الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 نوفمبر 2022 08:54
للمشاركة:

“طعم الكرز” و”تاكسي طهران” والسينما البسيطة

على الرغم من أنّ الحداثة هي ثورة في أكثر أوجهها، إلا أنها تُعدُّ مصنعًا لأكثر الأشكال تجريبًا، لذلك نقع على تجارب مختلفة في الشكل والمضمون والموضوع. وتُعدُّ الحداثة الإيرانية سواءً في الأدب أو الموسيقى أو الفنّ وليس انتهاءً بالسينما حداثة ذات طابعٍ خاص، تحديدًا في الشعر والسرد، حيث تجارب الشاهنامه والرباعيات والعرفانيات. وفي السرد ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرها. وأما في السينما، فيمكننا الحديث عن سينما إيرانية بوجه مختلف، غرْفٌ من الأساليب العالمية وأسلوب خاص.

السينما البسيطة

مع أنّ التجربة السينمائية الإيرانية قد جرّبت أشكالًا مختلفة خلال عقود، إلا أنّ الطابع العام الذي اكتساها كان ميّالًا إلى الواقعية، وذلك يعود لأسباب عدة، أهمها تأثّر المؤلفين السينمائيين بالحراك اليساري في الأدب والسياسة والتأثر بموجة الواقعية الجديدة الإيطالية، وهو المنهج الذي سيسير على نهجه جُلُّ وأهمُّ مخرجي إيران السينمائيين.

هذه المدرسة التي ابتدعتها وبدأتها إيطاليا في أربعينيات القرن الماضي، تعتمد على ممثلين غير محترفين، ليس في الأدوار الثانوية فحسب، بل أحيانًا في الأدوار الرئيسية، وهو ما أصّله السينمائيون الإيرانيون. ونجد ذلك في تجارب مجيد مجيدي وبهمن قباد وغيره.

وتعتمد أفلام الواقعية الجديدة كذلك على الجوانب الدفينة للنفس الإنسانية وإظهارها، والتركيز على الوقائع اليومية من دون تجميلها، وإنما اعتماد جماليتها الطبيعية كوجه شفاف للشعر والطبيعة.

ويُعدُّ فيلم البقرة الذي أخرجه داريوش مهرجوني في نهاية الستينات من القرن الماضي فاتحة هذا الاتجاه وراسم هويّته، حيث منعته سلطات الشاه لكونه غير ممثل للحياة العصرية الإيرانية التي كانت تنادي بها، بل تم تصوير الفيلم بأكمله في قرية إيرانية.

ولعلَّ أفلام مجيدي هي الأكثر شهرةً في إطار البساطة والاعتماد عليها كنهج سيمثّل هذه السينما التي ستعبّر عن إيران سينمائيًا ببصمة خاصة وحضور عالمي لافت للنظر، وبخاصة أفلامه “لون الفردوس”، “أطفال السماء”، “أغنية العصافير” و”باران”، والتي يطرح فيها أفكارًا بشكل بسيط وعميق للجانب الإنساني.

https://youtube.com/watch?v=6e1a28yIFhM&feature=share&si=EMSIkaIECMiOmarE6JChQQ

“طعم الكرز” الأسود

إنّ أحد تجلّيات السينما الإيرانية البسيطة طرحها عباس كيارستامي عبر أفلامه، خاصة “طعم الكرز” الذي حاز على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1997 ولفت أنظار العالم من جديد إلى السينما الإيرانية، لكنّ هذا الفيلم ومن أنه يمثّل البسيطة في الصناعية السينمائية، إلا أنه يعكس جانبًا آخر من النفس الإنسانية.

فالمشاهد في هذا الفيلم طويلة، وأحيانًا رتيبة، والموسيقى التصويرية هي موسيقى الخارج والطبيعة، وأحيانًا هي أصولت آليات الحفر والبناء والجنود، والسيناريو في أبسط حالاته، حيث التقشّف في الكلام. لكنّ الموضوع المختار هو فكرة الانتحار التي يتم طرحها ببساطة وفكرة الموت المحتوم نفسها.

ومع أنّ الفيلم يدور حول فيلم “بديعي” البطل بالبحث عن شخص ليُهيل عليه التراب بعد أن يتناول كمية من الأدوية، إلا أنّ النهاية تبدو وكأنها نجاة من من الحتمية المصطنعة عبر الانتحار، وإسنادها إلى الحالة القدرية أو الطبيعية.

مع أنّ الفيلم ابتداءً من العنوان الرقيق مرورًا بمشاهد الطبيعة وأحيانًا الموسيقى والغناء وليس انتهاءً بحفيف الشجر يمثّل حالة شعرية، إلا أنها شعرية قاتمة في عمقها، بحيث يرافق صوت محرّك السيارة مخيلة المُشاهد لا وعيه، سيارة تدفعها الرغبة في الموت.

https://youtube.com/watch?v=yOLcZ2T2VHU&feature=share&si=EMSIkaIECMiOmarE6JChQQ

إلى الواقع مجددًا

مع جعفر بناهي تتحوّل السينما مرّة أخرى إلى رصد للواقع، ولعلّ واقعة الجمهورية بعد الثورة قد ساهم في بلورة أساليب وتجارب سينمائية جديدة لإيران، فهي التي أسهمت في تأصيل شعرية سينمائية على يد تجارب ناجحة، ككيار ستامي ففي فيلم “ستأخذنا الريح”، وشعرية وواقعية في آن في أفلام بهمن قبادي التي طرحت أفكارًا سياسية بطريقة شعرية، كفيلم نصف العمر، وأفلام تمثل الواقع الاجتماعي والتأثير السياسي عليه، وتضييق الرقابة.

ومع فيلم “تاكسي طهران” نجد كل ذلك، حيث قام بنهاي بتصوير هسرّا بطريقة يمتزج فيها التوثيق الواقعي والطرح السينمائي، تمثيلًا للبساطة السينمائية والرسالة السامية التي تحملها. ومع “تاكسي طهران” وبنهاي كمخرج ستكون السينما ملاصقة للواقع الإيراني بشكل أكبر. وقد فاز فيلمه الخامس الذي صوّره سرًّا بعنوان “لا يوجد دببة” بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في نهاية آب/ أغسطس على وقع الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد لنحو شهرين.

الواقع الإيراني الصعب، مع ظروف اقتصادية قاتلة لمجتمع فتيّ، وظروف سياسية تتجاذبها الأطراف في الداخل والخارج، ووقع الاحتجاجات لن يدع مجالًا للانكفاء في مواضيع أخرى خارجها، فجعفر بناني لا يزال خلف القضبان، لكنّ أفلامه تنبض بنبض الشارع الذي يتمثل جزء منه في أفلامه لناحية حالة عدم الرضا عن الواقع.

https://youtube.com/watch?v=qZFiTB6oJUg&feature=share&si=EMSIkaIECMiOmarE6JChQQ
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: