الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 يناير 2023 07:07
للمشاركة:

إيران والاحتجاجات.. ماذا بعد؟

انخفضت أصوات الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية، إلا أن صداها لا يزال يُسمع بقوة في أروقة النظام. فمع دخولها شهرها الخامس، لا تظهر مؤشرات حقيقية على انتهائها، رغم انحسارها وخفوت نارها. فلا مطالب الحراك تحققت، ولا تحسنت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

ما يمكن التسليم به هو أن لدى الإيرانيين بشكل عام استعداد دائم للاحتجاج. فوفق استطلاعات الرأي، من بين كل أربعة إيرانيين، هناك ثلاثة سيشاركون في أي احتجاجات إذا اندلعت. وإذا دلّ ذلك على شيء، فهو تصاعد الاستياء العام من الأوضاع الراهنة في إيران، لا سيما في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية.

ورغم أن رقعة انتشار الاحتجاجات في بدايتها كانت واسعة، وانجرت إلى أعمال عنف في بعض الأحيان، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تشكيل تهديد كبير وفوري للنظام، الذي يبدو أنه بدأ في اتخاذ خطوات عملية لاستيعاب الحراك الشعبي من خلال إجراءات تصحيحية، وإن جاءت متأخرة ولا تلامس مستوى التطلعات.

كل هذه الأحداث تأتي بالتزامن مع صراع سياسي محتدم، تجلى في الكشف عن تجسس مسؤول رفيع سابق في إيران لصالح الاستخبارات البريطانية، وفق اتهامات السلطات القضائية.

مؤشرات التغيَّر

وظهرت محاولات النظام لاستيعاب التحركات بشكل واضح في إعلان القائد الأعلى علي خامنئي أن “النساء اللواتي لا يغطين شعرهن بالكامل، لا يعارضن بالضرورة الجمهورية الإسلامية أو الإسلام”، داعيًا إلى تجنب إقصائهن من الدوائر الإسلامية والثورية، كما وصفهن بأنهن “نساؤنا وبناتنا”.

هذه التصريحات سبقتها أخرى لعضو اللجنة المركزية لجبهة أتباع خط الإمام والقائد محسن كوهكن، الذي أكَّد على أن الأحداث الأخيرة تسببت في تغيَّر النظرة إلى مفهوم الحجاب، فيما حيّ عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام غلام رضا حداد عادل، النساء ذوات الالتزام الضئيل بالحجاب. كل ذلك يؤكد رسالة التيار الأصولي في إيران حول الاعتراف بطبقة “سيئات الحجاب” وفق وصف أعضاء هذا الجناح.

التغيَّر اللافت كان من نصيب المجلس الأعلى للثورة الثقافية، الذي أصدر بيانًا بلهجة أكثر مرونة مقارنة بالسابق، مؤكدًا أن “مواجهة أزمة الحجاب يجب أن تكون واقعية وذكية بالكامل”.

هذا التغيير ترافق مع تغيير القائد العام لقوى الأمن الداخلي العميد حسين أشتري، واستبداله بالعميد أحمد رضا رادان، الذي اشتهر بتطبيقه الصارم للحجاب الإلزامي والمكافحة الجادة للمضاربة بالعملة الأجنبية. كما تشير التقارير الواردة من إيران إلى اختفاء مركبات دوريات الإرشاد من الشوارع، وذلك منذ اندلاع الاحتجاجات.

أوجه اختلاف التظاهرات الحالية عن سابقاتها

في مقارنة مع الاحتجاجات السابقة، لا يُخفى اختلاف التحركات الحالية عن سابقاتها، التي كانت تتمحور حول مطالب سياسية بحتة وبوتيرة امتدت بين السنتين والثلاث سنوات، فيما برز تقارب الأحداث زمنيًا في العام المنصرم، لتخرج مظاهرات كل شهرين تقريبًا.

وتعتبر الاحتجاجات التي انطلقت على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر الماضي واحدة من أكثر الاحتجاجات الاجتماعية انتشارًا خلال السنوات الأخيرة، إذ شملت مدن ومحافظات مختلفة في جميع أنحاء البلاد.

أ‌- الانتشار:
غطَّت المظاهرات مساحة كبيرة من المحافظات الإيرانية، كما أنها كانت أطول زمنيًا مقارنة بالاحتجاجات التي وقعت خلال السنوات السابقة. ومن الممكن، وانطلاقًا من بيانات مفتوحة، تقسيم كثافة الاحتجاجات في مختلف المحافظات إلى 6 فئات:

  • كثافة شديدة للغاية (شملت طهران وكردستان).
    -كثافة شديدة (سيستان وبلوتشستان، وخراسان رضوي، وفارس، والبرز، ومازندران).
    -كثافة متوسطة (عواصم محافظات أصفهان وأذربيجان الشرقية وجيلان، وخوزستان).
    -كثافة منخفضة (عواصم محافظات كرمان، والمركزية، ومدينة قزوين).
    -كثافة منخفضة للغاية (عواصم 12 محافظة؛ أردبيل، وقم، وبوشهر، ويزد، وأرومية، وهمدان، وزنجان، وهرمزغان، وإيلام، ولرستان، وجلستان، وتشهارمحال وبختياري).
    -كثافة نادرة (سمنان، وكهكيلوية وبوير أحمد، وخراسان الشمالية، وخراسان الجنوبية).

ب- تنوع مظاهر العصيان المدني
اتسمت المظاهرات الحالية بالعديد من مظاهر العصيان المدني والمستمرة إلى اليوم منذ اندلاعها، بما في ذلك، ظهور النساء بلا حجاب في الأماكن العامة، ورسومات الغرافيتي المناهضة للنظام في الشوارع، إلى جانب إلقاء العمائم من على رؤوس رجال الدين، فضلًا عن مهاجمة رموز الجمهورية في البلاد (الهجوم على منزل مؤسس الجمهورية روح الله الخميني، في مدينة خمين قبل أن تنفي السلطات الرسمية ذلك، إضافة لإحراق اللافتات الدعائية الخاصة بقاسم سليماني وإحراق تماثيله في المدن المختلفة).

ج-الجيل Z
أمسك الجيل الذي ولد خلال الألفية الثالثة، أو ما يُعرف بالجيل Z زمام المبادرة في الاحتجاجات. وبحسب دراسة صادرة مؤخرًا، فاهتمامات ومطالب مواليد هذا الجيل تتمحور حول الشكل الحديث لطريقة المعيشة وإمكانية عكسها على الساحة العامة. ومن أبرز صفات هذا الجيل، هو فقدان التجربة المشتركة للأجيال السابقة في الثورة الإسلامية وفي الحرب الإيرانية العراقية.
وبحسب الدراسات، يشعر الجيل الجديد، والذي تتصدره النساء، بالحزن وبالضغوط والتمييز في المجتمع، كما أنه لا يؤمن كثيرًا بالإيديولوجيات السياسية الموجودة في البلاد حاليًا. كما ينظر هذا الجيل إلى النظام الحالي على أنه المؤسسة التي تلغي الحفلات الموسيقية، وتضع بروتوكولات إجبارية، وتحظر الأنشطة الثقافية والترفيهية.
هذا الجيل المحتج يعتبر الحكومة غير فاعلة وعاجزة عن إدارة البلاد، وتعززت هذه الصورة يومًا بعد يوم من خلال الأخبار. ولذلك فالاحتجاجات الأخيرة منصة أظهرت الجيل الذي يشعر أعضاؤه أنهم غرباء بالكامل تجاه نموذج الحكم الحالي.
كما اتسمت احتجاجات الأشهر الثلاثة الماضية بـ: الانتشار السريع للفعل الجمعي، انعدام التنظيم، عدم وجود دور قيادي، التأكيد على المطالبة بالتغيير الجذري للنظام السياسي، دعم الحد الأقصى من الطبقات والجهات المختلفة الاجتماعية-السياسية، والدعم الأقصى من المعارضين في الخارج.

صراع سياسي

في خضم هذه التحركات وانشغال الرأي العام فيها، أعلنت السلطات في إيران عن إلقاء القبض على مساعد وزير الدفاع الأسبق علي رضا أكبري، والذي يمتلك صلات وثيقة بكل من رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات البريطانية، وحُكم عليه بالإعدام.

ورغم أن إلقاء القبض حصل عام 2019، إلا أن الكشف عنه تزامن مع صراعات سياسية، وعلى رأسها الحديث في بعض الأوساط عن تغيير شمخاني، واستبداله بآخر من المحسوبين على التيار الأصولي. وهذا ما عاد ونفاه موقع نور نيوز المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي
.
ولا شك أن جبهة الصمود التي تعتبر من أكبر داعمي الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، والتي أمسك عدد من المنتمين إليها بزمام الكثير من المناصب، لها أيادٍ متداخلة في هذا الأمر، إذ سبق وأن دعت المجلة التي يرأسها البرلماني عن الجبهة حميد رسائي إلى عزل أميني المجلسين الأعليين للأمن القومي والثورة الثقافية قبل ما يقرب من شهر.

ومع صدور القرار باستبدال أمين المجلس الأعلى للثورة الثقافية بشخصية اكثر تشددًا، لا يستبعد بعض المراقبين أن يكون إفشاء قضية أكبري محاولة لإزاحة شمخاني من منصبه، لكن المعروف عن الأدميرال انه يخوض معاركه حتى النهاية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: