الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 يناير 2023 16:53
للمشاركة:

طهران ودمشق تتجاوزان عتابا متبادلا.. وهل يطرق التطبيع باب الأسد؟

التطبيع الاقليميّ شرط بديهيٌّ لنقل سوريا من وضعها المأزوم والسيّء حاليًا، على مختلف المستويات، إلى وضعٍ أقلَّ سوءًا. وبمعزل عن شروط تحقّق هذا الأمر بعبارته المقلقة، هذا ما يسمعه المسؤولون السياسيون في سوريا، وما تقوله جهرًا وإخفاتًا، فئة وازنة من السوريين.

التطبيع هنا، ليس محصورًا باتجّاهٍ واحد. لا يجد سوى هذا الخطاب مقبوليّةً عند الأعمّ الأغلب من الشعب السوريّ المنهك بأزماته اليومية المتجذّرة. ولعلّ منصّات التواصل الاجتماعي ووجهات “النخب” السورية خارج البلاد، نحو الإمارات العربية المتحدة خصوصًا، تُفسّر ميل معظم السوريين إلى القناعة بجدوى التسويات، بمعزلٍ عن نتائجها ومدياتها.

هناك حاجة للتطبيع مع تركيا ينتظر الرئيس السوري بشار الأسد توقيتها المناسب، الذي يُفترض أن يُؤمّن لدمشق أكبر ما يمكن حصده من الرئيس التركيّ القلق رجب طيب إردوغان التوّاق أيضًا لحصاد مماثل يصرفه في الداخل التركي. وهناك، أيضًا، وسوسة للتطبيع مع إسرائيل تنقلها الزيارات الأخيرة لمسؤولين إماراتيين إلى دمشق. انتظار الافصاح عن ذلك رسميًا من الجانبين هو مضيعة وقت. وكذلك، فإنّ حصر تحليل الزيارات الإماراتية للرئاسة السورية بما يسمّى “فكّ عزلة سوريا”، والصراع المشترك لنظامي البلدين مع الفكر الإسلاميّ الإخواني، هو اجتزاء مضرٌّ لفهم الوقائع والسياقات الاقليمية. في التطبيعين المطروحين، ثمّة ما يقلق إيران ولو بدرجات متفاوتة.

“نقل عبد اللهيان للأسد عتبًا إيرانيًا سببه تجاهل طهران من الوساطة التي تُطبخُ على نارٍ متوسطة بين دمشق وأنقرة. هذا العتب كانت إيران قد أرسلته قبل زيارة عبد اللهيان عبر قنوات دبلوماسية دائمة مع دمشق”

حطّت طائرة وزير الخارجية الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان في دمشق، بينما كانت الأنظار تتجه إلى مصير لقاءٍ مفترضٍ بين نظيريه السوري والتركي بوساطة نظيرهم الروسي. وفق مصدرٍ إيرانيٍّ موثوق، نقل عبد اللهيان للأسد عتبًا إيرانيًا سببه تجاهل طهران من الوساطة التي تُطبخُ على نارٍ متوسطة بين دمشق وأنقرة. هذا العتب كانت إيران قد أرسلته قبل زيارة عبد اللهيان عبر قنوات دبلوماسية دائمة مع دمشق. بادلتها عاصمة الأمويين، وفق المصدر نفسه، عتبًا مرتبطًا بتجميد شحنات المحروقات التي كانت ستتوجه إلى سوريا، وعتبًا على الربط الإيراني بين إمداد شرايين الدولة السورية بما يعينها على ضبط الأزمة الاقتصادية والنفطية قدر الإمكان، وبين استثناء وزير الدفاع الإيرانيّ الجنرال رضا آشتياني من اجتماع وزراء الدفاع (السوري والتركي والروسي) في موسكو.

مثل هذا التباين ليس جديدا في مسار الحلف الايراني السوري. يمكن تجاوزه بخطواتٍ يستطيع مختلف الأطراف أخذها، وهذا ما حصل فعلًا وترجمه نقلُ عبد اللهيان رسالة سورية إلى تركيا التي زارها بعد دمشق. النظام السوري يحتاج دوراً إيرانيًا في مسألةٍ حساسة لديه، تضبط إيقاعها بالدرجة الأولى المصالح الروسية التركية وتقاطعاتها في ملفاتٍ تتجاوز أهميّةً الملف السوريّ على أهميّته، وهنا تكمن الحاجة لطهران كصمام أمّانٍ في هذه الفترة، لما يمكن أن تقدّمه سياسيًا واقتصاديًا (برغم أزمتها العميقة) بحيث لا تُتركُ المكانة السورية لوضع يشبه سيناريو خروج الجماعات المسلحة من مدينة حلب نهاية عام ٢٠١٦. حينها كان الاتفاق الروسي التركي حجر الأساس، وهو ما رفضته إيران بلغة الرصاص وأفهمه قائد القوات الإيرانية في سوريا آنذاك جواد غفاري للجميع حينها.

تُرحّب إيران بتحسّن العلاقات التركية السورية طالما أنّه لا يُهمّش حضورها في سوريا. الحاجة الروسية لإنجاح التطبيع السوري التركي من المرجّح أن تحتّم على موسكو، في نهاية المطاف، صرف حصّة من الرصيد لإيران، خصوصًا وأن مصالح البلدين تعمّقت أكثر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. كذلك فإن حاجة الرئيس التركيّ لتقدم ملموس مع دمشق ستحتّم عليه قبول دور إيراني يقبله الجميع أصلًا في مسار أستانة. من هنا، وفق المصدر نفسه، ستُتركُ الوساطة لديناميّاتها الطبيعية والمعقّدة بين أطرافٍ بات واضحًا اجتماعهم على مصلحةٍ موّحدة تتمثّل بإخراج الولايات المتحدة من الحلّ السوريّ، وبلغةٍ واقعيّةٍ أكثر، تخفيف النفوذ الأميركي قدر الإمكان.

في الزواية الأخرى، تبدو الأزمة أشدّ تعقيدًا. الكتمان السوري الإماراتي المستمر حول مضامين المحادثات بين الجانبين، أول الإشارات على خطورة موضوع المباحثات. الكتمان المحيط بالعلاقة السورية السعودية يشي أيضًا بوجود مسعى لإنضاج علاقات بمعايير جديدة، وفي الطريق إليها يفتح الطرفان أبوابهما للزيارات غير المعلنة، وآخرها زيارة رئيس إدارة المخابرات العامة السورية الجنرال حسام لوقا إلى الرياض، بهدف تسهيل حصول دمشق على قطع غيار للطيران المدني.

وعلى افتراض صحّة ما يتردّد في الأحاديث غير الرسمية، فإن خيار التطبيع قد وضعَ أمام دمشق عبر صندوق البريد الإماراتي. لا جواب سوريًّا حتى الآن. وبمعزلٍ عن ماهية الجواب، فإن أمام دمشق معركة مقبلة مهما كان الخيار. لقبول التطبيع وإن على مراحل طويلة كلفته الباهظة، ولرفضه كلفة باهظة اختبرتها في سنوات الحرب. تجارب التطبيع حتى الآن لا تدعو للتفاؤل وكذلك فإن تجارب الصمود بلا مقدّراتٍ تعين الناس عليه تبدو وكأنها معبر ممكن جدا لأزمة داخلية تعيد إنتاج التدخل الخارجي بطرق مختلفة.

“دمشق تسمع كلّ شيء اليوم قبل أن تُقرّر. الحرب لم تفقدها هذه الحاسة. وليس بالضرورة أن تأخذ خيارًا متطرفًا. شراء الوقت ممكن أيضًا باللعب على التوازنات، لكن اللعبة هذه المرّة ستكون أكثر دقّة وأخطر”

في المحصلة، قبل الجواب السوري، وإن طال، فإن العاصمة السورية تترقّب معضلة الاختيار. الحاسم في ما يجري كان اللغة التي تحدث بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير. بوضوحه المعتاد قال: “يجب عدم بناء رؤية اقتصادية وفق حسابات سياسية خاطئة أنه ستكون هناك تسوية في المنطقة. يجب بناء الرؤية الاقتصادية على أنه لا استقرار في ظل الصراع مع العدو الإسرائيلي”. وبوضوح تراكمي نقرأ ما صرّح به وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان حين قال: “التطبيع مع إسرائيل لن يأتي من دون إقامة دولة فلسطينية”.

دمشق تسمع كلّ شيء اليوم قبل أن تُقرّر. الحرب لم تفقدها هذه الحاسة. وليس بالضرورة أن تأخذ خيارًا متطرفًا. شراء الوقت ممكن أيضًا باللعب على التوازنات، لكن اللعبة هذه المرّة ستكون أكثر دقّة وأخطر. كما أن السؤال الذي يصحّ منطلقًا للمزيد من النقاش: ماذا تريد موسكو التي تسقط اليوم مسار حربها في أوكرانيا على كل شيء؟

*تم نشر هذا المقال بالتزامن مع موقع 180

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: