الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 فبراير 2023 18:01
للمشاركة:

إيران وأذربيجان.. الطريق نحو الحرب

تُعتبر آسيا الوسطى امتدادًا تاريخيًا وحضاريًا لإيران، إذ كانت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية لعقود طويلة، مما أعطى للغة والحضارة الفارسيّتين أهمية خاصة فيها. ولعب موقع هذه المنطقة الإستراتيجي دور حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، مما أعطاها بُعدًا في تنافس الدول للتدخل فيها وتعميق نفوذها، لا سيّما إيران التي تراها حديقتها الخلفية.

تسعى الجمهورية الإسلامية اليوم للاستفادة من علاقاتها التاريخية والجغرافية والثقافية للتغلغل في دول آسيا الوسطى، وفرض وجودها وتحقيق مصالحها، خاصة بعد التوجه الإسرائيلي للتوسع فيها بهدف الضغط على إيران ومحاصرتها والتجسس عليها.

وفي هذا الإطار، ترى إيران أنّ أذربيجان هي أهم دول آسيا الوسطى، لأنها صلة الوصل بينها وبين أوروبا، وطريق الترانزيت نحو روسيا ودول أوروبا الشرقية، كما أنّ الغالبية القومية والطائفية الشيعية تعزز الطموح الإيراني في احتواء باكو وإبقائها بعيدةً عن المعسكر الغربي.

لكن طهران تواجه في طموحها هذا كلًا من تركيا وإسرائيل، اللتين تسعيان بدورهما إلى نشر نفوذهما بسرعة وقوة في البلاد لتحقيق أهدافهما الخاصة. إذ تسعى الأولى لدعم باكو ودفعها للسيطرة على كامل الشريط الحدودي مع إيران حتى منطقة ناغورنو كاراباخ، لتوحيد الدول التركية الأصل والوصول إلى بحر قزوين، وهو ما تعتبره طهران تجاوزًا لخطوطها الحمراء وتغييرًا للحدود الدولية. أما الثانية، فتسعى لزيادة نفوذها للتجسس على إيران وحصارها، وخلقة عداوة بين البلدين الجارين.

أسباب الخلافات

يعود أصل الخلافات بين البلدين إلى نقاطٍ عديدة، منها دعم إيران لأرمينا في الخلافات مع أذربيجان على ملكية إقليم ناغورنو كارباخ، واستياء الجمهورية الإسلامية من التقارب المتسارع بين باكو وتل أبيب، عدوّها اللدود، وكذلك تغلغل تركيا هناك، لتتحوّل البلاد إلى مركز للنفوذ الإسرائيلي والتركي، فضلًا عن دعم سكان محافظة أذربيجان الغربية الإيرانية الحدودية، وهو ما يثير مخاوف لجهة إثارة النزعات الانفصالية.

في المقابل، تعتبر باكو أنّ طهران تهدد أمنها القومي عبر دعم الجماعات الدينية فيها وتشكيل الفصائل المسلّحة المناهضة لحكومة إلهام علييف، فتسعى للاستعانة بتركيا وإسرائيل للحد من نفوذ إيران في منطقة آسيا الوسطى.

التقارب الإسرائيلي – الأذربيجاني

افتتحت إسرائيل سفارتها في باكو عام 1993، وطورت علاقاتها مع أذربيجان اقتصاديًا، أمنيًا وسياسيًا، حيث تعتبر تل أبيب أنّ جارة إيران شريك استراتيجي واقتصادي حيوي.

تل أبيب تحولت في هذا التقارب إلى أكبر مصدِّرٍ للسلاح إلى أذربيجان، كما زادت من وجودها العسكري في القواعد الجوية بهدف التجسس على إيران، وفق ما جاء في تقرير لمجلّة “فورين بوليسي” عام 2012.

لكن العلاقات بين تل ابيب وباكو ازدهرت في السنوات الأخيرة، لتعلن الأخير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 عن افتتاح سفارتها في إسرائيل، رغم تحذيرات طهران المتكررة لها.

الهجوم على السفارة الأذربيجانية وتصاعد التوتر السياسي

أعلنت وزارة الخارجية الأذربيجانية الجمعة 27 كانون الثاني/ يناير عن تعرّض سفارتها في طهران لهجوم مسلّح، مشيرةً إلى أنّ “رجلًا مسلّحًا ببندقية كلاشينكوف قتل رئيس حرس البعثة الدبلوماسية” وجرح حارسَين آخرين.

الشرطة الإيرانية أعلنت فور حصول الحادث القبض على المهاجم، ثم أكدت أن الهجوم تم بدوافع شخصية، حيث أنّ المهاجم أراد إنقاذ زوجته المختفية منذ أكثر من 10 أشهر، ظناً منه أنها متواجدة في مبنى السفارة. كما أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمر بإجراء تحقيق فوري وشامل في القضية، وأعرب عن تعازيه لحكومة أذربيجان ولعائلة الموظف الذي قُتل في الهجوم.

بدوره دان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الهجوم، مشددًا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستمرار عمل ونشاط السفارة والدبلوماسيين.

لكن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عبّر عن استيائه من الحدث، واصفًا الهجوم بالإرهابي، كما حمّل المتحدث باسم الخارجية الأذربيجانية ايخان حاجي زاده إيران المسؤولية الكاملة عن الهجوم.

بعد يومين من وقوع الهجوم، قالت وزارة الخارجية الأذربيجانية إنّها ستُجلي موظفي السفارة وعائلاتهم بتاريخ الأحد 29 كانون الثاني/ يناير. ثم حذّرت الثلاثاء 31 كانون الثاني/ يناير مواطنيها من السفر إلى إيران إلا عند الضرورة، نظرًا للوضع غير المستقر، مطالبة أولئك المتواجدين هناك بتوخي الحذر ومراعاة قواعد السلامة والأمن.

في وقت لاحق، صرّح نائب وزير الخارجية الأذربيجاني خلف خلفوف إنه تم إجلاء جميع موظفي السفارة الأذربيجانية وتعليق عمل البعثة الدبلوماسية بالكامل.

وعند استقباله موظفي السفارة الأذربيجانية العائدين من طهران، أضاف خلفوف أنّ الهجوم كان “عملًا إرهابيًا” لم تتوقعه باكو، ولا يمكن أن تقبل به، مذكّرًا بأنّ كل دولة مسؤولة عن تأمين السفارات الأجنبية على أراضيها بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

استفزازات عسكرية

أدت حرب كاراباخ الثانية وانتصار أذربيجان إلى توتر سياسي مع إيران التي ترى في تغيير الحدود خطًّا أحمر لأمنها القومي، فبدأت مرحلة جديدة من الاستفزازات العسكرية بين الطرفين.

وفي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أطلق الجيش الإيراني مناورات “فاتحو خيبر” العسكرية شمال غرب البلاد، أي على الحدود الأذربيجانية، بمشاركة ألوية من المدفعية والمدرّعات والطائرات المسيّرة. المناورات انطلقت بعد توترات على الحدود وفرض حكومة باكو تعريفات مشددة على الشاحنات الإيرانية التي كانت تنقل الوقود الإيراني إلى ناغورنو كاراباخ.

وعبّرت أذربيجان عن استيائها من المناورات الإيرانية، حيث علّق علييف بالتالي: “يمكن لأي دولة إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها، وهذا حقها السيادي. لكن لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟ لماذا تتم المناورات بعد أن حررنا هذه الأراضي عقب 30 عامًا من الاحتلال؟”.

استياء أذربيجان أخذ منحًى عمليًا، فبدأت باكو مناوراتها العسكرية بالاشتراك مع أنقرة قرب الحدود الإيرانية، لتتحول الحدود إلى لهيب من النار في شقيها.

ثم بدأت أذربيجان في 13 أيلول/ سبتمبر 2022 بشنّ هجمات على أهداف في جنوب أرمينيا، للسيطرة على ممر زانجيزور، الذي يقع على الحدود بين إيران وأرمينيا، ويربط بين أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان، لتبدأ التوترات من جديد، حيث أطلق الحرس الثوري الإيراني منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2022 مناورات واسعة على الحدود مع أذربيجان، مما أثار غضب باكو التي ما لبثت أن أطلقت مناورات جديدة على الحدود الإيرانية في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

في كانون الثاني/ يناير 2023، انتشر مقطع مصوّر على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر جنودًا إيرانيين يعبرون نهر أراس، في ما يشبه سيناريو غزو لأذربيجان. وتزامن تسريب هذا المقطع مع تعيين باكو أول سفيرة لها في تل أبيب، حيث اعتبرت وسائل الإعلام أن نشر الفيديو كان رسالة تحذيرية.

باكو نحو الحلف الإسرائيلي المعادي لإيران

ترى وسائل الإعلام الإيرانية أنّ أذربيجان أصبحت حديقة لإسرائيل وبابًا للتجسس على إيران، حيث اعتبرت صحيفة “جوان” الأصولية في تقرير لها نُشر في 2 كانون الثاني/ يناير 2023 أنّ “باكو وقعت في فخ تل أبيب وتحوّت إلى عميلة وشريكة لها، كما بدا في سلوكها الأخير تجاه طهران”، على حد تعبير الصحيفة.

وأضافت الصحيفة أنّ أذربيجان رفعت حادثة الهجوم على سفارتها، والتي تمّت بدافع شخصي، إلى مستوى الإبادة الجماعية من أجل الضغط على إيران، كما زعمت اعتقال 39 شخصًا بتهمة التجسس لصالح طهران، وقالت في الوقت نفسه إنها ستستخدم جميع المنصّات الدولية لإدانة الحادث الذي وقع في سفارتها، مما يدل على سعي باكو نحو تحقيق المشروع الإسرائيلي في المنطقة، برأي “جوان”.

وتابعت الصحيفة: “إنّ التوتر بين إيران وأذربيجان قد تصاعد في الأشهر الأخيرة بسبب التغييرات الجيوسياسية في القوقاز، وأخذ الآن أبعادًا واسعة بعد حادثة السفارة الأذربيجانية في طهران، على الرغم من أنّ كبار المسؤولين الإيرانيين قد طمأنوا السلطات الأذربيجانية، إلا أنّ الجار الشمالي غير راضٍ عن ذلك واتخذ مسارًا مختلفًا”.

ووصفت الصحيفة الأصولية ادعاء باكو بشأن اعتقال جواسيس إيرانيين بالإثارة للفتن الهادفة لتخريب صورة إيران في المنطقة وفي الساحة الدولية، وإظهارها على أنها تعطل النظام والأمن.

النفوذ العسكري الإيراني في أذربيجان

تُعتبر حركات “الوحدة الإسلامية” و”لواء حسينيون” من أهم التنظيمات العسكرية الأذربيجانية المعارضة التي دعمتها إيران على مدى السنوات الماضية، وتفيد تقارير إخبارية بأنّ الجمهورية الإسلامية نقلت مقاتلين من هاتين الحركتين إلى سوريا لتلقي التدريبات.

“لواء حسينيون” هو تشكيل مسلّح يقوده إبراهيم بيلي، وهو أذربيجاني منفي يعيش في إيران، ويتلقى دعمه وتمويله من الحرس الثوري الإيراني، فيما تعتبر مواقع إخبارية غير رسمية أن القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني هو المؤسس والراعي الحقيقي للواء “حسينيون”.

اتهامات لطهران بالتجسس على باكو

أعلنت السلطات الأذربيجانية الأربعاء 1 شباط/ فبراير عن توقيف واعتقال 39 شخصًا بتهمة التجسس لمصلحة إيران.

وكانت وزارة الداخلية في باكو قد أطلقت حملة ضد ما أسمتهم شبكات تجسس إيرانية، حيث تحدث وكالة “ترند” شبه الرسمية عن اقتحام الشرطة الأذربيجانية مقر قناة “انتر آز” ومقر موقع “سلام نيوز” وتوقيف سبعة أشخاص من دون الكشف عن هويتهم.

وكانت سلطات باكو قد أوقفت في تشرين الثاني/ نوفمبر 17 مواطنًا بتهمة الانتماء لمجموعات مسلّحة غير مشروعة، كما جاء في بيانٍ لجهاز الأمن الثلاثاء 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، مضيفاً أنه تم اعتقالهم بتهمة “الخيانة”.

ولفت البيان إلى أنّ ظاهر عسكروف هو أحد الجواسيس الذين وظّفتهم الاستخبارات الإيرانية أثناء تلقيه التعليم الديني في مدينة “قم” مقابل تلقّي أموال، ليقدّم لاحقًا معلومات عن الشركات ومكاتب تمثيل الدول الأجنبية النشطة في أذربيجان، بالإضافة إلى زمان ومكان التدريبات البحرية في بحر قزوين، وتفاصيل شحنات منصات النفط، وفق البيان.

وبحسب البيان فإنّ النور رسولوف، بختيار أقازاده، مير حافظ زاده، وعارف رسولف هم بقية أفراد المجموعة الذين قدموا معلومات عسكرية واستخبارية لإيران.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: