الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة22 يوليو 2022 21:58
للمشاركة:

الحجاب في إيران.. قضية سياسية لا قضية دينية

رأت الباحثة والأستاذة في جامعة طهران صديقة شكوري راد أنّ القطبية الثنائية الحالية في ما يتعلّق بالحجاب ستجرّ المجتمع الإيراني إلى انقسامات عميقة، مؤكدة أنه لن ينتج عن ذلك سوى الدمار والتطرّف. كما دعت شكوري راد لتوظيف الوسائل الإعلامية والفنية والثقافية للترويج للحجاب، وذكّرت بأنّ الترويج لموضوع ثقافي يتم من خلال اللغة والأدوات المناسبة.

وفي ما يلي، يقدّم موقع “جادة إيران” ترجمة لأبرز ما جاء في حوار الباحثة صديقة شكوري راد مع صحيفة “اعتماد” الإصلاحية:

لأسباب مختلفة، أصبحت قضية الحجاب قضية سياسية في إيران، ممّا يجعل من الصعب اتخاذ قرار حكيم بشأنها. وأصبح نوع خاص من الحجاب (أي العباءة الفارسية السوداء) رمزًا في البلاد لإظهار الطبيعة الإسلامية للمجتمع.

في الحقيقة، يرتبط تميُّزُ إيران بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية بهذا النوع من الحجاب، ويعتقد المسؤولون في البلاد بأنّ أي نوع من التغيير في هذا الوضع يعني تغيير الهيكل السياسي بأكمله، في حين تغيب مثل هذه النظرة في كثير من الدول الإسلامية الأخرى، حيث لا يلعب الحجاب أي دور سياسي في المجتمعات، وحيث يُسمح للأجانب بارتداء الزي الذي يرغبون به.

ويُظهر الواقع الاجتماعي والتجارب السياسية والتاريخية لجميع المجتمعات أنه لا يمكن إضفاء الطابع المؤسساتي على الوضع الثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي من خلال الإكراه والأوامر والتوجيهات. وحتى علماء الاقتصاد يؤكدون أنّ الأسواق لا يمكن التحكّم بها عن طريق التوجيهات والأوامر والقوة.

بناءً على ذلك، عندما لا يمكن السيطرة على الأسواق كنظام بيئي بالقوة والتوجيهات، فمن الطبيعي ألا يُجبر الفضاء العام لمجتمع حي على فعل شيء بالقوة.

ومن الجدير ذكره هنا إنّه في تاريخ إيران المعاصر هناك العديد من الأمثلة لفشل السلوكيات السلبية للفئات الثقافية. إذ سعى الشاه رضا بهلوي إلى أخذ إيران على طريق التطوّر والحداثة والصناعة بخلع الحجاب عن رؤوس النساء، ونشر الضباط في كل الميادين والأزقة لمنع النساء من ارتداء الحجاب والترويج للملابس التي يريدها، ولكنه فشل في ذلك. من جهة أخرى، ما نشهده اليوم، أي الترويج للحجاب عن طريق السلوك السلبي وإجبار النساء، هو الوجه الآخر لذات العملة.

ويشير البعض إلى أن السلامة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال حجاب المرأة، لكنني لا أتفق مع هذا الرأي أبدًا. لا ينبغي النظر إلى السلامة الاجتماعية على أنها تعادل حجاب النساء. لا شك بأنّ كلّاً من النساء والرجال يلعب دورًا في سلامة المجتمع، ومؤشرات الحجاب الإلزامي تؤكد على ضرورة إصلاح الأساليب.

لقد مرّ 44 عامًا على الثورة في إيران، وأصبحت العديد من فتيات جيل الثورة (مثلي وأقراني) محجبات منذ الثورة، وما زِلنَ كذلك. لكن الكثير من الفتيات اللواتي وُلِدْنَ بعد الثورة لا يؤمنن بالحجاب. وهذا يعني أنّ الأساليب القاسية والإلزامية تسبب تكوين المقاومة. حتى في العديد من العائلات المتديّنة، نرى فتيات يعارضن الحجاب. وهذه هي الطبيعة البشرية، تقاوم الإكراه.

فلو انتشرت ثقافة الحجاب بشكل صحيح منذ بداية الثورة، واستُخدمت الوسائل الإعلامية والفنية الناعمة بدلًا من الإكراه، لما كان المجتمع على هذا النحو اليوم. لقد تم تقديم المناهج الإجبارية بطريقة لم تكن موجودة حتى في زمن النبي، ولم يتم التعامل مع قضية الحجاب آنذاك على هذا النحو.

المشكلة هي أنّ الحجاب تحوّل من مسألة عقائدية إلى قضية سياسية. ويشعر الناس أيضًا، عن حق أو خطأ، بأنّ النظام ينوي الترويج لشكل معيّنٍ من الحجاب من خلال الأوامر والتوجيهات والغرامات. لكن يجب أن تتحوّل البيئة الإعلامية والعلمية للبلاد إلى مشهد من الآراء المتضاربة. ويجب على علماء العلوم الدينية وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم مناقشة وتبادل الآراء في هذا الصدد.

وقد تسببت هذه النظرة السياسية المتطرفة بعدم تمكّن بعض النساء المؤهّلات من العمل في مجالات الإدارة رفيعة المستوى. إذ لا يمكن للمرأة أن تدخل المجال السياسي والإداري للبلد بسبب إيمانها الخاص بالحجاب، وهو ما لا تعتقد به بعض التيارات الحاكمة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ غالبية الفتيات والنساء الإيرانيات يؤمِنَّ بالحجاب، ويعارضْنَ وجهات النظر المتطرّفة، كما أنّ الحجاب يعود إلى العادات والأعراف.

أتذكّر من السنوات الأولى للثورة قصة رويت لنا عن أنّ إحدى الإيرانيات عندما التقت بالإمام الخميني وكانت ترتدي تنورة وجوارب من لون الساقين وغطاء رأس صغير، وسألته: “هل هذا الحجاب مقبول؟”، فأجاب الخميني: “نعم، هذا الحجاب كامل”.

فإذا سُمح للنساء الإيرانيات بارتداء الملابس بناءً على معتقداتهن وعادات المجتمع، فلا شك بأنّ المجتمع سيكون أفضل في بعض الجوانب. وحتى في الدول الغربية، يختارون الملابس على أساس العرف في أماكن مختلفة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: