الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 نوفمبر 2022 17:18
للمشاركة:

أزمة إيران: القلق بوجوه عديدة

​​أيام قليلة تفصل الاحتجاجات في إيران عن شهرها الثاني. وفاة مهسا أميني التي أشعلت التظاهرات في 16 أيلول/ سبتمبر 2022 أعادت هندسة أولويات مؤسسة الحكم الإيرانية بشكل تدريجي. تحوّل التركيز من استيعاب الأزمات الاقتصادية المتراكمة على مدى سنوات إلى التعامل مع الحالة المستجدة في الشارع.

ولأنّ كل حدث إيراني هو حدث بأبعاد خارجية مهما كان محليًّا، تحوّل الاهتمام الإقليمي والدولي نحو الاستثمار في الأزمة الداخلية لزيادة الضغط على النظام وإشغاله أكثر في الداخل، وبالتالي الحد قدر الإمكان من قدرته على الحركة خارج حدوده الجغرافية.

التقطت طهران الإشارات وتعاملت معها بالمثل، واتضح ذلك من خلال بيان الأجهزة الأمنية الأخير، ولاحقًا تصريح وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب الذي دوّل الاحتجاجات رابطًا إياها بمؤامرة سعودية – بريطانية – إسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة.

عملية التدويل هذه هدفت بشكل واضح لحسم الاصطفاف في الداخل، بحيث يكون كل داعم للاحتجاجات في صف المؤامرة لإسقاط النظام. اللافت في كلام خطيب تحذيره الصريح للسعودية بالقول إن مصير إيران ومصير الدول المجاورة مثل السعودية مترابط، وإنّ “أي زعزعة للاستقرار في إيران قد تنتشر في دول المنطقة”.

الرسالة الإيرانية تكرّرت على أكثر من لسان خلال الأسابيع الماضية، بمن فيهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، الذي توجّه بشكل واضح للعائلة الحاكمة السعودية بالتالي: “أقول لآل سعود، احتموا بالقصور الزجاجية فبيتكم هو بيت العنكبوت، لقد اعتمدتم على إسرائيل المنهارة وهذه نهاية عملكم”.

تلا ذلك تقاريرُ غربية تحدثت عن إمكانية توجيه إيران ضربة غير مباشرة للسعودية، وهو ما عاد وأكده موقع “بوليتكو” الأميركي الذي نقل الجمعة 11 تشرين الثاني/ نوفمبر عن مسؤول في البنتاغون قوله إنه “من المحتمل أنّ إيران تخطط لشنّ هجمات على البنى التحتية النفطية في السعودية”. المسؤول أضاف لـ”بوليتكو” أنّ “ايران تعتقد بأنّ السعودية تساعد المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين يثيرون الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد، وقد يكون هذا هو الدافع وراء التهديد”.

سبق ذلك ما كانت “جاده إيران” قد كشفته الأسبوع الماضي في نشرتها الأسبوعية عن إرسال الرياض لطهران رسالة تفيد بتعليق الحوار الذي كان يدور بينهما بوساطة عراقية. الرسالة عنت انتهاء مرحلة شهدت عقد خمس جولات حوار بين القوتين الإقليميتين على مدى عام كامل في بغداد، سمحت بالكثير من التفاهمات الأمنية، لكنّها عنت أيضًا أنّ أجواء التوتر الإقليمية تطلّ برأسها من جديد عبر أكثر من ساحة تصادم مصالح بين البلدين، وهنا ربما يكون اليمن والعراق في قلب هذا التوتر المتوقع.

تجميد الحوار الإقليمي يرافقه جمود على ساحة المفاوضات النووية التي كان من المتوقع أن تشهد تحرّكًا بعد انتهاء الانتخابات النصفية الأميركية، لكنّ الحركة الأبرز على هذا الصعيد كان طلب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمرير قرار “ضروري وعاجل” يطلب من إيران تفسير آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة، وهي القضية التي كانت تشكّل حجر عثرةٍ أخير أمام التوصل لاتفاق النووي، على الأقل في ما هو معلن.

وجوه القلق الإقليمية والدولية يرافقها في الداخل الإيراني مؤشرات جديدة على عمق الأزمة وامتدادها إلى مساحات غير مسبوقة. أهم معالم هذا الامتداد هو التوتر الذي يسيطر على العلاقة بين النظام وبين مولوي عبد الحميد زهي، أبرز الشخصيات الدينية السنية في إيران، والذي رفع بشكل لافت مستوى تصريحاته المنتقدة للسلطات الرسمية من خلال وصفه تعاطيها مع سقوط عدد من القتلى في زاهدان أواخر شهر أيلول/ سبتمبر اتُهمت القوات الحكومية بقتلهم على أنه “مأساة إنسانية غير مسبوقة”. عبد الحميد زهي لام الحكومة لكونها “لم تقدّم إيضاحات للمواطنين، ولم تقم بإجراءات تخفف من آلام المنكوبين” رغم مرور أسابيع عدة على الحادثة، مضيفًا أنها “ما زالت ترشّ الملح على جراح الثكالى”.

الرواية الرسمية تتحدث عن قيام مسلّحين ظهروا مع انتهاء صلاة الجمعة بإطلاق الرصاص على مركز للشرطة، الأمر الذي أدى إلى اشتباك سقط على إثره عدد من المواطنين ورجال الأمن، من ضمنهم قائد استخبارات الحرس الثوري في المحافظة علي موسوي.

تصريحات رجل الدين السني، والتي تضمّنت أيضًا دعوة للاستفتاء على الدستور، فتحت الباب أمام أسئلة من نوع آخر على الساحة الإيرانية مرتبطة بأوضاع محافظات الأطراف، كسيستان بلوشستان على حدود باكستان وكردستان على حدود العراق، واللتين تشهدان حراكًا مستمرًّا منذ بداية الأزمة، إلى جانب وجود جماعات مسلّحة معارضة تنشط منذ سنوات في تلك المساحة المتوترة.

الخشية هنا من تفاقم الحالة الاحتجاجية من اعتراض إلى معارضة ثم تمرّد، وهذا ما قد يكون له تداعيات استراتيجية على الأمن القومي الإيراني وعلى استقرار البلاد.

بتعبير آخر، تتحسّب طهران لظهور حالات انفصالية قد تُدخل البلاد في آتون صراع إثني طائفي، وهو ما قد يشكل نقطة تحوّل دموية، لا على مستوى إيران فحسب إنما على صعيد الدول المجاورة لها.

هذا الخطر الذي يبدو أنّ الحكومة والنظام يتعاملان معه إلى الآن من الزاوية الأمنية مع حذر واضح يتمثّل بالتريّث باستخدام الحرس الثوري في عملية مواجهة الاحتجاجات، يُستدلُّ منه على غياب الإجماع بين الأطراف المختلفة على مستوى الساحة السياسية الإيرانية، فالدعوات إلى الاستماع إلى المتظاهرين والابتعاد عن العنف مستمرّة، آخرها ما أصدرته الجبهة الإصلاحية في إيران، والتي اتهمت النظام بتحميل المسؤولية إلى وسائل الإعلام بدلاً من الالتفات إلى الأزمة الحقيقية.

البيان دعا للقبول بالتغييرات والإصلاحات الداخلية وتلبية مطالب الشعب، كما أنّ حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني، حذّر بدوره من أنّ “أكبر عقبة أمام حوار حقيقي وفعّال هو توسّع العنف الذي يمكن أن يجر البلاد إلى أسوأ الظروف”.

المشهد يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. المسألة كما أسلفنا في مقالات سابقة ليست في عدد المتظاهرين إنما في عمق الحالة الاعتراضية التي بدأت تتحوّل إلى منجم استثمار لخصوم طهران، في الوقت الذي لم يصدر بعد عن الحكومة ما يؤشر إلى أن هناك أدوات حل جاهزة بعيدًا عن وضع كل ما يحدث في سلة مؤامرة خارجية لا تبدو بدورها غائبة تمامًا، لكنها لا يمكن أن تختصر عوامل متراكمة على مدى العقود الماضية، وتُنبئ بالمزيد في حال بقاء الظروف على ما هي عليه. ظروف ترسّخ حالة قلقٍ تتّخذ وجوهًا عديدة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: