الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 أغسطس 2022 11:30
للمشاركة:

هل أصبحت الجامعات الحكومية في إيران للأغنياء فقط؟

الامتحان الوطني للقبول في الجامعات أو كما يُسمّى في إيران "كُنكور"، أصبح كابوسًا يطارد طلاب المدارس ويشتد تأثيره عليهم وعلى ذويهم كلما اقترب التخرّج من الثانوية، وذلك لأن النجاح فيه بات مقرونًا بالقدرة الاقتصادية للعائلات. ومن جهة أخرى، تطارد الاتهامات النظام التعليمي في إيران لجهة المساهمة بشكل كبير بصناعة "مافيا الكنكور" في البلاد.

تتمثل هذه الـ “مافيا”، حسب المطلعين بمؤسسات خاصة تقدم نفسها على أنها تساعد الطلاب الذين يشاركون في دوراتها على النجاح في هذا الامتحان “الصعب”. ويعتقد خبراء بأنّ الامتحان يجب أن يكون أسهل، ولكن المؤسسات التي تقدم كتب ودورات إضافية إلى المدارس تضغط على وزارتي التعليم العالي والتعليم والتربية ليبقى الامتحان بهذه الصعوبة التي تجعله من الأصعب في العالم. وهنا يكمن “ضعف” الوزارتين المعنيتين في مواجهة الضغوط الخارجية التي تؤدِّ إلى صنع “مافيا الكنكور” وتجعله كابوسًا على الأجيال المقبلة.

مافيا الكنكور

في العقود الأخيرة، أصبح امتحان القبول أحد الاهتمامات الرئيسة للعائلات والطلاب الذين يضطرون في نهاية المرحلة الثانوية إلى المنافسة في اختبار صعب للقبول في أفضل الجامعات والمجالات المفضلة لديهم. وتسبب الحجم الكبير للطلاب وقلة عدد المقاعد الجامعية بدخول عدد قليل من المرشحين إلى الجامعة، وجزء كبير منهم إما يذهبون إلى الخدمة العسكرية وهم محبطون ثم يلجأون إلى الأعمال الحرة، أو يتأخرون في امتحان القبول لمدة عام آخر ويعيشون ظروفًا عصيبة مرة أخرى.

بحسب نقد وجهته وكالة “إرنا” التابعة للحكومة أنه يمكن أن يكون إلغاء امتحان القبول، الذي تم تنفيذه لسنوات في الدول الأوروبية والأميركية، أحد أهم الحلول لإزالة هذا القدر من القلق والتوتر على العائلات والطلاب؛ وهذا القرار يتطلب بالتأكيد إرادة وطنية، وقد اقتُرح أيضًا من قبل أعضاء البرلمان في السنوات الأخيرة، لكن بعض المحللين يعتقدون بأن العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية التي تحقق مداخيل ضخمة من بيع الكتب التمهيدية وإقامة الدورات التعليمية تمثل المعارضة الأساسية لهذا المشروع.

وفق المصدر نفسه، فإن دراسة آراء الطلاب المشاركين في امتحان القبول وعملية إجرائه ودرجة الصعوبة ومعدل قبول طلاب المدارس الخاصة والمدارس الحكومية تبيّن أن عدم المساواة التعليمية مع وجود مافيا الكنكور له دور كبير في خلق أزمة في هذا المجال.

تفوق التعليم الخاص

كشف إعلان نتائج الامتحان الوطني للقبول في الجامعات في عام 2019 عن حقيقة مريرة وصادمة لتحديات النظام التعليمي في إيران، حيث لم يكن أي طالب في المدارس الحكومية من بين الذين تم قبولهم في امتحان القبول الوطني بمرتبة تقل عن 1000(أي أن ترتيبه أقل من 1- 1000 من مجموع مليون و500 ألف طالب متقدم). وأظهر هذا الأمر أنه على الرغم من تأكيد دستور البلاد على تمتع جميع أفراد المجتمع بالتعليم المجاني والجيد، فقد أصبح الدخل والمنطقة الجغرافية والطبقة الاجتماعية أحد المعايير الرئيسة للحصول على تعليم جيّد، لأن توفر ما سبق يسمح للطالب بتلقي تعليم في المدارس الخاصة التي تظهر الاحصائيات أن طلابها هم من يتمكنون من الحصول على جامعات جيدة.

وتكرر هذا الأمر في السنوات التالية أيضًا، حيث كانت حصة المدارس الحكومية شخصًا واحدًا أو شخصين فقط في قائمة المراتب دون الألف. كما شهد هذا العام تكرار نفس النتائج بين المقبولين في امتحان القبول الوطني.

الجدير ذكره، أن الفرق الكبير بين المدارس الحكومية والخاصة في إيران حقيقة لا يمكن إنكارها. وتحدّث وزير التربية والتعليم يوسف نوري عن هذا الموضوع في برنامج تلفزيوني، حيث قال: “إن المدارس الحكومية الخاصة، مثل مدارس الموهوبين أو المدارس النموذجية، تحظى بشعبية كبيرة لدى العائلات. في هذه المدارس، نرى أن معظم الطلاب يتم قبولهم في الجامعات الحكومية الجيدة، ولكن من ناحية أخرى، هناك مدارس حكومية للأسف لا ينجح طلابها بدخول جامعات جيدة بسبب نقص الموارد البشرية الكافية والمناسبة. لذا فإن 80٪ من المراتب في جميع الفئات التعليمية مخصصة لمدارس حكومية خاصة”.

الجامعات الحكومية للأغنياء حصريًّا

حسب صحيفة “جوان” الأصولية، يعلّق الأستاذ المساعد في جامعة طهران مجيد حسيني عن الحصة الصغيرة للمدارس الحكومية في المراتب العليا للامتحان بالقول: “خصخصة التعليم الطبي وكل ما هو حيوي للناس يتسبب بظهور الفروق الطبقية. اليوم، جميع الرتب الأقل من 1000 هم طلاب في مدارس غير حكومية أو حكومية خاصة (أي مدارس ربحية). وطلاب المدارس الحكومية ليس لديهم حصة في الرتب والجامعات الجيدة. والسبب في ذلك ليس أنّ طلاب المدارس الحكومية ليسوا أذكياء، بل لأنّ طلاب المدارس الحكومية لا يملكون المال. وحتى لو كان لديهم المال، فهم يعيشون في مدن ومناطق لا توجد بها مدارس غير حكومية حتى يمكن قبول هؤلاء الأشخاص في جامعات جيدة”.

من وجهة نظر حسيني، في أي مكان تتحوّل فيه منفعة عامة مثل التعليم والعلاج إلى مكان للأعمال التجارية والرأسمالية، ستنشأ الاختلافات الطبقية. ويتابع: “كلما خصخصنا التعليم، سواء على شكل مدارس غير حكومية، أو آلاف أنواع الخصخصة الأخرى التي تتم في مجال التعليم، فقد خلقنا بالفعل عدم المساواة، وبهذا نكون قدمنا حصة أقل من التعليم الجيد لمن لديهم مالاً أقل، وهذا مخالف للدستور”.

ويرى حسيني أنّ المدارس الحكومية الخاصة لا ينبغي أن تأخذ المال من الناس، مذكّرًا بتصريح للقائد الأعلى الإيراني علي خامنئي أكد فيه أن المدارس الحكومية الخاصة التي تسمى “سَمباد” يجب أن تكون منظمة تحدد النخب. وسأل حسيني: “ألا توجد لدينا نخبة في المناطق المحرومة ومن لا يملكون المال؟ لكني لا أفهم لماذا تأخذ مدارس سمباد المال وهي منظمة حكومية؟”. وأكمل: “أدت عدم المساواة التعليمية هذه إلى حقيقة أننا شهدنا في السنوات الماضية أعلى المراتب في امتحان القبول بين طلاب المناطق المحرومة، ولكن الآن ليس من الممكن لهؤلاء تحقيق هذه المراتب”.

تعميق الفجوة الطبقية في التعليم

وتتابع الصحيفة في تحليلها أن الفجوة في نظام التعليم مع 23 نموذجًا مدرسيًا في إيران تزداد عمقًا يومًا بعد يوم؛ معظم المدارس ليست مجانية، ونتيجة لذلك لا تستطيع الطبقات الفقيرة الدراسة فيها.

بالإشارة إلى تقسيم فئات المجتمع من حيث الدخل والمستوى المعيشي إلى عشر فئات بشكل تصاعدي، فإن مدير عام مكتب تجميع وإدارة الوثائق والسياسات التعليمية والبحثية في مقرّ العلوم والتكنولوجيا في المجلس الأعلى للثورة الثقافية جلال موسوي، كان قد أشار سابقًا إلى أن 81٪ من المراتب دون 3000 هم في الأعشار الثامن إلى العاشر من المجتمع. ونحو 19٪ من المراتب التي تقل عن 3000 تنتمي إلى الفئات العشرية السبعة الباقية، و 48٪ من المراتب الأقل من 3000 تقع في العشرية العاشرة فقط. لدى القسم التقني والهندسي في جامعة “شريف للتكنولوجيا” في العاصمة طهران (تعد من أبرز جامعات إيران)، 55.1٪ هم فقط من العشر العاشر. ثم على الجانب الآخر، يحتل العشر الأول صفر بالمائة، وللعشر الثاني ثلاثة أشخاص فقط في قسم الهندسة في جامعة “شريف”. بينما يحتل العشر العاشر 351 مقعدًا، وهذه الفجوة كبيرة جدًا، وفق موقع “انتخاب”.

بدورها نقلت وكالة “إرنا” التابعة للحكومة، عن أمين سر المجلس الأعلى للثورة الثقافية سعيد رضا عاملي تأكيده أنّ 84 % من الحاصلين على المراتب دون 3000 ينتمون إلى الأعشار الثلاثة الأولى من الدخل، وأضاف: “نحو 86 % من المقبولين في مجالات الطب وطب الأسنان والصيدلة ينتمون إلى الفئات العشرية الثلاثة الأولى، وحصة الفئات العشرية السبعة الأخرى 14 % فقط”.

ترك الرياضيات

بحسب إحصائيات نشرتها وكالة “فارس”، فإنّ مليونًا و486 ألفًا و220 شخصًا شاركوا في امتحان القبول عام 2022 . 38.6٪ من الممتحنين هم من مجموعة العلوم التجربية، تليها مجموعات العلوم الإنسانية واللغات الأجنبية، الفنون والرياضيات. ومن حيث عدد الممتحنين في الامتحان في هذا العام مقارنة بالعام السابق، هناك زيادة في عدد المرشحين بمقدار 63 ألف شخص، والزيادة الرئيسية في مجموعة العلوم الإنسانية حيث ازدادوا 42 ألفًا و 18 طالبًا.

كما زاد عدد مجموعة العلوم التجربية بمقدار 19567 شخصاً في الاختبار الوطني لعام 2022، وبلغ العدد الإجمالي للمشاركين لاختبار هذه المجموعة 574751 شخصًا. وبالنظر إلى إحصائيات الحضور لمشاركي امتحان القبول في المجموعات المختلفة، نجد أن مجموعة الرياضيات معزولة، حيث تحتل المرتبة الأخيرة في اهتمامات مشاركي امتحان القبول. وتظهر نفس الإحصائيات أنّ مجموعة العلوم التجربية لا تزال جذابة لمشاركي امتحان القبول، كما تطهر عودة القبول المتزايد للعلوم الإنسانية، والتي يمكن أن تشير إلى مستقبل جيد لهذه المجموعة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: