الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 فبراير 2023 18:00
للمشاركة:

استهداف سفارة باكو في طهران.. مسار جديد في العلاقات بين إيران وأذربيجان

لعقود مضت، تحوَّلت مقرّات السفارات الأجنبية في إيران إلى مكان لتسوية الحسابات السياسية. فمنذ اقتحام السفارة الأميركية عام 1979 على يد عدد من الطلّاب، الذين اعتبروا ما حصل مبادرة ذاتية منهم من أجل استرداد الشاه محمد رضا بهلوي، وصولًا إلى الهجوم على سفارة أذربيجان من قبل مسلّحٍ بـ"دوافع شخصية"، مرورًا بأحداث السفارتين البريطانية والسعودية، تأثرت العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية، ما دفعها أكثر فأكثر نحو العزلة الدولية.

وباتت جدران سفارات الدول الأوروبية في إيران خلال الأسابيع الماضية نقطة جاذبةً لكتابة شعارات المتشددين في الداخل الإيراني، في حين لقي ما حصل في السفارة الأذربيجانية تفسيرات متباينة جدًا، من الانتقام الشخصي غير السياسي إلى “العمل الإرهابي”.

لكن بعيدًا عن المبررات والتفسيرات، هل سيؤثر ما حصل على العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران وأذربيجان؟

واجهت علاقات باكو وطهران خلال السنوات الماضية توترات عديدة. وبالتزامن مع توقف العمل في سفارة أذربيجان لدى إيران، يحمل افتتاح الأولى لسفارتها في إسرائيل معاني عديدة.

ورغم تأكيد مساعد وزير الخارجية الأذربيجاني خلف خلفوف أنّ تعليق أنشطة سفارة بلاده في طهران لن يؤثر على مسار عمل القنصلية في تبريز، ولا يشمل إخلاء القنصلية، يبقى الوضع المستجد بين الجانبين محط كثير من التساؤلات.

ولا يُخفى على أحد استياء باكو من مواقف طهران في منطقة القوقاز. ورغم أن أذربيجان كانت فرصة لإيران في علاقاتها الخارجية، إلا أنها تحوّلت إلى تهديد في السنوات الماضية، بعد أن دخل البلدان في مشاحنات كلامية غير مسبوقة.

فرئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني كمال خرازي اتهم سابقًا أذربيجان بالتمهيد للحرب، كما أجرى الجيش الإيراني مناورة بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين. بالمقابل، انتقد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بشدة مرات عديدة إيران وسياساتها، لكنه أشار إلى التزام إعلام بلاده ضبط النفس.

وخلال الأشهر الماضية، وعقب استمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران بعد وفاة مهسا أميني، نفَّذت إيران مناورتين عسكريّتين على الحدود مع كل من أذربيجان وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، أعلن الحرس الثوري عن استهدافه معاقل ومواقع خاصة بالجماعات الكردية المعارضة للحُكم في طهران والمتمركزة في إقليم كردستان – العراق بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة.

وتعتقد باكو أنّ الجمهورية الإسلامية تهدد أمنها القومي من خلال دعم الجماعات الإسلامية على أراضيها، كما أنها ليست راضية عن العلاقة بين إيران وأرمينيا والدعم الضمني ليريفان.

أما تطوّر العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان فقد بات ظاهرًا أكثر من أي وقت مضى. فباكو تزود الإسرائيليين بـ40% مما يحتاجونه من النفط الخام، كما تلعب دورًا مهمًا في أمن الطاقة لتل أبيب. من ناحية أخرى، تُعتبر أذربيجان أحد المشترين الأساسيين للأسلحة الإسرائيلية، وذلك منذ عام 2006.

أما الطائرات المسيّرة الإسرائيلية فقد كانت فعّالة للغاية في الحرب التي نشبت منذ سنوات في إقليم ناغورنو كاراباخ، واستمرّت 44 يومًا. وبين عامي 2016 و2020، وفَّرت إسرائيل نحو 69% من الأسلحة التي تحتاجها باكو.

بعد انتهاء حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، توسّعت العلاقات بين جارة إيران وعدوّتها أكثر من ذي قبل، لتنشط الشركات الإسرائيلية الآن في القطاع الزراعي الأذربيجاني.

وبالنظر إلى إرادة البلدين، سيزداد مستوى العلاقات وحجم التجارة بينهما مرة أخرى خلال العقد المقبل. بالطبع، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في عام 2021، بلغ حجم التجارة بين الطرفين 928 مليون دولار. ورغم أنّ إسرائيل فتحت سفارتها في باكو عام 1993، لكنّ الأخيرة لم ترد بالمثل على مدى العقود الثلاثة الماضية، وذلك لأسباب أمنية.

من جهة أخرى، تواصل طهران معارضة بناء ممر زانجزور الذي يُراد منه وصل أذربيجان بتركيا بريًا. كما أن موقف الجمهورية الإسلامية المختلف من التطورات في المنطقة جعل الشركات الإيرانية غير قادرة على المشاركة في عملية إعادة منطقة إعمار كاراباخ التي باتت تحت سيطرة باكو.

رغم كل ما سبق، يمكن لطهران وباكو إدارة التوترات الحالية في إطار مصالحهما الوطنية، شرط مراعاة المخاوف الأمنية المتبادلة، إضافة لتوفّر الرغبة المشتركة في ذلك.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: