الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 نوفمبر 2022 16:24
للمشاركة:

إيران: الأزمة المستمرة

دخلت الأزمة في إيران شهرها الثالث، ولم يسقط النظام كما أراد معارضوه، ولم تخمد التظاهرات كما تمنى داعموه. مرّ الوقت وبات خبر الاحتجاجات شبه روتيني في سياق الأحداث اليومية للجمهورية الإسلامية. لكن مهما كانت نهاية هذا الفصل، هل فعلًا يمكن لهذا الانقسام في الشارع الإيراني أن يلحُمَ من جديد؟

عند الحديث عن بدء الاحتجاجات في إيران، يُنسب تاريخ وفاة الشابة مهسا أميني في 16 أيلول/ سبتمبر كذكرى لانطلاق التحركات. لكن قبل أسابيع فقط من بدء تلك التظاهرات، عاشت الجمهورية الإسلامية موجة من الاعتصامات بسبب إعلان الحكومة عن خطة تعديل الدعم الحكومي للقمح، ورفع أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية.

هو الشارع الذي لم يخمد منذ سنوات، ولا يمكن فصل تحركاته عن بعضها. ففي كل حدث، تُرفع صور أشخاص سقطوا في أحداث أخرى، ما يُظهر أن ما يحصل في إيران ليس تحركًا مرتبطًا بحدث واحد، بل سلسلة لا يمكن تحديد بدايتها، وما يجمعها هو اتساع الفجوة بين النظام والمواطنين.

وما يؤكد هذا التسلسل، هو التحركات التي حصلت ليل الثلاثاء – الأربعاء وأعمال العنف في مدن إيرانية عدة، فيما كان متظاهرون يحتجّون بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على قمع دامٍ لسلسلة من التظاهرات انطلقت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 على خلفية ارتفاع أسعار الوقود.

استمرار الاحتجاجات

هدأت الشوارع الإيرانية مقارنة ببداية الأحداث في أيلول الماضي؛ إلا أنّ الجمر الموجود تحت الرماد، لا تزال شراراته تنطلق بطريقة عشوائية بين المناطق.

ووفق وكالة “ايسنا”، نزل مئات الأشخاص الجمعة إلى شوارع مدينة إيذة في جنوب غرب إيران، خلال جنازة أحد الفتيان الذي سقط يوم الأربعاء الماضي.

وتتصاعد المخاوف من انزلاق إيران نحو مزيد من أعمال العنف منذ يوم الأربعاء، عندما قتل مهاجمون كانوا على دراجات نارية تسعة أشخاص بالرصاص، بينهم امرأة وصبيّان يبلغان تسعة أعوام و13 عامًا، في هجومين لم يعرف إن كانا مرتبطين بالاحتجاجات.

وسارع المسؤولون في إيران إلى اتهام “إرهابيين” مدعومين من أعداء غربيين بالوقوف وراء الهجومين في إيذة وأصفهان (جنوب البلاد)، واللذين قالت السلطات إنهما أسفرا عن مقتل عنصري أمن.

والهجوم هو الثاني الذي تنسبه السلطات إلى “إرهابيين” منذ اندلاع الاحتجاجات، ففي 26 تشرين الأول/ أكتوبر، استهدف هجوم مرقداً دينياً في مدينة شيراز (جنوب) ما أدّى إلى مقتل 13 شخصاً وتبنّاه تنظيم الدولة الإسلامية.

محاولات تخدير الأزمة

أمام الواقع الحالي، حاول النظام امتصاص الغضب وكسب الوقت لفهم عمق الأزمة، ومحاولة تهدئة الشارع. مبادرات عدة انطلقت بهذا الهداف، واحد منها هو الاجتماع الأكاديمي الذي جمع النخب في إيران في جامعة طهران، من دون التوصل إلى نتائج ملموسة.

وآخر المبادرات كان إرسال القائد الأعلى آية الله علي خامنئي وفدًا إلى محافظة سيستان وبلوشستان، يوم الأحد الماضي، للاطلاع على مطالب المواطنين هناك. وعرفت المحافظة، وخصوصًا مركزها مدينة زاهدان، توترات في الأسابيع الماضية.

ومن أبرز من التقاهم الوفد، إمام الجمعة للسّنّة في زاهدان مولوي عبد الحميد الذي سبق أن حمّل “كل المسؤولين ومن يديرون شؤون البلاد” المسؤولية عما حصل في المدينة.

وأفادت وكالة “إرنا” الرسمية بأنّ رئيس الوفد محمد جواد حاج علي أكبري أبلغ مولوي عبد الحميد إنّ خامنئي “أمر بفتح تحقيق مسهب في الأحداث الأخيرة التي وقعت في هذه المحافظة والعمل على أساس الحقائق”.

وأضاف: “لن يتم التسامح مع الذين أساؤوا إلى الأمن القومي وارتكبوا جرائم، ويجب معاقبتهم ومحاكمتهم، لأن أمن المجتمع هو الخط الأحمر لجميع الأنظمة وتحت أي ظرف من الظروف لن يسمح قائد الثورة بتضييع حق أحد”.

وأكد حاج علي أكبري أنّ خامنئي “يرى أنّ التحقيق يجب أن يكون مبنيًا على معايير العدل والشريعة”.

في المقابل، عبر عبد الحميد قبل مغادرة الوفد للمنطقة عن خيبة أمله، لأن ما أقدم عليه الوفد كان مختلفًا عن المنتظر، حيث غرد قائلًا: “كان التوقع من وفد القائد الأعلى الذي زار المدينة هو الاطلاع على الحقائق وإدانة ما حدث في جمعة زاهدان الدامية ومواساة عوائل الشهداء وإنصافهم، وعدم تهديد وإرعاب المظلوم”

الطلاق المجتمعي

بعيدًا عن تفاصيل الاحتجاجات وردود الفعل المحلية، ما يُهم في أحداث إيران الأخيرة هو نتائجها المباشرة على داخل البلاد. من هنا تكمن أهمية السؤال: متى بدأت الاحتجاجات؟

الإجابات قد تكون متنوّعة، فقد تكون فعلًا مع وفاة الشابة أميني، أو في احتجاجات عام 2019، أو قبلها إبان ما يُعرف بالثورة الخضراء عام 2009، أو حتى في الاحتجاجات الطلابية لعام 1999. المغزى من هذا السؤال هو الوصول إلى حقيقة أنّ هناك خللًا أصاب الواقع الاجتماعي في إيران، والعلاقة بين النظام وبعض الفئة الاجتماعية.

هناك فئة تتمسّك بالجمهورية الإسلامية، تعيش على أمجاد الثورة ومناهضة “الاستكبار العالمي”. وفئة أخرى باتت تعيش صراعًا مع مفاهيم “المقاومة”، وترغب بالعودة إلى فترة ما قبل النظام الحالي.

يرغب الطرف الأول في تعزيز الامتداد الذي صنعته الجمهورية الإسلامية لتأثيرها في المنطقة والعالم والبناء عليه للدفع قدمًا بتحالفاتها التي تتطوّر شرقًا. وترغب الفئة الثانية بإعادة صياغة أولويات السياسية الخارجية الإيرانية وتحويل اصطفافها نحو الغرب، وهو ما سيحمل بدوره تأثيرًا عابرًا للحدود سينعكس على ميزان القوى في المنطقة، بما في ذلك حال الصراع مع إسرائيل في المنطقة.

لذا، ما يحصل اليوم هو فجوة يزيد اتساعها مع تراكم الأحداث. هي أزمة انتماء يعيشها البعض في إيران، جعلتهم “غرباء” في بلدهم، وفق مفهوم عالم الاجتماع هاورد بيكر. هذا التعبير ليس إسقاطًا فلسفيًا، بل هو واقع بدأ يظهر في ارتفاع أعداد المهاجرين من البلاد.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إهمال الأحداث التي تحصل في المحافل الفنية والرياضية العالمية، حيث ظهر أكثر من رياضي إيراني وهو يتضامن مع المتظاهرين، حتى وصل النقاش إلى غناء النشيد الوطني في بطولة كأس العالم المرتقبة.

لكنّ الأزمة تكمن في أنّ تعامل النظام مع هذه الأحداث كان موضعيًا، بهدف إنهاء احتجاجات من دون الغوص في التعامل مع ديناميكية المجتمع في البلاد. وما يؤكد هذا الواقع هو أنّ الشعارات نفسها تُرفع منذ سنوات إلى اليوم، والرد الرسمي أيضًا لم يتغيّر: “الأعداء يريدون ضرب الجمهورية الإسلامية”.

في المحصلة، بين خطاب “إسقاط الجمهورية الإسلامية” ومواجهة “مخططات الأعداء”، هل سينجح النظام بامتصاص التحركات الشعبية بشكل جذري؟ أو أنّ هذه الاحتجاجات – وإن خمدت اليوم – ستظهر مجددًا بأشكال قد تكون أشد وطأة؟

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: