الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 يناير 2023 12:25
للمشاركة:

تهديدات تزداد حدة كل يوم

دعا الخبير في العلاقات الدولية جقارد منصوريان، في مقال له على موقع "إيران دبلوماسي"، الساسة الإيرانيين لاتخاذ إجراءات أكثر جدية وصرامة في مواجهة التهديدات الآتية من أذربيجان، والتي رأى فيها خطرًا على الأمن القومي ووحدة الأراضي الإيرانية، منبّهًا من أنّ إغلاق جزء من طريق الترانزيت بين الشمال والجنوب، والذي يشكل طريق نقل البضائع للشاحنات الإيرانية إلى يريفان للوصول إلى جورجيا والبحر الأسود وروسيا، يظهر مثالًا عن الضغط على الاقتصاد الإيراني.

تقدم “جاده إيران” ترجمة لما جاء في المقال.

شهدنا خلال الأشهر الماضية توترًا كلاميًا بين مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية أذربيجان، وهو توتر خطير وغير مسبوق بين البلدين الشيعيين الجارين. بعد حرب عام 2020، أصبحت أذربيجان، والتي تبلغ من العمر 30 عامًا، تحاول توسيع نفوذها في المنطقة بإسراف سياسي وجيوسياسي، والذي يشكل تهديدًا لأمن إيران ومصالحها الوطنية.

جمهورية أذربيجان برئاسة إلهام علييف، انتهجت سياسة وحكمًا أشبه بالديكتاتورية: فصل الدين عن السياسة والتعامل بقسوة مع المتديّنين بات نهجًا لعملها. نظام لا ديني وبدعم من إسرائيل وتركيا، يحول دون وجود الدين في جميع مستويات المجتمع وقطاعاته، ويحيّد وجود الدين بالقمع العنيف. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك معاملة مراسم عاشوراء أو أئمة المساجد في المدن المهمة، وقد تطورت هذه الوقاحة إلى درجة مواجهة وإغلاق مكاتب الممثلين الدينيين للجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقط في نزاع كاراباخ، تستخدم جمهورية أذربيجان الدين لتصوير نفسها على أنها مضطهدة، ولإنشاء تحالف، ولكن لماذا قامت بإنشاء تحالف غير مكتوب مع إسرائيل، وحتى في الآونة الأخيرة أدرجت موضوع تبادل السفراء وإعادة فتح السفارة رسميًا في أجندتها؟

عوامل التوتر والتهديدات الأمنية

1- بعد حرب 2020 في إقليم ناغورنو كاراباخ، واستيلاء أذربيجان على أجزاء من تلك المنطقة بمساعدة مباشرة من تركيا والإرهابيين من المسلّحين السوريين، والدعم العسكري الكبير من إسرائيل، تمكّنت هذه الدولة من الظهور كقوة لا يمكن إنكارها في جنوب القوقاز، مما يُبرز التهديد الأمني ضد المصالح الوطنية لبلدنا.

دخلت أذربيجان الآن الساحة الدولية كناشطة في أيديولوجية القومية التركية والعثمانية الجديدة، وأصبحت أحد اللاعبين الإقليميين بدعم من الغرب.

2- الرغبة في الوصول إلى مقاطعة سيونيك الأرمينية وقطع الحدود التاريخية بين إيران وجمهورية أرمينيا من خلال إنشاء طريق اتصال بين جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي وأذربيجان هي أحد التهديدات الأكيدة لأمن إيران. إذا تحقق هذا السيناريو، فسيتم إغلاق متنفّس إيران في شمال البلاد، وسيتعرّض اتصال الشمال والجنوب والوصول إلى السوق الأوروبية الآسيوية للخطر، وبموجب إجراء هذه الخطة، سيصل الناتو إلى جنوب القوقاز وبحر قزوين، مما سيوجد تهديدًا خطيرًا لسلامة أراضي البلاد.

3- لسوء الحظ، ولسنوات عديدة، كانت أذربيجان تحمل وهًمً الفصل بين محافظات أذربيجان الشرقية والغربية من بلدنا، منذ تأسيس أول دولة تحت اسم أذربيجان في عام 1918، وذلك باستخدام أفكار القومية التركية. تلك المنطقة كانت تُسمّى شيروان وآران، وتم تغييرها إلى أذربيجان، التي واجهت معارضة شديدة من المسؤولين الإيرانيين في ذلك الوقت، ورسالة احتجاج من وزارة الخارجية. في السنوات القليلة الماضية، حاولت أذربيجان تأجيج المشاعر العرقية والتحريض على الانفصال من خلال استخدام شبكة القنوات السمعية والبصرية على نطاق واسع، مثل قناة Gunaz TV. ويطلق المسؤولون السياسيون الأذربيجانيون صراحة على محافظتي أذربيجان الشرقية والغربية الإيرانيتين اسم جنوب أذربيجان، على أن تكون وتبريز هي العاصمة التجارية. وبالطبع، ذُكر ذلك بوضوح في كتبهم المدرسية. في الآونة الأخيرة، بدأت إذاعة اللغة الفارسية لجمهورية أذربيجان العمل، ومن الواضح أنّ هذه الأعمال تشكل تهديدًا لأمن وسلامة أراضي إيران.

4- حاولت سياسة الأمة والحكومة القومية لأذربيجان خلق وحدة داخلية، والتحرّك نحو القومية الواحدة في السياق الديمغرافي الداخلي، في مجال السياسة الخارجية، وتفكر في ظل خطاب ونظرية (حيث هناك أذربيجاني، فهي أذربيجان) بإنشاء أذربيجان الكبرى. في هذا الصدد، ينصب اهتمام باكو على المقاطعات الناطقة باللغة التركية في إيران. أدى نشر خريطة أذربيجان الكبرى، والتي تعرض جزءًا من شمال إيران كجزء من أراضيها، إلى وضع وحدة أراضي إيران أمام تحدٍ أمني. لكنهم غير مدركين لحقيقة أنّ جنوب القوقاز انفصل ظُلماً عن إيران الكبرى، وفي حال العودة، فإنّ أذربيجان يجب أن تعود إلى حضن إيران.

5- يُعتبر الوجود الواسع لإسرائيل في الأراضي الأذربيجانية والمشتريات الضخمة للأسلحة الإسرائيلية تهديداً أمنياً خطيراً لإيران. كما يُعتبر بناء قرى ذكية على بعد 7 كيلومترات من الحدود الإيرانية وقرّه باخ في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب 2020، والمساعدة العسكرية في تحديث وتطوير الجيش الأذربيجاني، وأنشطة التجسس في قواعد باكو العسكرية ضد إيران، من التهديدات. مؤخّرًا، أعلن السفير الإسرائيلي في أذربيجاني جورج ديك علانية عن القرصنة العسكرية لهذا البلد في حرب كاراباخ الثانية (2020)، وصرّح بنبرة وقحة: “قاتلنا جنبًا إلى جنب مع أشقائنا الأذربيجانيين”. واعتبر أنّ تعاون البلدين استراتيجي. يشكل وجود إسرائيل بالقرب من الحدود الإيرانية عمليًا تهديدًا لأمن إيران.

6- بعد حرب 2020، اكتسبت تركيا دورًا مهمًا في جنوب القوقاز، حيث باتت تُملي بطريقة ما نهج وسياسات جمهورية أذربيجان، خاصة في المجالات الخارجية والعسكرية. أدى الوجود الفعّال للمستشارين الترك ومسيّرات بيرقدار التركية في حرب قره باخ الثانية إلى تغيير ميزان المعركة لصالح باكو. تدريب القوات الخاصة العسكرية الأذربيجانية على يد ضباط أتراك على طراز قوات الناتو، وبناء 3 مطارات متقدمة في قره باخ من قبل تركيا مع عدم وجود سكان مدنيين في تلك المنطقة، وزيارة أردوغان إلى قره باخ ومدينة شوشي، وقراءة أردوغان لشعر عن نهر آراس في الذكرى السنوية الأولى لانتصار أذربيجان في قره باخ، من الواضح أنّ كل ذلك يعني خفض الدور الإيراني في تلك المنطقة، وتجاهل مصالح الجمهورية الإسلامية.

7- تسبب اندلاع حرب قره باخ الثانية عام 2020 باضطراب المعادلات الإقليمية، وفتح الباب أمام قدوم القوات الأجنبية إلى المنطقة. يدلّ على ذلك انتشار الإرهابيين التكفيريين القادمين من سوريا في معارك قرّه باخ. في الاشتباكات الدامية، قُتل العديد منهم، وأُسر بعضهم على يد القوات الأرمينية، واعترف الأسرى التكفيريون بتجنيدهم من سوريا من قبل جهاز المخابرات التركي (MET) للحرب في قره باخ مقابل مرتّبات شهرية قدرها 2500 دولار. عمليات التنصت على أجهزة اللاسلكي للأذربيجانيين كشفت الحديث باللغة العربية بين هذه العناصر، وندمهم على قبولهم بالقتال. كان تواجد هذه القوات في المناطق المتاخمة لإيران أكثر وضوحًا، فيما تُظهر معلومات غير رسمية عدم مغادرة جزء من هؤلاء الإرهابيين المنطقة بعد عامين. جهود أذربيجان لتوطينهم بشكل دائم مع عائلاتهم في قرّه باخ تشكل تهديداً حقيقياً وواضحًا لأمن إيران القومي ووحدة أراضيها.

8- بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان بحر قزوين مكانًا لاختبار القوة بين الدول في تلك المنطقة. في الاتفاقية الموقّعة بين الدول الثلاث، روسيا، أذربيجان وكازاخستان، تم تقسيم بحر قزوين عبر الخط العادل. تم الأخذ بعين الاعتبار نسبة 13٪ لإيران، مما واجه اعتراضات من إيران وتركمانستان. حاولت أذربيجان نشر قواتها على أساس التقسيم المذكور، ولكن مع الوجود العسكري لإيران وإعلان السيادة على 20٪ من البحر، بات هناك توتر بين الطرفين. وفي العام 2014، وخلال قمة الدول المطلّة على بحر قزوين، تم إلغاء التقسيم على أساس الخط العادل، واعتماد التوزيع المتساوي بنسبة 20٪، وتوقيعه بين الدول. تم التوصل إلى اتفاق هام في قمة الدول الخمس المطلّة على بحر قزوين في باكو. وبذلك، تمت الموافقة على حظر وجود القوات العسكرية الأجنبية لغير الدول المطلة على بحر قزوين. لكن في الأشهر الماضية، أجرت أذربيجان مناورة بحرية بحضور القوات العسكرية التركية والباكستانية، والتي لم تنتهك الاتفاقية بين البلدين فحسب، بل خلقت أيضًا تهديدًا لأمن بحر قزوين وسلامة ووحدة الأراضي الإيرانية والمصالح الوطنية لإيران.

9- كما ورد في النص أعلاه، تُعتبر التدريبات الأذربيجانية والتركية والباكستانية بعد التدريبات الإيرانية في شمال البلاد تهديداً أمنياً لإيران. باكستان، التي تواصل حياتها عبر الأموال السعودية المباشرة وتدعم الوهابية بلا تحفظ وتتماشى مع السياسات السعودية، تُعتبر إنذارًا خطيرًا لأمن إيران وجنوب القوقاز.

10- إغلاق جزء من طريق الترانزيت بين الشمال والجنوب من قبل أذربيجان، والذي يشكل طريق النقل للشاحنات الإيرانية لنقل البضائع إلى يريفان والوصول إلى جورجيا والبحر الأسود وروسيا، يُظهر مثالًا عن الضغط على الاقتصاد الإيراني. إن استلام 100 دولار من كل شاحنة إيرانية لعبور الجزء الذي احتلّه الأذربيجانيون بعد حرب 2020، هو مثال على اعتماد سياسة العلاقات المهدِّدة لأذربيجان ضد إيران، والتي تشمل إغلاق المتنفّس التجاري لإيران.

ينبغي للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تُظهر جدية أكبر في التعامل مع التهديدات الأذربيجانية وتحييدها. على الرغم من أنّ افتتاح القنصلية الإيرانية العامة في مقاطعة سيونيك الأرمينية الشهر الماضي يُعتبر خطوة مثمرة في اتجاه الوجود الإيراني في جنوب القوقاز، إلا أنّ الفراغ الإيراني لا يزال محسوسًا في جنوب القوقاز. ومع اللقاءات السياسية بين مسؤولي البلدين، وحل سوء التفاهم في العلاقات، لا يمكن كبح التهديدات. تتحمل سفارة الجمهورية الإسلامية في باكو مسؤولية جدّية في هذا الاتجاه، والتي للأسف حتى الآن لم تقدم على أي إجراء مميّز.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: