الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 فبراير 2019 23:08
للمشاركة:

محمد جواد ظريف: مهندس الدبلوماسية الإيرانية الناعمة

جاده إيران- رأفت حرب

ليس سهلًا أن تنال ثقة حسن روحاني وإعجاب هنري كسنجر. محمّد جواد ظريف فعلها. صاحب التجربة الدبلوماسيّة الطويلة، مهندس الاتفاق النوويّ، الجدليّ في إيران والنشيط خارجها.

كثيرة هي المحطّات اللافتة في حياة محمّد جواد ظريف. من أميركا بدأ تجربته في السلك الدبلوماسيّ، قائمًا بأعمال السفارة الإيرانيّة في ظروف شديدة الصعوبة أعقبت انتصار الثورة. كان ظريف من أوائل الملتحقين بالسلك الدبلوماسي لبلاده بعد سقوط نظام الشاه، حيث افتقدت الدبلوماسيّة الإيرانيّة آنذاك الكوادر متخصّصة.

دراساته الأكاديميّة كانت في أميركا أيضًا، وكذلك قسم من حياته مع عائلته. في كتابه “سعادة السفير” يروي ظريف قصّة عن تلك المرحلة التي شهدت معاناة كبيرة، لدرجة أنّه كان يمثل بلاده في اجتماعاتٍ دبلوماسيّة عديدة، في حين أن حكومة بلاده لم تكن قد ثبّتته رسمياً كموظّف في سلكها الدبلوماسيّ بعد. خلال إحدى الاجتماعات في الأمم المتحدّة أوقفه حارس القاعة، ولم يكن في جعبة ظريف سوى بطاقة “سائق” رغم أنّه كان يحمل حزمةً كبيرة من الملفات. كان الحارس متساهلًا فسمح له بالدخول “لتسلّم الأغراض لرئيسك بشرط أن تخرج بسرعة”.

ارتقى ظريف بعد ذلك بسرعة في سلّم المراتب الدبلوماسيّة، حتى بات سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة. فُتح الباب واسعًا أمامه، فشهدت مختلف البعثات الدبلوماسيّة نشاطه غير العادي، إلى درجةٍ أثر معها إعجاب وزير الخارجية الأميركيّ الشهير هنري كسنجر، الذي كتب لظريف في إهداء أحد كتبه: ” إلى عدويّ الذي يستحقّ الاحترام، محمّد جواد ظريف”.

مختلفًا عن صورة إيران الإيديولوجيّة في العالم، لعب ظريف على أوتار دبلوماسيّته. فكان له دور مشهود في المباحثات الإيرانيّة – الأميركيّة في بون الألمانيّة، ما أسهم في إنتاج نظامٍ سياسيٍّ جديد في أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان. ومع وصول حسن روحاني إلى الرئاسة عام 2013، بدأ ظريف عمله الجديد وزيرًا للخارجيّة، فأسّس لسياسة الانفتاح على الغرب انطلاقًا من عنوانٍ أعلنه روحاني خلال حملته الانتخابية، بهدف استثمار هذا الانفتاح في تحسين الوضع الاقتصاديّ الإيرانيّ. نقل ظريف ملف التفاوض في الملف النوويّ الإيرانيّ من مؤسسّات عدّة إلى وزارة الخارجيّة. ترأس وفود بلاده في المدن الأوروبيّة، ونسج بقدراته التواصليّة علاقةً جيّدةً مع مسؤولين غربيين، كان أبرزهم وزير الخارجيّة الأميركي الأسبق جون كيري، ولم يكن مستغربًا أن ينادي الوزيران بعضهما بالأسماء الأولى من دون تكلّف: جون وجواد.

تعدّ صورة جواد ظريف ضاحكًا عام 2015 من أبرز الصور المرتبطة بالمفاوضات النوويّة. في تلك الأيام أثمرت جهود ظريف وفريقه في توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول مجموعة الخمسة زائدًا واحدًا، بما يضمن الاعتراف الدوليّ بحقّ إيران في الطاقة النوويّة السلميّة، مقابل تعهّدها بعدم تطوير أسلحةٍ نوويّة. شكّل الاتفاق فرصةً كبيرةً لإعادة تفعيل التواصل الأميركيّ الإيرانيّ، فكان أن رفعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عقوبات اقتصاديّة فرضت على إيران لعقود سابقة، كما استعادت إيران بموجب هذا الاتفاق، قسمًا من ملياراتها المجمّدة في البنوك الأميركيّة وقسمًا من احتياطها من الذهب.

مهندس الاتفاق النوويّ سطع نجمه دوليًا، لكنّه بقي في الداخل، ولاعتبارات السياسة الداخليّة، شخصيّة جدليّة لها مؤيّدوها الذين يبدون إعجابهم دائماً بديبلوماسيته، ولها معارضوها الذين ما انفكّوا يصوّبون على دبلوماسيّته ويعتبرونها إضعافًا لصورة إيران في المحافل الدوليّة، انطلاقًا من قناعتهم بضرورة التشدّد مع أميركا وأوروبا وعدم الوثوق بهم.

ارتفعت حدّة هذا الخلاف مع بدء عام ٢٠١٩، بسبب الجدل حول انضمام إيران لمجموعة محاربة غسيل الأموال ومحاربة الإرهاب – FATF. ففي حين دافع ظريف عن دخول بلاده إلى هذه المجموعة رفض ساسة آخرون هذا الأمر. وفيما لا يزال هذا الجدل مستمرًا، وجوهره مصلحة إيران من الانضمام للمعاهدة من عدمها، برزت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، ولقاؤه بمرشد الثورة آية الله علي خامنئي والرئيس الإيرانيّ حسن روحاني، وعددٍ من المسؤولين الذين لم يكن ظريف منهم. في هذه الظروف، فاجأ محمّد جواد ظريف العالم بإعلان استقالته عبر حسابه على موقع انستغرام، تاركًا موقعه في لحظةٍ إيرانيّةٍ حسّاسة داخليًا ودوليًا.

خطوة ظريف قرأها محلّلون على أنها تحمل رسائل للخارج والداخل معا. فاستقالته ستربك أوروبا التي اعتادت التفاوض معه، وتعرف أن الاتفاق النوويّ على المحك، وتنتظر قرار إيران للانضمام للمزيد من الاتفاقيات المالية الدولية بما يساهم بضبط نشاطها الإقليميّ. أما الداخل الذي تفاجأ كثيرًا من الخطوة، وتوقع بعض مسؤوليه رفض الرئيس حسن روحاني لطلب الاستقالة، فهو يعلم أن ظريف الذي لم يغرد بعيدًا عن سياسة بلاده رغم تبنيه خطاب الانفتاح والتقارب مع الغرب، قد لا يكون رجل المرحلة، في ظلّ توجه طهران نحو اعتماد استراتيجيّة جديدة في سوريا بالذات.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: