الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 يناير 2023 19:09
للمشاركة:

جاسوس طهران: هل للقضية أبعاد سياسية داخلية؟

نقل موقع "أمواج ميديا" عن مصادر أنّ قضية تجسس مسؤول إيراني رفيع المستوى التي كُشف عنها إيران قد تكون ذات أبعاد سياسية متعلقة بالتنافس على مرحلة ما بعد القائد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي.



في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:


في إيران، ظهرت تقارير عن “تحديد هوية واعتقال وإصدار أحكام بحق مسؤول كبير سابق”.

تم تصنيف المشتبه به على أنه “جاسوس رئيسي” لأجهزة الاستخبارات الأجنبية. وفي حين لم يتم الكشف عن أي أسماء، وصفت وسائل الإعلام الرسمية المسؤول السابق بأنه يتمتع بدرجة عالية من “النفوذ” بسبب “مناصبه المهمة في الهيكل الحاكم للبلاد”.

وأثارت السرية التي أحاطت بالقضية دهشة المراقبين، كما حظيت بالاهتمام لأنها تأتي بعد أشهر من الاحتجاجات المناهضة للنظام، ووسط استمرار الجمود في المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. ومع ذلك ، هناك مؤشرات في الجوهر على أنّ القضية قد تكون في نهاية المطاف متعلّقة بالاقتتال السياسي الخطير بين المحافظين والمعتدلين، بينما يستعد النظام لانتقال القيادة.

ونظرًا لأنّ الجو في طهران مليئ بالتكهنات عن هوية المسؤول السابق المعتقل، فقد أشارت مصادر إيرانية عدة لموقع Amwaj.media إلى أنّ القضية من المحتمل أن تكون أقل علاقة بالتجسس المزعوم وأكثر ارتباطًا بسياسات القوة المتعلّقة بانتقال القيادة في إيران.

ووصف مصدر مطلع –  شريطة عدم الكشف عن هويته – الشخص المعتقل بأنه مسؤول سابق في وزارة الدفاع برتبة “أقل من مرتبة وزير”، يتمتع بنفوذ ولعب دورًا في المفاوضات السابقة بشأن البرنامج النووي الإيراني.

من دون تأكيد هوية المسؤول السابق المعتقل، أوضح مصدر إيراني كبير ثان لـ Amwaj.media إنّ نائب وزير الدفاع السابق “قبل عامين أو ثلاثة أعوام” سُجن بتهمة التجسس. وزعم المصدر كذلك إنّ الأخير – ويُدعى علي رضا أكبري – قد اعتقلته أجهزة الاستخبارات بهدوء من دون ضجة في وسائل الإعلام الحكومية.

والأهم من ذلك، وصف المصدر الثاني أكبري بأنه مساعد مقرّب منذ فترة طويلة من علي شمخاني – سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (SNSC). ويجمع المجلس بين القيادات المدنية والعسكرية للبلاد لاتخاذ قرارات مهمة بشأن السياسة الداخلية والخارجية، والتي لا يحق إلا للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي نقضها.

ولفت أشار المصدر الثاني إلى وجود صلة مزعومة بين أكبري ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وهو سياسي محافظ تحوّل إلى معتدل، من عائلة سياسية قوية، وقد تمكّن المتشددون من منعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو 2021. ويقال إن أكبري قد عمل مع فريق لاريجاني المفاوض بين عامي 2005 و2007، عندما قاد رئيس البرلمان السابق المحادثات النووية مع الاتحاد الأوروبي بصفته سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي.

وخلال حديثه بشرط عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع، زعم المصدر الثاني إنّ أفراد عائلة أكبري كانوا يقيمون في بعض الأحيان في بريطانيا، وذكر إنّ جهة اتصاله الرئيسية في فريق لاريجاني النووي المفاوض هو جواد فايدي، وهو سياسي مطلع مع خلفية استخباراتية.

يقال إن فايدي عقد اجتماعات بانتظام مع أكبري خلال فترة توليه منصب كبير المفاوضين النوويين في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتجدر الإشارة إلى أنّ فايدي يشغل حاليًا منصبًا رفيعًا في هيئة التفتيش العامة – وهي هيئة قضائية مكلّفة بالإشراف على كيانات الدولة – وشغل سابقًا منصب نائب سكرتير مجلس الأمن القومي.

ووصف مصدر ثالث رفيع المستوى في طهران – تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته ورفض تأكيد هوية المسؤول السابق المحتجز – قضية أكبري بأنها “قصة قديمة”. وأوضح المصدر لـ Amwaj.media ، “إنه حُكم عليه منذ عامين، لكن قضيته أحيلت للإعدام منذ أربعة أشهر”. ورفض المصدر الإفصاح عما إذا كان حكم الإعدام المزعوم جاء عقب استئناف قضائي غير ناجح من قبل أكبري، كاشفًا عن أنّ أفراد عائلة أكبري قد تواصلوا مؤخرًا مع عدد من الشخصيات السياسية البارزة لمطالبتها بالتدخل.

وأشار المصدر الثالث إلى أنّ ارتباط أكبري بشمخاني كان “مستمراً” ويعود إلى الحرب العراقية الإيرانية 1980 ـ 1988. ومع ذلك، شكك المصدر بشكل ملحوظ بانخراط أكبري في مفاوضات نووية سابقة مع القوى الغربية، وقال إن المسؤول الكبير السابق بوزارة الدفاع “لم يشارك في الحكومة منذ عام 2003” ، مؤكدًا أنّ أكبري كان حتى ذلك الحين نائبًا لشمخاني. من الجدير ذكره هنا إنّ شمخاني شغل منصب وزير الدفاع طوال فترة رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي 1997-2005. وبينما شكك في وجود علاقة بين أكبري ولاريجاني، أضاف المصدر أنه ربما كانت هناك صلة بين أكبري وفريق لاريجاني المفاوض النووي.

وفيما رفض المصدران الثاني والثالث من كبار المسؤولين تأكيد هوية المسؤول السابق المحتجز، ربط كلا المصدرين القضية بالسياسة بينما تستعد إيران لانتقال القيادة. خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا، أحد الناجين من مرض السرطان، شغل منصب القائد الأعلى منذ عام 1989.

وزعم المصدر الثاني إنّ لاريجاني وشمخاني هما الهدفان السياسيان المحتملان لقضية التجسس المزعومة. سعى الرجلان في الأشهر الأخيرة إلى لعب دور الوسيط حيث اهتزت المؤسسة الحاكمة التي يهيمن عليها المحافظون بسبب شهور من الاحتجاجات المعادية بشكل صريح لحكم خامنئي.

كرد فعل على الاضطرابات ، دعا العديد من المحافظين البارزين الحاليين والسابقين في الأشهر الماضية علنًا إلى إصلاحات لضمان بقاء الجمهورية الإسلامية ومنع الصراع الداخلي المتنامي. ومن هذه الشخصيات لاريجاني وخليفته في منصب رئيس البرلمان المحافظ محمد باقر قاليباف.


لاريجاني، وهو معتدل يعمل حاليًا مستشارًا لخامنئي، جادل بوجوب تجاهل الجمهورية الإسلامية فرض الحجاب الإلزامي، مستشهدًا بقانون يحظر أطباق الأقمار الصناعية والذي يتم تجاهله إلى حد كبير. قال قاليباف إن الإصلاحات يجب أن تحدث في “نظام الحكم” في البلاد، معتبرًا أن التغيير لن يعني انهيار النظام.

إلى جانب الدعوات العامة للتغيير، هناك أيضًا جماعات ضغط خلف الأبواب المغلقة. كما أفاد موقع Amwaj.media في 28 كانون الثاني/ ديسمبر – نقلاً عن مصدر محافظ مطلع، فإنّ كلًّا من قاليباف، شمخاني والمستشار الاقتصادي للرئيس الإيراني محسن رضائي، يتابعون بجدية موضوع الإصلاحات. يقال إن الثلاثي المحافظ مدعوم من معتدلين مؤثرين آخرين، بما في ذلك لاريجاني ومحمد رضا باهنار عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى.

وتجدر الإشارة إلى أنّ شمخاني كان يتعامل بشكل منفصل مع الإصلاحيين البارزين. في تشرين الثاني/نوفمبر، التقى بمجموعة من الشخصيات البارزة المؤيدة للإصلاح بقيادة سياسي رفيع المستوى وزعيم حزب سابق علي شكوري راد.

وبينما شكك المصدر الثالث في طهران بوجود علاقة بين حظوظ لاريجاني السياسية وقضية التجسس التي ظهرت على السطح، فقد أقر بأن شمخاني هدف سياسي محتمل. وخلص المصدر إلى أن ” الشخص المعتقل هو شخص أكثر قربًا من شمخاني”.



شهدت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/ يونيو 2021 إقصاء جميع المرشحين الإصلاحيين. اللافت للنظر هو أنّ مجلس صيانة الدستور منع أيضًا المعتدلين البارزين مثل لاريجاني من الترشح، مما منح رئيسي فوزًا انتخابيًا سهلاً. استجاب الناخبون بأدنى نسبة مشاركة على الإطلاق مسجلة في اقتراع رئاسي إيراني.




نظرًا لأن جبهة المقاومة الإسلامية الإيرانية قد استحوذت على جميع المناصب المهمة تقريبًا داخل الجمهورية الإسلامية، فإن المجموعة المتشددة التي أسسها رجل الدين الراحل محمد تقي مصباح يزدي (1935-2021) هي في مركز الصدارة في السباق لخلافة خامنئي في اليوم الذي يتنحى فيه أو يتوفّى، لكنّ تكلفة الاستيلاء على السلطة تمثلت في فقدان التوازن الداخلي للنظام السياسي – ووجود فجوة بين الدولة والمجتمع لم تشهدها إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

أحد المطلعين السياسيين الذين لديهم معرفة عميقة بالديناميات الداخلية للنظام السياسي، قال لموقع Amwaj.media في أواخر كانون الثاني/ ديسمبر الماضي إنه لكي يكون أي تغيير ناجحًا، يجب على المحافظين الذين يطالبون الآن بالإصلاح التغلّب على جبهة المقاومة وإقناع المرشد الأعلى ومعه النظام على نطاق أوسع بالخضوع لتغيير كبير.

وأضاف المصدر: “أي إصلاح يتطلّب شجاعة كبيرة لأن مؤيديه يجب أن يهزموا المدافعين عن الوضع الراهن” ، وتابع: “أعتقد بأن أشخاصًا مثل لاريجاني يعرفون بالضبط نوع التغييرات الأساسية التي يجب أن تحدث، لك لدي شكوك بشأن قدرات قاليباف ورضائي ونوع الإصلاح الذي يسعون إليه”.

إذا كان لاريجاني وشمخاني هما بالفعل الهدفان الحقيقيان لقضية التجسس التي تثير حاليًا موجات في طهران، فقد يكون الهدف السياسي الأساسي هو القضاء على أي جهود وساطة لتقليص الفجوة بين الدولة والمجتمع – على الأقل حتى تتبدل القيادة العليا.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: