الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة22 يوليو 2022 21:44
للمشاركة:

قراءة في تاريخ العلاقة بين إيران وتركيا.. هل يسيء أردوغان لطهران في المنطقة؟

ناقشت صحيفة "شرق" الإيرانية سبب برودة العلاقات بين إيران وتركيا في السنوات الست الماضية، منذ محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حزيران/ يونيو 2016، حتى زيارته الأخيرة إلى طهران، مع الأستاذ الجامعي ومحلل القضايا الدولية أحمد نقيب زاده.

وفي ما يلي، يقدّم موقع “جادة إيران” ترجمة لأبرز ما جاء في حوار أحمد نقيب زاده مع “شرق”:

إنّ تركيا هي إحدى القوى الثلاث في المنطقة، إلى جانب إيران والسعودية، التي لعبت وستظل دائمًا تلعب دورًا مهمًا في تنمية الشرق الأوسط، وبالتالي فالسياسة الخارجية الإيرانية ليست النقطة الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا، وليس من المفترض أن تتصرف الأخيرة في المنطقة على أساس ما يخدم مصالح طهران.

لقد أكدتُ مرارًا على الدور المدمّر والسلبي لتركيا ومخالفة سلوك أردوغان بكل أبعاده ومستوياته لمصالح إيران. سلوك أردوغان أخطر على البلاد من سلوك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت، لكن الأهم هو معرفة سبب هذا الضعف الدبلوماسي لإيران مع هذا الأداء الخاطئ في السياسة الخارجية التركية، ولماذا تسكت ايران عن سلوك تركيا وعملها المضرّ بالمصالح الإيرانية في كل مكان، حتى أنّ هذا الضعف أعطى تركيا الشجاعة للوقوف ضد مصالح إيران وأمنها.

كذلك، فإنّ الواقع الاقتصادي والسياسي في الداخل التركي يدلّ على أنّ أنقرة تتصرف بناءً على مصالحها الخاصة وليس مصالح إيران، فهي ليست في وضع اقتصادي جيد. لذلك، لكي يتمكّن أردوغان من تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي لبلاده والهروب من أزمة التضخم، فإنه يستعين بالسياسة الخارجية، وهنا من الضروري تحسين العلاقات مع الجيران، وخاصة الدول المهمة والرئيسية مثل السعودية وإسرائيل، لكن ليس إيران.

لقد دعمت طهران الرئيس التركي خلال محاولة الانقلاب عليه عام 2016، واتخذت خطوات عملية بات على أثرها لأردوغان نظرة إيجابية تجاهها، لكنه في المقابل وفي الحرب السورية يقف الرجل ضد من دعمه، وقد أدى سلوكه ومواقفه وأفعاله، من سوريا إلى كاراباخ، وبناء السدود وغيرها من القضايا الثنائية وحتى متعددة الأطراف، إلى إعادة الوضع إلى ما قبل عام 2016، بل وحتى أسوأ.

إنّ تركيا، إيران والسعودية هي ثلاث جهات فاعلة رئيسية في تطورات منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني أنّ أي تغييرات وتحوّلات في غرب آسيا مرتبطة بدور هذه الجهات الثلاث. والنقطة المهمة هنا هي أنه مثلما نشهد حربًا بالوكالة بين إيران والسعودية في المنطقة، فإن حربًا مفتوحة وسرية تدور أيضًا بين تركيا وإيران. معركة تمتد إلى ما وراء حدود البلدين، من سوريا إلى كاراباخ وجنوب القوقاز والعراق. لهذا السبب، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين البلدين واستعادتها إلى حد ما بعد محاولة الانقلاب عام 2016، إلا أن هذه المعركة المفتوحة والمخفية والمصالح المتضاربة للطرفين لا تسمح بتشكيل روابط عميقة بينهما.

والنقطة الأهم التي يجب الإشارة إليها هي معيار “غرور وطموحات” أردوغان، لا سيما في مجال السياسة الخارجية، والتي كان لها تأثير مباشر وهدّام على علاقات تركيا مع إيران في السنوات التي تلت محاولة الانقلاب، لذلك فإنّ الخطر التركي لا يقل عن الأخطار الآتية من سياسات السعودية، إسرائيل والسعودية.

ضعف دبلوماسي

إنّ الضعف الدبلوماسي الإيراني الناجم عن عدم إحياء الاتفاق النووي، وعدم إلغاء العقوبات وعدم وجود فهم عميق للصديق والعدو، جعل تركيا تطمع باستغلال العلاقات مع إيران من أجل مصالحها الخاصة، أي أن أردوغان عمليًا جعل طهران ورقة رابحة بيده ضد لاعبين إقليميين آخرين، كإسرائيل، السعودية، البحرين، الإمارات، مصر، الولايات المتحدة أوروبا، وهو يسيء استغلال علاقاته مع إيران من أجل تسجيل نقاط في مقابل هذه البلدان، وهذا ذكاء وعبقرية لأردوغان من أجل تحقيق مصالحه الشخصية والمصالح الوطنية لتركيا.

وهذه الإستراتيجية هي السبب الذي يجعل تركيا تحاول استخدام ورقة العلاقات شبه المغلقة مع طهران لمصالحها الخاصة ضد الرياض، تل أبيب وواشنطن. ومن هذا الجانب تعمل على أساس مصالحها في الحرب السورية أو التطورات في كاراباخ وجنوب القوقاز والعراق؛ حتى في قضايا مثل البيئة وبناء السدود، فإنها لا تولي اهتمامًا لمخاوف العراق، سوريا وإيران.

وبالعودة إلى الدفاع عن أردوغان عند حصول الانقلاب، فهناك أسباب عديدة لذلك. أولها إنّ حكومة أردوغان كانت الحكومة الشرعية في تركيا، كذلك فالسبب الأكثر أهمية يعود إلى شخصية فتح الله غولن الذي له آراء ومعتقدات أكثر تطرّفًا منآراء ومعتقدات أردوغان في معارضة الجمهورية الإسلامية والأمة الإيرانية.

من هنا، لا أعتبر المواجهة بين إيران وتركيا خطيرة للغاية. لأنه في ظل العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين ومراعاة لمتطلبات وظروف المنطقة، وكذلك مراعاةً لمصالح وأهداف الجانبين، فلا بد من استمرار العلاقات والحفاظ عليها، لكنها ستبقى في حالة “الجمود” والاستقرار هذه، أي أنه لا يبدو أنّ هناك أملًا بعلاقات إستراتيجية، ولا يمكن القول إنّ الوضع سيُصبح خطرًا وحرجًا ومعقّدًا ليؤدي إلى قطع العلاقات ومواجهة شاملة، أو حتى شن حرب بالوكالة، مثل علاقات إيران مع السعودية أو الولايات المتحدة.

رغم أننا في أوقات مثل الحرب السورية وحاليًا في العراق أو إقليم كردستان نشهد مواجهة بالوكالة بين الدولتين، لكنّ هذه المواجهة لم تؤد إلى قطع العلاقات، بل باتت تشكل غموضًا دبلوماسيًا وسياسيًا، وهو أمرٌ طبيعي، لكن في النهاية سيستمر الوضع في نفس المسار.

زيارة طهران

وتأتي زيارة أردوغان إلى طهران لأنّ تركيا تحاول الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع إيران، لتسجيل نقاط ضد إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة والأوروبيين.

وخلال رحلة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا، تم اقتراح خطة لتطوير العلاقات على شكل وثيقة تعاون إستراتيجي بين البلدين. وهذه مزحة دبلوماسية وإطراء، أو بالأحرى لعبة سياسية، بهذه المجاملات السياسية وهذه العقود تحاول تركيا إبقاء إيران في جبهتها من أجل الاستفادة القصوى من ورقة العلاقات الرابحة مع طهران ضد الرياض، واشنطن وتل أبيب.

لكن بعد الحرب في أوكرانيا وخطوة روسيا بالانسحاب من سوريا، واستبدال القوات الروسية بالجيش السوري والقوات الإيرانية، ظهر قلق خطير لأردوغان شخصيًا. ولهذا السبب، حتى لو عُقد اجتماع بين رئيسي، بوتين وأردوغان في إيران وقدمت طهران وموسكو ضمانات لأنقرة، فإن أردوغان سيضع بالتأكيد الهجوم على حلب على جدول أعماله، لأن الاجتماعات السابقة لمحور أستانا لم تتمكن من منع احتلال تركيا السابق والعمليات المتكررة للجيش التركي داخل أراضي سوريا والعراق. كذلك لا تتساهل مع روسيا، سوريا أو إيران أو أي دولة أخرى في ما يتعلّق بقمع الكرد في سوريا، فضلًا عن الدعم الكامل للقوات الإرهابية التابعة لها، مثل الجيش الحر أو جبهة النصرة.

كذلك فمن المؤكد أنّ تركيا ستستغل بأكبر قدرٍ ممكن الفراغ الذي ستتركه روسيا في سوريا بعد انشغالها في أوكرانيا؛ لذلك، فلن يؤثر لقاء محور أستانا في طهران واجتماع أردوغان مع رئيسي وبوتين على سياسات تركيا تجاه سوريا.

وبشأن القضية البيئية، لن يتراجع أردوغان عن خططه لبناء السدود في تركيا، وسيتابعها بجدية أكبر لأنّ بلاده تبحث عن أهداف رئيسية عدة من قضية المياه. أولها إيجاد تغييرات جيوسياسية من هذه السدود. ثانيها استخدام المياه كأداة ضغط على طهران، دمشق وبغداد لمصالحها الخاصة. كذلك لتركيا أهداف اقتصادية تشمل بيع المياه لإسرائيل ودول الخليج العربي الأخرى.

لذلك، فإنّ أردوغان – لأسباب أمنية ودفاعية – وكذلك لمصالح دبلوماسية وأيضًا بسبب القضايا الاقتصادية الناجمة عن بيع المياه لإسرائيل، لن يقوم بتعديل سياسات بناء السدود بأي شكل من الأشكال، ولن يقتنع بالكف عن هذا الطريق الذي سلكه.

في السياق نفسه، إنّ فوز أردوغان في الانتخابات مرة أخرى بأصوات أقل، لن يجعله في موقف أضعف أو مفيد لإيران، إنما هي مسالة داخلية، لكن فوزه يعني أنّ أردوغان هو رئيس تركيا ويمكنه اتباع نفس السياسات تجاه إيران والمنطقة والعالم، وهو بالتأكيد سيفعل ذلك.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: