الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 يناير 2023 12:27
للمشاركة:

أزمة غاز في المحافظات.. الشتاء القاسي يضرب إيران

توقّع المسؤولون في إيران شتاءً قاسيًا وأزمة غاز في أوروبا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا؛ لكنّ برودة الشتاء حلّت في بلادهم، حيث تسبّب نقص إمدادات الغاز في الأيام الأخيرة بتعطّل المراكز الحكومية والبنوك والجامعات والمراكز الصناعية في معظم المحافظات، على رأسها العاصمة طهران.

وأعلنت 22 محافظة من أصل 31 في إيران يوم الجمعة 13 كانون الثاني/ يناير تعطيل الدوائر الحكومية والمراكز التعليمية يوم السبت، ثم تم تمديد العطلة ليوم الأحد من أجل استمرار تخفيف الضغط على إمدادات الغاز بعد أن شهدت بعض المناطق انقطاعًا في هذه المادة أو انخفاضًا فيها داخل معظم المحافظات، وذلك بسبب موجة البرد التي ضربت البلاد وأوصلت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مما أدى إلى ارتفاع استهلاك الغاز المنزلي الذي يستحوذ على حصة الأسد من الاستهلاك المحلي.

أزمة الغاز تسببت بجدل كبير داخل البلاد، فاعتبرت الصحف الإصلاحية أنّ السبب يعود إلى تقصير الحكومة وعدم كفاءة مسؤوليها، بينما رأت الصحف الأصولية أنّ الأزمة تعود لانخفاض الحرارة الشديد وعدم وجود مخازن للغاز، الأمر الذي أرجعته إلى سياسات الحكومة الإصلاحية السابقة برئاسة حسن روحاني.

إنتاج واستهلاك الغاز في إيران

أعلن وزیر النفط الإيرانی جواد اوجي یوم الأحد 15 کانون الثاني/ ینایر أنّ إيران طوّرت وأصلحت منشآت إنتاج الغاز، ووصلت لمستوى إنتاج 990 مليون متر مكعّب من الغاز يوميًا، أي ما يقارب 848 مليون متر من الغاز المحلّي، مضيفًا أنّ البلاد استهلكت نحو 700 مليون متر مكعب من الغاز خلال الأيام الماضية بسبب البرد الشديد.

في غضون ذلك، أكد هادي بيكي نجاد عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني أنّ عجز الغاز في البلاد بات يشكل قضية واضحة بحد ذاتها يمكن للجميع رؤيتها، موضحًا أنّ وزارة النفط تُدخل 780 مليون متر مكعّب من الغاز في الشبكة الوطنية للبلاد كل يوم، لكن في الأيام الأخيرة تم استهلاك أكثر من 600 مليون متر مكعب من الغاز في القطاع المنزلي فقط، وأكثر من 100 مليون متر مكعب استُخدمت في أغراض مثل الصناعات ومحطات الكهرباء.

أزمة غاز في المحافظات.. الشتاء القاسي يضرب إيران 1
مخطط استهلاك وإنتاج الغاز في إيران على مدى السنوات العشر الماضية

وفي هذا الإطار، يُذكر أنّ احتياطيات الغاز في إيران تبلغ نحو 33 ألف مليار متر مكعب، مما يعادل 17٪ من احتياطيات الغاز في العالم، وهي بالتالي تملك ثاني أكبر احتياطيات هذه المادة في العالم، أي قبل قطر وبعد روسيا. 

أيضًا تُعَدُّ إيران ثالث أكبر منتج للغاز في العالم، حيث يصل إنتاجها إلى 257 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، أي ما يعادل 6.4٪ من إجمالي الإنتاج العالمي، كما أنها تستهلك 241 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 6٪ من إجمالي الاستهلاك العالمي، لذلك هي رابع مستهلك للغاز في العالم. وبحسب الإحصائيات العلنية لاستهلاك الغاز، فإنّ إيران لا تصدِّرُ سوى جزء صغير من إنتاجها، أي ما يعادل 16 مليار متر مكعب، حيث تحتل المرتبة 16 في العالم من حيث التصدير.

تراجع صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا

أعلنت شركة بوتاش التركية في 7 كانون الثاني/ يناير إن كمية الغاز التي تُضَخ من إيران إلى تركيا انخفضت بسبب خلل في الشبكة الإيرانية، مضيفةً أنّ السلطات التركية حثت إيران على حل المشكلة في أقرب وقت ممكن، حيث أنّ الأخيرة هي أكبر مورّد للغاز إلى تركيا بعد روسيا، إذ شحنت 9.43 مليار متر مكعب في عام 2021، وفقًا لبيانات هيئة تنظيم الطاقة التركية.

في السياق نفسه، تحدثت مواقع إخبارية إيرانية عن توقّف تدفق الغاز لمعامل الصلب والتعدين، وانخفاض إمداد عدد كبير من الشركات الصناعية على إثر أزمة الغاز.

كما قال عباس بارزي نائب رئيس اللجنة الصناعية في غرفة إيران للتجارة إنّ تدفق الغاز إلى مصانع الصلب تراجع إلى الثلث، وتوقفت بعض الأقسام الصناعية عن العمل.

أسباب الازمة

  • ارتفاع استهلاك الغاز المنزلي

بحسب عضو البرلمان الإيراني هادي بيكي نجاد، فإنّ إيران تُنتج وتوزّع نحو 850 مليون متر مكعّب من الغاز، في حين أنّ الشبكة المنزلية تستهلك 680 مليون متر مكعب، وتحتاج محطات الطاقة إلى 300 مليون متر مكعب، مما يعني أنه إذا لم يُعطَ شيء للصناعات والمصافي والصلب والإسمنت، وتم توزيع الغاز فقط فقط على محطات الكهرباء والقطاع المنزلي، فسيكون إجمالي الحاجة هو 960,980 مليون متر مكعب.

نتيجة لذلك، فالبلاد بحاجة لنحو مليار متر مكعب من الغاز يومياً، لذلك يصبح من الطبيعي أن تواجه أزمة غاز.

  • انقطاع الغاز التركماني

قطعت تركمانستان يوم الجمعة 13 كانون الثاني/ يناير الغاز عن إيران بسبب مشاكل في الشبكة المحلية، حيث كانت إيران تستورد الغاز من تركمانستان لتغذية المحافظات الشمالية الشرقية (خراسان رضوي –مازندران – جلستان)، بسبب بعد هذه المناطق عن مراكز استخراج الغاز الإيراني جنوب غرب البلاد. ويتم هذا الاستيراد بموجب اتفاقية التبادل الموقّعة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حيث تستورد إيران الغاز وتسلّم الكمية نفسها إلى أذربيجان في شمال غرب البلاد.

قطعُ الغاز التركماني تسبب بنقص شديد في إمداد هذه المحافظات، وخاصة خراسان التي عانت من انخفاض درجات الحرارة لما يقارب 28 درجة تحت الصفر، بينما أعلن وزير النفط الإيراني جواد اوجي إنّ بلاده تحاول تعويض الغاز التركماني.

  • الهدر

وفقًا لإحصاءات البنك الدولي ووكالة الطاقة الدولية ووزارة النفط الإيرانية، يتم حرق وهدر ما يقرب من 50 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني المنتج في مرحلة الإنتاج بسبب عدم تركيب معدات التجميع في حقول النفط، وبذلك تبلغ القيمة السنوية لخسائر الغاز الإيراني في مرحلة الإنتاج نحو 20 مليار دولار، وفي مرحلة النقل والتوزيع نحو 8 مليارات دولار.

  • مشكلة التخزين

أشار نائب وزير النفط السابق حمید رضا عراقي إلى أهمية وضرورة تخزين الغاز، مبيّنًا أنّ هناك مخزنين في الوقت الحالي في مدينتَيْ صرخس وقم، داعيًا لزيادة التخزين حتى يمكن جمع كمية أكبر في الصيف والاستهلاك في الشتاء.

كذلك أرجعت صحيفة “وطن امروز” الأصولية نقص إمدادات الغاز هذه الأيام في إيران لسياسات الحكومة السابقة، وخاصة وزير النفط بيجن زنغنه.

واعتبرت الصحيفة أنّ تصفية شركة تخزين الغاز في حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني هي من أهم عوامل الاضطرابات الأخيرة في شبكة الغاز الداخلية.

ووفق الصحيفة، فإنّ 90٪ من غاز البلاد يُنتج في المناطق الجنوبية، بينما 80٪ من الاستهلاك يأتي من المناطق الشمالية من البلاد، لافتةً إلى أنّ ذلك يؤدي إلى استغراق وصول الغاز المنتج في الجنوب إلى المستهلك في الشمال من يومين إلى ثلاثة أيام.

  • العقوبات الأميركية وضعف الاستثمار

تسبّبت العقوبات الأميركية المكثّفة على طهران بتهالك المنشآت النفطية ومنصّات استخراج وإنتاج النفط ومشتقاته، حيث شهدت بعض حقول النفط والغاز تراجع الضغط وضعف الإنتاج، وبدت بحاجة إلى التطوير والتحديث والاستفادة من التقنيات والتكنولوجيا المتطوّرة لتعود لقدرتها على تغطية احتياجات البلاد الداخلية والتصدير للخارج.

وتسعى إيران لتجاوز العقوبات وتطوير بنيتها التحتية في هذا المجال، ما دعاها لتوقيع صفقة كبرى بقيمة 40 مليار دولار مع شركة “غاز بروم” الروسية لتوسيع وتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية، خاصة حقل بارس الجنوبي المشترك مع قطر.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: