الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 يوليو 2022 22:17
للمشاركة:

مذكرات شمران في لبنان 2: اندفاع للقتال و”استغلال” الأحزاب اليسارية للحرب

يبرز من خلال كتاب "مذكرات الشهيد الدكتور مصطفى شمران في لبنان" مدى تأثّر شخصية هذا الرجل بما عايشه من أحوال الطائفة الشيعية في هذا البلد، وتحديدًا في المنطقة الجنوبية منه، حيث لا يغيب عنه في خطاباته سرد أحداث كثيرة تعرضت لها هذه الفئة من المجتمع اللبناني.

ومن خلال دور شمران المساعد للسيّد موسى الصدر في لبنان، تمكّن الرجل من الغوص عميقًا في واقع الطائفة الشيعية، ومعايشة كل الخطوات التي قام بها الصدر من أجل تغيير هذا الواقع إلى الأفضل.

على سبيل المثال، وُكّل شمران بالإشراف على معهد مهني في مدينة صور الجنوبية، استطاع عبر ذلك أن يخرّج أعدادًا كبيرة من الشبان المتقنين لعدد من المهن، كما يشير شمران إلى أنّه عندما كان هذا المعهد يعلن عن حاجته لمعلّمين كان يصله طلبات من أساتذة من كل المنطاق والطوائف في لبنان، بل حتى أنّ بعض الطلبات كانت من أوروبا.

ومما يرويه شمران عن تجربته في تلك المدرسة هو التحاق بعض التلاميذ في صفوف القتال ضد القوات الإسرائيلية على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وكيف أنه اضطرّ في أحد الأيام لتوبيخ أحد الآباء الذي كان يأتي شاكيًا ترك ابنه صفوف الدراسة لبعض الوقت للالتحاق بالجبهة، حيث أنّ هذا الشاب كان من بين الشبان الذين يصرّون على قرار القتال رغم رفض أهلهم وإدارة المعهد لذلك.

وبحسب شمران، كان هذا النوع من الأحداث يغضبه كثيرًا، حيث كان يرى لدى هؤلاء الشبان شجاعة وإيمانًا أكبر مما يملكه الآباء، الذين يصفهم بأنهم غير مدركين لأهمية ما كان يقوم به الأبناء.

ومما يظهر في صفحات كتاب المذكرات، امتعاض وزير الدفاع الإيراني الأسبق خلال فترة تواجده في لبنان من تخلّي بعض المجموعات الفلسيطينية عن القتال، حيث يروي أنّ بعض الفلسطينيين أعطوا سلاحهم لتلامذة المعهد المهني وغادروا المنطقة هربًا من المعارك.

من جهة أخرى، يركز شمران في كلامه عن لبنان على بعض المجازر التي حصلت في بعض القرى الجنوبية، فيشير مثلًا إلى أنه في الفترة التي حصلت فيها مجزرة دير ياسين المعروفة داخل فلسطين من قبل الإسرائيليين، وقعت مجزرة في قرية تُدعى “صالحة” (المعروفة اليوم بكريات شمونة)، حيث تم جمع 86 رجلًا في وسط البلدة خلف المسجد وإعدامهم جميعًا، وبعدها نُقلت الجثامين إلى داخل المسجد وتم إحراقها وهدم المسجد عليها، في حين كانت النساء والأطفال يشاهدون ما يحصل أمام أعينهم.

كردستان ولبنان

وفي معرض كلامه عن أحوال الطائفة الشيعية في لبنان من جوانب مختلفة، يلاحظ شمران تشابهًا بين نهج الأحزاب اليسارية في هذا البلد وتلك التي في منطقة كردستان داخل إيران لجهة استقطاب الشباب إلى صفوف هذه الأحزاب.

وهنا يقول: “لقد كان نفس هذا الأسلوب موجودًا ضد الثورة الإسلامية في كردستان إيران. هناك ومن خلال تجربتي السابقة في لبنان، استطعت أن أُدرك كيف أنّ حزب دمكرات وحزب كوملة وغيرهم من الأحزاب استطاعوا أن يستطقبوا أشخاضاً من كردستان إلى صفهم. أنظروا كيف استطاعوا فعل ذلك. لقد قاموا بنشر الشائعات بين الناس بأنّ الجيش يريد استهداف قراكم وتدميرها. وعليه كان يقوم الشباب الكردي المستضعف بترك قريته وزوجته وأطفاله ويذهب إلى الجبال”.

ويضيف: “ماذا يفعل هذا الشاب الفقير الذي لا يملك طعامًا ولا سلاحًا هناك؟ وكيف يحمي ويدير شؤون حياته وعائلته؟ عندها تأتي إليه الأحزاب وتقول له نحن حاضرون كي نمدّك بالسلاح حتى تحمي عائلتك. كما أننا نعطيك ما يكفيك من الأموال والطعام والشراب حتى تكمل حياتك براحة أيضًا. وعليه يمضي هذا الشاب بكل ما يملك لكي بيع نفسه لهذا الحزب، ويقوم الحزب بعد ذلك بسحب هؤلاء الشبان الكرد من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب حتى يصبحوا مضطرين للوقوف قبالة الدولة والجيش. هذه هي تكتيكات الأحزاب اليسارية في جميع أنحاء العالم، وهذا هو دأبهم وديدنهم، غير أنه لم يكن بالأمر الجديد علينا في كردستان”.

ويتهم شمران في معرض كلامه الأحزاب اليسارية في لبنان بقبض أموال على كل عنصر لديها يُقتل في المعارك من الدول الداعمة لها، مما كان يشجع هذه الأحزاب على الدفع بالشباب غير المدرّب إلى الجبهات ليُقتل هناك بعد مدة قصيرة.

وفي هذا الإطار يروي شمران القصة التالية:

“سأبيّن لكم شيئًا مدميًا ومؤلمًا تدمع له عين كل إنسان منصف ومحق. إنّ هذه الأحزاب اليسارية تأخذ من دولها التابعة لها تعويضًا عن كل القتلى الذين يسقطون شهريًا في صفوفها. أي إنّ حزب البعث على سبيل المثال إذا سقط له هذا الشهر 200 قتيل يأخذ تعويضًا بقيمة 20 مليون ليرة لبنانية، وإذا سقط 300 قتيل تزيد قيمة تعويضه.

لقد كنت في منطقة الشياح في الجنوب الشرقي لمدينة بيروت، وهي أكثر منطقة عانت من المصائب التي حلّت على الشيعة، في مقرّ حركة المحرومين هناك. جاء شاب شيعي إلينا وقال: إنّ منزلي يقع في مكان خطر.

كان يريد سلاحاً كي يحمي عرضه وشرفه ويدافع عن والده ووالدته، إلا أنّ حركة المحرومين كانت فقيرة ولم يكن عندها من السلاح ما تدفع به إلى أحد من الناس. لم يكن هناك من دولة تقف وراءهم وتدافع عنهم. فما كان من القيادة هناك إلى أنّ ردّته خائباً حيث أجابوه: أيها الأخ العزيز، نحن لا نملك سلاحًا لنعطيه لنعاصرنا، فكيف يمكننا أن نعطيك أنت سلاحًا؟

قام هذا الشاب بعد ذلك بالذهاب إلى الحزب الشيوعي على الفور حيث كان مكتبهم يبعد عنا 20 مترًا، فأعطوه على الفور كلاشينكوف ولم يسألوه إذا تدرّب مسبقًا على القتال أم لا، وقاموا بإرساله إلى أصعب وأحلك وأخطر جبهات الحرب حينها. لقد كان في منطقة الشياح محور باسم شارع أسعد الأسعد استشهد فيه خيرة مقاتلينا. وللأسف أرسلوا هذا الشاب الأمّيَّ الذي لم يكن ليعرف كيق يستخدم سلاحه إلى هذا المحور، وقُتِلَ بعد خمس دقائق هناك”.

مذكرات شمران في لبنان 1: “أنا الآتي من جبل عامل”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: