الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 يناير 2023 14:23
للمشاركة:

مفاتيح طهران للإفلات من العقوبات الأميركية

"العقوبات في يد العدو، وسبل الالتفاف عليها في يدنا. يجب عليه رفعها سريعًا، ويتوجّب علينا إفشالها". إنها عبارات من خطاب القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والتي وضعت أساس النهج الإيراني لمواجهة العقوبات الأميركية والإفلات منها.

وحوّلت طهران توجيهات قائدها الأعلى من مفاهيم نظرية إلى آليات وسبل عملية، بدءًا من تحويل اقتصادها إلى مبدأ “الاقتصاد المقاوم”، وصولًا إلى ابتكار آليات وشركات وإستراتيجيات للالتفاف على العقوبات وإفشالها في كافة المجالات، حتى أصبحت طهران ذات خبرة في هذا المضمار.

الاقتصاد المقاوم

هو إستراتیجیة وسیاسة اقتصادية متكاملة ومختلفة عن نظریات الاقتصاد الغربیة، طرحها خامنئي خلال خطاب له في أيلول/ سبتمبر 2010، داعيًا إلى اعتمادها كحل للإفلات من العقوبات الأميركية، موضحًا أهمية وقف التبعية للخارج والاعتماد على القدرات المحلية، ووقف رهان الميزانية على عائدات النفط، وتطوير الصناعة الداخلية.

في 18 شباط/ فبراير 2014، أوعز خامنئي إلى رؤساء السلطات الثلاثة، الحكومة، البرلمان والقضاء، بتنفيذ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم، التي تمّت صياغتها في مجمع تشخيص مصلحة النظام على الفور وبصورة مباشرة وفق جدول زمني محدد.

بناءً على هذه السياسات المكونة من 24 مادة، توجب زيادة إنتاج السلع الأساسية في الداخل، وخاصة السلع التي يتم توفيرها من خلال الواردات، كما ينبغي تنويع مصادر استيراد هذه السلع لضمان أمن الغذاء والدواء، ويجب إنشاء “احتياطيات إستراتيجية” لهذه السلع والمواد الخام اللازمة لإنتاجها، وزيادة دخل الحكومة من الضرائب، وزيادة حصة عائدات النفط التي تذهب إلى صندوق التنمية الوطني كل عام مقارنة بالعام السابق، حتى يصبح اعتماد الميزانية السنوية على الإيرادات النفطية صفرًا.

ووفق القرار أيضًا، يجب الحدّ من ضعف عائدات النفط من خلال اختيار “العملاء الإستراتيجيين”، تنويع أساليب البيع، إشراك القطاع الخاص في بيع المنتجات النفطية، زيادة تصدير الغاز والكهرباء والمنتجات البتروكيماوية، شفافية نظام التسعير في الدولة وتحديث طرق مراقبة السوق، تخفيض النفقات العامة للبلاد، إزالة الأجهزة الموازية للحكومة أو غير الضرورية، إنهاء النفقات غير الضرورية، زيادة تصدير السلع – خاصة السلع القائمة على المعرفة – وتحقيق المرتبة الأولى في الاقتصاد المعرفي في المنطقة.

إيران والعملات المشفرة

تؤكد الدراسات الأخيرة أنّ 4.5% من إجمالي تعدين عملة “بتكوين” يجري في إيران، بينما تشير إحصاءات وزارة الصناعة الإيرانية إلى أنّ هذه النسبة تتجاوز 7.5%، مما يدرّ مئات الملايين من الدولارات على شكل عملات مشفّرة يمكن استخدامها لتمويل الواردات، كجزء من الخطط المتّبعة للالتفاف على العقوبات الأميركية.

وبحسب تقرير لشركة “إليبتيك” للتحليلات، فإنّ إنتاج إيران من “بتكوين” يعادل إيرادات بنحو مليار دولار سنويا، وفق مستويات الاستخراج الحالية.

كما أعلن علي رضا بيمانباك، نائب وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية، عن التفاوض مع نحو خمس دول، بما في ذلك الصين وروسيا، للتداول بالعملات الرقمية بهدف تجاوز العقوبات الغربية.

وفي مقابلة مع صحيفة “شرق” الإيرانية في 21 تموز/ يوليو، أضاف بيمانباك: “المفاوضات الرئيسية كانت من أجل تجارة السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الملابس والأحذية، وصناعة المواد الغذائية بالعملات الرقمية”.

وجاء في تصريحات بيمانباك أنّ طهران توصّلت إلى اتفاقيات جيّدة مع الجانب الروسي في استخدام العملات المشفّرة للتعامل مع العقوبات.

التبادل بالعملات الوطنية

تعمل إيران منذ سنوات على توقيع اتفاقيات تعاون مع بعض الدول، كروسيا وتركيا، للتبادل التجاري عبر العملات الوطنية، بعيدًا عن الدولار واليورو والعقوبات الأميركية.

ووقّعت إيران اتفاقيات عدة مع روسيا للتعاون المالي والمصرفي. وفي هذا السياق قال رئيس مجلس الدوما الروسي فياشيسلاف فولودين الاثنين 23 كانون الثاني/ يناير إن التجارة بين روسيا وإيران ازدهرت خلال عام 2020 وازدادت بنسبة 15%، لتصل قيمتها إلى 4.6 مليار دولار.

وتابع: “من المهم استخدام العملات الوطنية بشكل أكثر نشاطًا في التبادلات التجارية، حيث تم بالفعل إنجاز الكثير من العمل في هذا المجال، والآن تتجاوز حصة الروبل والريال في التسويات المتبادلة 60٪. يقلل هذا من تأثير العقوبات، ويعالج أيضًا القضايا المتعلّقة بالتعاون متبادَل المنفعة، كما يتم الانتهاء من العمل على الاستخدام المشترك لأنظمة الدفع الوطنية في كلا البلدين”.

کما تم توقیع عدد من الاتفاقیات مع ترکیا للتبادل التجاري عبر العملات الوطنية، لكن لا یوجد إحصاءات رسمیة عن حجم التبادل في هذا الإطار.

اتفاقيات إستراتيجية

عملت إيران على جلب الاستثمارات الشرقية من حلفائها، روسيا والصين، لتعويض الاستثمارات الغربية التي خرجت من أراضيها بعد تشديد العقوبات الأميركية، إذ ترى طهران أنّ هذه الاتفاقيات يمكن أن تشكل ركنًا أساسيًا في مواجهة العقوبات الأميركية والالتفاف عليها.

إضافة إلى ذلك، وقّعت إيران والصين في 27 آذار/ مارس 2021 على اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي لمدة 25 عامًا لتعزيز العلاقات الثنائية، تضمّنت التزام الصين باستثمار 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني خلال مدة الاتفاقية، مقابل أن تمد إيران الصين بإمدادات ثابتة ورخيصة من النفط الخام.

وفي التفاصيل، تتعهّد الصين باستثمار مبلغ 280 مليار دولار أميركي في تطوير القطاعات النفطية والبتروكيماوية الإيرانية، إضافة إلى استثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار، لتحديث البنية التحتية الإيرانية في قطاعات النقل والتصنيع.

ورغم عدم الكشف عن تفاصيل الاتفاقية، وعدم تطبيق أي من بنودها على أرض الواقع، إلا أنّ وسائل الإعلام الإيرانية تشدّد على أهميتها في عملية الإفلات من العقوبات، فمن جهة الاقتصاد الروسي هو ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ومن جهة أخرى تُدخل الاتفاقية إيران ضمن مشروع مبادرة الحزام والطريق الصينية.

الاتفاقيات مع روسيا

أعلنت وزارة النفط الإيرانية عبر موقعها الالكتروني أنّ إيران وقّعت اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع روسيا، من دون الكشف عن تفاصيل الاتفاقية، مضيفة أنّ الوثيقة وقّعها نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير النفط الإيراني جواد اوجي، في اجتماع للّجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي.

لاحقاً صرّح وزير النفط الإيراني جواد اوجي لوكالة “ايسنا” الإيرانية أنّ شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وقّعت مع شركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار، وهي أكبر صفقة استثمار أجنبي في تاريخ الصناعة النفطية الإيرانية.

بدوره، لفت نائب وزير النفط الإيراني محسن خاجسته مهر إلى أنّ الصفقة تشمل تطوير ثلاثة حقول غازية، وستة حقول نفطية إيرانية، كاشفاً إنّ هذه الحقول هي حقل “بارس الشمالي”، “كيش” و”بارس الجنوبي”، أما الحقول النفطية فهي “منصوري”، “أب تيمور”، “كرنج”، “آذر” و”جنغوله”، حيث ستستثمر الشركة الروسية عشرة مليارات دولار في هذه الحقول، فضلاً عن 15 مليار دولار لزيادة الضغط في حقل “بارس الجنوبي” وفي مجالات المنتجات النفطية وإكمال مشاريع نفطية وغازية أخرى.

نقل الأموال من وإلى الداخل الإيراني

تعتمد إيران على مئات الشركات الوهمية والحقيقية المختصّة بالتجارة والصرافة لنقل الأموال لداخل إيران أو إلى خارجها، وذلك عبر ثلاثة دول وسيطة، هي الإمارات العربية المتحدة، العراق وتركيا.

وكشفت وكالة المخابرات الكندية في 20 كانون الثاني/ ديسمبر 2019 عن أنّ المستثمر الإيراني المهاجر علي رضا عنقاني، الذي يملك شركة ONG للصرافة في العاصمة الكندية تورونتو، ساعد الحكومة الإيرانية في نقل ملايين الدولارات من وإلى الداخل عبر دبي.

دبي.. الممر الذهبي إلى طهران

تُعتبر الإمارات العربية المتحدة المركز الاول والرئيسي للواردات الإيرانية من أوروبا والولايات المتحدة الاميركية، إذ استوردت إيران في الأشهر من آذار/ مارس إلى أيلول/ سبتمبر 2022 ما مجموعه سبعة مليارات و206 ملايين دولار، معظمها من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، قطع الغيار، العطور والمواد الغذائية.

دبي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مركز للترانزيت التجاري من أوروبا والولايات المتحدة وبعض دول آسيا، مثل كوريا الجنوبية واليابان نحو إيران، كما ارتفعت نسبة الشركات الإيرانية في الإمارات والشركات الوسيطة التي يملك الإيرانيون أسهمًا فيها، مما حوّل دبي لأهم مركز لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات واستيراد ما تحتاجه بشكل غير مباشر، عبر حِوالات غير رسمية يتم نقلها عبر السفن، أو عبر الجو من خلال بعض رجال الأعمال.

مكانة دبي التجارية بالنسبة لإيران ودخول كمية كبيرة من العملة الأجنبية عبر هذه الإمارة، جعل الدرهم الإماراتي يحتل مكانة مرموقة في الاقتصاد الإيراني، حتى أنّ قيمة الدولار واليورو في إيران ترتبط بقيمة الدرهم الإماراتي في البنك المركزي الإيراني.

تركيا والتحويلات

تحوّلت تركيا إلى مركز رئيسي لهجرة الإيرانيين، وخاصة التجار والمستثمرين الذين يشترون العقارات هناك للحصول على الاقامة أو الجنسية التركية. وتستخدم إيران هؤلاء الأشخاص لمساعدتها على نقل الأموال إلى الداخل والخارج عبر مكاتبهم للتجارة والعقارات والصرافة في تركيا.

وكشفت صحيفة “التايمز” البريطانيّة عن استفادة طهران من هجرة الأعداد المتزايدة من الإيرانيين إلى تركيا، كوسيلة للالتفاف على العقوبات، حيث تقوم شبكة الصرافة والتحويل، ومعظمها في مدينة اسطنبول، بنقل الأموال من الحسابات في إيران، إلى الخارج والعكس. وتتم التحويلات عبر الحدود من دون المرور بأنظمة تخضع لرقابة الولايات المتحدة.

آلية “إنستكس” الأوروبية للتبادل التجاري

هي آلية مالية خاصة لدعم التبادل التجاري، أسستها فرنسا، ألمانيا وبريطانيا في 31 كانون الثاني/ يناير 2019 لتسهيل التبادل التجاري مع إيران بعملات غير الدولار، لكنّ عمل هذه الآلية اقتصر على السلع الإنسانية، الأدوية والمواد الزراعية، لذلك فهي لا تلبّي طموح طهران، لكنها تبقى نافذة من النوافذ التي تستعين بها الأخيرة وقت الحاجة للإفلات من العقوبات الأميركية.

الهدف من الآلية هو ايجاد قناة مالية توفّر الإمكانية للشركات الإيرانية الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على القنوات المالية مع إيران، سواءً عبر نظام المقايضة للبضائع أو المدفوعات، أو إجراء المعاملات التجارية بعملات غير الدولار.

الالتفاف على عقوبات تصدير النفط والغاز ومشتقاتهما

تعمل إيران على بيع النفط عبر شركات وهمية، أو شركات وسيطة، وتجّار أجانب متواجدون في إيران وخارجها، وعبر سماسرة في السوق المحلية والخارجية، كما تستعين ببعض الدول، مثل تركيا والعراق، لمساعدتها على تصدير النفط والغاز ومشتقاتهما للدول الأخرى، إضافة إلى اتباع طريقة ذكية لإخفاء شحنات النفط، عبر نقلها لأكثر من سفينة في عرض البحر، وبالتالي قطع طريق المراقبة أمام شركات التتبع البحري والتتبع عبر الـ GPS، كما تقدم خصومات كبيرة للزبائن وتسهيلات للسداد.

كذلك تقوم إيران سرًّا وعلنًا بتصدير النفط للصين، فنزويلا وسوريا عبر البحر بواسطة سفنها أو سفن تحمل أعلام دول أخرى.

خلط النفط الإيراني مع العراقي وتصديره عبر العراق

تشير معلومات إلى أنّ إيران تنقل نفطها إلى العراق، وتقوم بخلطه مع نفط عراقي للحصول على مزيج مُختلف عن النفط الإيراني، ثم تعيد تصديره على أنّه نفط عراقي. كما تفيد تقارير إعلامية بأنّ طهران افتتحت في شهر أيار/ مايو 2021 مكتباً لشركة النفط الإيرانية في العراق.

استخدام علم بنما لبيع النفط الإيراني


أعلنت وكالة “رويترز” إنّ الإدارة البحرية في بنما ألغت حق استخدام علمها لـ136 ناقلة نفط مرتبطة بشركة النفط الوطنية الإيرانية.

وجاء في تقرير الوكالة، الذي نُشر يوم الأربعاء 18 كانون الثاني/ يناير، أنّ قرار بنما اتُّخذ بسبب اكتشاف تسجيل إيران للشركات في هذا البلد للالتفاف على العقوبات.

استخدام الشركات الوسيطة

كشف وزير الطرق وإعمار المدن الإيراني رستم قاسمي فی تصریحات عام 2021 أنّ إيران تتجاوز العقوبات على تصدير النفط عبر مجموعة من الشركات التي تُسجَّل بأسماء رعايا أجانب، مضيفاً أنّ هذه الشركات يتم تسجيلها وتثبيتها بتصريحات استثنائية من مجلس الأمن القومي بهدف بيع وتصدير النفط الإيراني وجمع عوائده.

الصادرات النفطية السرية للصين

ردَّ رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية المشتركة مجيد رضا حريري، في أيلول/ سبتمبر 2021، على تقرير غرفة تجارة طهران، الذي جاء فيه أنّ إجمالي صادرات النفط الإيراني إلى الصين في الأشهر السبعة الأولى من العام 2021 قد بلغ عشرة ملايين و900 ألف دولا، مشيرًا إلى أنّ التحايل على العقوبات وإحصائيات بيع النفط الإيراني بشكل عام، بما في ذلك النفط المُباع للصين، هي مسألة سرية ولا يمكن لأحد الاطلاع عليها.

وأضاف حريري أنّ تقرير غرفة تجارة طهران يستند إلى إحصاءات الجمارك الصينية، التي تعلن بدورها رسميًا عن جزء صغير من كمية النفط المشتراة من إيران، في حين أنّ المبيعات الإيرانية في العالم أعلى بالتأكيد من هذه الأرقام بكثير.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: