، وأهم تكلفة هي مخاطر الأمن القومي لمثل هذا الإجراء. لذلك، عادةً ما يكون من المستبعد عن أي الحكومة أن تفعل مثل هذا الشيء.

ما هو واضح، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الجديدة، أنّ مشكلة إسرائيل هي القضية النووية الإيرانية. بالإضافة إلى العمليات الإسرائيلية في إيران، فقد شهدنا في الماضي عمليّات تخريبية إسرائيلية ضد البرامج النووية للعراق وسوريا. كان الهجوم على مفاعل أوزيراك (مفاعل تمّوز) العراقي للطاقة، والهجوم على المنشآت النووية السورية في دير الزور، من الإجراءات التي نفّذتها إسرائيل في الماضي. وفي الستينيات، لعب التخريب في برنامج الصواريخ المصري دورًا رئيسًا. من الواضح أنّ سياسة إسرائيل الأساسية هي مواجهة برنامج إيران النووي، ومن غير المرجح أن تنفّذ عمليات في هذا الاتجاه بأمر من دولة أخرى.

كانت العلاقات بين إسرائيل وروسيا تتوسّع قبل حرب أوكرانيا. العلاقات الشخصية التي أقامها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جعلت هذه العلاقات أوسع. ما أثار استياء إيران هو موافقة روسيا، أو على الأقل لامبالاتها، وغض الطرف عن الهجمات التي نفّذتها إسرائيل في سوريا ضد مقرّات إيران ومصالحها.

بعد حرب أوكرانيا، كانت إسرائيل في موقف صعب، بسبب توسّع علاقاتها مع روسيا، وإذا دافعت عن أوكرانيا بشكل شامل، فإنّ علاقاتها مع روسيا ستتضرّر، ولأنّ إسرائيل في المجمع الغربي المحدد كان عليها أن تتعاون مع الغربيين لصالح أوكرانيا. يُشبه وضع إسرائيل وضع تركيا والهند، اللتين كانت لهما علاقات ودية مع كل من روسيا والغرب، وحاولتا المناورة في هذا البُعد.

بالطبع، قرّرت تركيا توفير طائرات من دون طيّار عسكرية لأوكرانيا خلال الحرب، لكنّ إسرائيل والهند تعهّدتا فقط بإرسال مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا. لكن بعد استمرار الصراع وتزايد الضغط الغربي وضعف روسيا، يبدو أنّ إسرائيل تميل إلى دعم أوكرانيا أكثر مما كانت عليه في الماضي. لكنني ما زلت أعتقد بأنّ إسرائيل ستكون حذرةً في هذا الصدد، لأنّ إسرائيل في المنطقة تحتاج إلى روسيا أكثر بكثير من حاجتها إلى أوكرانيا، وهي بطبيعة الحال لا تريد التضحية بعلاقاتها مع روسيا من أجل علاقاتها مع أوكرانيا.

صرّح معهد الدراسات الإستراتيجية في إسرائيل INSS – وهو واحد من أعرق مراكز الفكر ومعاهد البحث في إسرائيل – العام الماضي في نشرته السنوية عن الأمن القومي الإسرائيلي في عام 2022 – بوضوح وللمرة الأولى إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي التهديد الرئيس لأمن إسرائيل القومي، وقضية فلسطين والفلسطينيين هي الأولوية الثانية.

تُظهر هذه المسألة أنّ الخطاب الذي يعمل عليه نتنياهو منذ عقد مضى، داخل إسرائيل، أي “الرهاب من إيران”، وتقديم إيران كأكبر تهديد لإسرائيل، وصل إلى مستوى مراكز الفكر ومعاهد البحث. هذا يعني أنه ليس نتنياهو أو حزب الليكود فقط هو من يثير هذه القضية، لكنّ القضية قد ترسّخت على مستوى أوسع.

أصبحت قضية مواجهة البرنامج النووي الإيراني في إسرائيل قضية عابرة للأحزاب، حتى حكومة نفتالي يننت – يائير لابيد، التي كانت في السلطة، لم تنحرف بشكل جدي عن هذه السياسة بسبب عدد الخلافات الموجودة داخل الحكومة الإسرائيلية.

يجب أن نقول إنّ شدة ونطاق الحرب غير المباشرة في تزايد مستمر. إذا كانت هذه المواجهة في الماضي مقتصرة على إسرائيل وداخل إيران، بتنا نرى الآن أنها امتدّت إلى مستوى البحر الأحمر والخليج، وحتى البحر الأبيض المتوسط. تزداد حدة هذه المواجهة تدريجيًّا، ويزداد تواترها وتكرارها، ويتّسع نطاقها. يائير لابيد، الذي يُعتبر وسطيًا، مقارنةً بالسياسيين الإسرائيليين القوميين، قال بوضوح إن سياسة إسرائيل الرسمية ليست حلّ الدولتين، بل تطبيع العلاقات مع الدول العربية. من الواضح أنّ الهدف الأساس والرئيس لسياسة تطبيع العلاقات مع الدول العربية التي تدعمها الولايات المتحدة هو مواجهة إسرائيل لإيران بدعم من اللاعبين الإقليميين.

هذه القضية تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم. كما يجب أن أذكر إنه تم قبول إسرائيل كعضو مراقب في القيادة المركزية الوسطى للجيش الأميركي منذ فترة. أولئك الذين هم على دراية بهيكل القيادة المركزية، يعرفون أنّ هذه المسألة مهمة للغاية، لأنّ إسرائيل يمكن أن تستخدم المعلومات التي تمتلكها القيادة المركزية، وكيفية تنفيذ المهام والدوريات، لتنفيذ عمليات. يبدو أنّ هذه المواجهة في إسرائيل باتت أكثر علنية إلى حد ما، وبشكل متزايد وواسع النطاق.

في لقاء مسؤولي الأمن الإسرائيليين مع مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيك سوليفان، أدلى الأخير بتصريح تم تسريبه لوسائل الإعلام عن أنّ الجانبين لديهما خلافات بشأن برنامج إيران النووي، لكن رغم هذه الخلافات، فإنّ سياسة لا مفاجآت Zero Surprise مستمرّة.

قبل بضع سنوات، خلال حكومة نتنياهو السابقة، اتّفق الطرفان على أنه إذا نفّذت إسرائيل عملية ضد إيران، فعليها إبلاغ الأميركيين، حتى لا تتفاجأ واشنطن وتكون قادرة على إدارة ودعم هذه القضية على المستوى الدولي. برأيي، هذه السياسة الأميركية لا تزال سارية، لكن بالنظر إلى التطوّرات في قضية الاتفاق النووي، أي تراجع الأمل في إحياء الاتفاق، يبدو أنّ دافع الأميركيين لفسح المجال أمام إسرائيل لمواجهة إيران قد ازداد.

في ما يتعلّق بهذا الهجوم الأخير على إيران، قيل إن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز وراء ذلك في إسرائيل. أودّ أن أقول إن هناك علاقة مباشرة بين تقليص دوافع الغرب للتعامل مع إيران وزيادة التهديدات الإسرائيلية، وزيادة المواجهة بين الطرفين. وكلّما قلّ دافع الغرب للتعامل مع إيران، زادت إسرائيل من مستوى التوتر معها.

برأي بعض المحللين، فإنّ الأميركيين بدأوا خطتهم البديلة، أو الخطة B، من خلال دعم مباشر أو غير مباشر لأعمال إسرائيل، بعد زيادة خيبات الأمل في ما يتعلّق بإحياء الاتفاق النووي. ومع المعلومات المتوفرة لدينا الآن، لا يمكننا إعطاء إجابة بنعم أو لا على هذه المسألة. هناك فكرة منتشرة في الولايات المتحدة، وحتى في أوروبا، مفادها بأنه لا يمكن إحياء الاتفاق النووي بشكله السابق. هناك أشخاص ودبلوماسيون ومراكز أبحاث ومعاهد أبحاث في الولايات المتحدة وأوروبا كانوا يؤيدون إحياء الاتفاق النووي قبل عام، لكنهم يعتقدون اليوم بأنه لم يعد بالإمكان ذلك.

على سبيل المثال، يمكننا أن نشير إلى مؤسسة الأبحاث البريطانية المرموقة RUSI (Royal United Services Institute)، والتي نشرت مؤخرًا تقريرًا مفصلاً من 60 صفحة، يستند إلى مقابلات ميدانية، استنتجت فيه أنّ الغرب لم يعد بإمكانه جعل الاتفاق النووي (JCPOA) معيارًا وحيدًا لتوسيع العلاقات أو التعامل مع إيران.

أمس الأول، زار وزير الخارجية القطري طهران وأكد أنه نقل رسائل من دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة إلى إيران، وبالطبع أثيرت في محادثاته بعض الأفكار المتعلّقة بالحرب الأوكرانية. برأيك، ما علاقة هذه الرحلة بالوضع الحالي في المنطقة؟

عادةً ما تكون مثل هذه الرحلات مرتبطة بالقضايا الحالية في المنطقة، بما في ذلك المواجهة بين إيران وإسرائيل. إنّ ما طرحه وزيرا خارجية إيران وقطر بعد المفاوضات كان عامًّا ولم يذكر أي شيء عن تفاصيل الرسائل والمقترحات المحتملة، لكن كما هو واضح، في العام أو العامين الماضيين، لعبت قطر دورًا مهمًّا في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، كما قدّمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قطر كواحدة من حلفاء الولايات المتحدة من خارج الناتو.

تحسّن موقف قطر في واشنطن مقارنة بالإمارات والسعودية. نتيجة لذلك، يمكن اعتبار هذه الزيارة زيارة جادة، وعلينا أن نرى ما إذا كانت إيران ستستجيب بشكل إيجابي للاقتراحات المحتملة التي ستطرحها الولايات المتحدة أم لا.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: