الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 سبتمبر 2022 19:27
للمشاركة:

هل تدخل إيران على خط الحلول الاقتصادية للبنان؟

في الأشهر الأخيرة لعام 2019، تداعت الدولة اللبنانية أمام أزمة مالية واقتصادية وُصفت من قبل مؤسسات مالية دولية بأنها من أكبر الأزمات المالية في التاريخ.

وأمام تراجع الاحتياطات الأجنبية في المصرف المركزي اللبناني وغياب أي دعم خارجي أو مؤتمرات دولية إنقاذية، بدأت عملية البحث عن مساعدات تخرج البلاد من محنتها وبدون تكلفة مادية.

وبرزت الكهرباء خلال هذه الفترة كمشكلة تاريخية عصت على الحلول وكلفت خزينة الدولة الكثير من الاموال. الفساد هو كلمة سحرية في هذا القطاع الذي تقول الارقام إنه هدر من ثروة البلاد ما يزيد عن أربعين مليار دولار، دون جدوى. وبات اللبنانيون يتدبّرون أمرهم في هذا المجال بأنفسهم ولا يُدخلون في حساباتهم ما يمكن أن تقدمه لهم دولتهم.

حصل لبنان على مساعدة ملموسة في هذا المجال من العراق، وهو الذي لم يعد قادرًا على تحمّل تسديد ثمن استيراد الفيول لمعامله، لكنها خطوة لم تكفِ لتغيير الواقع المأساوي، وها هو اليوم ينظر باتجاه إيران والجزائر.

خيار الجزائر، البلد العربي الغني بالنفط والغاز، لم يُذكر حتى اليوم إلا على سبيل “التواصل”، بينما خطا الخيار الإيراني على ما يبدو خطوات جدية، لا سيما مع تكرار تصريحات ايرانية مباشرة او من خلال امين عام حزب الله حسن نصرالله. وتوجّه فريق تقني لبناني إلى طهران في الساعات الماضية للاتفاق على التفاصيل بتكليف من رئيس الحكومة نجيب الميقاتي.

إرباك وإيجابية

لعلها المرة الأولى التي يخطو لبنان بجدية باتجاه تعاون رسمي مع إيران والتي لطالما واجهت عروضها ما يمكن وصفه ب فيتو أميركي. في السابق قوبلت العروض الإيرانية التي تراوحت من شق الطرق وصولًا إلى تسليح الجيش اللبناني بزيارات من الدبلوماسيين الأميركيين، لتبقى بعض هذه العروض حبرًا على ورق.

ويؤكد مصدر مقرّب من الفريق اللبناني الذي يزور طهران لـ “جاده إيران” أنه لو لم يكن الغطاء الدولي متوفّرًا لجهة عدم فرض عقوبات على لبنان – ولو مؤقتًا – لما كان لهذا الوفد أن يتحرّك من بيروت.

ولعلّ الإرباك الذي طرأ على تشكيل هذا الوفد في الساعات الأخيرة ما قبل مغادرته البلاد يفسّره التطوّر الجديد في العلاقة الرسمية بين الدولتين اللبنانية والإيرانية. فبعد أن تحدثت وسائل إعلام محلية عن أنً الوفد اللبناني يشمل مدير عام النفط في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية أورور فغالي ومدير الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان بشارة عطيّة، جرى استبدال الأخير برئيس معمل دير عمار في شمالي لبنان طوني يعقوب.

ولفت المصدر الذي تحدث إلى “جاده إيران” شريطة عدم الكشف عن اسمه، إلى أنً الوفد سيعود إلى بيروت الأربعاء حاملًا معه نتائج الزيارة إلى رئاسة الحكومة، متوقّعًا أن تسير الأمور بمنحى إيجابي.

شكوك بشأن النتائج

لكن بعض القوى السياسية اللبنانية تشكك في جدوى التعاون مع إيران في مجال الطاقة. الخشية الأولى هي العقوبات الدولية ولا تنتهي التساؤلات حول القدرة الإيرانية الحقيقية على الالتزام على المدى الطويل.

أبرز المشككين كان حزب القوات اللبنانية الذي شكك مرارا في إمكانية الاستفادة من إيران كهربائيًا. وفي هذا الإطار يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في الحزب شارل جبّور إن ما يُحكى عن تقديم فيول إيراني للبنان هو محض استعراض لن يحقق نتائج ملموسة.

وفي حديث له مع “جاده إيران”، تساءل جبّور: “كيف يمكن لإيران أن تساعدنا في مجال الطاقة والطوابير منتشرة عندها أمام محطات الوقود لديها”؟

وذكر جبّور إنّ العرض الإيراني ليس هبة مجانية، لكنه في ذات الوقت عبّر عن عدم ممانعة الحصول على مساعدة إيرانية بالطرق الرسمية ومن دون التسبب بعقوبات دولية، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه رئيس الحزب سمير جعجع مؤخرًا في مؤتمر صحفي.

التأثير الاقتصادي المحتمل

من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي د. بسّام همدر أنّ ما يمكن أن يحصل عليه لبنان من إيران من الفيول هو هبة، أي من دون تسديد أي ثمن بالمقابل لا بالدولار ولا بالليرة، وهو الأمر الذي لن يستمرَّ إلى ما لا نهاية، بل ستكون كمية كافية لتشغيل مصانع الكهرباء اللبنانية لمدة سنة.

الأهم برأي همدر هو الأثر الاقتصادي الذي قد تتركه مثل هكذا خطوة، حيث قد تمهّد للعودة إلى العرض الإيراني الأساسي الذي أُرسل سابقًا إلى بيروت ببيع لبنان ما يحتاجه من النفط والغاز بالليرة اللبنانية.

ويشير همدر الى أن تنفيذ هكذا خطوة في المستقبل سيدفع الإيرانيين لشراء السلع بما سيحصلون عليه من الليرة اللبنانية، وهكذا ستؤدي هذه العملية إلى نتائج إيجابية عدة منها: توفير العملة الصعبة على لبنان، وتخفيض العجز الذي يبلغ بحسب الموازنة الحالية التي يدرسها مجلس النواب اللبناني مليار دولار وزيادة ساعات التغذية الكهربائية بشكل ملموس.

الموافقة الإيرانية وحزب الله

بدأت فكرة التعاون بين لبنان وإيران بطلب وجهه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى القيادة الإيرانية، كما يذكّر المحلل السياسي الإيراني محمد غروي، الذي نوّه إلى أنّ نصر الله أتم هذا الأمر عبر التواصل مباشرةً مع مكتب القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أو مع الحرس الثوري، ليبقى التنفيذ على وزارة النفط الإيرانية.

وذكّر غروي بأنّ إيران لديها أكبر مخزون في العالم مما يُسمّى “النفط العائم”، والذي لا تدري السلطات حتى اليوم كيف يمكن أن تبيعه، مؤكدًا أنّ الهبة الإيرانية إلى لبنان بحال لم تعرقلها مستجدات أو ضغوط سياسية لا يمكن أن تؤثر بأي شكل على حاجات الشعب الإيراني في المستقبل.

هل تتدخل إسرائيل؟

يقارن غروي هنا بين ما قام به حزب الله صيف عام 2021 عندما أتى بثلاث بواخر محمّلة بالمازوت الإيراني وأوصل حمولتها برّيًا إلى لبنان، وبين ما يُفترض أن تسير عليه الأمور إذا حصل الاتفاق بين الدولتين اللبنانية والإيرانية، حيث أنه في الحالة الأولى كان الأمر يعتمد على تهديد حزب الله لإسرائيل، أما الآن فالعملية تقع على عاتق ثلاث أطراف: الدولة اللبنانية، حزب الله وأيضاً إيران التي ستصبح في قلب المواجهة بحال حصل أي استهداف إسرائيلي بالنار لشحنات نفطية تخرج وتصل بشكل رسمي.

لكنّ المحلل السياسي الإيراني يستبعد حصول أي تحرّك إسرائيلي من هذا النوع مع سماح الولايات المتحدة في الأساس بمثل هكذا خطوة، مضيفاً أنه بحال حصوله فقد يؤدي إلى فرض معادلات جديدة على مستوى المنطقة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: