الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 سبتمبر 2022 05:49
للمشاركة:

نووي إيران: العودة إلى نقطة الصفر؟

خاويةً على عروشها تبدو طاولات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج الأخيرة النووي. كذلك الحرارة التي كانت تنبعث بين حين وآخر من خطوط الاتصال التي تنقل الرسائل بردت إلى حين لا يبدو معلوماً حتى بين أطراف التفاوض والوسطاء.

هؤلاء يسعون ذهابًا وإيابًا أملًا بمُعجزةٍ تفجّرُ بِئرًا مخفيًّا من الحلول لأزمة لم تبرح مساحة التوتر إلا قليلًا، عندما جرى الاتفاق في العام 2015 على ما عُرِفَ يومها بخطة العمل الشاملة المشتركة، أو كما يعرفها العالم اصطلاحًا، الاتفاق النووي.

ينتظر العالم – المشغول حاليًّا بوفاة ملكة بريطانيا التي جلست على العرش سبعة عقود – أزمةً ستُتِمُّ في العام المقبل عقدين كاملين من عمرها، فيما تستمرُّ إيران بتكديس اليورانيوم المخصّب لديها على مستويات مختلفة.

في التقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية إشارةٌ إلى أنّ طهران باتت تمتلك ما يزيد قليلًا عن 55 كلغ من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60%، أي ما يكفي لصناعة قنبلة نووية بحال وجود قرار بتخصيب إضافي بنسبة 90% لن يأخذ وقتًا طويلًا.

ويذهب المساعد الخاص الأسبق للرئيس الأميركي دنيس روس إلى أكثر من ذلك في مقالة له في مجلّة “فورين بوليسي” الأميركية، متوقّعًا أن تكون الكمية كافيةً لصناعة رأسين نوويين.

يحذّر روس، المفاوض السابق، من أنّ إيران ربما تحتاج تهديدًا حقيقيًا بالقوة لمنعها من ذلك، بل إنّ أي اتفاق جديد سيكون عديم الجدوى برأيه إلا من حيث شراء الوقت، لأنّ طهران باتت تمتلك المعرفة النووية وتقف عند العتبة، وستمتلك المليارات الكافية لدفع برنامجها إلى الأمام في حال الاتفاق. تحذيرٌ من شخصية مسموعة في دوائر البيت الأبيض يضع علامات استفهام على مسار التسوية المتعثر أصلًا.

قبل أيام، وفي دردشة مع دبلوماسي أوروبي رفيع يشارك في المفاوضات ممثلًا لبلاده، بدا التشاؤم سيّد الموقف في التوصل لاتفاق قريب. وعند السؤال عما إذا كان الاتفاق على استئناف الاتفاق السابق وعودة الولايات المتحدة ممكنًا بعد الانتخابات النصفية الأميركية، قال لـ”جاده إيران” إنّ الردود الإيرانية السلبية جعلت من التوصل لاتفاق قبل انتخابات الكونغرس غير ممكن”، وأضاف: “المشكلة أنّ الاتفاق السابق لن يكون موجودًا على الأرجح بعد الانتخابات”.

المسؤول الأوروبي نبّه إيران من أنّ عدم تجاوبها مع المبادرة الأوروبية سيجعلها تخسر الاتفاق والاتجاه نحو التعاون معها في جلسة مجلس حكام وكالة الطاقة الذرية في الجلسة المقبلة.

رَفْعُ السقف الأوروبي لم يقابله أي تأكيد أميركي، مع تجاهل إيراني. كل ذلك بعدما كان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد أبدى تشاؤمًا لجهة إمكانية التوصل لاتفاق من جديد بعد اتساع الفجوة بين واشنطن وطهران. الخشية الأوروبية هي من سقوط آخر الفرص لإحياء الاتفاق، وهو ما قد يعني خطرًا على جانبي المواجهة. تفعيل الخطة “ب” لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، واتجاه إيران بتأني نحو تعديل شامل لاستراتيجيتها النووية، على حد ما جاء في تقدير موقف لمركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الذي لفت إلى أنّ استمرار الضغوط الاقتصادية والعملياتية قد يدفع القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي باتجاه تغيير الأهداف النووية، أي من الوصول إلى العتبة النووية، كما هو الحال الآن، إلى صناعة القنبلة النووية.

المعضلة اليوم هي أنّ المفاوضات قطعت شوطًا كبيرًا، واتفق المتفاوضون على ما يناهز ال 95٪ من القضايا، لكن ما تبقّى هو الأكثر حساسية، ولا يبدو أنّ التوصل إلى تسوية بشأنه سهل.

أمام هذا المشهد تقف إسرائيل وقد انتابتها حالة من الرضى وحالة من القلق في آن، الأولى لابتعاد لحظة التوافق الموعودة، والثانية لاقتراب طهران من الخط الأحمر الذي سيعني بلا أدنى شك تحوّل الصراع من إطاره السابق المحصور في إطار الصواريخ والحروب غير المتكافئة، إلى توازن نووي عسكري تضعه إسرائيل في إطار التهديد الوجودي لها.

رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد كان أشار يوم الثلاثاء الماضي إلى أنه من المبكر الجزم في ما إذا كانت مساعي إسرائيل لوأد الاتفاق النووي قد نجحت، لا سيّما مع تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ الاتفاق لم يعد على الطاولة في المرحلة الحالية.

إيرانيًا، يبدو الصمت سيّد الموقف. ما عبّر عنه المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني شدّد على أنّ موقف طهران ليس سلبيًا، وأنها تسعى حاليًا لإقفال التحقيقات التي تقودها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مواقع ثلاثة تشتبه الأخيرة بأنّ نشاطات نووية جرت فيها. هنا بيت القصيد.

في الرد الإيراني على الأجوبة الأميركية التي أرسلها الإتحاد الأوروبي، تأكيد على أنّ إقفال هذه التحقيقات هو بحد ذاته جزءٌ من الضمانات التي تسعى لها طهران للتوصل إلى اتفاق نووي. ما تريده طهران هو سحبُ هذا الملف من التداول، لأنّها تعتبره مسيّسًا ومدفوعًا من قبل إسرائيل. تريد تسويةً تشبه تلك التي سبقت الاتفاق النووي في العام 2015، والتي شهدت إغلاق الوكالة لبند البعد العسكري للاتفاقية النووية.

سيكون اجتماع الوكالة الدولية يوم 12 أيلول/ سبتمبر مؤشرًا حقيقيًا على اتجاه الأمور بالنسبة للاتفاق، وفيما تستبعد مصادر عديدة إدانة إيران بعدم التعاون مع المفتّشين كما كان الحال في حزيران/ يونيو الماضي، فإن أية إدانة قد تزيد الأمور تعقيدًا على الضفّة الإيرانية، حيث ستسعى طهران مباشرةً وكما سابقًا إلى خطوات نووية جديدة ستدفع من دون شك برنامجها خطوات إلى الأمام، وكامل العملية التفاوضية إلى نقطة الصفر التي تعني في قاموس المفاوضات درجة الغليان.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: