الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة17 سبتمبر 2022 06:54
للمشاركة:

النووي الإيراني: انعدام الثقة يقتل المحادثات

اقتربت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الأعضاء فيه بالإضافة إلى الولايات المتحدة خلال الأشهر السبعة عشر الماضية مرارًا وتكرارًا من نقطة الإعلان عن اتفاق، وعلى الرغم من أنّ الجانب الغربي اتهم في وقت محدد من الفترة المذكورة روسيا بأنّ مطالبتها بعدم فرض عقوبات عليها بسبب تجارتها مع إيران هي السبب وراء عدم التوصل لخواتيم سعيدة، فقد ظهر مع مرور الوقت عدم صحة هذا الاتهام.

ورغم أنّ روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا وألمانيا هي دول عضوة بشكل رسمي في خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنها منذ البداية نظرت إلى المفاوضات المتعلقة بهذا الشأن من خلال عيون إيران والولايات المتحدة، الدولتين اللتين لم تخطوا خطوة واحدة نحو تطبيع العلاقات بينهما في العقود الأربعة الماضية، في حين حصل تعاون بينهما في عدد من الملفات، منها أفغانستان، وأثبت هذا التعاون أنه ناجح ومفيد لكليهما.

المفاوضات التي كانت سرية بين واشنطن وطهران في الأشهر الأخيرة من حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد واستمرّت في الأسابيع الأولى لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، أرست أسس خطة العمل الشاملة المشتركة على أساس اتفاقية جنيف، وتوصلت أخيرًا إلى نص الاتفاقية الذي جاء في مقدمته: “يمكن أن يكون هذا الاتفاق أساس علاقة جديدة بين إيران والمجتمع الدولي”. في الوقت نفسه، ذكر القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في خطابه أنه إذا تم تسجيل تجربة جيّدة لأداء الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الاتفاقية، فيمكن أن تؤدي إلى تعاون في مجالات أخرى.

ما يضع أحيانًا إيران والولايات المتحدة على بعد خطوات قليلة من الإعلان عن اتفاق، أو يبعدهما عن ذلك لدرجة أنه لم يتم حل أي من الخلافات بعد 17 شهرًا من المفاوضات، هو انعدام الثقة المتزايد لدى الجانبين. من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي وتنفيذ سياسة الضغط الأقصى ضد طهران، بما في ذلك اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، الذي نسف به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الطريق التي يمكن أن تؤدِّ لإحياء الصفقة النووية.

والآن فإنّ تجربة المحادثات الأخيرة تظهر أنّ ترامب كان يقصد جعل عملية الإحياء هذه صعبة، أو ربما مستحيلة.

ويتبيّن من التقارير الإعلامية أنّ المطلبين الإيرانيين في مجال الحصول على ضمانات وإغلاق ملف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يلقيا حتى الآن استجابة مقنعة من الجانب الآخر.

في شرح عدم القدرة على الاستجابة للمطلب الأول، تختبئ واشنطن خلف قوانينها الداخلية والجدل بشأن فوائد تنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة، حتى بين الديمقراطيين، كما تتحدث عن استقلالية عمل الوكالة الدولية وتحقيقاتها.

إن تجربة الانسحاب الأميركي وعودة العقوبات جعلت من الصعب عمليًا على إيران إعادة إحيائها من دون الحصول على ضمانات معتبرة، خاصة وأنّ إحياء الاتفاق النووي وجد المزيد من المعارضين الجادين بين الأصوليين الإيرانيين.

يعتقد هؤلاء المعارضون بأنه حتى في حالة الإحياء، فإن الحكومة الأميركية ستستمر في إلقاء الحجارة في طريق استفادة إيران الاقتصادية الكاملة من مضمون الصفقة ، بينما إذا كانت الإدارة الأميركية المقبلة جمهورية، فستتبع نموذج ترامب وتنسحب من الاتفاق مرة أخرى.

بالنسبة لهذا الطيف مم السياسيين الإيرانيين، فإنّ الفوائد الاقتصادية من إحياء الاتفاق النووي ستكون محدودة وقصيرة الأجل في أحسن الأحوال، رغم كون الحكومة الإيرانية في عجلة من أمرها لتحقيق نتائج إيجابية في هذا الشأن.

عدم الثقة هذا هو نفسه الذي يشعر به الإيرانيون في تعاملهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما حدا بهم لإرسال طلب في ردهم الثاني على النص الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي للاتفاق النهائي بإغلاق قضية النزاع مع الوكالة، وذلك بهدف زيادة قوة النص وضمان استقرار الاتفاق، على حد تعبير وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

ورغم أنّ بعض المصادر تتحدث عن وجود اتفاق شفهي بين إيران ودول غربية على المرور بآلية محددة باتجاه إغلاق ملف إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتزامن مع تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن تصرّفات المدير العام للوكالة وإجراءه مشاورات مستمرّة مع إسرائيل لإبقاء ملف التحقيقات بمخالفات نووية ومواصلة الضغط على طهران أدت إلى تغيير قرار الأخيرة بقبول الوعد اللفظي من الغرب.

إذا نظرنا نظرة خاطفة على النص المُكَوَّن من أكثر من 100 صفحة للاتفاقية الأولية وملحقاتها، نرى بشكل واضح عدم الثقة المتبادل بين الجانبين والجهود لتضمين وتوضيح الخطوات المتبادلة.

لقد فتح انعدام الثقة المتزايد بين طهران وواشنطن عمليًا مساحة للاستغلال بالنسبة لجهات دولية فاعلة أخرى، خاصة وأنه لا تفاوض مباشرًا بين الإيرانيين والأميركيين.

ربما اليوم، مع تجربة 17 شهرًا من المفاوضات غير المثمرة، يمكن القول إنه لا يمكن لإيران ولا للولايات المتحدة تمرير الاتفاق على الرغم من الإرادة السياسية من خلال حقل الألغام الذي وضعه ترامب، ويمكن في أي وقت أن يعلنا عن فشل المفاوضات نهائيًا.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: