الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 يناير 2023 10:06
للمشاركة:

حصاد إيران الاقتصادي لعام 2022

مع قرب انتهاء العام الأول من القرن الخامس عشر القمري في إيران (بدأ في آذار/ مارس 2022 وينتهي في الشهر عينه من عام 2023) بدا الاقتصاد الإيراني كمزيج من القوة والضعف، مع معاناة أكبر. ورغم الانتعاش الجزئي للاقتصاد بعد السيطرة على وباء كورونا وعودة قطاع الخدمات إلى الواجهة، إلا أنّ العواصف أرخت بظلالها، من فشل المحادثات النووية إلى ارتفاع الأسعار الكبير، فالاضطرابات الأخيرة التي تسببت بقطع الإنترنت وتعطل التجارة الالكترونية، وبالتالي تضرر آلاف الشركات.

هذه المادة نُشرت ضمن العدد 20 من “خبرنامه ايران”.. للحصول على هذا المحتوى عند صدوره وبشكل دائم إضغط هنا للإشتراك في النشرة

يقدم “جادة ايران” تقريراً خاصاً عن حصاد إيران الاقتصادي لعام 2022.

الاقتصاد الإيراني في العقد الأخير

دخل الاقتصاد الإيراني العقد الجديد حاملًا معه ظروفًا مؤسفة من العقد السابق، حيث يمكن تسميته بـ”عقد الفرص الضائعة”، وشمل تطبيق العقوبات الشديدة مرّتين، إلى جانب تعميق التحديات المتراكمة، كأن يكون متوسط النمو الاقتصادي صفرًا ومعدل التضخم في البلاد 24٪.

وشهدت البلاد الركود التضخمي غير المسبوق، ونظرًا للاضطراب وشيوع كورونا وعدم الكفاءة في أنظمة إعادة توزيع الثروة الرئيسية الثلاثة في الاقتصاد الإيراني، أي النظام المصرفي ونظام الدعم والضرائب، إلى جانب الهياكل الفاسدة والريعية التي تحكم الأنشطة الاقتصادية، فُرض التضخم الذي استفادت منه الطبقة الغنية في المجتمع، مما عزز الفجوة الطبقية في غضون عقد من الزمن، وارتفع عدد الأسر الفقيرة من نحو 11٪ في عام 2018 إلى نحو 25٪ في عام 2021.

كما عانى الاقتصاد من الافتقار إلى القرارات الصعبة والإصلاحات الهيكلية والمؤسسية ومن تحديات المياه والبيئة، وضعف صناديق المعاشات التقاعدية، والانخفاض السريع في النمو السكاني (كان متوسط النمو بنسبة 1.24٪ في 2011-2016، بينما أصبح 0.68٪ في 2020) وانخفاض معدل الخصوبة (من 1/6 إلى 1/7 تقريبًا في عام 2021).

النمو الاقتصادي والناتج المحلّي عام 2022

تشير إحصاءات مركز الإحصاء الإيراني إلى أنّ الناتج المحلّي الإجمالي الإيراني بالأسعار الثابتة لعام 2011 في الربع الأول من عام 1401 (من آذار/ مارس وحتى حزيران/ يونيو) وصل إلى 1887 ألف مليار ريال، بما في ذلك النفط، و1614 ألف مليار ريال من دون النفط، بينما بلغ الرقم المذكور في نفس الموسم من العام السابق مع النفط 1818 ألف مليار ريال، ومن دون النفط 1548 ألف مليار ريال، مما يدلّ على نمو الناتج المحلّي لإيران في الربع الثاني من العام 2022 بنسبة 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي مع النفط، و 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي من دون النفط.

كما تشير النتائج المذكورة إلى أن الأنشطة الزراعية شهدت في هذه الفترة نموًّا سلبيًا بنسبة 0.8%، فيما حققت مجموعة الصناعة والتعدين نموًا بنسبة 4.2٪، وحققت مجموعة الخدمات نموًا بنسبة 3.9٪ مقارنة بربيع عام 2021.

الميزان التجاري

تُظهر الإحصاءات الأولية للجمارك الإيرانية أنّ الميزان التجاري للبلاد كان سلبياً وخاسراً بنسبة مليار و780 مليون دولار. وبلغت قيمة التجارة الخارجية لإيران في الأشهر الستة الأولى من العام الإيراني 1401 (من آذار/ مارس حتى أيلول/ سبتمبر 2022) أكثر من 50 مليار دولار بنمو قيمته 13.2٪، حيث تم خلال هذه الفترة تصدير 51 مليون و783 ألف طن من البضائع بقيمة 24 مليار و251 مليون دولار، أي بانخفاض نسبته 12.5٪ من حيث الوزن ونمو بنسبة 13.32٪ من حيث القيمة، في حين استوردت إيران خلال هذه الفترة 16.320.000 طن من البضائع بقيمة 26 مليارًا و31 مليون دولار، وقد سجلت هذه الواردات انخفاضًا بنسبة 14.72٪ من حيث الوزن وزيادة بنسبة 13.15٪ من حيث القيمة.

وبحسب ما جاء في أرقام التجارة في أيلول/ سبتمبر، فإنّ صادرات إيران غير النفطية إلى الدول المستهدفة تراجعت بنحو 25٪، لتبلغ ما قيمته ثلاثة مليارات و 327 مليون دولار من البضائع، في حين تم تصدير ما قيمته أربعة مليارات و 434 مليون دولار من السلع في نفس الفترة من العام الماضي، بينما انخفض استيراد السلع والخدمات من البلدان التجارية الشريكة بأكثر من 17٪ مقارنة بالعام السابق، حيث استوردت إيران في هذا الشهر ما قيمته أربهة مليارات و366 مليون دولار من البضائع، في حين بلغ هذا الرقم خمس مليارات و291 مليون دولار في نفس الشهر من العام الماضي.

الصادرات الإيرانية

خلال هذا العام، صدّرت إيران إلى الخارج خمس سلع فقط. فقد أعلنت الجمارك الإيرانية في تقريرها عن خمس سلع تصدير رئيسية في الأشهر الستة المذكورة من العام 2022، هي غاز البروبان المُسال بقيمة مليارين و17 مليون دولار، الميثانول بقيمة مليار و335 مليون دولار، البيوتان المُسال بقيمة مليار و165 مليون دولار، الغاز الطبيعي المُسال بقيمة 977 مليون دولار والبولي إيثيلين بقيمة 976 مليون دولار، حيث بلغت قيمة هذه المنتجات نحو 26.5٪ من القيمة الإجمالية للسلع الإيرانية المصدّرة.

أهم وجهات الصادرات الإيرانية

  • الصين بسبعة مليارات و842 مليون دولار.
  • العراق بثلاثة مليارات و382 مليار دولار.
  • الإمارات بثلاثة مليارات و112 مليون دولار.
  • تركيا بمليارين و626 مليون دولار.
  • الهند بـ 904 ملايين دولار.

الواردات الإيرانية

وفق تقرير الجمارك الإيرانية، فإن أول 5 سلع استوردتها البلاد في الأشهر من آذار/مارس إلى ايلول/سبتمبر تشمل الأرز بقيمة مليار و218 مليون دولار، القمح بقيمة مليار و191 مليون دولار، الذرة بقيمة مليار و171 مليون دولار، فول الصويا بقيمة 925 مليون دولار، الهواتف المحمولة بقيمة 867 مليون دولار، حيث شكلت هذه الفئات الخمس من البضائع المستوردة 20.63٪ من إجمالي قيمة الواردات خلال هذه الفترة.

أهم دول الاستيراد

  • الإمارات العربية المتحدة بسبعة مليارات و206 مليون دولار.
  • الصين بستة مليارات و846 مليون دولار.
  • تركيا بمليارَيْ و680 مليون دولار.
  • الهند بمليار و380 مليون دولار.
  • الاتحاد الروسي بـ876 مليون دولار.

أبرز المنعطفات الاقتصادية في 2022

  • الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي
    بعد عام من موافقة أعضاء المنظمة على عضوية إيران الدائمة، وقّع وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان وجانغ مينغ الأمين العام لمنظمة شنغهاي في 14/09/2022 على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة لإيران في المنظمة.
    تُعتبر العضوية في منظمة شنغهاي التي تضم الثالوث الاقتصادي للشرق (الصين، روسيا والهند) إنجازًا استراتجيًا لطهران يفتح أماماها الكثير من الأسواق، كما يساعدها في التخلّص من العقوبات الغربية، وهو عامل بارز في تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، فضلًا عن الأهمية الأستراتيجية للمنظمة كونها تشكل نصف سكان العالم، وأكثر من 20% من الناتج الاقتصادي العالمي.
    تُمكن منظمة شنغهاي إيران من الاستفادة من إمكانياتها في النقل والترانزيت، حيث ستكون حلقة وصل بين دول المنظمة من جهة وأفريقيا وشرق أوروبا وجنوب شرق آسيا من جهة أخرى.
  • تطوير ممر جنوب – شمال الاستراتيجي
    يُعدّ هذا الممر أهم طريق للربط التجاري بين آسيا وأوروبا بحرياً وبرياً، إذ يصل الدول الواقعة على امتداده بروسيا وشمال أوروبا عبر إيران وبحر قزوين، وكذلك يربط هذه الدول بدول المحيط الهندي والخليج العربي وجنوب آسيا، فيما يتحرك هذا الممر في مسار رأسي وأفقي، فيربط موانئ إيران الجنوبية على طول مياه الخليج العربي بشمال إيران وصولاً إلى روسيا، كما يربط ميناء مومباي على الساحل الغربي للهند مروراً ببحر العرب حتى ميناء تشابهار الإيراني، وصولاً إلى روسيا ودول أوروبا باستخدام خطوط السكك الحديدية.
    وكثّفت
    إیران جهودها لتطویر البنیة التحتیة لتوسیع استفادتها من هذا الممر الهام، حیث کانت البدایة بتدشین میناء تشابهار، ثم تطویر خط السكك الحديدية، وصولًا إلى مدينة رشت في الشمال الغربي قرب حدود أذربيجان، وقد دخلت موسكو على الخط للمساعدة في تطوير هذا الخط وإيصاله إلى أذربيجان، ثم وقّعت جمارك إيران مع الاتحاد الروسي وجمهورية أذربيجان مذكرة تفاهم ثلاثية في مجال تسهيل العبور.
    لاحقًا أعلن مدير الترانزيت اللوجستي في منظمة الموانئ والملاحة البحرية الايرانية خسرو سرائي في تصريح لوكالة “فارس” تسجيل عمليات ترانزيت البضائع عبر الموانئ البحرية بحجم 3.28 مليون طن في الثلث الأول من السنة المالية الجارية، من 21 آذار/ مارس حتى 20 تموز/ يوليو 2022، بنمو بنسبة 25% على أساس سنوي.
    وأشار سراني إلى أنّ عمليات الترانزيت على مدى السنة الماضية 1400 (تبدأ في آذار/ مارس 2021) بلغت 8.14 مليون طن، مضيفاً أنّ الطاقة الاستيعابية لموانئ شمال البلاد المطلّة على بحر قزوين تبلغ 30 مليون طن، وأنه تم تخصيص ثمانية ملايين منها للترانزيت.

إيران ومجموعة العمل المالي “فاتف”

أعلنت مجموعة العمل المالي “FATF” في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 في تقرير لها عن بقاء إيران في القائمة السوداء الموسّعة بسبب دعمها للجماعات الإرهابية وغسيل الأموال، على حد تعبير هذه المجموعة.

وشددت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية على أنّ إيران ستظل على القائمة السوداء لغسيل الأموال حتى العودة للاتفاق النووي، لافتةً إلى أنه إذا وافقت طهران على مشروعَيْ قانون باليرمو وتمويل الإرهاب، ستكون مستعدة عندها لمراجعة هذا الإجراء واتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية.

وفي هذا الإطار يؤكد العديد من المحلّلين والخبراء أنّ بقاء إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) سيترك الكثير من القيود على تجارة إيران الخارجية، وجذب المستثمرين الأجانب، ورؤوس الأموال.

الشراكة الإستراتيجية مع روسيا

تقترب طهران وموسكو لما هو أشبه بشراكة تجارية – اقتصادية -عسكرية – سياسية، حيث تجمعهما العقوبات الأميركية ومناهضة توسع الهيمنة الأميركية اقتصادياً، سياسيًا وعسكرياً، لتزداد الخطوات وتيرة في العام الأخير، وذلك بدءًا من تبادل زيارات الرؤساء إلى التعاون العسكري في مجال الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، وصولًا إلى التفاهمات التجارية وتعزيز البنية التحتية للنقل والتجارة.

وقّعت إيران وروسيا عشرات التفاهمات التجارية والاقتصادية خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في 19 كانون الثاني/ يناير 2022، وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران في 19 تموز/ يوليو 2022، والتي جرى خلالها الإعلان عن أهم اتفاقيات الشراكة الإستراتيجية التاريخية بين شركتَيْ النفط الإيرانية والروسية لتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية، والتي بلغ حجمها 40 مليار دولار.

كما تسببت الحرب الأوكرانية في تسريع وتيرة التقارب نظراً لفرض عقوبات أوروبية وغربية على موسكو، واقتراب الأخيرة مع طهران في نوع من التعاون للالتفاف على العقوبات، مما أثار تساؤلات كبيرة عن مستقبل هذا التعاون وفرص تحوّله إلى حلف حقيقي رئيسي في الشرق.

تحديات الاقتصاد الإيراني عام 2022

  • الاضطرابات الداخلية وقيود الانترنت
    تسبب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني باحتجاجات واسعة في إيران أدت بدورها لردة فعل حكومية، فتمّ حجب آلاف المنصات والمواقع الالكترونية، خاصة منصتَيْ انستغرام وواتساب اللتين شكّلتا ركيزة أساسية للأعمال التجارية والتواصل الاجتماعي في إيران، مما تسبب بتعطل مئات الشركات وخسائر كبيرة جداً للمستثمرين وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
    هذه الأجواء دفعت الكثيرين للاستثمار في سوق العملات الأجنبية والذهب، مما أنتج ارتفاعًا شديدًا في قيمة هذه العملات وفشلًا حكوميًا في السيطرة على الأسعار، فقد الريال الإيراني ما يقارب 35% من قيمته وارتفعت إثر ذلك أسعار المواد الغذائية والخدمات والمواصلات.
  • التضخم
    سجل التضخم العام في إيران خلال شهر تشرين الأول/ ديسمبر 2022 نسبة 48.5% وفق مركز الإحصاء الإيراني، بينما سجل التضخم لسنة 1401 (تبدأ في آذار/ مارس2022) 45%، مما يعني أنّ كل أسرة أنفقت 48.5٪ على شراء السلع والخدمات أكثر مما أنفقته في كانون الأول/ ديسمبر 2021.
    وجاء في التقرير أنّ معدل التضخم بالنسبة لسكان المدينة وصل إلى 47.9٪ لكل أسرة حضرية، بزيادة ستة أعشار بالمائة، وبالنسبة للأسر الريفية سجل معدل التضخم ارتفاعًا قدره 9 أعشار بالمائة، حيث وصل إلى 51.4٪.
  • هبوط حاد في قيمة العملة الوطنية
    استمر تراجع قيمة الريال الإيراني منذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي السلطة في آب/ أغسطس 2021، حتى وصل بتاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلى 44 ألف تومان إيراني لكل دولار أميركي واحد، و46 ألف تومان لكل يورو واحد، في حين كان سعر الدولار عند تولي رئيسي السلطة 27 ألف تومان، أي أنّ العملة الإيرانية 65% من قيمتها خلال عام ونصف، في حين يخشى كثيرون من استمرار تراجع الريال وسط عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسعار في سوق العملات.
  • ضعف القدرة الشرائية للناس
    آدى ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض قیمة العملة الوطنیة وعدم رفع آجور الموظفین بالقدر الکافي إلى ضعف کبیر فی القدرة الشرائية للأسر الإیرانیة والأفراد، حیث تُظهر إحصاءات غرفة تجارة طهران تراجع حجم المبادلات البنكية بمقدار 20% مقارنة بعام 2016.
    كما تشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى انخفاض الطلب على السلع مثل اللحوم الحمراء والدجاج والأسماك بنسبة 90٪، وقد واجه الطلب على سلع مثل الأرز والزيت والسكر والشاي انخفاضًا بنسبة 50٪.
    المواد الغذائية سجّلت ارتفاعًا كبيرًا تجاوز في بعض الحالات 100%، كما بقي الحد الأدنى لمرتّبات الموظفين عند ستة ملايين و400 ألف تومان تقريبًا (143 دولار اميركي)، في حين كان يُقدّر مرتب الموظف الإيراني في 2021 بنحو 4 ملايين تومان (ما يعادل 173 دولارًا).
    وفي هذا الصدد أعلن عضو مجلس إدارة جمعية الأشعة الإيرانية محمد علي كريمي عن زيادة توجه الإيرانيين لبيع الكلى للاستفادة من قيمتها في توفير متطلبات حياتهم، بسعر يتراوح بين 200 إلى 250 مليون تومان (4500 إلى 5500 دولار).
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: